"يوم اللي أشتغل بناكل خبز ويوم ما في شغل ما في أكل"، هذه كلمات أم أحمد التي حاولت وصف أحوال أسرتها المعيشية بعد انقطاع الدعم عن مخيّمات شمال غرب سوريا، وتراجع المحاصيل الزراعية وقلّة فرص العمل.
تعتمد السيدة أم أحمد (55 عاماً) على عملها بالزراعة لمساعدة أطفالها في المعيشة بعد أن حط بهم النزوح في مخيّمات الشمال السوري حيث تقطن مخيّماً للنازحين قرب مدينة اعزاز، شمال حلب، وهي أم لتسعة أطفال والمعيلة الوحيدة لهم بعد تخلّي والدهم عنهم قبل خمس سنوات.
أوضاع مأسوية
منذ بداية الحرب عام 2011، ازدادت معاناة النساء السوريات، خاصة المعيلات لأسرهن بعد فقدان أزواجهن خلال سنوات الحرب، ساهم النزوح في تفاقم هذه المعاناة حيث أثقل كواهل الأسر، وجعل الكثير منها تعتمد على عمل المرأة كمصدر وحيد للدخل ولتوفير الاحتياجات الأساسيّة للعائلة.
"يوم اللي أشتغل بناكل خبز ويوم ما في شغل ما في أكل"، تقول لرصيف22 أم أحمد، وهي أم لتسعة أطفال والمعيلة الوحيدة لهم بعد تخلّي والدهم عنهم قبل خمس سنوات، من أحد مخيّمات الشمال السوري، مؤكدةً أن تراجع المحاصيل الزراعية هذا العام أثّر بشدة على مدخول أسرتها حيث أصبحت تعمل أياماً قليلة بعكس السنوات الماضية
تتحدّث أم أحمد عن طبيعة عملها وعن الصعوبات التي باتت تواجهها، بعد تراجع عملها نتيجة الأحوال المناخيّة التي أصابت المنطقة وموجات النزوح الأخيرة التي أدّت إلى زيادة الأيدي العاملة، قائلةً: "أعمل الآن في قطاف الزيتون كونه الموسم الحالي. لكن منذ يومين ثلاثة لم أكن أخرج للعمل، بسبب قلّة فرص العمل في موسم الحصاد، موسم هذا العام يختلف عن موسم العام الماضي خفّ المحصول. ناهيك عن كثرة العمال بفعل النزوح. كلها أسباب أثّرت سلباً على فرص العمل وأدّت إلى وجود أيدي عاملة كثيرة، ما جعل بعض العمال يفقدون عملهم. هذه السنة الوضع سيء للغاية".
ثم تردف شارحةً من واقع خبرتها بمواسم حصاد المحاصيل الزراعية: "إذا خرجت للعمل، أستطيع شراء مستلزمات عائلتي من طعام وغيره وإن لم أذهب لا أستطيع شراء شيء. إنتاج العام الماضي كان أفضل بسبب هطول المطر. لكن العام الجاري لم تمطر السماء بعد، والكثير من المحاصيل الزراعية لم تنجح".
خسائر للمزارعين وانخفاض فرص العمل
بصمة التغيّرات المناخيّة واضحة في مناطق شمال غرب سوريا، وقد أدّت إلى تراجع المواسم الزراعية وانخفاض الحاجة إلى الأيدي العاملة، وتضرّر أصحاب المحاصيل الزراعية، نتيجة هطولات المطر غير المنتظمة وموجات الجفاف التي ضربت المحاصيل الصيفية.
يشرح المهندس الزراعي موسى البكر لرصيف22: "التغيّرات المناخيّة كان لها تأثير كبير على الزراعة، وتقلّبات الجو وعدم انتظام الهطولات المطرية كما في العام الماضي أثّرا على المحاصيل الزراعية الشتوية بشكل كبير، فتضرّرت الأراضي التي كانت مزروعة هي الكمون وحبة البركة واليانسون بالإضافة إلى الفول والقمح والشعير والحمص والأنواع الأخرى من البقوليات".
يتابع البكر "هذه السنة أتت أمطار بشكل كبير وعلى فترات قريبة أعقبها ارتفاع درجات الحرارة هذا الأمر أدّى إلى زيادة الأمراض والإصابات الفطرية بالإضافة إلى غرق الكثير من المحاصيل".
ويضيف أن هذه التقلّبات أثّرت على الحاجة للأيدي العاملة، لأن تلك المواسم تحتاج إلى عمال لتعشيب المحاصيل وتسميد الأراضي وجني المحاصيل وقطاف بعضها لكن قلّة الإنتاج في مواسم بعض المحاصيل الصيفية التي لحقتها الأضرار بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع المياه في عدة أماكن أيضاً، مثل محصول البندورة والخيار، فيما محاصيل أخرى مثل الكوسا والقرع أُصيبت ببعض الحشرات منها ذبابة الثمار، ويعود الأمر إلى أنه لم يأتِ صقيع في الشتاء ما أدّى إلى نمو الحشرات، كل هذا تطلّب أعداد أقل من العمالة اليدوية.
