شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
قال لنا روبن هود:

قال لنا روبن هود: "اشتغلوا يابا"… هكذا نتذكر حسن سامي يوسف ونودّعه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

السبت 3 أغسطس 202403:57 م

اليوم سأعتبر حسن سامي يوسف هو "عبود" الذي كان بطل حدوتة درامية، أما الأستاذ حسن فهو سيناريست كان قادراً تماماً على معايشة حياة السوريين بكل تفاصيلها العشوائية وطرحها بأعمال روائية درامية شكلت منعطفاً هاماً في تاريخ الدراما السورية.

حسن سامي يوسف

لذلك حبذا لو كانت توجد نهاية غير الموت لكي لا تخسر الدراما السورية قامة كهذا الرجل، لكن من يقرأ عتبة الألم يعي تماماً ما قصده السيناريست الراحل في عبارة "مشكلة الإنسان مع الحياة أنها تنتهي به ذات يوم".

روبن هود الدراما السورية

إنها المرة الأولى التي ألحظ بها التقاطع الكبير بين شخصية "عبود" والسيناريست حسن سامي يوسف. سأستعير من الصديق الإعلامي علاء الخطيب بعض ما قدمه في حلقة من سلسلة "البيت" الذي تحدث فيها عن روبن هود سوريا وهو شخصية "عبود" في مسلسل "الانتظار"، ذلك الشاب الذي يمثل ابن العشوائيات الدمشقية الذي يسرق الأدوية من الصيدليات ليبيعها بسعر رمزي لأبناء حارته "المعترين".

يمكن تصنيف مسلسل "الانتظار" على أنه تجربة عالية المستوى، جاءت تماماً في الفترة التي شعر بها السوريون بالفضول لمعرفة ما تحتضنه مناطق العشوائيات في دمشق، وبالفعل استطاع تماماً أن ينقل الداخل للعوام بكل تفاصيله السيئة

أعتقد ومن وجهة نظر واحدة من المتلقين والمشاهدين أن أولئك "المعترين" في رواية حسن سامي يوسف هم السوريون، وهو "عبود" الذي يبيعهم عقاقير الأمل في أعمال روائية فنية ظاهرها يُتهم بالسوداوية على عكس ما خفي منها، لذلك "معلش علاء بدك تسمحلي فيا"، روبن هود الحقيقي هو السيناريست حسن سامي يوسف، لأنه استطاع أن يخلق شخصية استثنائية جديدة على الطرح الدرامي في وقتها، وغيرها من الأعمال التي لا تزال موجودة إلى اليوم في ذاكرة كل السوريين.

ماذا عن أرشيف حسن سامي يوسف

بالنظر إلى مكتبة السيناريست الراحل نجد إشباعاً غنياً لمناحٍ ثقافية واجتماعية متعددة لقضايا وطنية وقومية وإنسانية، فإمكانية تحويل أعماله الروائية إلى دراما لم تأت كفعل عبثي، لأن القارئ المتفحص في رواياته يعي تماماً المزج بين الجانب الواقعي الموضوعي وبين الجانب الروائي الفني في أعماله. فعلى صعيد الروايات التي تم تحويلها إلى دراما، وكما أشرنا قبل قليل، فإن الإشباع لكل مستويات الرواية فنياً وواقعياً وأدبياً يجعلها قابلة تماماً لأنها تجاري الحقبة الزمنية التي تسرد في سياقها بكامل عناصرها، سواءً كانت بشرية أم حتى الظروف الاجتماعية؛ فتجسيد مسلسل "الندم" جاء فعلياً بفترة كان السوريون يعيشون فيها بالماضي، وتعمد طرح الماضي بصورة ملونة، والحاضر بصورة أبيض وأسود، ليشرح المفارقة ما بين ماضي السوريين الآمن السلس وحاضرهم الذي حكمته الحرب والظروف الاقتصادية السيئة والشحوب الذي ساد على وجه البلد لفترة معينة.

