شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"أريد التحرّر لكنني عاجزة"... عن نساء غزة المعلّقات ضحايا الإبادة والمحاكم الموصدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في خيمة صغيرة على شاطئ بحر غزة، كانت تشعل النازحة مريم نيران الحطب لتسخين كوب من الحليب لطفلها الصغير ذي الأعوام الثلاثة، والذي يُمسك بطرف ثوبها ولا يتوقّف عن البكاء بسبب الجوع. وطفلاتها الثلاث الأخريات يدرن حولها كأنهن يبحثن عن مصدر أمان من حياة النزوح والحرب.

تعيش مريم شبات (30 عاماً)، برفقة أطفالها الأربعة، في أحد مخيمات النازحين بدير البلح وسط قطاع غزة. تعيش وحدها ودون معيل بعد أن نزحت قسراً من مدينة بيت حانون في الشمال، هرباً من نيران القصف الإسرائيلي، تاركةً زوجها خلفها، بعد أن قررت الانفصال عنه قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بعام. كانت المحاكم حتى قبل الحرب، تشهد مماطلة شديدة، إلا أن توقفها بالكامل جعل هؤلاء النساء يعشن دوامة مستمرة لا يعرفن متى تحل نهايتها.

"نجوم السماء أقرب لك من الطلاق"

"أعيش ظروفا قاسية، ويلات الحرب والقصف والتجويع من جهة، وتحمل مسؤولية أطفالي والتفكير في وضعي كامرأة معلّقة؛ لست متزوجة ولا منفصلة بشكل رسمي، من جهة أخرى. الأمر الذي يشعرني كأن حبل مشنقة يلتف على رقبتي. أريد التحرر منه، لكني عاجزة". تقول مريم لرصيف22.

سئمت مريم من حياتها الزوجية، كما تصف. فكانت تقضي في بيت أهلها أياماً أكثر من الأيام التي تعيشها مع زوجها. "كان أطفالي هم من يدفع الثمن. فاتخذت القرار الحاسم برفع دعوى تفريق للشقاق والنزاع ضد زوجي في المحكمة الشرعية في شمال غزة"، تضيف.

لست متزوجة ولا منفصلة بشكل رسمي، الأمر الذي يشعرني كأن حبل مشنقة يلتف على رقبتي. أريد التحرر منه، لكني عاجزة

وتردف: "كانت الحياة مع زوجي صعبة للغاية، كان يفتعل المشاكل دون أي سبب ويتناول حبوباً مخدرة. أحيانا كنت على وشك أن أفقد حياتي على يده من شدة العنف الجسدي والمعنوي الذي تعرضت له، لأنني كنت أنهاه عن تناول المخدرات وأخبر أهله بذلك".

رفعت مريم قضيتها في المحكمة قبل اشتعال الحرب بوقت قصير. إلا أن المحكمة تمنح هذه الحالات فرصة عام كامل، منذ لحظة رفع القضية، من أجل دراسة إمكانية الحل الودي بين المرأة وزوجها. مما يطيل أمد الفصل في قضايا الطلاق التي ترفعها النساء في غزة. فتبقى قضاياهن حبيسة أدراج المحاكم لفترة طويلة.

تضيف مريم شارحةً: "حاولت التوصل إلى حل ودي مع زوجي قبل البدء بالخطوة القانونية ورفع القضية ضده. فكان يتعنت بالرفض ويقول لي: "نجوم السماء أقرب لك من الطلاق".

وبحسب قانون الأحوال الشخصية الفلسطيني المستمد من عهد الدولة العثمانية، يستطيع الرجل إنهاء حياته الزوجية في أي وقت يشاء، وذلك بإيقاع لفظ الطلاق على زوجته. بينما تستطيع المرأة، في حال رغبت في ذلك، أن تُنهي حياتها مع زوجها فقط إذا رفعت دعوى تفريق في المحكمة. ويُمكنها ذلك في سبع حالات فقط، وهي الضرر من الغياب، والتعليق، وعدم الإنفاق، والشقاق والنزاع، والسجن، والعيب والعنة، والجنون.

نار الإبادة ونار المجتمع

بين أزقة مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، كانت بشرى تشاهد أطفالاً يلهون ويلعبون. فتتذكر طفلها جاد ذا الأعوام الستة. لا تعرف بشرى إن كان جاد يعيش بأمان أم لا، في ظل القصف المستمر. لا تعرف هل يشعر بالجوع أم بالشبع، بالدفء أم بالبرد. والبعد عن الابن في الحرب يصير أكثر مرارةً عند الأم.

حرم الزوج بشرى خلة (28 عاماً) من رؤية ابنها، على إثر رفع قضية تفريق للنزاع والشقاق قبل الحرب بعام، ولا تزال قضيتها قابعة بين دهاليز المحكمة الشرعية المغلقة. ولا تزال هي في هذا البرزخ بين الزواج والطلاق.

تقول بشرى لرصيف22: "أحيانا أشعر بالندم لأني رفعت قضية تفريق ضد زوجي. فلم أكسب شيئاً سوى لقب معلقة. اللقب الذي يلاحقني أينما ذهبت، ويشعرني بأني بتّ مثاراً للشفقة".

