شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الحروب تعطي فرصة للمفاوضات، لكن مفاوضات الغد ستعطي فرصة للحرب

الحروب تعطي فرصة للمفاوضات، لكن مفاوضات الغد ستعطي فرصة للحرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 14 أغسطس 202411:12 ص

غداً الخميس، هو الموعد النهائي الذي حدّدته الإدارة الأمريكية للأطراف المتفاوضة وللوسطاء حول صفقة التبادل، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب ويعيد المختطفين. عدا ذلك، فإن الإدارة الأمريكية، وكما ورد على لسان أكثر من مسؤول فيها، ستضطرّ إلى التقدم بمقترح جديد وتحاول فرضه على الطرفين.

هذا التهديد الأمريكي "للطرفين" غير مألوف لا في عالم السياسة ولا في عالم المفاوضات. فالمنطق يقول إن الوسيط، عادة، يطلب من طرفي المفاوضات، أو يضغط عليهما، أو يحاول جَسر الهوة بينهما وتقريب وجهتي النظر، وإن أصابه اليأس يهدّد بالتخلي عن دوره في الوساطة، لكن في كل الأحوال فإنه لا يتخلّى عن مادة التفاوض ذاتها لصالح مادة جديدة كلياً.
ما هي الحالة التي يتخلى فيها الوسيط عن مادة التفاوض، وتحديداً حين يكون على غرار الولايات المتحدة في وساطتها بين حليف تاريخي مثل إسرائيل، وعدو تتهمه يومياً بشتى أصناف التهم المتعلقة بالإرهاب مثل حماس؟ إنها بالضبط اقتناعه بوجهة نظر أحد الطرفين، أو تبنيه لها، أو على الأقل أخذها بعين الاعتبار، وهذا الطرف هو إسرائيل بدون عناء تفكير أو تحليل.
حين نتمعّن بهذا التهديد الغريب، والذي يلوّح بنسف كل ما يتفاوض عليه الطرفان منذ مدة طويلة، وذلك لصالح مشروع جديد، أو مقترح جديد كما وَرَد، فإن الأقرب إلى الاستنتاج هو أن الإدارة الأمريكية اقتنعت بوجهة نظر نتنياهو حول أمور عدّة، أو لنقُل إنها أخذت تحفظاته على محمل الجد، وتريد أن ترضيه بمقترح يتلاءم أو يقترب أكثر من وجهة نظره.

لا يريد نتنياهو مفاوضات صفقة، لا مع حماس ولا مع الفلسطينيين عموماً، وهو لا يخفي نواياه بالاستمرار في الحرب إلى حين تحقيق كافة أهدافه المعلنة وغير المعلنة، ولو كان ذلك على حساب الرهائن، وعلى حساب سمعته وسمعة إسرائيل في العالم
كلنا تابع، وكلنا يعلم أن الصفقة التي يتمّ التفاوض عليها منذ شهرين كانت مبادرة أمريكية قدّمها الرئيس بايدن نفسه، وسمّيت حينها باسمه، وقيل عنها وكُتب في أكثر من موقع وصحيفة عالمية وحتى إسرائيلية، بأنها مبادرة إسرائيلية بلغة وصياغة أمريكيتين. لم يعترض آنذاك، بشكل جدي، على هذا التوصيف لا الأمريكان ولا الإسرائيليين ولا حتى حماس، وأما فيما يخصّ العالم، فقد تبنّاها بشكل رسمي وصدّرها على شكل قرار لمجلس الأمن دون فيتوهات ولا اعتراضات.
لا يريد نتنياهو مفاوضات صفقة، لا مع حماس ولا مع الفلسطينيين عموماً، وهو لا يخفي نواياه بالاستمرار في الحرب إلى حين تحقيق كافة أهدافه المعلنة وغير المعلنة، ولو كان ذلك على حساب الرهائن، وعلى حساب سمعته وسمعة إسرائيل في العالم. كل هذا لا يعنيه، لكنه لا يستطيع التصريح به علانية، فيستعيض عنه بما نسميه نحن بـ "تلكؤ نتنياهو" أو "مماطلات نتنياهو" أو "شروط نتنياهو الجديدة"، إلى آخره من هذه الصيغ والأوصاف. المفاوضات التي يريدها نتنياهو، باختصار شديد، هي تلك المفاوضات التي تحقق له هذه الأهداف، أي المفاوضات التي تكون بديلاً غير مكلف للحرب، وليس خاتمة طبيعية للحرب.
لا يوجد أي معنى، بعد ما يقارب السنة من هذه الحرب، أن نستعرض أو نختلف أو حتى نتفق حول أهداف نتنياهو وحكومته. رغم ذلك أرى من الضروري أن نفكّر بمحور فيلادلفيا وفائدته لإسرائيل في مسار تحقيق أهدافها غير المعلنة تحديداً، فيما لو ضمنت السيطرة عليه. وهنا أعود لما بدأنا به هذا المقال، وهو التهديد الأمريكي بطرح مبادرة جديدة للمفاوضات في حال فشلت جولة الغد.
أعتقد، بل أجزم، أن الولايات المتحدة تريد لهذه الجولة أن تفشل، أو في أفضل الأحوال هي تتوقع الفشل بنسبة عالية، استناداً إلى اتصالاتها مع نتنياهو وأقطاب حكومته. وإلا ما معنى أن تهدّد مسبقاً بطرح مشروع أو مبادرة جديدة؟ لنستعرض الأمور بطريقة عكسية: حين يسمع نتنياهو أن أقصى ما تهدّد به حليفته هو التخلي عن المبادرة السابقة وطرح مبادرة جديدة، فما الذي يجبره على القبول بالشروط والتفاصيل الحالية التي يرفضها أصلاً، ويختلق الأعذار اليومية للتهرب منها بوضع شروط جديدة؟ إذن فلينتظر الجديد المُحدَّث، وهذا الجديد لن يذهب باتجاه الأخذ بمطالب حماس ولا مطالب بقية الوسطاء، بل سيأخذ بعين الاعتبار تحفظات الحكومة الإسرائيلية بكل تأكيد.
ليس بالضرورة طبعاً أن تتبنى المبادرة الجديدة كافة المطالب الإسرائيلية، ولكن بعضها على الأقل، وهذا البعض هو تحديداً بقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا بشكل أو بآخر.
كما أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا التبني فقط من أجل الحليف الإسرائيلي ومصالحه التوسعية ما يؤدي إلى تحقيق الأهداف، بقدر ما هو من أجل أن تتمكن الولايات المتحدة من فرض هيبتها، ولو شكلاً، على نتنياهو، "وإجباره" على الذهاب إلى توقيع الصفقة، وذلك قبل الانتخابات الأمريكية التي أصبحت على الأبواب.
إذن، على الأغلب، نحن في انتظار جولة جديدة فاشلة من المفاوضات غداً. وهذا الفشل، على غير العادة الدارجة لما كان يحصل في الجولات السابقة، تم التخطيط له مسبقاً من قِبل الإدارة الأمريكية ذاتها. أما لماذا قد تكون هذه الإدارة معنية بهذا الفشل، فالأمر يتعلّق بالرد الإيراني المرتقب، أو الذي طال انتظاره.
يروّج لنا الإعلام وغالبية السياسيين أن الحشود العسكرية الأمريكية في المنطقة، وكل هذه التحركات الدبلوماسية، هدفها منع إيران من الردّ، وذلك بتخويفها من العواقب المحتملة لأي تهوّر، لكنني أرجّح أن العكس هو الصحيح، أي أن الرغبة الأمريكية هي في تأجيل الرد وليس في منعه. والتأجيل هنا هدفه إعطاء إيران الفرصة الكافية لاختيار الهدف وطريقة تنفيذ المهمة. هذا الهدف، كما صرّحت إيران بالأمس، سيكون مماثلاً للفعل الذي قامت به إسرائيل حين اغتالت إسماعيل هنية. بلغة أخرى: اغتيال باغتيال وليس ضربات عسكرية أو أي عمل يمكنه أن يقود إلى حرب شاملة.

نحن بصدد فشل جلسة الغد من المفاوضات، يتبعها مبادرة أمريكية جديدة تأخذ بعين الاعتبار جزءاً من شروط نتنياهو، وتحديداً ما يخص محور فيلادلفيا ومعبر رفح
لقد سئمت الإدارة الأمريكية من نتنياهو، لكنها لا تستطيع مهاجمته بسبب ما قد ينعكس على وضع مرشحة الديمقراطيين في الانتخابات القادمة. وكما قلت في مقال سابق، إن هذه الإدارة لا تهاجمه، بل تسمح للآخرين بمهاجمته، وهي تريد بذلك التخلص منه بما لا يضر بمصالحها أو بمصالح إسرائيل. في المقابل فإن هذه الإدارة، بكل تأكيد، ليست معنية لا بحماس ولا باشتراطات حماس فيما يخصّ الصفقة. إذن فالحل الأسلم هو دعوة لجلسة مفاوضات معروفة النتيجة سلفاً، أي الفشل، وهذا يحقّق الهدفين الذين تسعى لهما؛ الأول هو إهداء نتنياهو وحكومته مبادرة جديدة تمكنه من تحقيق أهداف الحرب، والثاني هو تسهيل رد إيراني يجعل من نتنياهو شخصاً غير مؤهل لقيادة إسرائيل، وشخصاً يتسبب في أذى شعبه وحلفائه في اليمين.
الخلاصة مما سبق هي أننا بصدد فشل جلسة الغد من المفاوضات، يتبعها مبادرة أمريكية جديدة تأخذ بعين الاعتبار جزءاً من شروط نتنياهو، وتحديداً ما يخص محور فيلادلفيا ومعبر رفح. وهنا نحن أمام احتمالين: إما قبول نتنياهو، وهذا مؤكد، بصفقة تضمن له الانتصار بتحقيق أهدافه، لكن هذا الاحتمال سيصطدم برفض حماس، وإما جولات جديدة من المفاوضات، مترافقة مع جولات جديدة من المجازر بحق الفلسطينيين.

خلال هذه الجولات سيتم الردّ الإيراني المحدود وغير المباشر، والذي سيحفظ ماء وجه إيران وهيبتها وسيادتها وشرفها كما قيل، لكنه سيستدعي توسيعاً للحرب على الفلسطينيين فقط. بالموازاة ستكون هناك مفاوضات أكثر جدية وأكثر جدوى تخصّ الترتيبات الأمريكية في المنطقة، آخذة بعين الاعتبار مصالح إيران وموقعها الجديد على خارطة الشرق الأوسط.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image