ويؤكد البكر أنه "لم يُقدّم دعم أو تعويض للمزارعين من قبل الجهات القائمة أو حتّى المنظمات المعنية واقتصر الأمر على تقديم بعض السلال الزراعية (وتشمل أدوات زراعية وبعض الأدوية وأحياناً الأسمدة لكنها لا تكون كافية وتغطّي جزء بسيط من احتياجات المزارع) والتي لا تفيد المزارع بشكل كامل".
الشتاء وشيك والموارد محدودة
مع دخول فصل الشتاء، تزداد أوضاع الأسر التي تُعيلها نساء يعملن في الزراعة وجمع المحاصيل تأزّماً حيث تزداد احتياجات الأسرة من الطعام والشراب والملابس وأيضاً وسائل التدفئة، لا سيّما بالنسبة للأسر والعائلات التي تعيش في المخيّمات، نتيجة لقلّة فرص العمل وانخفاض الدعم عن مخيّمات شمال غرب سوريا.
بسبب تغيّر المناخ، تعاني النساء في الشمال السوري من قلة فرص العمل وزيادة مستويات انعدام الأمن الغذائي وصعوبة الحصول على المياه بالإضافة إلى عدد من المشكلات الأخرى. لكن السلطات لا تحرّك ساكناً لتخفيف معاناة النساء وعوائلهن
تقول جوريّة الحسين (50 عاماً) لرصيف22: "أعيش في مخيّم الزيتون (شمال حلب)، وأذهب أنا وابنتي إلى العمل في جمع المحاصيل في ورشات (مجموعات) لتأمين معيشة أسرتي وذلك لعدم قدرة زوجي على العمل كونه كبير في السن ويعاني من أمراض".
تتألّف عائلة جوريّة، من سبعة أفراد، بينهم ثلاثة أطفال في مراحل التعليم المختلفة، وتعمل في الأراضي الزراعية نتيجة قلّة فرص العمل لأجل تأمين احتياجات عائلتها الأساسيّة. وتتابع حديثها: "أعمل في الزراعة في مواسم الخضروات وتبلغ أجور العمل في الساعة 13 ليرة تركية، أي في اليوم من 60 إلى 75 ليرة تركية (نحو دولارين اثنين)، وأنا عائلتي كبيرة والمدخول لا يتناسب مع مصروف العائلة، فنحتاج بشكل شبه يومي إلى مصروف يصل إلى 200 ليرة (نحو 5 دولارات)، ما بين حق الخبز وطبخة العائلة وغيرها"، منوّهةً أن هذا هو مصروف الأسرة في اليوم في فصل الصيف بينما في الشتاء تحتاج أكثر.
وتضيف جوريّة عن احتياجات العائلة: "العائلة اليوم تحتاج إلى السكر والشاي واللبس، ناهيك عن مرض يصيب أحد أفراد العائلة وعملي في الأسبوع ربما يصل إلى ثلاثة إلى أربعة أيام وباقي الأسبوع لا يوجد عمل"، موضحةً أن قلّة العمل هذا العام "تعود إلى قلّة مياه الري للزراعة وقلّة الأمطار حيث تأخّر موسم الزيتون لعدم هطول الأمطار".
تقارن جوريّة عملها هذا العام بالعام الماضي حيث كانت تعمل على مدار الأسبوع ولا تغيب يوماً إلا إذا شعرت بالتعب في العام الماضي، أما في الوقت الحالي فقد اختلف الأمر تماماً، بحسب ما تذكر.
أمر آخر يزيد أوضاع عائلة جوريّة المادة صعوبة. تقول إنه ومنذ قرابة العام لم تحصل على مساعدات حيث كانت تلك المساعدات تخفّف عبئاً كبيراً عن كل عائلة في المخيّم. "نحن الآن على أبواب الشتاء ولم نجهّز له شيئاً من مواد التدفئة، نعيش على أمل أن تُقدّم لنا المساعدة"، تقول.
تتقاضى مريم المحمد (56 عاماً) نحو 60 ليرة تركية (أقل من دولارين) مقابل عملها اليومي في حصاد المحاصيل، وفي بعض الأيام قد تصل إلى 100 ليرة تركية بحد أقصى خلال موسم الزيتون (نحو ثلاثة دولارات) ولكنها تقع في حيرة ما الذي ستشتريه من ضروريات المعيشة، حيث أن هذا المبلغ بالكاد يؤمّن الخبز للعائلة (نحو 40 ليرة (نحو دولار) لأربعة ربطات بحد أدنى يومياً)، وما يتبقّى تشتري به الخضروات لطبختها اليومية.
تقول لرصيف22: "اليوم عملي قليل جداً، في الشهر الواحد أعمل أسبوعاً على أيام متقطّعة كونه المواسم الزراعية 'خفيفة'، وأنا المعيلة الوحيدة لعائلتي، ولديّ ولد مريض وأيضاً زوجي مريض لا يستطيع العمل، فأضطر للذهاب إلى العمل لتوفير مصروف العائلة".
توضّح مريم أن هذا على العكس من السنوات الماضية التي تقول إن العمل كان جيداً فيها وكان الدخل يكفي العائلة علاوة على أنه كانت تصلهم مساعدات في صورة سلال غذائية كانت توزّع عليهم "لكن في العام الحالي انقطع الدعم ولحقه انخفاض العمل، على حد قولها.
النساء والحاجة إلى الدعم
تعتبر تغيّرات المناخ من أبرز التحدّيات التي تواجه العالم اليوم، وتؤثر بشكل خاص على المجتمعات الضعيفة، بما في ذلك النساء الريفيات في شمال سوريا حيث يعاني هذا القطاع من آثار سلبية عديدة للتغيّرات المناخيّة.
جمعية زنوبيا للمرأة السورية، التي تعمل في مجال الحماية والتنمية وبناء السلام والإغاثة، تقول لرصيف22 عن تأثير المناخ على النساء: "مناطق شمال سوريا شهدت فترات جفاف طويلة، ما أدّى إلى تدهور الأراضي الزراعية وانخفاض الإنتاجية والنساء هن اللواتي غالباً ما يتحملن مسؤولية الزراعة، ويجدن أنفسهن غير قادرات على تلبية احتياجات أسرهن الغذائية. وبسبب تغيّر المناخ، قد تتأثّر المحاصيل التقليدية التي تعتمد عليها النساء، ما يتطلب منهن التكيّف مع محاصيل جديدة قد تكون أقل ملائمة للبيئة المحلية".
"آثار تغيّر المناخ على النساء الريفيات في شمال سوريا هي قضية معقدة تتطلّب اهتماماً خاصاً، ومن خلال التعرّف على التحدّيات التي يواجهنها، يمكن للمجتمعات والحكومات والمنظمات غير الحكومية العمل معاً لتقديم الدعم والمساعدة اللازمة. يجب أن تكون النساء جزءاً من الحل"
وتضيف الجمعية التي تدخل "حماية البيئة" ضمن أهدافها: "النساء يعانين من صعوبات متزايدة في الحصول على المياه، حيث يتطلب الأمر منهن قطع مسافات طويلة لجمعها، هذا الأمر يستهلك منهم الوقت والجهد، ويمنعهن من الانخراط في أنشطة أخرى مثل التعليم أو العمل. ومع ندرة المياه، قد تتزايد تكاليف الحصول عليها، ما يضغط على الميزانية الأسريّة ويزيد من معاناة الأسر".
ومع الإشارة إلى زيادة مستويات انعدام الأمن الغذائي بين النساء وأسرهن، ومواجهة العديد من الأسر صعوبة في توفير وجبات كافية ومتنوعة، تحذّر "زنوبيا" من تبعات ذلك على صحة النساء والأطفال، ومخاطر سوء التغذية والأمراض المرتبطة به. كما تلفت إلى أنه "غالباً ما يتم استبعاد النساء من صنع القرار في قضايا تغيّر المناخ، وهو ما يحد من قدرتهن على التأثير في السياسات والبرامج التي تؤثّر على حياتهن".
وتستنكر الجمعية "عدم وجود برامج دعم كافية للنساء الريفيات ما يجعلهن يعانين نقص الدعم الفني والمالي اللازمين لمساعدتهن في التكيّف مع تغيّر المناخ، مثل التدريب على الزراعة المستدامة أو تقنيات إدارة الموارد المائية"، مستدركةً بأن "آثار تغيّر المناخ على النساء الريفيات في شمال سوريا هي قضية معقدة تتطلّب اهتماماً خاصاً، ومن خلال التعرّف على التحدّيات التي يواجهنها، يمكن للمجتمعات والحكومات والمنظمات غير الحكومية العمل معاً لتقديم الدعم والمساعدة اللازمة"، ومشدّدةً على "أهمية أن تكون النساء جزءاً من الحل، حيث يمكن لدورهن الفعال في الزراعة والمجتمع أن يسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة واستقراراً".
تؤدي التغيّرات المناخيّة إلى تدهور الأحوال الاقتصادية، ما يزيد من مستويات الفقر بين النساء الريفيات والنساء وخاصة اللاتي يعيش قسم منهن في المخيّمات، وينعكس هذا الفقر على قدرتهن على الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، إضافة إلى الهجرة والنزوح التي أثرت على استقرار العوائل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم