شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"مطعم الحبايب"… كيف تكشف وصفاتُ الطبخ أسرارَ الحبّ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الخميس 12 ديسمبر 202411:34 ص

"كانت الفتاة تشعر بأنها وحيدة مهجورة. كانت أسوأ من فلفلة حارة في صلصة الجوز بالتوابل المنسية في صينية بعد وليمة عظيمة. كم من المرات كان عليها، وهي في المطبخ وحدها، أن تأكل مثل هذه الوجبات قبل أن تفسد؟ مسألة أن لا أحد يأكل آخر فلفلة حارة في الصينية، تحدث عادةً لأن الناس لا يريدون أن يظهر نهمهم، حتى لو كانوا سيسعدون بالتهامها. وهكذا يكون رفض فلفلة حارة محشوة بكل المذاقات التي يمكن أن نتخيلها؛ حلاوة السكر المعقود بالليمون، وحرارة الفلفل، وخفة صلصة الجوز، وبرودة الرمان. فلفلة حارة رائعة تحتوي داخلها كل أسرار الحب، ولكن لا أحد يستطيع نزع أحشائها بسبب اللياقة. اللعنة على اللياقة التي ستعرّض جسد الفلفلة للذبول شيئاً فشيئاً من دون علاج".

ملصق مسلسل "مطعم حبايب"

هكذا ينتهي الفصل الثالث من رواية "الغليان"، للأديبة المكسيكية لورا إسكيبل (ترجمة نادية جمال الدين، الصادر عن المركز القومي للترجمة). تُحكى الرواية في سياق عقدة تتبع مجموعة من وصفات الطعام التي تؤدي عناصرها الغذائية أحياناً إلى تأثيرات سحرية. هذه الوصفات موزّعة على اثني عشر شهراً، لكل فصل من فصول الرواية، فاللذة التي يؤدي إليها الطعام سواء في مضمونه أو مذاقه، هي جوهر القصة.

الطبخ وحده هو ما يجعل بطلة الرواية تتقاسم مشاعرها مع الآخرين. طعامها يحرّك الأحاسيس. تصوّر الرواية المطبخ كمكان مقدّس يستدعي الحنين في كل طقوسه. تصبح الرسالة واضحةً ومباشرةً وحميميةً: إذا كنّا لم نعد نشعر بكيفية الطبخ، فلم نعد نشعر بذاتنا نفسها. هكذا يمكن تلخيص فكرتها. وربما من هنا يمكن البدء بالحديث عن المسلسل الأحدث على منصة شاهد: "مطعم الحبايب".

تبدو المشاهد الأولى للمطعم في ألوانه الداكنة والمنطقة التاريخية التي يقع فيها، بمثابة نزعة تطهّر صوفي، يعالج أصحابه

تدور أحداث المسلسل، حول الشيف "أبو المجد"، الذي ترك العمل في قناة فضائية شهيرة، ليقرر فتح مطعم خاص، وبدأ بالبحث عن طهاة للعمل معه. يلتقي بـ"صبحي"، وهو شاب يعمل على عربة "كبدة"، لكن الأخير يرفض في البداية العمل معه، قبل أن يتراجع عن قراره، ويعود للعمل في "مطعم الحبايب". ويشارك في بطولة المسلسل أحمد مالك، وهدى المفتي في رابع عمل يجمعهما معاً، بجانب بيومي فؤاد، وانتصار، وإسلام إبراهيم، وحمزة العيلي وسامي مغاوري، والعمل من تأليف ورشة سرد، وإخراج عصام عبد الحميد.

مسلسل "مطعم حبايب"

وكما يبدأ كل فصل في الرواية من طبخة بعينها تُكتب على الشاشة، تُكتب في مقدمة كل حلقة في المسلسل عنوان طبخة بعينها، لذا لم يكن سهلاً على امرأة فهمت الحياة عن طريق المطبخ، أن تدرك جيداً وتتعايش مع العالم الخارجي. يأتي المسلسل ليحقق تلك النبوءة القديمة ويحكي كيف يمكن للطبخ أن يحلّ كل مأساة بأسلوب فانتازي.

المسلسل الذي كتبته ورشة سرد مريم نعوم، تحت إشراف نسرين الزنط، في 12 حلقة فقط، كانت نقطة قوته محاولة الحديث عن كيفية عمل تلك الورشة التي قدّمت في الأعوام الأخيرة عدداً غير قليل من الأعمال الدرامية النسائية اللافتة للنظر.

مطعم الحبايب & ذا بير

تبدأ الحلقة الأولى من خلال عرض لحياة البطل، أحمد مالك، الذي يبدو شاباً عصامياً يعمل على عربة "كبدة" ليلاً، ومدرّس تدبير منزلي صباحاً. تتقاطع حياته فجأةً مع الشيف أبو المجد (بيومي فؤاد)، في واحد من أفضل أدواره غير المعتادة مؤخراً. والشيف الشهير تطرده القناة بسبب عدم استجابته لعمل بروباغندا لعمله على منصات التواصل.

منذ اللحظة الأولى، يبدو تمسك الشيف بالأصالة على حساب كلِّ استهلاكي وخادع شيئاً حميمياً وجالباً للأزمات في حالته. يأتي المسلسل بعد نجاح عالمي ساحق لعمل شبيه له تماماً، هو "الدب ذا بير"، وربما من وحيه، خصوصاً في اختيار البطل في تكوينه الجسماني. لكن يمكن أن يوجد اختلاف كبير بينهما عربياً. في "مطعم الحبايب" نجد حرباً ليست على مستوى إتقان الطعام تماماً بقدر اعتبار تلك الحبكة مساراً جيداً للحديث عن نوع آخر من الحب، مفتقد، لكن يمكنه تحقيق المعجزات.

للمخرج عصام عبد الحميد، شيئان متناقضان في ذلك العمل إلى درجة غريبة بشكل كبير؛ تواضع الإخراج البصري الذي كان يحتاج إلى نظرة أوسع للأمر، أو أنه كان يحتاج إلى استغلال العامل البصري مع الطعام، وإظهار جمال المنطقة التاريخية التي صُوّر فيها المسلسل، منطقة مصر الفاطمية. يبدو العمل علامةً فارقةً في أدوار كل نجومه، إذ يؤكّد أحمد مالك على موهبة تتطوّر مع الوقت، وثمة مساحة مذهلة لم تصل إليها هدى المفتي، من قبل في إتقان دورها. إسلام إبراهيم يتقدم في عمله بشكل لافت للنظر، وحمزة العيلي في دور أقرب إلى الكارتوني من البشري، أما انتصار فلم يعد هناك ما يحتاج إلى التأكيد على موهبتها الاستثنائية. لم تساعد الموسيقى كثيراً في تقدّم العمل، كما لم يوجد المونتاج نقلات وسياقاً لافتاً للقصة. تقوم القصة بالكامل على أكتاف ممثليها فحسب.

في نهاية الحلقة الثانية، تكتشف وديدة، إرثها في المطبخ/الأنوثة/الحياة. كتاب مسحور يعيدها إلى جدّاتها وطهوهنّ المتجاوز للزمن، بسبب حبهنّ للطعام والحياة. يحكي الكتاب أسراره عن طريق سوسن بدر، صاحبة الصوت المميز.

مسلسل "مطعم حبايب"

تبدو شخصية وديدة، هي الشخصية الأكثر تركيباً في العمل الدرامي عموماً. تقدّم هدى المفتي دور "وديدة أبو المجد". شخصية يتم فهمها خطأ في البداية، وقد تعلمنا درسا مهماً في الحياة، وهو ألا نحكم على الشخص من أول ما نراه، وألا نحكم عليه من أفكاره الظاهرة فقط لأننا في النهاية سنكتشف أننا لم تفهمه. وديدة ابنة الجيل الأحدث: فتاة الإنستغرام والشهرة غير المستندة إلى خبرة على الإطلاق، تنطلق في رحلة للعلم الحقيقي.

