شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
جنود رسامون غيروا مجرى الفن التركي الحديث… كيف خطر ببالهم أن يرسموا؟

جنود رسامون غيروا مجرى الفن التركي الحديث… كيف خطر ببالهم أن يرسموا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتاريخ

السبت 30 نوفمبر 202410:07 ص

وُضعت أسس الرسم التركي، تزامناً مع بداية التعليم الغربي الذي بدأ في القرن التاسع عشر في مدرسة "بَري هُمايون الهندسية"، في عهد السلطان العثماني سليم الثالث، حيث تدرّب أوّل الرسامين الأتراك المعروفين تحت عنوان "الرسامون العسكريون"، أو "الجنود الرسامون".

وقبل بداية تعليم الرسم في مدرسة "بري همايون"، كانت تُقدّم في هذه المدرسة دورات لبناء السّفن وتدريس الهندسة المعمارية وصنع المقذوفات وحتى تعليم اللغات الأجنبية، إذ كان خرّيجو هذه المدرسة يخدمون في الجيش، كما كان يُعدّ تجنيد الجنود المتعلمين في هذه المدارس من أهم علامات إعادة هيكلة الجيش في عهد السلطان سليم. ومن بين هؤلاء الجنود، يمكن ذكر الرسامين المتخرجين من هذه المدرسة، الذين أصبحوا من أهم الرسامين في تركيا، بل أحدثوا تحولاً هائلاً في الرسم التركي.

لوحة سامي يتيك

وفي عهد الإمبراطورية العثمانية، خاصةً في القرن التاسع عشر، بدأت عملية تحديث الجيش وإجراء الإصلاحات العسكرية، وذلك بعدما شعر السلاطين ومستشاروهم بعمق الحاجة إلى إحداث هذه التغييرات، وكان تدوين كيفية هذا التطوير واجباً، لذلك أتوا بالرسامين الذين تدربوا على ذلك، لتوثيق وتصوير إنجاز الإمبراطور.

لعب هؤلاء الرسامون دوراً مهماً جدّاً في كتابة وتصوير التاريخ العسكري للعصر العثماني، حيث تطلبت مهمتهم الفنية والعسكرية، إتقان تقنيات الرسم الكلاسيكي، وكان عليهم تصوير مشاهد القواعد العسكرية أو مشاهد الحرب

لعب هؤلاء الرسامون دوراً مهماً جدّاً في كتابة وتصوير التاريخ العسكري للعصر العثماني، حيث تطلبت مهمتهم الفنية والعسكرية، إتقان تقنيات الرسم الكلاسيكي، وكان عليهم تصوير مشاهد القواعد العسكرية أو مشاهد الحرب، بحيث تكون قريبةً إلى الواقع. في ما يلي عدد من أهم هؤلاء الرسامين.

علي رضا أفندي (1858-1930)

من أشهر وأهم الرسامين العسكريين في تلك الفترة. هو علي رضا أفندي، الذي تُعدّ أعماله من أهم الوثائق التاريخية عن إسطنبول، حيث تعكس تفاصيل كثيرةً من تلك الفترة. هذا الرسام لم يتمكن طوال حياته من السفر إلى خارج تركيا، بسبب وباء الكوليرا، حيث عاش حياته بأكملها في حي أوسكودار، ولذلك كان يعرف كل تفاصيل مدينته. لك يكن علي رضا أفندي يحب النظرة الغربية إلى إسطنبول وتركيا، التي خلقت صوراً أسطوريةً عن هذا البلد وشعبه على يد الرسامين المستشرقين، لذلك عمل على أن يصحح هذا الفهم عن وطنه وتصوير الواقع في لوحاته، وبهذا الأسلوب درّب رسامين كثيرين.

وعلي رضا الذي كانت له لمسة انتقادية ظاهرة في لوحاته، حاول خلال حياته الأكاديمية إضافة دروس الفن إلى مناهج المدارس الابتدائية، وكانت هذه خطوةً مهمةً نحو تعليم الرسم في تركيا. كما أنه كان يحب الموسيقى الكلاسيكية العثمانية، ويعتقد الكثير من نقاد تاريخ الفن، أنه يدين بجزء مهم من ثراء أعماله للموسيقى الكلاسيكية العثمانية التي ملأت روحه.

عكس هذا الرسام، من خلال أعماله، التغيرات الاجتماعية والتحديث الأساسي للمجتمع التركي، الذي حدث في السنوات الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية والسنوات الأولى من تأسيس الجمهورية التركية. وقال سامي ياتيك، وهو أحد تلامذته، في وصف أستاذه: "المعلم علي رضا لا يمكن تحليله، وإنه مدرسة بحد ذاته... ريشة الرسم بالنسبة له، مثل النوتات الموسيقية، التي يكتبها الموسيقار على ورقة يخلق من خلالها أشجى الألحان".

