بدَأنا في المقالات السابقة طرح حلول مقترحة مستدامة وإستراتيجيات متكاملة للتعامل مع مشكلة ندرة المياه في مصر على مجموعة من المحاور والتي بدأناها في المحور الخاص بإيجاد مصادر مياه بديلة حيث أوضحنا أنه لا مفر من الاستثمار في إيجاد بدائل جديدة للموارد المائية لمصر.
والبدائل المقترحة كانت، بدءاً بالبدائل الأقل في التكاليف، هي الأمطار والفيضانات، والمياه الجوفية، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وتحلية مياه البحر، وإنشاء شبكات المياه وربطها بالدول الأخرى. ناقشنا في المقالات السابقة الأمطار والفيضانات، والمياه الجوفية ونتحدث اليوم عن إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وتحلية مياه البحر.
أولاً، إعادة تدوير مياه الصرف الصحي
مياه الصرف الصحي هي المياه التي تم استخدامها من قبل، وتحتوي على ملوِّثات مختلفة نتجت عن هذا الاستخدام. هذه الاستخدامات يمكن معها تقسيم هذه المياه إلى ثلاثة أنواع، وهي: مياه الصرف الصحي المنزلية، ومياه الصرف الصحي الصناعية، ومياه الصرف الزراعي.
بالنسبة إلى المياه الصرف الصحي المنزلية يمكن استخدامها عن طريق خلطها بنسب مع المياه العذبة بعد إعادة تدويرها لزراعة بعض المحاصيل، ولكن هذا يتوقف على نسب الملوِّثات الموجودة فيها وتكلفة إعادة تدويرها لتصبح صالحة لاستخدامها في زراعة محاصيل غذائية
مياه الصرف الصحي المنزلية (وتسمى أيضاً مياه الصرف الصحي البيتية) هي المياه المستخدمة في الاستحمام، والغسيل، والطهو، والمراحيض في المنازل والمراحيض العامة أيضاً والمطاعم والمقاهي والمدارس والفنادق والمؤسسات كالمستشفيات والبنوك والوزارات الحكومية. وتلك المياه تختلف في كمياتها من حيث فصول السنة ومن حيث ساعات اليوم. وتحتوي على ملوِّثات بيولوجية وكيميائية، مثل الدهون والزيوت والمواد العضوية.
مياه الصرف الصحي الصناعية هي المياه المستخدمة في المرافق الصناعية والتعدين أو العمليات الكيميائية. وقد تحتوي على مواد كيميائية، ومعادن ثقيلة، وملوِّثات خاصة تختلف على حسب نوع الصناعة وطريقة استخدام المياه فيها. أما مياه الصرف الزراعي فهي المياه المستخدمة في الأنشطة الزراعية، مثل الري أو المطر المنهمر على الزراعات. وتتجمع هذه المياه غالباً بعد استخدامها في حقول المزارع. تحتوي هذه المياه على المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية والرواسب (جزيئات التربة).
إمكانيات إعادة استخدام كل نوع من مياه الصرف الصحي مختلفة. والمبيدات الحشرية والأسمدة والرواسب التي تلوِّث مياه الصرف الزراعي يصعب معالجتها أحياناً. ولذا، يمكن استخدام هذه المياه بعد إعادة تدويرها في زراعة الغابات أو الغابات الشجرية، وليس المحاصيل الغذائية، الصالحة للأكل. إذ يمكن استخدام هذه المياه لزراعة غابات يمكن استخدام أخشابها، أو زراعة الأشجار العطرية، مثل الياسمين، للاستفادة بزيوتها وتصديرها. كما أن هذه الغابات لا تحتاج إلى الكثير من المياه وستعمل على تحسين النظم البيئية مما يساعد في مكافحة أزمة تغيّر المناخ، وزيادة الأمطار، وخفض درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء، وتقليل التآكل، وزيادة التنوع البيولوجي. وفي الوقت نفسه تعتبر هذه طريقة آمنة للتخلص من مياه الصرف الزراعي وكذلك تقليل تكاليف محطات المعالجة لهذه المياه. ولكن يجب مراعاة اختيار أنواع الأشجار المناسبة التي تتحمل الملوحة وتستفيد من العناصر الغذائية الموجودة في مياه الصرف.
يمكن أيضاً استصلاح بعض الأراضي الصحراوية وتقديمها للشباب بأسعار معقولة، ما يُسهم في تعزيز فرص العمل والتنمية الاقتصادية. يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعاد تدويرها بشكل آمن لزراعة المحاصيل التي تساهم في إنتاج سلع للتصنيع، مثل الألياف المستخدمة في صناعة الملابس، بالإضافة إلى زراعة الخزامى والبذور الزيتية مثل بذر الكتان والقنب، التي تستخدم لاستخراج الزيوت الأساسية وحبر الطباعة والطلاء، والتي يمكن زراعتها في هذه الأراضي الصحراوية. من المهم التأكيد على ضرورة تجنب استخدام أي من هذه المنتجات المصنعة في الأغذية، مما يضمن سلامة المستهلك ويحافظ على جودة المنتجات. هذه المبادرة لا تعزز الاستدامة البيئية فحسب، بل تساهم أيضاً في خلق فرص اقتصادية جديدة للشباب في المناطق الصحراوية.
من خلال الشراكات الدولية، يمكن استكشاف إمكانية التمويل المشترك للمشاريع الكبرى، ما يساعد على تسريع تنفيذ الحلول المستدامة. هذه الخطوات قد تُساهم في تعزيز قدرة مصر على تلبية احتياجاتها المائية المتزايدة وضمان استدامة الموارد المائية في المستقبل
أما بالنسبة لمياه الصرف الصحي المنزلية فيمكن استخدامها عن طريق خلطها بنسب مع المياه العذبة بعد إعادة تدويرها لزراعة بعض المحاصيل ولكن هذا يتوقف على نسب الملوِّثات الموجودة فيها وتكلفة إعادة تدويرها لتصبح صالحة لاستخدامها في زراعة محاصيل غذائية.
ووفقاً لبيانات الهيئة العامة المصرية للاستعلامات، فإن مياه الصرف الزراعي من المصادر المائية التي لا يُستهان بها، إذ يبلغ المتوسط السنوي لمياه الصرف الزراعي نحو 12 مليار متر مكعب يعاد استخدام ما يقرب من 9 مليارات متر مكعب، والتي يتم الاستفادة منها في المشروعات الزراعية. بينما تتم إعادة تدوير ما يقرب من 1.3 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي المنزلي واستخدامها في أغراض الري بشرط أن تفي بالشروط الصحيـة المتعارف عليها عالمياً. ومع هذا ما يزال ممكناً إعادة تدوير الكثير من مياه الصرف الصحي بأنواعها. ولكن يجب إنشاء المزيد من محطات المعالجة.
ثانياً، تحلية مياه البحر
تحلية مياه البحر تعتبر خياراً واعداً لمواجهة التحديات المائية لمصر، خاصة في ظل زيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني والتوسع العمراني. تمتلك مصر ساحلاً طويلاً على البحرين الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ما يجعلها في موقع جيد للاستفادة من هذه التقنية. هناك بعض المشاريع التي تم تنفيذها بالفعل، مثل محطة تحلية مياه البحر في مدينة العلمين، والتي تمثل خطوة مهمة نحو توفير مصادر مياه جديدة. وتنتج هذه المحطة ما يُقدر بـ150 ألف متر مكعب يومياً، من المياه الصالحة للشرب والاستخدام الآدمي.
ومحطات تحلية مياه البحر تستخدم كميات طاقة كثيفة وذلك بسبب العمليات المعقدة اللازمة لفصل الملح والمعادن من المياه، مما يتطلب ضغطاً عالياً يحتاج إلى طاقة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب بعض التقنيات التقليدية، مثل التقطير، تسخين المياه إلى درجات حرارة عالية، مما يزيد من استهلاك الطاقة. تؤثر كميات الطاقة اللازمة لتشغيل محطات التحلية بشكل مباشر على تكاليف إنتاج المياه. في البلدان التي تعتمد على الوقود الأحفوري، يمكن أن تؤدي تقلبات أسعار الطاقة إلى زيادة كبيرة في تكلفة تحلية المياه. لذا، فإن التقنيات التي تتطلب طاقة أقل أو التي تستخدم مصادر طاقة متجددة، مثل الطاقة الشمسية أو الرياح، تُعتبر أكثر استدامة من الناحيتين الاقتصادية والبيئية.
ولذا، تظل تكلفة تحلية مياه البحر من القضايا الرئيسية التي تمثل عائقاً لتنفيذ هذه المشاريع. تراوح تكلفة تحلية المياه من 0.5 إلى 1.5 دولار لكل متر مكعب، اعتماداً على التقنية المستخدمة وظروف التشغيل. وبعد الانهيار في سعر العملة المصرية مقابل الدولار، أصبح هذا يقدر من 25 إلى 75 جنيهاً مصرياً للمتر المكعب من المياه من دون النظر إلى التكلفة التشغيلية للمحطة. وعلى الرغم من أن هذه التكلفة، قد تبدو مرتفعة مقارنة بمصادر المياه التقليدية، ولكن تظل لهذه المشاريع الأولوية الأولى عن إنشاء الكباري وتشييد القصور، أو هكذا يبدو لي على عكس ما يرى النظام المصري. تُعتبر هذه التقنية ضرورية في المناطق التي تعاني من نقص المياه، إذ يمكن أن تسهم في تأمين إمدادات مياه كافية للمناطق السكنية.
لا تزال مصر بعيدة عن استغلال إمكانياتها الكاملة في مجال تحلية مياه البحر رغم وجود العديد من المواقع الساحلية المناسبة لإنشاء محطات تحلية. لكن لا تزال الاستثمارات محدودة في قطاع محطات تحلية المياه مقارنة بالحاجة المتزايدة للمياه الصالحة للشرب
لا تزال مصر بعيدة عن استغلال إمكانياتها الكاملة في هذا المجال. هنالك العديد من المواقع الساحلية المناسبة لإنشاء محطات تحلية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه القطاع تحديات تتعلق بالبنية التحتية، ما يُعوق القدرة على توسيع نطاق هذه المشاريع وتحسين الكفاءة. ولا تزال الاستثمارات محدودة في قطاع محطات تحلية المياه مقارنة بالحاجة المتزايدة للمياه. ولا يقوم النظام المصري بإيلاء اهتمام حقيقي بهذا الشأن لجذب استثمارات أجنبية تكون قادرة على العمل في هذا القطاع حيث يمكن مصر تعزيز التعاون مع الدول التي لديها خبرة متقدمة في مجال تحلية المياه، مثل السعودية والإمارات. من خلال الشراكات الدولية، يمكن استكشاف إمكانية التمويل المشترك للمشاريع الكبرى، مما يساعد على تسريع تنفيذ الحلول المستدامة. كل هذه الخطوات قد تُساهم في تعزيز قدرة مصر على تلبية احتياجاتها المائية المتزايدة وضمان استدامة الموارد المائية في المستقبل.
ونستكمل في المقال المقبل مناقشة آخر بدائل الموارد المائية لمصر والخاص بدراسة المشاريع المقترحة لإنشاء شبكات المياه وربطها بالدول الأخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي