شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لغة الروائح... هل يمكن أن تكون العلاج الخفي للاكتئاب؟

لغة الروائح... هل يمكن أن تكون العلاج الخفي للاكتئاب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 19 نوفمبر 202401:22 م

عند الغضب أو التوتر، يُنصح عادةً بإشعال الشموع العطرية وإغلاق العيون للتأمّل في اللحظة الحالية. تُعدّ مثل هذه الخطوات وسيلةً فعّالةً لتهدئة الأعصاب، إذ تلعب بعض الروائح دوراً مهماً في تحسين المزاج وخلق أجواء مريحة. فمن خلال استنشاقها، يمكننا استعادة السلام الداخلي والاسترخاء، ما يُعزز من قدرتنا على التعامل مع المشاعر السلبية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن تكون هذه الروائح وسيلةً لمواجهة الاكتئاب؟

ما علاقة الروائح بعلاج الاكتئاب؟

اكتشف باحثون من جامعة Pittsburgh، أن الروائح أكثر فعاليةً من الكلمات في إثارة الذكريات الإيجابية، وهو ما قد يساعد الأشخاص المصابين بالاكتئاب على التخلّص من الأفكار السلبية.

قام الباحثون بتعريض 32 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عاماً، يعانون من اضطراب الاكتئاب الشديد، إلى 12 رائحةً، من بينها: القهوة المطحونة، زيت جوز الهند، مسحوق الكمون، النبيذ الأحمر، مستخلص الفانيليا، القرنفل، ملمّع الأحذية، زيت البرتقال والكاتشاب.

عند الغضب أو التوتر، يُنصح عادةً بإشعال الشموع العطرية وإغلاق العيون للتأمّل في اللحظة الحالية. تُعدّ مثل هذه الخطوات وسيلةً فعّالةً لتهدئة الأعصاب، إذ تلعب بعض الروائح دوراً مهماً في تحسين المزاج وخلق أجواء مريحة

بعد شمّ الروائح، طلب علماء الأعصاب من المشاركين أن يتذكّروا ذكرى معيّنةً، وتحديد ما إذا كانت جيدةً أم سيئةً.

تكشف كيمبرلي يونغ، المؤلّفة الرئيسية للدراسة، أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب كانوا يميلون إلى استرجاع ذكرى أو حدث محدّد عند شمّ رائحة مألوفة -مثل تواجدهم في مقهى قبل أسبوع- بدلاً من تذكّر ذكرى عامة كذهابهم إلى مقهى في وقت ما من حياتهم.

عند المقارنة بالإشارات اللفظية، أثارت الروائح ذكريات بدت أكثر حيويةً وواقعيةً، وفق ما تقول يونغ: "لقد تفاجأتُ بأن لا أحد قد فكّر سابقاً في دراسة استرجاع الذاكرة لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب باستخدام إشارات الرائحة".

وتوضح أن تفعيل جزء من الدماغ يُعرف باسم اللوزة الدماغية، الذي يتحكّم في استجابة "القتال أو الهروب"، يساعد في استرجاع الذكريات، لأن اللوزة الدماغية تركّز الانتباه على أحداث معيّنة.

ومن المرجح أن الروائح تحفّز اللوزة الدماغية من خلال الاتصالات العصبية في البصلة الشمّية، وهي كتلة من الأنسجة العصبيّة مرتبطة بحاسة الشمّ.

ونظراً إلى معرفة يونغ، بأنّ الروائح قد تثير ذكريات سعيدةً لدى الأشخاص غير المصابين بالاكتئاب، قرّرت دراسة العلاقة بين الشمّ واسترجاع الذكريات لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب، عادّةً أن تحسين استرجاع الذكريات لدى المصابين بالاكتئاب قد يساعدهم في التعافي بشكل أسرع: "إذا استطعنا تحسين الذاكرة، يمكننا تحسين القدرة على حلّ المشكلات، وتنظيم العواطف وغيرهما من التحديات الوظيفية التي يواجهها الأفراد المكتئبون."

في الإطار عينه، تؤكد دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة دريسدن الطبية في ألمانيا، أهميّة الشمّ في تعزيز السلام الداخليّ، حيث تشير إلى أن غياب هذه الحاسة قد يحرم الأشخاص من أداة نفسية قوية تساعدهم في التفاعل مع العالم من حولهم بطريقة أكثر راحةً وتوازناً.

وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يولدون من دون حاسة الشمّ، أو الذين يفقدونها مع مرور الوقت، يعانون من مستويات أعلى من القلق الاجتماعي والاكتئاب مقارنةً بالأشخاص الذين لديهم قدرة على الشمّ.

وبذلك، نلاحظ أن الروائح لا تقتصر فقط على تأثيرها المباشر على المزاج، بل تساهم أيضاً في بناء شعور بالانتماء الاجتماعي والثقة بالنفس.

تأثير الروائح على وظائف الدماغ والجهاز العصبيّ

تؤكّد المتخصّصة في علم النفس الإيجابيّ وتطوير الذات، ومدرّبة البرمجة اللغوية العصبية، نادين عزّ الدين، لرصيف22، أن الروائح يمكن أن تثير مشاعر وذكريات إيجابيةً، ما يساعد في الشعور بالراحة ورفع المعنويات، خصوصاً عندما ترتبط بتجارب سعيدة.

توضح نادين، أن هناك روائح عدّة معروفةً بتأثيرها الإيجابي، مثل زيت اللافندر، البرتقال، الفانيليا، النعناع، والقرفة، "تساهم في تهدئة الأعصاب وتحسين المزاج"، على حدّ قولها.

تشرح عزّ الدين أن الروائح تؤثّر على الجهاز الحوفي في الدماغ، الذي يسيطر على العواطف والذاكرة. وهذا الأمر يحفّز إفراز هرمونات السعادة مثل السيروتونين والدوبامين، ما يعزز الشعور بالراحة.

لذلك، ولتحقيق أفضل النتائج والاستفادة من الروائح، يمكن استخدامها عبر الشموع المعطّرة، البخور، أو الزيوت العطرية في جهاز التبخير، أو عبر تدليك الجسم بزيوت عطرية طبيعيّة.

في الإطار عينه، ترى راشيل هيرز، عالمة الأعصاب في جامعة Brown University، أن الرائحة يمكن أن تحفّز استجابةً عاطفيةً فوريةً بجانب الذاكرة، وحالاتنا العاطفية تؤثّر بقوة على صحّتنا الجسدية، كما تبرز أبحاث تظهر أن الروائح التي تثير ذكريات شخصيّةً تساعد في تحقيق تنفس أبطأ وأعمق مقارنةً بالروائح العامة، وترتبط بتقليل ملحوظ في علامات الالتهاب.

هذه المعلومات تؤكّد على أهميّة الروائح في تحسين الحالة النفسية والجسدية، ما يجعلها أداةً ذات قيمة في العلاج ودعم الصحة العامة.

عانت سلمى (اسم مستعار)، من الاكتئاب، فاضطرّت إلى تناول بعض الأدوية لتحسين مزاجها.

خلال هذه الفترة، بدأت بممارسة اليوغا، حيث كانت المدرّبة تضيء الشموع وتستخدم أنواعاً معيّنةً من العطور. وفي كلّ مرّة كانت تستنشق فيها هذه الروائح، كانت تشعر براحة كبيرة وكأنها في عالم آخر، وفق ما تقول لرصيف22: "طبعاً، لم أكن أعرف بشكل مباشر أن لهذه الروائح تأثيراً على نفسيّتي، ولكن كان هناك شيء يريحني ويجعلني أشعر بالهدوء والسكينة".

وتؤكّد سلمى أنّه إلى جانب تناول الأدوية وممارسة اليوغا، كانت الروائح جزءاً أساسياً من عملية الشفاء النفسيّ، حتى لو لم تكن على يقين بذلك في بداية الأمر.

بدورها، قامت نور (اسم مستعار)، بإدخال الروائح إلى روتينها اليومي، ولاحظت أنها تنعكس بشكل إيجابي على صحتها الفسية ومزاجها، بحسب قولها لرصيف22: "بالنسبة لي، اللافندر والبرتقال من أكثر الروائح التي تناسبني، لأنها منعشة".

انطلاقاً من هنا، أصبحت نور تعتمد على هاتين الرائحتين خلال جلسات المساج، وتستخدمهما في المنزل والمكتب من خلال الأعواد العطرية، كما تحرص على اختيار جل استحمام غنيّ بإحداهما.

الروائح وحدها لا تكفي...

في حين أن الروائح تلعب دوراً مهمّاً في التخفيف من حدّة التوتر وتحسين الحالة النفسية، لكنّها وحدها لا تكفي للتعامل مع الاكتئاب، وفق تأكيد نادين عز الدين، التي تنصح باستخدام الروائح كجزء مكمّل للعلاج، مع التركيز على معرفة جذور المشكلة الأساسية.

بالإضافة إلى ذلك، تنبّه نادين إلى أن البعض قد يعاني من حساسية تجاه روائح معيّنة، ما قد يسبّب ردود فعل مثل الحساسية أو الصداع؛ لذلك تفضَّل تجربة الروائح على نطاق محدود أولاً.

وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يولدون من دون حاسة الشمّ، أو الذين يفقدونها مع مرور الوقت، يعانون من مستويات أعلى من القلق الاجتماعي والاكتئاب مقارنةً بالأشخاص الذين لديهم قدرة على الشمّ

كما تؤكّد على أهميّة أن يختار كلّ شخص الروائح التي تناسبه وتمنحه شعوراً بالراحة النفسية، موضحةً أنّه من الضروريّ أن يكون هناك هدف عند استخدام الروائح، مثل التخلّص من التوتر والطاقة السلبية: "من خلال هذه الطريقة، نهيّئ عقلنا وجهازنا العصبي لاستقبال الرائحة بطريقة أكثر فعاليةً".

خلاصة القول، قد يكون لاستنشاق العطور رابط وثيق في استحضار الذكريات الإيجابية والمشاعر، ممّا يساهم في التقليل من الأفكار السلبية لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب.

صحيح أنّ بعض الروائح قد تكون وسيلةً فعّالةً لتعزيز الحالة النفسية والتخفيف من آثار الاكتئاب، إلّا أنّها لا تُعدّ بديلاً للعلاج الطبي أو النفسيّ، بل تبقى أداةً إضافيةً يمكن دمجها في أساليب العلاج المختلفة. 

في نهاية المطاف، اختاروا العطور المناسبة التي تلامس عواطفكم وتساهم في استعادة توازنكم النفسي وتحسين جودة حياتكم. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image