شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الأمازيغية في مهبّ الإحصاء… هل سيُعترف بها لغةً رسميةً في المغرب؟

الأمازيغية في مهبّ الإحصاء… هل سيُعترف بها لغةً رسميةً في المغرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اللغة والهوية؛ نقاش يجد صداه في الشارع المغربي في كل وقت وحين. غير أنه مع انطلاق عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، مطلع شهر أيلول/سبتمبر الجاري في المغرب، وجد هذا النقاش أرضيةً خصبةً مرةً أخرى.

"تحدّث لغتك"... من أجل عدالة لغوية

في ظل هذا الزخم الثقافي والنقاش الهوياتي، أطلق ناشطون أمازيغ حملةً رقميةً على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً فيسبوك، تحت اسم "تحدّث لغتك"، وتهدف إلى حثّ المواطنين المتحدثين بالأمازيغية على تقديم الإجابات للباحثين خلال الإحصاء بألسنتهم الأمازيغية.

اللغة الأمازيغية لغة رسمية في الدستور المغربي، غير أنها عند عدد من الناشطين لا تزال تعاني من الحيف والإقصاء.

برغم ما حققته الحركة الأمازيغية من مكاسب، وبرغم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإقرار رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً مؤدّى عنه، إلا أن عدداً من المؤسسات لا تزال تعتمد اللغة الفرنسية في ذهنيّتها وهو ما يجعل حضورها أمراً صعباً للغاية.

تشير الحملة إلى أنَّ باحثي الإحصاء يجب عليهم التواصل مع السكان المُستجوبين بلغتهم الأمّ، وشرط الإلمام باللغة الأمازيغية، يجب أن يكون متوافراً في كل باحث وباحثة في المناطق التي يتحدث أهلها بلسان أمازيغي.

خلَّف هذا السجال ردود أفعال لدى المندوبية السامية للتخطيط، حيث ردّت على لسان مندوبها السامي أحمد لحليمي، خلال ندوة لإطلاق الإحصاء العام السكاني في المغرب، بأن هذا الأخير ليس إثنياً أو قبائلياً أو عرقياً.

، أطلق ناشطون أمازيغ حملةً رقميةً على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً فيسبوك، تحت اسم "تحدّث لغتك"، وتهدف إلى حثّ المواطنين المتحدثين بالأمازيغية على تقديم الإجابات للباحثين خلال الإحصاء بألسنتهم الأمازيغية

المتحدث قال إن المراقبين والباحثين تم اختيارهم على أساس استيعابهم لمعطيات الاستمارة والمفاهيم التي تتضمنها والمصطلحات المستعملة فيها؛ وكذا على أساس القدرة على التواصل بالأمازيغية.

إحصاء مُؤدلج

في هذا السياق، يقول عبد الله بوشطارت، وهو عضو مجموعة "الوفاء للبديل الأمازيغي" وباحث وناشط أمازيغي، في حديث إلى رصيف22، إن منهجية اشتغال المندوبية السامية للإحصاء والتخطيط، منهجية غير علمية وغير موضوعية، وتنبعث منها "أيديولوجيا القومية العربية" التي يريد مندوبها ترسيخها في استمارة الإحصاء وبنيتها وأسئلتها التي تصبو إلى توجيه النتائج في ما يخص الهوية واللغة والثقافة في المغرب.

ويشدد المتحدث على أن الاستمارة تُدرج اللسان الدارج (أي المتحدث بالدارجة المغربية)، ضمن خانة اللغة العربية، لذا يهدف واضعو الاستمارة إلى تصنيف كل من يتحدث باللسان الدارج، "عربياً"، وهذا معطى مغلوط بل تحكمه الأيديولوجيا.

يضيف الباحث: "هناك لبس في طريقة توظيف المراقبين والباحثين حيث صرّح المندوب السامي في ندوته الصحافية، بأنه اعتمد منهجية تشغيل الناطقين بالأمازيغية في المناطق الأمازيغية مثل الريف والأطلس وسوس، وهذا أيضاً تصنيف تقزيمي لمجال تداول اللغة الأمازيغية، فنحن نعرف أن مدينة الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية للمغرب)، هي المدينة التي تضم أكبر عدد من الأمازيغ من مختلف مناطق المغرب".

المتحدث يشدد على أنه في إحصاء 2014، اعتمدت المندوبية الخطة نفسها، وخرجت بنتائج كارثية جداً حيث قالت إن 99.1% من سكّان الدار البيضاء يتحدثون الدارجة، وهذا غير صحيح بالمطلق. وحينما يصنّفهم الإحصاء بهذا الوصف فإنهم بالنسبة له "سكان عرب"، لذلك كانت نتائج الإحصاء في 2014، كارثيةً في حق المتحدثين بالأمازيغية حيث خلص إلى أن نسبتهم لا تتجاوز 26%.

ويرى بوشطارت، أن الإحصاء هو إحصاء تقييمي لقياس مدى نجاح سياسة التعريب التي يؤمن بها المندوب السامي، ومن أجل تفادي نتيجة صادمة في هذا الإحصاء جاءت هذه الحملة التحسيسية التواصلية تحت وسم "سَاوْلْ سْ إِلْسْ نْكْ"، أي "تحدث لغتك مع باحثي الإحصاء"، وهي الحملة التي لقيت نجاحاً واسعاً في كل وسائل التواصل الاجتماعي.

صدى الهوية... الأمازيغية في مهب الرياح الإحصائية

الفكرة ذاتها يؤيدها إبراهيم إشوي، الصحافي والباحث في قضايا الأمازيغية، إذ يرى في تصريح لرصيف22، أنَّ إحصاء 2004 ثم 2014 عرفا نتائج مشبوهةً. وهو ما يدفع للتنبيه وردّ الإحصاء نحو المسار الصحيح من خلال حملة تدعو للتحدث باللغة الأمّ.

يشدد إِشوي على أن الحملة لقيت استحسان كثيرين، وهو ما تم تأكيده خلال الأيام الثلاثة الأولى من الإحصاء. وما حديث المندوب السامي للإحصاء سوى دليل على نجاح هذه الحملة الداعية إلى التشبث بالهوية والتحدث باللغة الأمازيغية.

اللغة الأمازيغية لغة رسمية في الدستور المغربي، غير أنها عند عدد من الناشطين لا تزال تعاني من الحيف والإقصاء.

يقول الصحافي والباحث: "وصول الحملة إلى عدد كبير من المغاربة دفع المندوب السامي للرد بأن العملية ليست ‘إثنيةً أو عرقيةً’، وهذا في حد ذاته اعتراف ضمني بـ’انزلاق’ المندوبية".

كي لا يُساء الفهم والغرض من حملة "تحدّث لغتك"، يشدد إشوي على أن الجميع يرحب بعملية الإحصاء باعتبارها عمليةً مهمةً ديمغرافياً واجتماعياً تمكننا من وضع استباقي لسياسات عمومية لمستقبل البلاد.

لكن ما يعيبه إشوي، ومعه ناشطون وناشطات داخل الحركة الأمازيغية، على العملية وعلى مهندسيها أنها اعتمدت بعداً إقصائياً ومنهجاً مغلوطاً وغير علمي بخصوص الوضع اللساني تجاه اللغة الأمّ للمغاربة بإدراج لهجة أو لهجات الدارجة المغربية ضمن خانة اللغة العربية.

ينبّه المتحدث إلى أن خلف إدراج الدارجة وإقحامها في اللغة العربية، نيّةً مبيتةً ولا علاقة لها بالطابع العلمي حيث لا تستند إلى مرجعية علمية دقيقة. وهي في سياق متصل تحيل إلى إصرار المندوبية على توطين الأمازيغية في مناطق معينة، وهو طرح عنصري لا يلزم المغاربة. فمعادلة من يسكن المدينة يتحدث الدارجة التي وصفتها المندوبية بالعربية، ومن يسكن القرية فهو ضمنياً يتحدث الأمازيغية، معادلة غير صحيحة وغير دقيقة.

أسئلة عالقة

على ضوء النقاش المعقّد حول اللغة والهوية، يبقى التساؤل الأكبر: هل يمكن أن يُعدّ إحصاء السكان موضوعياً عندما يتم إقصاء لغة دستورية كالأمازيغية من عملية بالغة الأهمية؟ إن تجاهل البعد اللساني في الاستمارات والتصنيفات اللغوية يعكس إشكاليةً عميقةً تتجاوز الأرقام والنتائج، لتلامس أسس الفهم العلمي والسياسي للمجتمع.

فكيف يمكن تحقيق سياسات عمومية عادلة إذا كانت البيانات المجمعة قائمةً على تصنيفات تحمل في طياتها توجيهات أيديولوجية؟

الأمازيغية ليست مجرد لغة، بل هي مكوّن أساسي من مكونات الهوية الثقافية للمغرب، وتفعيلها بشكل حقيقي يعكس الانسجام بين النص الدستوري والممارسة الفعلية في مؤسسات الدولة

وهل يمكن فعلاً الحديث عن العدالة اللغوية والثقافية في ظل استمرار هيمنة لغة على حساب أخرى؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة، وتدعو إلى إعادة النظر في المنهجيات المتّبعة ومدى مطابقتها للواقع المتعدد الهويات الذي يميز المجتمع المغربي.

الأمازيغية في عيون الإقصاء... هل تظلّ لغةً بلا صوت؟

هل تعاني الأمازيغية، لغةً وثقافةً وهويةً، من حيف وإقصاء؟ سؤال لطالما تردد في المغرب وخلَّف نقاشات عميقةً. وهو ما يتفاعل معه إسماعيل الزݣاغي، أستاذ اللغة الأمازيغية والمهتم بقضاياها.

يقول الزݣاغي: "أصبح إقصاء اللغة الأمازيغية من طرف مؤسسات الدولة شيئاً معتاداً ومتكرراً، وذلك راجع إلى غياب إرادة حقيقية لتفعيل الطابع الرسمي للّغة الأمازيغية وغياب أي محاسبة لمن يتجاهل الأمازيغية خاصةً المؤسسات الرسمية".

ويورد المتحدث أن هناك بعض الأسئلة الموجهة إلى المواطنين، والتي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، وتهدف إلى تحديد اللغة الأمّ واللغة المتداولة بين أفراد العائلة. غير أن المسؤولين عن إعداد هذه الاستمارة، عدّوا الدارجة المغربية والحسانية متغيّرات من اللغة العربية مما يجعلنا نتساءل أولاً عن مدى كفاءة من وضع هذا التحديد، ومدى صحته.

يقول المتحدث: "من خلال ما توصلنا إليه من لدن بعض المواطنين، يتضح أن هناك استمارةً مُفصلةً تتضمن إشكالية اللغات، فيما هناك استمارة أخرى مختصرة من دون أسئلة حول اللغة، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى دقة النِسب التي سيتم تقديمها بعد نهاية الإحصاء".

حسب الباحث، ما يدفع للاستغراب هو كيف تسأل مواطناً عن لغته وقد وضعت الأسئلة باللغة العربية وقمت بتكوين الباحثين المكلفين بالإحصاء باللغة العربية دون أي مراعاة للّغة الأمازيغية؟

يعكس هذا النقاش عمق التوترات المرتبطة بالهوية واللغة وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المغرب، ويظلّ السؤال مطروحاً حول مستقبل اللغة الأمازيغية في سياق العمليات الرسمية والإحصاءات الوطنية.

ففي ظل التقدم المحقق على المستوى التشريعي بإقرار الأمازيغية لغةً رسميةً، تظل التحديات أمام تفعيلها قائمةً. يبرز هذا الجدل الدور الحاسم الذي تلعبه المبادرات الشعبية والحملات التواصلية في تعزيز الوعي والتمسك بالهوية، إلا أن القضية تستدعي أيضاً معالجةً رسميةً تتجاوز الحلول السطحية.

الأمازيغية ليست مجرد لغة، بل هي مكوّن أساسي من مكونات الهوية الثقافية للمغرب، وتفعيلها بشكل حقيقي يعكس الانسجام بين النص الدستوري والممارسة الفعلية في مؤسسات الدولة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image