لا بد من الاعتراف اليوم، بأن المتابعة المباشرة لوسائل التواصل الاجتماعي ليست أقلّ تأثيراً من الحرب النفسية التي نتعرض لها كلبنانيين/ ات منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
قلّة منا تستطيع التخلي عن هذه الصفحات أو عدم متابعتها، فقد أصبحت الحسابات الإلكترونية هويةً ثابتةً كبطاقة الهوية التي نحملها للتعريف بأنفسنا، لكن الفرق هو في استطاعتنا اختيار الصورة وما نريد قوله. لكن من يتحكم في ما يصلنا؟
التوتر في ظلّ مجتمعات مفككة
هل الكآبة والتوتر أصبحا مرافقين دائمين لمتابعتنا الدائمة للمنصات الإلكترونية؟
يقول الدكتور باسل صالح، وهو ناشط سياسي، لرصيف22: "في ظل كل التغييرات السياسية والاجتماعية الحاصلة منذ الربيع العربي ودخول المنطقة في صراع محتدم، تعرضتُ للاتهامات والتهديد المباشر، وانعكس ذلك سلباً على حياتي الشخصية وعائلتي وعلاقاتي الشخصية. وقد استدعى هذا الأمر أن أتوقف عن الدخول في سجال إلكتروني مع أحد منذ عام تقريباً، واكتفيت بالتعبير عن رأيي بشكل ساخر وتحديداً بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لأننا دخلنا في مرحلة صراع طويل لن ينتهي قريباً، لذا فكرتُ في ما الذي ينفع إن زدت توتراً فوق التوتر الحاصل؟".
"في مجتمع مفكك يعاني من العديد من الصراعات المذهبية والسياسية والدينية، تصير وسائل التواصل الاجتماعي حلبة مصارعة أكثر منها مساحة للنقاش والحوار"
ويتابع صالح: "لسنا في وضع يسمح بزيادة التوتر والقلق في ظل كل ما نتعرض له من انهيارات وأزمات في لبنان والتفكير الدائم في أولادنا ومستقبلهم. وقد عملت على تخفيف حدة التوتر من ناحيتي، وقد انعكس هذا الأمر على سلوكي في التعامل مع الآخر بشكل إيجابي".
ويوضح صالح أن "هناك تأثيراً كبيراً على الأفراد من مواقع التواصل الاجتماعي التي دورها الأساسي هو التواصل. لكن في مجتمع مفكك يعاني من العديد من الصراعات المذهبية والسياسية والدينية، تصير وسائل التواصل الاجتماعي حلبة مصارعة أكثر منها مساحة للنقاش والحوار. وأنا على المستوى الشخصي، عانيت من أزمة حقيقية على مدى سنوات طويلة نتيجة التوتر والصراعات المحتدمة في ظل التغييرات السياسية والاجتماعية الحاصلة في المنطقة، وادّعاء كل طرف بأنه يمتلك الحقيقة، وهو ما ينعكس على السلوك وإبداء الرأي ويؤدي إلى إقصاء الرأي الآخر والشخص الآخر. ومن الطبيعي أن تولّد كل هذه الصراعات مزيداً من التوتر والغضب، عدا عن المعلومات المضللة التي تنتشر من دون مصدر والتي تساهم بشكل مباشر في زيادة التوتر والقلق، والتي لا نستطيع ضبطها وتنعكس على الجميع بشكل سلبي".
علاقة السوشال ميديا بالتوتر وزيادة الاكتئاب
تتحدث الدتورة خلود الدمشقي، وهي مستشارة نفسية، لرصيف22، عن علاقة السوشال ميديا بالصحة النفسية، فتقول: "تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً سلبياً على نفسيتنا بشكل مدمّر، ومن الممكن أن تؤدي إلى القلق والاكتئاب، خاصةً إذا كان ما يتابعه الأفراد محتوى عنيفاً وغير إنساني في ظل الحروب والصراعات في لبنان وغزّة بشكل مستمر ومتكرر. وهذا يجعل الأشخاص يطوّرون الخوف الذي يتحول إلى قلق واكتئاب وشعور بأنهم يعيشون في عالم غير عادل وغير آمن، وبأن حياتهم مهددة طوال الوقت".
وتتابع الدمشقي: "يتحول العقل إلى وضعية البقاء على قيد الحياة، فيظل هؤلاء الأفراد في حالة التيقظ والخوف وعدم الشعور بالأمان، والتي تساهم فيها وسائل التواصل الاجتماعي التي هي عبارة عن قصف لا يتوقف للمحتويات السلبية ويصعب على الأفراد تجنّبها".
وتضيف الدمشقي: "إن الإدمان على متابعة وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من حدة التوتر ويقلل من التواصل الإنساني وهو من الأمور السلبية. هذه الصفحات قد تعرّضنا للتواصل مع أشخاص غير أسوياء قد يتسببون في مشكلات ومواجهات غير متوقعة، واستخدامها دون تنبّه شديد يُعدّ خطراً على الأفراد".
"تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً سلبياً على نفسيتنا بشكل مدمّر، ومن الممكن أن تؤدي إلى القلق والاكتئاب، خاصةً إذا كان ما يتابعه الأفراد محتوى عنيفاً وغير إنساني في ظل الحروب والصراعات في لبنان وغزّة بشكل مستمر ومتكرر. وهذا يجعل الأشخاص يطوّرون الخوف الذي يتحول إلى قلق واكتئاب وشعور بأنهم يعيشون في عالم غير عادل وغير آمن، وبأن حياتهم مهددة طوال الوقت"
من جهتها، تقول ريما، وهي أمٌ لثلاثة أطفال، لرصيف22: "في ظل الأحداث الحالية، تشكّل مواقع التواصل الاجتماعي ضغطاً نفسياً عليّ بشكل مباشر. وأنا كأمّ، يختلف تعاطيّ الآن مع ما يجري عما شعرت به في حرب تموز؛ إذ كان عمري حينها 17 عاماً وكان همي الوحيد كيف سأترك منزلي وذكرياتي. أما الآن، في ظل وجود ثلاثة أطفال بأعمار حساسة، منهم طفل لديه حالة خاصة، تغيّر الأمر وأصبحت المسؤولية أكبر. لذلك عندما أتابع صفحات التواصل الاجتماعي أشعر بالضغط والتوتر، خاصةً في ظل حملات التخوين والحملات المضادة وإقفال المناطق على بعض المواطنين/ ات".
وتكمل ريما: "أحاول أن أُبعد أولادي ما استطعت عن وسائل التواصل لكيلا أزيد من خوفهم، لكن لا أستطيع أن أعزل نفسي عمّا يجري من أحداث. الحرب النفسية الحاصلة على مواقع التواصل الاجتماعي من جميع الأطراف والأخبار المضللة، تزيد من حدة القلق والتوتر لديّ. نحن لم نخرج من صدمة انفجار المرفأ والشعور الدائم بأن الحرب اقتربت ومساهمة الناس في نشر الأخبار، وكلها عوامل تساهم في شعوري بالقلق والاكتئاب".
وتختم: "نحن كأمهات لأطفال لديهم حالات خاصة، لا يذكرنا أحد ولسنا ضمن خطط الطوارئ ولا نعرف كيف يجب أن نتصرف في حال اندلاع الحرب. فهل علينا تجنّب التفكير في ما سيحصل لأطفالنا؟ نحن لسنا على ما يرام في ظل كل ما يُنشر من أخبار وفي ظل حالة القلق التي نعيشها دون أجوبة واضحة".
حرب نفسية
"الحرب النفسية تخاض بجدارة على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعة"؛ هذا ما تقوله ملاك، وهي ناشطة سياسية، لرصيف22.
وتشرح: "أحياناً أشعر بأنني لم أعد قادرةً على رؤية الجثث المقطعة، كما حصل عند استشهاد إسماعيل الغول، أو عندما تُخرج جثامين الشهداء الذين كانوا في الأسر، أو الأسرى الأحياء الذين لا تُحتمل عذاباتهم. في تلك اللحظات، أبتعد عن وسائل التواصل لأستطيع العودة والتعامل مع العالم من جديد. قرأت كثيراً في الفترة الأخيرة كي أخفف من وقع كل هذه الضغوط على صحتي النفسية".
وتكمل ملاك: "الأخبار المضللة، خاصةً خلال الحرب، تجعل الناس على قلق دائم، وعدم الوعي بنشر بعض الكلام قد يزيد من حدة الفتنة وقد يحول الصراع إلى صراع مذهبي، كما أن الأخبار المضللة تجعل الناس على حافة الانفجار أمام أي موقف والقلق بوقوع الحرب أو عدمها".
وتختم ملاك: "برأيي عجزنا أمام ما يحصل في غزة وعدم قدرتنا على وقف الإبادة هما سببان رئيسيان لزيادة التوتر والاكتئاب أكثر من تأثير الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي".
العودة إلى الحياة الواقعية
لا شك في أن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي في ظل الحروب والصراعات قد تنعكس سلباً على صحة الأفراد، خاصةً في ظل انتشار الأخبار الكاذبة والتهويلات والتحليلات التي تجعل العديد من الأشخاص في حالة قلق وتوتر واكتئاب، وتالياً يتعيّن تقليل حالة التعرّض لمثل هذه الأخبار.
من هنا، تشدد د. خلود الدمشقي، على أنه "من الضروري أن نعرف أن الوقت الذي نقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن يكون محدوداً وضمن فترات زمنية معينة، وإلا فإننا نعرّض أنفسنا لخطر تأثير الأخبار السلبية التي تزيد من حدة التوتر والاكتئاب، كما يجب علينا العودة إلى الحياة الواقعية بشكل أكبر والتقليل من العلاقات الافتراضية، وإعادة التواصل مع أشخاص من مجتمعنا وتعزيز العلاقات مع الأفراد الجيدين من حولنا. كذلك، من المهم أن نكون مدركين للمحتوى الذي نتابعه والتأكد من مصداقية هذه المصادر وصحتها".
"عجزنا أمام ما يحصل في غزة وعدم قدرتنا على وقف الإبادة هما سببان رئيسيان لزيادة التوتر والاكتئاب أكثر من تأثير الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي"
وتضيف: "للأسف إن انتشار الأخبار المضللة أصبح سريعاً، لذا علينا الانتباه إلى ما يتم نشره ومشاركته مع الآخرين".
وتختم الدمشقي: "نحن ننصح الأشخاص المتضررين نفسياً من مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة استخدام تقنيات الاسترخاء، مثل المشي، التأمل، التنفس العميق، الكتابة، سماع الموسيقى، فهذه الأنشطة تساعدهم على تشتيت ذهنهم حول الأخبار السلبية على مواقع التواصل. وفي حال عدم جدوى هذه التمارين، ننصح باستشارة شخص مختصّ لتجنّب الدخول في مراحل نفسية أصعب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع