شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عزيزي لبنان، أنا لست مواطنة كي أنقذ إخوتي… رسالة مفتوحة إليه

عزيزي لبنان، أنا لست مواطنة كي أنقذ إخوتي… رسالة مفتوحة إليه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات العامة

الأحد 20 أكتوبر 202411:56 ص

منذ تأسيسه، يُعدّ لبنان، البلد الصغير الذي يحمل في قلبه كماً هائلاً من الفلسفة والجمال، مسرحاً لسرديات لا تنتهي على قاعدة الصمود والتضحيات. ولعلّنا، في وسط الفوضى القاتلة التي تعصف بوطننا، نجد أنفسنا نبحث، للمرة الألف ربما، عن الحب كقوّة محرّكة، تُعيد إلينا الإحساس بالطمأنينة والشعور بالانتماء. والأمر لا يعني البتة أننا خُلقنا فقط لننغمس ونذوب في أتون الوجدان "العروبي". وهذا لأن الحب الصادق يحمل في طياته مسؤوليات كبرى متبادلةً. وكما هو جدير بالحب البعيد عن الأنانيات أن يشكل مصدراً للتحرر وللإلهامات، لا عبئاً مضافاً فوق أكتاف المتحابّين وبين بعضهم بعضاً.

عزيزي لبنان،

أنا لست مواطنةً كي أنقذ إخوتي، ولا من أجل أن أصلحهم.

قد تبدو هذه العبارة قاسيةً، لكنها وبصراحة تلخّص بدقة ما أفكر فيه. لطالما تحمّل اللبنانيون على عاتقهم مشكلات الآخرين. نحن نجد دائماً أنفسنا نلعب أدوار المصلحين والمنقذين بين محاور وأقاليم مستقرّة أمنياً، ومتفوقة علينا في كل شيء. ولكن إلى أي مدى نستطيع أن نواظب على هذا المنوال؟ هل من واجبنا أن نبقى السند الذي لا ينكسر في وجه الريح العاتية؟ أم أن لنا الحق في التقاط أنفسنا وأنفاسنا، قبل أن تتقطع الخيوط الباقية للودّ والرحمة؟

أنا لست مواطنةً كي لا آخذ فرصتي في التشافى، ولا من أجل أن أحييك من الرماد.

 نحن نجد دائماً أنفسنا نلعب أدوار المصلحين والمنقذين بين محاور وأقاليم مستقرّة أمنياً، ومتفوقة علينا في كل شيء. ولكن إلى أي مدى نستطيع أن نواظب على هذا المنوال؟

وأختزل من خلال هذه الفكرة العلاقة بين الفرد-الضحية، وأمّته. فلبنان قد تحوّل، في سنواته الأخيرة بشكل خاص، إلى أرض خصبة للضحايا المستدامين. أتكلم عن ضحايا فساد، كوارث بيئية، تهميش طبقي، وأخيراً الحرب المستعرة، وعلى الأرجح المستعارة. وفي هذا السياق، لا يُمكن أن ننكر طبيعة حبّنا المعقّد لأرضنا وحدودنا. ولكن، هل الحب لها يعني أننا مجبرون على تحمّل الأثقال إلى حدّ الانكسار، بل حتى الانسحاق التام؟ وهل يتطلب منا الأمر أن نُفني طاقاتنا ومدخراتنا، مع وصولنا إلى منتصف العمر وآخره، بلا بدائل، وأقلّها الاستقرار والاستكانة؟

أنا لست مواطنةً كي أمنحك كل طاقتي.

وهذا اعتراف مُرّ، طبعاً. فالحب لا يجب أن يبقى سَحْباً مستمراً للطاقة من دون أن يُعاد شحنها. ولهذا صرنا نجد الناس مؤخراً في لبنان قد أحرقتهم القضايا التي طاولت الماء والهواء، والخبز والدواء، فانسحبوا إلى جبهات اليأس والأسى بلا رجعة قريبة على ما يبدو. نرى الأمهات والآباء، الشباب والشابات، جميعهم، يحملون على كواهلهم هموماً يوميةً ثقيلةً، من دون أن يجدوا دعماً كافياً من السلطات المعنية. ولقد آن الأوان أن نطلب شيئاً في المقابل: دولة ومؤسسات رسمية من مدارس وكليات ومستشفيات وخطط لخلق فرص عمل وضمان كرامة الكهول. نعم، من حقنا أن نبحث عن شراكة حقيقية بين المواطنين، يتحقق من خلالها تقاسم القرار السياسي، والواجب الوطني، وتالياً النتائج، ولا تكتفي بتقسيم رزنامة عطل أعياد الدولة على الأديان والطوائف والاحتفاء بالتهامِ "المعمول" اللذيذ بحشواته الثلاث.

عزيزي لبنان، 

أنا مواطنة لأحبّك بعمق.

عزيزي لبنان،
أنا لست مواطنةً كي أنقذ إخوتي، ولا من أجل أن أصلحهم.

لأن الحب الأصيل هو لبّ الوجود وجوهر المدنية. مع هذا، يبدو مكتوباً علينا، منذ زمن بعيد، عدم الاستمتاع بحبّ جبالنا الشاهقة، وبحرنا الحنون برملِه وصخوره، أو حبّ ثقافتنا التعددية والملوّنة، المنفتحة والمتفتحة، أو أحياء أجدادنا التراثية والنابضة بالجيل الجديد، وأطايب الطعام والشراب، وإبداعات الموضة التي تتباهى بها نجمات العالم فوق السجاجيد الحمراء. كأنه حبّ منذور لنتقبل بواسطته الاختلافات ونترفع عن الخلافات، لا غير. ولقد أدخلنا بلدنا مراراً في التجارب، فنظر ورأى كيف ننتظر أن تقع المصائب الدراماتيكية لنتآزر ونتآخى أخيراً. وكأن كل ما حدث لم يكفِ بعد. وليس للحب لدينا سوى مفهوم واحد في قاموسنا الملعون: التضحية وإعادة إنتاجها بالعنف وبالقوة.

عزيزي لبنان،

أنا مواطنة لأدعمك. أنا أسمعك وأراك.

أفكّر أن ما ينقصنا هنا والآن، في علاقتنا الجمعية المتغيرة وفقاً لاستضعاف فئات أو استقواء أخرى، مع توالي الحقبات الحاكمة وتبدلاتها، هو الدعم البنّاء، أي الذي لا يقتصر على الشعارات الطنّانة الصاعدة من الغالب، النازلة على المغلوب على أمره، فحسب. بل ذلك الذي يتحقق بأفعال تحسب للإنسانية حساباً وقبل أي اعتبار. فكل منّا يحتاج إلى أن يُرى وإلى أن يُسمع في أوقات الوهن والخوف، وعندما تتوالد الهواجس في داخل عقله وصدره. عسى هكذا روحية معاصرة، قادرة على قلب واقع المقتول إلى حال الوعي والاستنارة، على نية الخير الأعلى الجامع.

أنا مواطنة لنزهر ونثمر معاً، فهيا بنا!

أفكّر أن ما ينقصنا هنا والآن، في علاقتنا الجمعية المتغيرة وفقاً لاستضعاف فئات أو استقواء أخرى، مع توالي الحقبات الحاكمة وتبدلاتها، هو الدعم البنّاء، أي الذي لا يقتصر على الشعارات الطنّانة الصاعدة من الغالب

النموّ المشترك هو هدف الحبّ الأسمى. وما زال بإمكاننا كشعبٍ أن نكبر بجانب بعضنا بعضاً، إذا ما تخطّينا فكرة الذبيحة المقدسة، إذا ما تعلمنا كيف نحب أجسادنا وممتلكاتنا أولاً، وكيف نعطي دون أن نفقد جزءاً من أرواحنا في الطريق. لا يمكن للبنان أن يكسر حلقة تاريخه الدائرة، إلا إذا تخلّص من عقلية المذبح المفتوح أمام المتنافسين، واستبدلها بعقلية الشركاء في الحياة.

الحب للوطن، كما هو الحال في علاقات الأفراد العاطفية. الأول كما الثاني يحتاج إلى إخلاصنا. نعم، لكنه أيضاً بحاجة إلى أن نتعلم كيف نهوى بذكاء، وكيف نحمي أنفسنا بطريقة تجعلنا لا نضيع على درب النضال الطويل الطويل.

في هذا السياق، أستحضر اقتباس إريك فروم من كتابه المرجعي "فن الحب" بأن الحب: "ليس شعوراً سهل الوصول إليه لأيّ كان، بغض النظر عن مدى نضجه. الحب يتطلب جهداً، ويتطلب الانضباط، ويتطلب الصبر، ويتطلب الإيمان، ويتطلب التغلب على النرجسية". الوداد إذاً ليس مجرد عاطفة انفعالية، زائلة؛ إنه حرفة تقتضي الممارسة الدؤوبة والمراجعة الشفافة والاعتراف بالخطايا بتواضع، والتغيير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image