شكَر أحمد باشا (1841-1907)

شكَر أحمد باشا، هو رسام عسكري مهم آخر، ويُعرف بالمعلم الفنان في الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر. وُلد شكر أحمد باشا، واسمه الحقيقي أحمد عزت أفندي، في إسطنبول عام 1841، وتوفي فيها عام 1907، وقد لعب دوراً مهماً في عملية تحديث الرسم التركي، واشتهر بشكل خاص بلوحات المناظر الطبيعية.

شكر أحمد باشا

ومن خلال فنّه، عكس الانضباط والاهتمام بالتفاصيل، وقد تعلمهما من الجيش وطبقهما في فنه ولوحاته، ومثل العديد من الرسامين الآخرين في الجيش العثماني، ذهب إلى فرنسا لدراسة الرسم، وفي الأكاديميات الفرنسية تعلم تقنيات الرسم الحديثة، التي كانت مشهورةً ولها شعبية كبيرة في أوروبا. وكان هذا الأسلوب هو بالضبط ما أرادته الدولة العثمانية من الفنانين في تلك الفترة، لأنه كان من المفترض أن يصور هؤلاء الفنانون جزءاً مهماً من التاريخ التركي، ولذلك ابتكر شكر أحمد باشا أسلوباً جديداً في الرسم التركي بمزجه الرسم الغربي مع فن الرسم التقليدي التركي.

لوحة "الحطاب في الغابة" لشكر أحمد باشا

ومن بين أعماله، يمكن ذكر أهمها، وهي لوحة "الحطاب في الغابة"، التي قال الناقد الفني والرسام والصحافي البريطاني جون برجر، في جزء من مراجعته التفصيلية لها: "ذهبت إلى متحف بشكتاش مرات عدة لمشاهدة هذه اللوحة، وكان هناك شيء ما فيها يجذبني، وبعد التمعن في هذه اللوحة، توصلت إلى نتائج غريبة، حيث كل تفاصيلها كانت خطأ من الناحية الأكاديمية، وكان هناك منطق لغوي متناقض يغمرها، ما ينبغي أن يقلل من القيمة الفنية للعمل، لكن الرسام تصرف بوعي شديد مع اللوحة، وأقنعني بسهولة بأنني أتعامل مع تحفة فنية".

كيف وجد الرسامون الجنود، الوقتَ للرسم في ساحات القتال الحقيقية؟ وكيف كان يمكنهم التركيز واستخدام روحهم الفنية في فوضى الحرب للاستمتاع بطبق من الفاكهة، أو مزهرية، أو النساء الجميلات؟

وعن لقب "شكَر" (أي: سُكّر)، لأحمد باشا، فيقال إنه كان حسن الكلام وحسن الخلق ويعامل الجميع معاملةً حسنةً، لذلك أطلق عليه أصدقاؤه والسلطان لقب شكر. وأحمد باشا، هو أول من أقام معرضاً للرسم في تركيا.

رسامو الحرب

ويمكن ذكر خليل باشا وحكمت أونات مع الرسامين العسكرين المهمين، إذ كانا من تلاميذ عثمان حمدي بيك، وهو رسام شهير في الفترة العثمانية. وهذان الرسامان كانا مهتمين بحياة الناس على طول مضيق البوسفور، إذ قاما برسم القوارب والمساكن بجانب الماء، لمدى حبهما لهذه المنطقة من موطنهما.

لوحة "الجنود" للرسام حكمت أونات

في السنوات الأولى من الحرب العالمية الأولى، اجتمع سامي يتيك وحكمت أونات والعديد من الرسامين العسكريين الآخرين في ورشة سامي في إسطنبول، ورسموا صوراً تتعلق بالحرب، حيث عُرضت جميعها لأول مرة في إسطنبول ثم في فيينا عام 1918.

عثمان نوري باشا، هو رسام جندي آخر، يمكن ذكر لوحة "فرقاطة أرطغرل" كأهم أعماله. وجدير بالذكر أن هذه الفرقاطة غرقت عام 1890، بعد عاصفة شديدة.

خليل باشا في جامعة باريس للفن

أحمد ضياء أكبولوت هو أحد الرسامين العسكريين الآخرين، وهو معروف بأسلوبه الفريد الذي كان يتجنب رسم الضوء والظل، واستخدم الألوان المفعمة في لوحاته، وتُعدّ لوحاته للمعالم التاريخية التي دمرت في الحروب، من أهم وأبرز الوثائق الحربية. كما كان تحسين دياربكري، أحد الرسامين المهمين الآخرين، واشتهر برسوماته للسفن الحربية والفرقاطات.

كيف وجد الرسامون الجنود، الوقت للرسم في ساحات القتال الحقيقية؟ وكيف كان يمكنهم التركيز واستخدام روحهم الفنية في فوضى الحرب للاستمتاع بطبق من الفاكهة، أو مزهرية، أو النساء الجميلات، أو الطبيعة الساكنة والصامتة أمامهم ورسمها؟ هذا ما لا تشرحه اللوحات المعروضة في المتاحف، اللوحات التي رسموها خلال أكثر الأيام دمويةً واجهها وطنهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image