تمرّد المسلسل على الشكل التلفزيوني الروتيني المعتاد في عدد الحلقات، بخروجه في 12 حلقةً، بينما لم يتمرد كثيراً على مستوى رسم شخصيات معتادة تراهن على تعلّق الجمهور القديم بالمسلسل

تبدو المشاهد الأولى للمطعم في ألوانه الداكنة والمنطقة التاريخية التي يقع فيها، بمثابة نزعة تطهّر صوفي، يعالج أصحابه. في أحد المشاهد نتابع مشهداً قريباً بالكاميرا وهي توثّق الباب الأخضر، وتدخل إلى باحة المطعم الذي يظهر كمكان ديني تماماً، مسحور وغامض. يكتمل كل ذلك باكتشاف الكتاب السحري، الكنز المخفي في المكان، الذي لا يظهر سوى لمن يحبهم.

روتين المسلسلات المصرية

لا يخلو العمل من بعض الخطوط الدرامية الجامدة غير المتطورة أبداً على مستوى الشخصيات، مثل خطّ الأم في حياة أحمد مالك، الزاهدة، وعمال المصالح الحكومية الذين يبدون وقد خرجوا للتو من أعمال وحيد حامد، ومن تحايل على زوجته/ انتصار وبعض المناطق الأخرى التي تبدو عوار الكتابة الوحيد.

هذه الملاحظة تحديداً قد تنقلنا إلى مرحلة أخرى من الحديث عن ورشة الكتابة ذاتها. حتى الآن لا نعلم جيداً كيف تتم الكتابة في الورشة أو كيف سيُنظر إلى منتجها النهائي، فالعمل الذي طوّره عدد من الكتاب، وأشرفت عليه نسرين الزنط، لا يزال تحت إشراف مريم نعوم ذاتها، ولا يبدو واضحاً كيف تصل الورشة إلى قرارها النهائي على مستوى تطوير الشخصيات أو غيرها. بل إنه لا يمكن الفصل بين ما إذا كان هذا العدد يساعد على التفكير والإنتاج المثالي للفكرة التي تتم الكتابة فيها، أو يتسبب في طرح أكثر من مسار ورؤية للعمل. المؤكد أن هناك اهتماماً يبدو أكبر في حالة الشخصيات الرئيسية (مالك والمفتي). وما زلنا لا نعلم تماماً شيئاً عن المطبخ الداخلي/الورشة الذي كتب هذا المسلسل الجيد عن المطبخ.

ملصق مسلسل "مطعم حبايب"

لذلك قد يمكن الجزم بأن العمل المسلسلي القصير قد تمرّد على الشكل التلفزيوني الروتيني المعتاد في عدد الحلقات، بخروجه في 12 حلقةً، بينما لم يتمرد كثيراً على مستوى رسم شخصيات معتادة تراهن على تعلّق الجمهور القديم بالمسلسل. ربما أراد العمل بشكل مقصود أن يحافظ على جوهر العمل الجماهيري الذي يحاول استقطاب عدد أكبر من جمهور مختلف.

مسلسل "مطعم الحبايب"، حميمي منذ اللحظة الأولى. قصة حب تخرج من المطبخ وتختبئ خلفه، تماماً مثلما تبدو بطلة رواية "الغليان". كلٌّ من البطلين يتحدث عن مشاعره من خلال الأكل والطهو، أو كما تقول وديدة في الحلقة الخامسة عندما تبدأ بوادر قصة حب بينها وبين صبحي، وتلعب معه لعبة أن يطبخ كل منهما للآخر طبخةً تعبّر عن فهمه له، فتبدو الأطباقُ كاشفةً للمشاعر، حميميةً، ومناسبةً تماماً للسياق.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image