شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل صارت الحرب المفتوحة مع إسرائيل حتميةً؟

هل صارت الحرب المفتوحة مع إسرائيل حتميةً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والمشرّدون

الأربعاء 7 أغسطس 202403:46 م
Read in English:

Has open war with Israel become inevitable?

حُقنت المنطقة بحقنة جديدة وقوية من السخونة، عبر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في طهران، بعد ساعات قليلة من اغتيال فؤاد شكر، أحد كبار قياديي حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت، ومن قبلهما القصف الإسرائيلي غير المسبوق لميناء الحديدة اليمني. ما سبق، عجّل من دورة التصعيد الدائر بين إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية من طرف، وإيران والميليشيات الإقليمية الملتحفة بعباءتها من طرف آخر.

هجوم على القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد في العراق، وهجوم مميت بالمسيّرات على نهاريا وحيفا من قبل حزب الله، مع تعالي شدّة هجمات الحزب على شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان السوري المحتل، وتقلّص الفوارق الزمنية بينها، مؤشرات واضحة على الأمر.

ولعلّ دورةً أعلى من التصعيد المحسوب قد تحملها الأيام القليلة القادمة، ضمن لعبة شدّ الحبال لاختبار جدّية الطرف الآخر في فتح أبواب الصراع.

سياسة حافة الهاوية والنفس الطويل اللتان تنتهجهما إيران، وتتفوق بهما غالباً، وما أنتجته عبرهما من نظرية الوقوف على رؤوس أصابع الأقدام لإرباك الخصم، قد تدفعها، وهي المضطرة إلى ردّ مناسب على اغتيال هنية في طهران

سياسة حافة الهاوية والنفس الطويل اللتان تنتهجهما إيران، وتتفوق بهما غالباً، وما أنتجته عبرهما من نظرية الوقوف على رؤوس أصابع الأقدام لإرباك الخصم، قد تدفعها، وهي المضطرة إلى ردّ مناسب على اغتيال هنية في طهران، مع خشيتها من الانجرار إلى حرب مفتوحة، إلى أن تعلن أن ثمن نزولها عن قمة شجرة التصعيد، هو "وقف الحرب على غزّة"، وأنه شرطها الوحيد لامتناعها وحلفائها عن الردّ على اغتيال هنية وشكر.

تدعم هذا التفسير، سياسة إيران المعهودة باستنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية لتحقيق أهدافها، قبل لجوئها إلى القوة الخشنة لتلبية هذه الأهداف. ووقف الحرب على غزّة هدف لا يجب النظر إليه باستهانة، ففي حال تحققه، برغم استبعاد ذلك بقوّة، سيتم تتويج إيران كصانعة لسلام عجزت عن تحقيقه جميع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، بالإضافة إلى منحها دوراً في رسم خريطة المنطقة ومستقبلها. وفي حال صوابية هذا التقدير، فإن الردّ الإيراني بالتشارك مع الفصائل الإقليمية الولائية، وفي مقدّمتها حزب الله، ومن خلفه الحوثيون، سيكون خلال الـ48 ساعةً التالية لهذا الإعلان، إن لم يتم التجاوب معه، وهو المرجّح.

تؤيد هذا التحليل في بعض جوانبه، تجربة التصعيد غير المسبوق في نيسان/ أبريل الماضي، من قبل إيران، ردّاً على استهداف إسرائيل عدداً من قيادات الحرس الثوري الإيراني في المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق، إذ أظهرت الرسائل المباشرة والقنوات الدبلوماسية الخلفية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران حينها، فعاليتها. فلولا التحذير الإيراني المسبق، وما تلاه من تحضيرات إسرائيلية بالتشارك مع حلفائها، لكان الرد والرد المقابل سيفتحان أبواب الصراع، وهو ما لا تتمناه إيران، المسكونة بعقدة حرب الثماني سنوات مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، والتي خلّفت خسائر بشريةً وماديةً من كلا الطرفين، مع إحداث دمار في بعض المدن، بما فيها العاصمة طهران، وأعداد هائلة من الإعاقات، ومنها المرشح الرئاسي الإيراني مؤخراً، سعيد جليلي. إلا أن هذا الاحتواء، معطوفاً على نجاحات سابقة، أدى إلى فرط ثقة ومخاطرة وسوء حسابات لدى الطرفين، وعند الجانب الإسرائيلي تحديداً. ومع رفع الطرفين رهاناتهما حالياً، فإن سوء قراءة النوايا أو أي خطأ في الاستهداف أو أي خطأ تقني، على غرار مجدل شمس، قد تخرج الأمور عن السيطرة وتفتح أبواب الصراع بين إيران/ حزب الله، وإسرائيل على مصراعيها.

ووفقاً لموقع "أكسيوس" الأمريكي المعروف بتسريباته الاستخباراتية، وجّه الرئيس الأمريكي جو بايدن، رسالةً واضحةً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقول فيها: "كان لدينا أساس لوقف إطلاق النار. ينبغي أن تتحرك بناءً عليه وأن تتحرك الآن". هذه الرسالة تفترض موافقة تل أبيب على المبادرة التي قدّمها بايدن نهاية حزيران/ يونيو الماضي، ووافق عليها الطرفان بدايةً، وأقرّها مجلس الأمن الدولي. لكن بدلاً من ذلك، أضاف إليها نتنياهو شروطاً جديدةً معرقلةً.

كذلك، فإن الرسالة الأمريكية لن تكون واضحةً وجديةً إذا لم تُتبعها واشنطن بإشارات تدلّ على استعدادها لوضع شروط على نقل الأسلحة لأغراض غير دفاعية، وهو استعداد بعيد المنال في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لذا، يمكن أن تكون الرسالة هذه، كغالبية سابقاتها من الخطاب الأمريكي القاسي، لتغطية وتمويه سياسة الدعم الواسع، وقد أشار موقع "إسرائيل هيوم"، إلى أن واشنطن صادقت على إرسال قنابل من طراز mk83""، بوزن نصف طن، لسلاح الجو الإسرائيلي، وهي الذخيرة اللازمة لإسرائيل في حال إقدامها على ضرب المنشآت النووية الإيرانية القابعة تحت الأرض.

ثمة مؤشرات في المشهد الحالي وخلفياته تثير مخاوف من اندلاع الصراع قريباً؛ مثل الوضع القانوني والسياسي لنتنياهو، الذي يفضل أخذ المنطقة إلى الجحيم للتخلص من محاكمة مرتقبة أو مساءلة محتملة، لذا يتهرب من اتفاق وقف إطلاق النار، عبر تأجيج الصراع وإطالته حتى تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ما يرجوه آملاً فوز دونالد ترامب.

وبجانب نتنياهو، إيران وحزب الله مأزومان أيضاً، نتيجة موقفهما البارد نسبياً بالدفاع عن أحد أهم الفصائل المقاومة لإسرائيل التي يدّعيان مقاومتها ويعلنان صباحاً ومساءً نية إزالتها من الخريطة. هذا بجوار الضربات القوية والمستمرة عليهما، والتي يبدو أنها عادت بقوة لتثبيت قواعد الاشتباك الجديدة التي رسمتها عملية "الوعد الصادق" الإيرانية، والرد الإسرائيلي عليها. إذ يبدو واضحاً أن إسرائيل لم تقدِم على ضرب أي هدف إيراني ذي قيمة في سوريا، على غرار ما كانت تقوم به أسبوعياً على الأقل، سوى استهداف الجنرال سعيد أبيار، في ريف حلب، مطلع حزيران/ يونيو الماضي.

