شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
قطعوا الحبل السريّ بالطريق... إسرائيل تمارس

قطعوا الحبل السريّ بالطريق... إسرائيل تمارس "العنف الإنجابي" ضد نساء غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 26 يناير 202409:09 ص


بدأت نور منذ أشهر حملها الأربعة الأولى، الاستعداد على قدم وساق في منزلها الصغير لتجهيز غرفة طفلها القادم بعناية فائقة من اختيار لون دهان الغرفة، إلى شكل السرير وطقوس الاحتفال بـ"السبوع"، وحتّى شراء ملابسه.

كأي أم متحمسة لاستقبال مولودها، خططت نور البسوس، 36 عاماً، لتفاصيل كثيرة، لكنها ذهبت جميعها سدىً، فلم تعد تهمها بعد أن تحولت حياتها إلى كابوس، وأصبحت أمام معركة جديدة تتمثل في كيفية استقبال مولودها في الخيمة التي نزحت إليها هرباً من نيران القصف الإسرائيلي على منطقة سكنها في حي الصبرة، شرق غزة، إلى خيم النازحين برفح جنوبي القطاع.

إسرائيل والعنف الإنجابي ضد الغزّيات

تعيش عشرات آلاف الحوامل في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، رحلةً مليئة بالمخاطر، في ما يتعلق بصحتهن الإنجابية وصحة أجنتهن ومواليدهن لا سيما من يعشن في مخيمات النزوح المفتقدة لأبسط مقوّمات الحياة. كذلك ظروف ولادتهن المعقدة التي هي أشبه بمعجزة حقيقية، في ظل تدهور الوضع الصحي وندرة الرعاية والمتابعة الصحية لأغلبهن، ما قد يعرّض الكثيرات إلى خطر الولادة المبكرة أو الإجهاض.

مسؤولة أممية: إسرائيل تمارس العنف الإنجابي ضد النساء الفلسطينيات والأطفال الحديثي الولادة والرضع والأطفال، وهذا ما يرقى إلى وصفه بأنه انتهاك لحق الإنسان في الحياة بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإلى اعتباره عمل إبادة جماعية بموجب المادة 2 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية

بعض النساء وضعن في منازلهن المحاصرة، في الشارع، في مدارس الإيواء، وبعضهن ينتابهن القلق على مصير ولادتهن ومصير مواليدهن المجهول.

إثر ذلك، حذّرت المقررة الأممية الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم من "العنف الإنجابي" الذي تمارسه إسرائيل ضد النساء الفلسطينيات والأطفال الحديثي الولادة والرضع والأطفال. وقالت إنه يرقى إلى وصفه بأنه "انتهاك لحق الإنسان في الحياة" بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وباعتباره عمل إبادة جماعية بموجب المادة 2 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وعدة مواد من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وشددت السالم على أن "أكثر من 180 امرأة تُجبر يومياً على الولادة في ظروف غير إنسانية ومهينة وقاسية وخطيرة" في القطاع المحاصر والمستهدف.

بدورها، أكدت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، تيس إنغرام، في تصريحات صحافية، أن اثنتين من الأمهات تقتلان كل ساعة، وطفلاً يولد كل عشر دقائق بواقع يناهز 20 ألف طفل ولدوا في "الجحيم" منذ بداية الحرب على غزة.

وبحسب إنغرام، فإن "الأمهات يواجهن تحديات تفوق الخيال في الحصول على الرعاية الطبية الكافية والتغذية والحماية قبل وأثناء وبعد الولادة"، ما يعرضهن "لخطر الإجهاض والوفاة ووفاة الأجنة والولادة المبكرة والصدمات النفسية"، لافتةً إلى أن الحوامل والمرضعات والأطفال الرضع يعيشون ظروفاً "غير إنسانية" في مخيمات مؤقتة ويعانون من سوء التغذية وخطر شرب مياه غير آمنة. حذرت أيضاً المتحدثة الأممية من أن هذا "يعرّض قرابة 135 ألف طفل دون سن الثانية لخطر سوء التغذية الحاد".

"قد أفقد حياتي أو حياة طفلي"

تجلس نور في خيمتها الصغيرة الممتدة على رصيف الشارع، والمغطاة بنايلون أسود اللون، في ظروف بيئية سيئة، تتفقد الملابس الصغيرة التي جهّزتها لمولودها القادم، من أحد متاجر الملابس المستخدمة والمعروفة باسم "البالة" إذ لم يتبق أمامها سوى أسبوعين أو ثلاثة على وضع مولودها.

"أشعر بقلق كبير وانقباضات بقلبي في كل يوم يقترب فيه موعد ولادتي، لكثرة ما سمعت عن حالات صعبة لنساء ولدن بالحرب في وضع صحي مزر. الهواجس زادت عندي بعدما أخبرني الطبيب بولادتي ستكون عبر عملية جراحية ‘قيصرية‘... أصبحت أتخيّل أني من الممكن أن أفقد حياتي أو حياة طفلي، كوني أعاني من سوء تغذية، ونقص بالحديد"، تقول نور لرصيف22.

في غزّة النساء "في منازلهن المحاصرة، في الشارع، في مدارس الإيواء" غير المجهّزة وحتّى "في المستشفى، النساء تلد بين الممرات، على الأرض… لا يوجد عدد أسرة كاف، ولا تخدير في أقسام العمليات الجراحية"

عادةً، تنتظر النساء، في مرحلة الحمل، بشغف معرفة جنس الجنين والاطمئنان عليه واختيار الاسم المفضل. لكن في غزة، أفقدت ظروف الحرب نور هذه التفاصيل البسيطة الممتعة وحرمتها المتابعة الصحية فترة الحمل عند طبيبها المختص، أو حتى المشافي الخاصة بالنساء والولادة كون معظمها خرجت عن الخدمة، ما دفعها إلى الذهاب لإحدى النقاط الطبية المجانية في مخيمات النزوح، للاطمئنان على حالتها الصحية وحالة جنينها، وهو أول طبيب تتابع عنده منذ أكثر من ثلاثة أشهر على النزوح.

تضيف: "أحمل هماً كبيراً تجاه مولودي؛ كيف سيعيش في خيمة لا نقدر نحن الكبار على تحمل ظروفها؟ يمكن أن يغرق من المطر، أو تأكله القوارض والحشرات، أو قد يموت من البرد! التفكير في هذه التفاصيل يتعبني جداً".

ووسط المشاعر السلبية المحيطة بنور، تشعر أحياناً ببعض الارتياح والطمأنينة، حينما تضع يديها على بطنها وتشعر بنبض جنينها وتحركه.

مخاض وحرب

بين ألم المخاض والحرب، عاشت ياسمين حمودة (22 عاماً) تجربة قاسية جداً، أفقدتها الشعور بأمومتها التي طالما انتظرتها بعد رحلة علاج من أجل الإنجاب. تقول لرصيف22: "في اليوم الـ20 للحرب، قُصِف منزل بجوارنا بعدة أحزمة نارية، كأن أبواب الجحيم فتحت علينا. نجوت أنا وزوجي من الموت بأعجوبة وهربنا مسرعين لبيت أهلي، سيراً على الأقدام، من شدة الخوف شعرت بألم مخاض، وكان الدم يسيل من بين قدمي. اعتقدت أني تعرضت لإصابة، صرت أصرخ عند وصول منزل أهلي، حاولنا الاتصال بالإسعاف لكن شبكة الاتصالات كانت مقطوعة، فاصطحبني شقيقي وزوجي للمشفى خلال عربة يجرها حيوان، وكانت الطريق متعثرة بسبب أكوام الحجارة والركام المتناثرة".

وصلت ياسمين مستشفى ناصر الطبي بشق الأنفس، وتم تحويلها سريعاً لكشك الولادة، فحالتها كانت حرجة جداً إذ تعرضت لنزيف حاد أثناء هروبها من القصف. فكان أمام الطبيب بقسم الولادة خيارين لا ثالث لهما: أن تلد مبكراً في الشهر السابع ما يعني إجهاض الجنين لإنقاذ حياتها أو خسارة الاثنين معاً. فكان الخيار الأول.

تشرح ياسمين: "خضعت للإجهاض عبر عملية جراحية بدون مخدر. كنت أعض على قطعة قماش أثناء العملية من شدة الألم، وشعرت باقترابي من الموت. الأمر أشبه بقيام أحدهم بذبحك وخروج روحك من جسدك. لم أصدق أني خرجت من غرفة العمليات حيًة أتنفس. لم أبق طويلاً على سرير الولادة، فالواقع الصحي الصعب، أجبرني على الخروج دون استكمال الرعاية الصحية اللازمة، مما عرض قطب جرح العملية ‘الغرز‘ على إثر ذلك لالتهابات شديدة ضاعفتها قلة النظافة الشخصية بسبب عدم توافر المياه والاستحمام".

"أعطتني طبيبة ملابس لطفلي ولي"

بجانب مولودها الصغير الذي لم يتجاوز عمره اليوم، في مستشفى الإماراتي جنوب غزة، تجلس النازحة نهال الملفوح (24 عاماً) في حالة إعياء شديد ووجه أصفر شاحب بينما تتحسّس جبينه. تفكر كيف بإمكانها أن تحصل على مسكنات فلا تزال تعاني من ألم بعد خضوعها عملية جراحية "قيصرية" أثناء الولادة، وكذلك توفير فوط صحية لها وحفاضات لطفلها في ظل ندرة هذه الاحتياجات الأساسية.

وفق أرقام الأمم المتحدة، "أكثر من 180 امرأة تُجبر يومياً على الولادة في ظروف غير إنسانية ومهينة وقاسية وخطيرة" أي أن 20 ألف طفل ولدوا في "الجحيم" منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة علاوة على "قرابة 135 ألف طفل دون سن الثانية معرضين لخطر سوء التغذية الحاد"

تقول لرصيف22: "ولدت في وضع صحي صعب جداً، حصلت على تخدير موضعي بجرعة قليلة جداً. الولادة كانت أشبه بالمعجزة، لأني وصلت المشفى بحالة صحية مرعبة، فولدت قبل الموعد إذ انتظرت قليلاً حتّى دخلت قسم العمليات بسبب التكدس الكبير في حالات الولادة. أعطتني طبيبة ملابس لطفلي ولي، لأني نزحت من مدينة خانيونس تحت القصف دون أمتعة".

قطعوا الحبل السري بالطريق

تشير القابلة سميرة قشطة إلى تكدّس حالات الولادة في المشفى الإمارات بسبب اكتظاظ النازحين بمنطقة الجنوب، متابعةً "نعمل بطاقة هائلة بالنسبة لنا ككوادر طبية في ظل إمكانات ضعيفة. النساء في المستشفى تلد بين الممرات، على الأرض… لا يوجد عدد أسرة كافي، ولا يوجد تخدير في أقسام العمليات الجراحية".

تقول القابلة لرصيف22: "في بعض حالات الولادة تلد النساء بالطريق أو في المركبة قبل وصولها للمستشفى بسبب التوتر والخوف والقصف حيث يقوم أحد المرافقين بقطع الحبل السري في الطريق، وعند وصول الأم ندخلها فوراً لاستكمال باقي الإجراءات الطبية للحفاظ على حياة الجنين والأم".

كذلك تؤكد زيادة أعداد الولادات التي وصلت في بعض الأيام لأكثر من 78 حالة في اليوم الواحد، ما يفوق الطاقة الاستيعابية لقسم الولادة بعدة أضعاف، لافتة أيضاً إلى وجود زيادة في حالات الولادة المبكرة والإجهاض.

وعن أصعب المواقف التي واجهتها، تختم قشطة: "جاءتني إحدى السيدات في كشك الولادة، وكانت تتوسّل إليّ وتمسك بيدي وتوصيني أن أهتم بولادة جنينها القادم بعدما استشهد أولادها العشرة ولم يتبق لها أمل سواه".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image