وتتابع: "لم ينصفني أحد. حتى القانون قاصر عن انصافي. لم أعلم أن حرباً كهذه ستأتي وسأعيش هذا القلق والخوف الشديدين على ابني البعيد، والذي أنتظر نافذة أمل تطمئنني عليه وعلى أحواله".

لم ينصفني أحد. حتى القانون قاصر عن انصافي. لم أعلم أن حرباً كهذه ستأتي وسأعيش هذا القلق والخوف الشديدين على ابني البعيد، والذي أنتظر نافذة أمل تطمئنني عليه وعلى أحواله

تؤكد بشرى النظرة المجتمعية النمطية تجاه النساء المعلّقات، قائلةً: "قالت لي إحدى النساء: حرام ما فعلته تجاه زوجك وابنك. وها أنت تعيشين وحدك الآن. لقد تسرّعت في قرارك، فنار الزوج أفضل من جنة الأهل". تُعايرني أخرى بأني غير قادرة على إعالة نفسي وتحمل المسؤولية وحدي".

الأعوام الثمانية التي عاشتها بشرى مع زوجها، تصفها بالسنوات العجاف. "كنت عرضةً للضرب والشتم والإهانة. فضلاً عن أن زوجي تهرب من مسؤولية الإنفاق عليّ وحرمني من الخروج من المنزل والتواصل مع الأقارب والأصدقاء".

ليست مريم وبشرى وحدهما تعيشان هذه الحرب اليوميّة على حريتهما وخلاصهما من وضعهما المعلّق. فثمة كثيرات ينتظرن أن تنتهي الحرب وتعود المحاكم الشرعية للعمل من جديد في قطاع غزة.

عيادات قانونية بدلاً من المحاكم

تحاول النساء المعلّقات التواصل مع مؤسسات وجمعيات نسوية، لمساعدتهن في التوسط من أجل إيجاد حلول لقضاياهن العالقة بسبب إغلاق المحاكم الشرعية في غزة. وذلك من خلال ما يسمّى "العيادات القانونية" التي تم تفعيلها خلال الحرب بهدف القيام دور بديل عن المحاكم الشرعية لحل قضايا النساء المعلقات، وقضايا الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال.

تقول سهير البابا، محامية ومنسقة العيادة القانونية في مركز شؤون المرأة بقطاع غزة، لرصيف22: "تعيش النساء، وتحديداً المعلقات واقعاً مريراً وصعباً في ظل الإبادة الجماعية. فيدفعن أثماناً مضاعفة نتيجةً لتوقف عمل المحاكم والنظر في القضايا التي فُتحت قبل السابع من أكتوبر، ولا تزال عالقة. بعض المحاكم فتحت أبوابها أمام قضايا الزواج والطلاق بالتراضي، وليس بقضايا النساء المعلّقات اللاتي يرفعن قضايا تفريق ضد أزواجهن".

تحاول النساء اللجوء إلى ما يسمّى "العيادات القانونية" التي تم تفعيلها خلال الحرب بهدف القيام دور بديل عن المحاكم الشرعية

وتشير البابا إلى أن "هنالك بعض النساء أصدرت المحكمة الشرعية قرار الحكم بالطلاق لمصلحتهن، قبل الحرب، وبقيت أمامهن بعض الإجراءات الروتينية، وهي فترة الطعن والاستئناف لتصبح مطلقة رسمياً. لكن مع بدء الحرب توقفت هذه الإجراءات وظلّت النساء معلّقات".

"من جهة أخرى، ثمة نساء لم يقمن برفع قضية طلاق ضد أزواجهن، فجاءت الحرب دون أن تكون قضاياهن مرفوعة أصلاً في المحاكم. والتي رفعتها قبل الحرب ربما مرت عليها سنوات وهي حبيسة أدراج المحاكم الشرعية، مع تراكم القضايا التي لم يُنظر إليها"، تقول مضيفةً.

أما العيادة القانونية التي تدخل في موضوع الوساطة هي لجنة مكونة من 15 فرداً منهم محامون واخصائيون، للتوسط للنساء اللاتي يرغبن بالانفصال خلال الحرب، تقول البابا.

تقوم الوساطة بالعمل كبديل عن المحاكم الشرعية، من أجل الوصول إلى الانفصال بالتراضي وحل الأزمات العالقة بينهم مقابل أن تقوم السيدة بالتنازل عن حقوقها كاملة والإبراء العام لحصولها على الطلاق، ويكون دور المحكمة الشرعية مكملاً لدور الوساطة من ناحية قانونية لتقوم بالفصل بينهما.

بنظرة عامة، توضح المحامية أن القانون الفلسطيني لا ينصف النساء، لا سيما المعلقات، وهو يحتاج إلى تعديل لأنه يلزم المرأة المعلقة الانتظار عاماً كاملاً لرفع قضية طلاق ضد زوجها، منذ أخذ قرار الانفصال بشكل رسمي.

وتختم: "التداعيات خطيرة جداً، إذ تحمّل المرأة أعباءً كبيرة وتزجها في وضع قانوني معلّق. مما يقيد حريتها ويزيد من تعرضها للعنف المجتمعي، خاصة في ظل الضغوط النفسية التي يعيشها أهالي قطاع غزة جراء ظروف الحرب القاسية والنزوح في المخيمات". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image