حينها، كانت طهران مشغولةً بترتيب بيتها الداخلي، في ظل الانتخابات الرئاسية المبكرة، بعد وفاة رئيسها ووزير خارجيتها مع عدد من المسؤولين الإيرانيين، جرّاء تحطم المروحية التي كانت تقلّهم في طريق العودة من زيارة رسمية إلى أذربيجان. ومن المعلوم أن مخاطر تثبيت قواعد الاشتباك قد تفوق في بعض الأحيان مخاطر وضعها/ رسمها، وتؤدي حينها إلى نتائج غير محسوبة، نتيجة قراءة غير دقيقة للواقع الجديد، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين التي تعتري أطراف المعادلة، وهما سمتا الواقع الحالي في المنطقة، وصندوق باندورا الصراع التي حاولت ونجحت أطراف إقليمية ودولية في حصره وعدم اتّساعه إلى "الآن"، وإلى الآن فقط. إذ إن نجاح طرفَي المعادلة، بجهود إقليمية ودولية، في تجنّب توسيع رقعة الصراع الدائر منذ عشرة أشهر في غزة، ساهم بشكل أو بآخر، في تعزيز القناعة لديهما، بأن أي تصعيد من قبلهما أو من قبل أحدهما يمكن احتواؤه. وذلك من دون إغفال نية نتنياهو التي يؤكدها بعض الباحثين، جرّ الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب مفتوحة مع إيران وأذرعها الولائية، لتحقيق غايات شخصية وإستراتيجية، قد تطال المشروع النووي الإيراني، مع تعميق الهوّة بين واشنطن وطهران، قبل أي مباحثات محتملة أعلن عنها الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بيزيشكيان، خلال حملته الانتخابية.

حماس لغاية الآن لم تطلق أي إشارة يمكن استقراء الردّ عبرها. فهل ستقوم بعملية اغتيال لمسؤول إسرائيلي؟ عملية نوعية؟ أو ستقوم بقتل بعض الرهائن/ الأسرى لديها بالتزامن مع الرد المحتمل من قبل إيران والميليشيات الموالية لها؟ أو ستكتفي حالياً بترقية أشدّ قياداتها راديكالية، يحيى السنوار، إلى منصب رئيس المكتب السياسي للحركة

نجاح تل أبيب في تثبيت قواعد الاشتباك الجديدة، سيبقى موضع شك. وتثبيت هذه القواعد أمر في غاية الأهمية لإسرائيل بعد تآكل هيبة الردع لديها نتيجة عملية "طوفان الأقصى"، وما تلاها من هواجس وانعدام ثقة عند قرابة 60 ألف إسرائيلي تركوا منازلهم في الشمال بناءً على طلب حكومتهم، وقد لا يعودون إليها إلا بقناعة راسخة بزوال تهديد مشابه لما جرى صبيحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في مستوطنات غلاف غزّة.

برغم إعلان طهران و"محورها المقاوم"، عن ردّ قوي ومؤثر على التصعيد الإسرائيلي الأخير، وهو ردّ سيطغى على "رسالتها السياسية" في عملية "الوعد الصادق"، في نيسان/ أبريل الماضي، إلا أنه سيكون أدنى من سقف الحرب المفتوحة. إذ تدرك طهران جيداً مخاطر ذهابها إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل. والفارق الآن يكمن في مشاركة حزب الله الفاعلة والمؤثرة أكثر من مشاركته في عملية نيسان/ أبريل. وكذلك ستكون مشاركة الحوثيين أوسع وأشدّ فعاليةً. وهؤلاء الثلاثة هم الأطراف المعنية مباشرةً بالرد على التصعيد الإسرائيلي الأخير، بجانب طرف رابع، "حماس"، المعنية بردّ قوي نتيجة اغتيال أعلى مسؤول فيها. لكن حماس لغاية الآن لم تطلق أي إشارة يمكن استقراء الردّ عبرها. فهل ستقوم بعملية اغتيال لمسؤول إسرائيلي؟ عملية نوعية؟ أو ستقوم بقتل بعض الرهائن/ الأسرى لديها بالتزامن مع الرد المحتمل من قبل إيران والميليشيات الموالية لها؟ أو ستكتفي حالياً بترقية أشدّ قياداتها راديكالية، يحيى السنوار، إلى منصب رئيس المكتب السياسي للحركة، وبمعنى أدقّ، إلى منصب القائد الرسمي والفعلي للحركة. فهل سيقود هذا الجنون الذي لا يولّد إلا المزيد من الجنون، المنطقة إلى الجحيم، لا محالة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image