شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ليست أمّي الحقيقية"... عن الأمّ النرجسية ومشاعرها المضطربة تجاه أولادها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الجمعة 3 يناير 202512:29 م

هناك مقولة شهيرة يرددها علماء النفس: "غالباً لا يأتي إلى العيادات النفسية المرضى بل ضحاياهم".

في الواقع، إن التعامل مع شخص يعاني من النرجسية أمر متعب للغاية، فالشخص النرجسي يمتصّ طاقة "ضحيته". ولكن ماذا لو كانت الأمّ هي ذلك الشخص؟

"ليست أمّي الحقيقية"

"أول ما تعلّمت الكتابة، كنت أقوم بكتابة أوراق صغيرة تحمل جملة: ‘تعالي خديني يا ماما’، وكنت ألقيها في الشارع ظنّاً مني بأن أمي الحقيقية سوف تراها، وأن هذه المرأة التي أعيش معها ليست أمي الحقيقية"؛ بهذه العبارات المؤلمة تتحدث ماري عزيز (30 عاماً)، إلى رصيف22.

وتضيف هذه الشابة: "منذ طفولتي وأنا أشعر دوماً بأن أمي تكرهني، حيث كانت تتعمد التقليل من شأني أمام الغرباء، في حين كانت تفخّم من شأن شقيقي وتظل تحكي عن إنجازاته ونجاحاته وتفوّقه الدراسي برغم أن اسمي يأتي في صفوف المتفوقين أيضاً، ولكنها كانت تغمض عينيها عن ذلك لا بل تنسب إنجازاتي إلى شقيقي".

"أول ما تعلّمت الكتابة، كنت أقوم بكتابة أوراق صغيرة تحمل جملة: ‘تعالي خديني يا ماما’، وكنت ألقيها في الشارع ظنّاً مني بأن أمي الحقيقية سوف تراها، وأن هذه المرأة التي أعيش معها ليست أمي الحقيقية"

وتتابع بالقول: "الأمر لم يتوقف عند ذلك فحسب، فحين بدأت أكبر وتبدو على جسدي معالم الأنوثة كانت تنظر إليّ نظرات خاليةً من السعادة بابنتها التي تكبر أمام عينيها. لم أرَ يوماً في عينيها نظرةً مشابهةً لتلك التي كنت أراها في عيون أمهات صديقاتي، بل كانت تسخر مني حين أرتدي ملابس تُبدي أنوثتي أو أستخدم مساحيق التجميل. كانت تقول لي: ‘إنتي فاكرة نفسك كبرتي... إنتي لسه حتة عيلة’، وحين كبرت علمت أن أمي نرجسية من الطراز الأول، وأن مشاعرها تجاهي مشاعر غيرة خاصةً عندما كنت أحقق خطوةً في حياتي العملية فشلت هي في تحقيقها".

وتقول ماري: "كلما كنت أكبر كانت تشعر بأنني ندّ لها أكثر، حتى قررت الاستقلال بحياتي حين كنت في الخامسة والعشرين من عمري، وفي العام نفسه قابلت رجل أحلامي وقررنا الزواج وأنجبنا طفلةً، وهنا شعرت بأن مقولة ‘فاقد الشيء لا يعطيه’، هي مقولة ظالمة للغاية، فعلى العكس تماماً أعامل ابنتي معاملةً مختلفةً كلياً فأنا أحب ابنتي بشكل صحي وسليم وأشعر بأنها قطعة من قلبي تكبر أمامي يوماً تلو الآخر، أتعمد أن أعزز ثقتها بنفسها، وأتمنى أن تمرّ الأيام وأراها أنثى جميلةً مكتملة الأنوثة".

بدورها، تعاني سارة منير (35 عاماً)، من علاقتها المضطربة بأمها النرجسية، فتقول لرصيف22: "منذ أن بدأت أعي معنى الكلام وأمي دائماً تقنعني بأن جميع الناس يحسدونني، وأن جميع أقاربي وصديقاتي يكرهونني ويغارون مني ويكنّون لي كلّ شرّ، مما نمّى في داخلي شعوراً بالرغبة في إرضاء جميع الناس حتى يحبوني، وبأنني لا أستحق الحب إلا حين أقدّم للطرف الآخر كل فروض الولاء".

وتضيف سارة: "جميع علاقاتي العاطفية باءت بالفشل لأنني كنت أختار أشخاصاً أقل بكثير مما أستحق، وكان لديّ شعور بعدم استحقاق الحب وعدم استحقاق الشعور بالأمان والاحترام من قبل الطرف الآخر في العلاقة، وعشت فترةً طويلةً من حياتي أشعر بأنني لست ذات قيمة، حتى توجهت إلى معالج نفسي أخبرني بأن هذه المشاعر السلبية أعاني منها في اللاشعور، وما زلت أتلقى العلاج حتى أتخلص من تلك الرواسب التي دمّرت حياتي، فأنا أعتبر أن الأم النرجسية مريضة وكل هدفها أن تخرّب حياة بناتها وألا تراهنّ أفضل منها في أي شيء".

شعور بالدونية

هناك العديد من الدراسات النفسية التي تسلّط الضوء على الأشخاص الذين وقعوا ضحايا أهل نرجسيين، وتبيّن أنهم يعانون من مشكلات عديدة مثل احترام الذات، وعدم التمكّن من حماية الحدود، وعدم تكوين هوية مستقلّة.

في هذا السياق، تشير دراسة شملت 457 من الآباء والأمهات الأمريكيين ممن لديهم سمات نرجسية ولديهم أولاد تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و18 عاماً، إلى أن هؤلاء الأولاد يعانون من قلق، واكتئاب، وصعوبة في التفاعل مع العالم وشعور أقلّ بالاستحقاق.

 "منذ أن بدأت أعي معنى الكلام وأمي دائماً تقنعني بأن جميع الناس يحسدونني، وأن جميع أقاربي وصديقاتي يكرهونني ويغارون مني ويكنّون لي كلّ شرّ، مما نمّى في داخلي شعوراً بالرغبة في إرضاء جميع الناس حتى يحبوني، وبأنني لا أستحق الحب إلا حين أقدّم للطرف الآخر كل فروض الولاء"

كما نشرت المجلة الدولية لعلم النفس والعلاج النفسي، دراسةً شارك فيها 409 شباب منهم 264 من الإناث، تفيد بأن الأمّهات اللواتي يعانين من السمات النرجسية لديهن قدرة منخفضة على دعم النمو العاطفي لأبنائهنّ، كما خلصت الدراسة إلى أن أولاد الأهل النرجسيين لديهم مشاعر أكبر بالعار والإذلال ولديهم تدنٍّ في احترام أنفسهم.

نمط خطير

يقول الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، لرصيف22، إن نمط الشخصية النرجسية هو نمط خطير خاصةً حين تتبناه الأمّ، فالأمّ النرجسية لا تستطيع أن تعطي أبناءها وبناتها الحب بصورة صحية: "تبدو أمام الجميع أنها أمّ جيّدة، ولكنها في الحقيقة تقوم بتدمير أطفالها على المدى البعيد خاصةً الإناث حيث تزداد مشاعرها السلبية تجاه ابنتها أو بناتها".

ويضيف هندي أن الأم النرجسية تحاول دوماً الهيمنة على ابنتها وفرض نمط حياة معيّن عليها، وتتعمد نقدها وتشويه صورتها الذهنية مما يجعل الفتاة تحت ضغط عالٍ للغاية: "لدينا تشبيه في علم النفس يقول إن الأم النرجسية تبتلع ابنتها، أي تودّ أن تكون الآمر الناهي وتجعل الابنة تفتقد هويتها بصورة واضحة، فهي دوماً تضع نفسها ندّاً لابنتها، وللأسف قد تضعها في مقارنة مستمرة مع أشقائها الذكور".

وينصح وليد هندي، المرء الذين ترعرع على يد أمّ نرجسية، بأن يقوم بحماية حدوده وتنمية الثقة بنفسه، كما ينصح أي شخص يعاني من أي اضطراب بأن يلجأ إلى المعالج/ ة النفسي، فالعلاج أفضل شيء يفعله الشخص سواء لنفسه أو للمحيطين به.

"لدينا تشبيه في علم النفس يقول إن الأم النرجسية تبتلع ابنتها، أي تودّ أن تكون الآمر الناهي وتجعل الابنة تفتقد هويتها بصورة واضحة، فهي دوماً تضع نفسها ندّاً لابنتها، وللأسف قد تضعها في مقارنة مستمرة مع أشقائها الذكور"

ويكشف أن الشخصية حين تتشكل فمن الصعب تغييرها أو علاجها، خاصةً اضطرابات الشخصية التي تشمل الأمّ النرجسية التي لا تعترف بسهولة بالاضطراب النفسي الذي يطغى على شخصيتها، إلا إذا كانت الرغبة في العلاج والتغيير نابعةً من الشخص نفسه: "رغبة المريض/ ة في العلاج والتغيير من تلقاء نفسه/ ا، تسهّل مهمة الطبيب النفسي أكثر"، شارحاً أن اضطرابات الشخصية قد تقود صاحبها إلى مشكلات نفسية أخرى مثل متلازمة القلق أو الاكتئاب، وهو ما يدفع الشخص المعني إلى طلب المساعدة العلاجية.

كما يوجه هندي عدداً من النصائح إلى الأم النرجسية قائلاً: "حين تصارح الأم النرجسية نفسها بأنها تسببت لبناتها في أزمات عديدة، وتبدأ بالاعتراف بمشكلاتها النفسية وتالياً تطلب العلاج من تلقاء نفسها دون أن يجبرها عليه أحد، هنا أنصحها بأن تبدأ العمل على تنمية شخصيتها من خلال الاطّلاع وفهم ذاتها بصورة أكبر، ويجب أيضاً أن تدرّب نفسها على تفهّم مشاعر أولادها ورغبتهم في الاستقلال، وبناء علاقة جيدة معهم حتى تصل إلى نتيجة مرضية، كما يجب أن تشارك في فعاليات اجتماعية وإنسانية مثل التوجه إلى زيارة دور مسنّين وأيتام أو دور مرضى السرطان، والهدف من ذلك تنمية مفهوم العطاء لديها، إذ إن كل ذلك سوف ينعكس بصورة إيجابية على علاقتها بالجميع".

ويضيف هندي أن كل هذه الخطوات تنمّي لدى الشخصية النرجسية فكرة عدم التمركز حول الذات: "الانخراط مع الآخرين ينمّي لديها الشعور بغيرها وبأن العالم لا يتمحور حولها فقط كما تعتقد".

في النهاية، إن النفس البشرية معقدة للغاية، ولا توجد نفس خالية من الترسبات النفسية، ولكن ما يهمّ هو الاعتراف بالمشكلة حتى نمسك بأيدينا طرف الحلّ، فطلب المساعدة العلاجية هو خير دليل على وعي الإنسان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image