شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سمّاها العربُ

سمّاها العربُ "الخنساء" وبنوا فيها مسجد العنقاء… اقتفاء أثر ابن بطوطة في الصين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب نحن والتنوّع

الخميس 17 أكتوبر 202412:28 م

لم يكن مهرجان الشعر العالمي لشعراء دول مجموعة بريكس الاقتصادية، الذي نظّمه اتحاد الكتّاب الصينيين في صيف 2024، ليختار انطلاقه في مدينة هانغتشو الصينية اعتباطاً؛ فهي مدينة شعرية بامتياز، اسماً وطبيعة وجوهراً، إلى جانب ما تتمتع به من عراقة تاريخية، وما تزخر به من كنوز أثرية نفيسة، ومزارات سياحية ساحرة.

حضر الشعراء من مصر، والسعودية، والإمارات، وإيران، والهند، والبرازيل، وروسيا، وإثيوبيا، وجنوب إفريقيا، ليلتقوا الشعراء الصينيين على أرض هانغتشو، في موعد استثنائي مع إطلاق قصائد المحبة والوئام في هذه البقعة الجغرافية الاستثنائية، وتمرير رسائل التواصل الإبداعي والثقافي والحضاري بين الشعوب، وتعزيز أواصر التفاهم والتلاقي بين البشر المتنوعين في لغاتهم وأجناسهم.

قارب التنين

هانغتشو، أو خانجو أو خانزو كما تُنطق بلسان أهلها، هي عاصمة مقاطعة تشجيانغ الصينية، على رأس الخليج الذي يفصل بين شنغهاي ونينغبو. وقد لاحظ الرحّالة والتجّار العرب الذين قصدوا شواطئها من قبل، أن اسمها قريب من اسم الشاعرة العربية الشهيرة الخنساء، تُمَاضر بنت عمرو بن الحارث (575-645م)، فأطلقوا عليها مدينة "الخنساء"، لسهولة نطق الاسم بالنسبة لهم. ولا تزال مدينة الخنساء تضم نقوشاً وآثاراً عربية تعود إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين. وقد أقدم تاجر مصري على بناء مسجد العنقاء في هانغتشو، والتقى به الرحّالة والمؤرخ المعروف ابن بطوطة، أبو عبد الله محمد اللواتي الطنجي (1304-1377م).

مدينة هانغتشو الصينية مدينة شعرية بامتياز، اسماً وطبيعة وجوهراً، إلى جانب ما تتمتع به من عراقة تاريخية، وما تزخر به من كنوز أثرية نفيسة، ومزارات سياحية ساحرة

ولقد ذكر ابن بطوطة مدينة هانغتشو أو خانزو في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" بقوله "مدينة الخنساء، اسمها على نحو اسم الخنساء الشاعرة، ولا أدري، أعربيّ هو أم وافق العربيَّ. وهذه المدينة أكبر مدينة رأيتها على وجه الأرض. طولها مسيرة ثلاثة أيام، يرحل المسافر فيها وينزل. وهي على ما ذكرناه من ترتيب عمارة الصين، كل واحد له بستانه وداره. وهي منقسمة إلى ست مدن. وعند وصولنا إليها، خرج إلينا قاضيها فخر الدين، وشيخ الإسلام بها، وأولاد عثمان بن عفان المصري، وهم كبراء المسلمين بها، ومعهم علم أبيض والأطبال والأنفار والأبواق. وخرج أميرها في موكبه، ودخلنا المدينة. وهي ست مدن، على كل مدينة سور، ومحدق بالجميع سور واحد. فأول مدينة منها يسكنها حراس المدينة وأميرهم. حدثني القاضي وسواه أنهم اثنا عشر ألفاً في زمام العسكرية. وبتنا ليلة دخولنا في دار أميرهم".

هانغتشو

وهكذا، شاءت الأقدار أن تكون الخنساء هي مدينة الشعر اسماً، مثلما أنها مدينة الشعر والجمال والإبداع والثقافة والحضارة مضموناً وجوهراً. وطوال إقامتهم في هانغتشو، لم تتوقف جولات شعراء المهرجان العالمي في ربوع مدينة الشاي الأخضر العريقة، وعاصمة اقتصاد الإنترنت العصرية الحديثة، التي تجمَعُ على أرضها جلالَ الماضي وعبقه، وروعة الحاضر ورونقه.

هانغتشو، التي يسكنها حوالى ستة ملايين، هي وجه بارز من وجوه الحضارة الصينية، وقد سكنتها قبيلة ليانجو للمرة الأولى منذ 4700 سنة، لتكون المدينة عاصمة لمملكة "وو"، وعاصمةً أيضاً لمملكة "يي"، التاريخيتين، كما كانت عاصمة لدولة سلالة سونغ الجنوبية. وتصنّف في العصر الحديث كواحدة من أهم المدن الأثرية والسياحية والتجارية في الصين، كما تضم أكبر مؤسسات الصناعة والإنترنت والتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية.

البحيرة الغربية

قرأ شعراء مهرجان الشعر العالمي، الذين تجاوزوا السبعين، قصائدهم على ضفاف البحيرة الغربية، وهي بحيرة للمياه العذبة تقع غرب هانغتشو وتعدّ من أروع معالمها، وتنقسم إلى خمسة أجزاء، تقطعها ثلاثة جسور. وتحيط الجبال بالبحيرة من اتجاهات ثلاثة، وتبلغ مساحتها حوالى 6.39 كيلومتر مربع، ومحيطها حوالى 15 كيلومتراً. وتضم عدداً كبيراً من الحدائق والجزر الاصطناعية والمعابد بداخلها. وتشكّل البحيرة عبر التاريخ إلهاماً للشعراء والرسامين والمبدعين، الذين يقصدونها من كل حدب وصوب، باعتبارها تعبّر عن الانسجام المثالي بين الإنسان والطبيعة، ولذلك تم إدراجها في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2011.

البحيرة الغربية

ومن البحيرة الغربية، قطع شعراء المهرجان العالمي أشواطاً أخرى إلى متحف تشجيانغ للتراث الثقافي الدولي غير المادي، ومركز تشجيانغ الأدبي، حيث وقّع الشعراء أسماءهم في سجلّ المتحف، وأهدوه مخطوطاتهم. ومن المكتبات الثقافية البارزة في هانغتشو، وفدوا إلى متحف ليانغتشو في الضواحي الشمالية الغربية، الذي يحتوي خمسة آلاف عام من تاريخ الحضارة الصينية، ويتضمن آلاف القطع الأثرية النفيسة منذ العصر الحجري.

متحف ليانغتشو

ويعد متحف تشجيانغ للتراث الثقافي الدولي غير المادي، المقام على مساحة 35 ألف متر مربع، الأكبر من نوعه في الصين. ويتكون من خمسة طوابق فوق سطح الأرض، وطابقين تحت الأرض، محتوياً على صورة كاملة للتراث الثقافي غير المادي في مقاطعة تشجيانغ. وتتعدد المعارض الدائمة بالمتحف بين الأدب الشعبي، والفنون المسرحية التقليدية، والعادات الشعبية، والتقنيات والفنون التقليدية، والطب التقليدي والرياضة والترفيه.

لاحظ الرحّالة والتجّار العرب الذين قصدوا شواطئ خانزو أن اسمها قريب من اسم الشاعرة العربية الشهيرة الخنساء (575-645م)، فأطلقوا عليها مدينة "الخنساء"، لسهولة نطق الاسم بالنسبة لهم

ومن أبرز المعروضات في المتحف قارب بحري خشبي ضخم، مصنوع بالتقنيات التقليدية، ومصباح تنين يضم المئات من شخصيات الأوبرا الصينية، وكرسي منحوت بالذهب والخشب المطلي بالورنيش، استغرق صنعه سنوات. كما يحظى زوار المتحف بمتعة مشاهدة الحرفيين التقليديين وهم يمارسون أشغالهم اليدوية. ويمثّل المتحف جزءاً من مركز تشجيانغ الثقافي، وهو أكبر مجمع ثقافي في المقاطعة.

متحف تشجيانغ للتراث الثقافي الدولي غير المادي

أما متحف ليانغتشو الأثري، فهو مختص بثقافة ليانغتشو، التي تعود إلى ما يزيد على 5300 عام، وتعني ليانغتشو "الأرض الساحرة في الماء"، وقد تم إدراج موقع المدينة الأثري على قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2019. ويستخدم المتحف نظارات خاصة بمطالعة الواقع المعزز، لتمكين الزوّار من التفاعل الحيّ مع القطع الأثرية الرفيعة.

متحف ليانغتشو

وبعد تلك الشحنات المكثفة التي تلبّست شعراء المهرجان العالمي في هانغتشو الأسطورية، تمددت أقدام الرحلة لتصل إلى سور الصين العظيم في بكين، أحد عجائب الدنيا السبع، وأحد أهم مواقع التراث العالمي، الذي يعود إلى أكثر من ألفَي عام. وقرب السور الأثري، قرأ الشعراء قصائدهم مرة أخرى، ليتجدد لقاء الشعر والتاريخ في بلاد الورق والحرير.

وتجدر الإشارة إلى أن مهرجان الشعر العالمي في الصين قد شارك فيه شعراء من بلدان عدة منها مصر والإمارات والسعودية وروسيا والبرازيل وإيران والهند و جنوب إفريقيا وإثيوبيا والصين نفسها.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image