في "ورشة الفقراء"وبالخطف خلفاً نجد أيضاً مسلسل "الانتظار" الذي يمكن تصنيفه على أنه تجربة عالية المستوى، جاءت تماماً في الفترة التي شعر بها السوريون بالفضول لمعرفة ما تحتضنه مناطق العشوائيات في دمشق، وبالفعل استطاع تماماً أن ينقل الداخل للعوام بكل تفاصيله السيئة. بالمقابل استطاع أيضا أن يدفع جمهوراً درامياً واسعاً للتعاطف مع بطل الحدوتة اللقيط بشخصية "عبود" والذي جسدها الممثل تيم حسن.

في "ورشة الفقراء"

لذلك يمكن القول إن تجربة "الانتظار" كانت ناجحة لعدة أسباب، منها النص الجيد والإخراج الجيد والتكامل بين الواقع الذي كان محطَ اهتمام بتلك الفترة والعاطفة التي تسيطر على المتلقي، ويمكن إسقاط الأمر ذاته على تجارب درامية أخرى للراحل مثل "زمن العار"، نص حسن سامي يوسف وإخراج رشا شربتجي.

ماذا ترك حسن سامي يوسف في وعينا؟

في حديثي مع الإعلامي علاء الخطيب بعد خبر رحيل السيناريست حسن سامي يوسف يقول: "إن الذاكرة والتأثير الذي تركه في وعينا أكبر من أن نلخصه، وأبسط من أي تعقيد ممكن أن نستخدمه".

في "ورشة الفقراء"

يكمل علاء: "عرفت حسن سامي يوسف من خلال عبود وعامر وغادة وعزة وأمجد وبثينة وشخصيات وجدت طريقها لأعمالنا بسهولة وبساطة. أذكر أني كتبت اعترافاً سابقاً يقول: 'بس أكبر بتمنى كون متل حسن سامي يوسف؛ كتير بني آدم متصالح مع كل شي، يمكن مكسور بس رايق، وكل شي حزين بيكتبه في مسحة تفاؤل بتضلا حد اسمه'".

السوداوية الخالقة للأمل

بالرغم من أنه كان يُنتقد بسبب السوداوية، إلا أنه دائماً ما كان يترك ثقباً من الأمل؛ فقد تكون هذه هي هواية السوريين المفضلة التي تعلموها قسراً بعد هول المصائب التي مرت عليهم. فالسوريون جمهور درامي ليس لديه مشكلة مع السواد إطلاقاً لطالما أن هناك ثقباً مضيئاً؛ يواصلون السعي حتى يجعلوا منه طاقة كبيرة يعبر منها الضوء إلى حياتهم.

"كان ينادينا 'يابا'، ويردد دائماً: 'أبنائي في ورشة الفقراء... كلكم أبنائي. اشتغلوا، لا تهدروا وقتكم سُدى، فالوقتُ لا يُباعُ في الصيدليات''

الندم، الغفران، الانتظار، ليست أعمالاً كئيبة بقدر ما هي أعمال واقعية تشبه شكل حياة المشاهدين في الفترة التي يتم بها طرح العمل، تشبه حاراتهم وبيوتهم ومشاكلهم، فيها من آلامهم وآمالهم في آن واحد، ما يفسر الكثير من المجهول.

لربما أطلق وصف السوداوية على كتابات حسن سامي يوسف لأنها اقتصرت على جوانب المعاناة دون الالتفات لزهوِ الحياة التي يمكن ملاحظتها في الدراما المشتركة على سبيل المثال، ولربما هذا ما يفسر غيابه عن الكتابة في السنوات الأخيرة التي جنحت فيها النصوص الدرامية نحو الكتابة عن حياة الترف والقصور التي تحمل معاني ومظاهر مفرغةً من المضمون، بينما كان هو متمسكاً بالكتابة عن الشارع وواقعه فقط.

عن عاطفة حسن سامي يوسف في ورشة الفقراء

اللقاء بمثل هذا الشخص أمر له مهابته؛ سيناريست مهم صاحب هالة تحولت بعد اليوم الأول من ورشة الفقراء إلى عاطفة أبوة تحتضن أولئك الطلاب على مدار شهر كامل. تلك هي أحد الامور التي لا يمكن أن أغفلها: ورشة السيناريو التي قدمها الأستاذ حسن والمخرج الليث حجو سنة 2019، أو لربما وبتعبير أدق "ورشة الفقراء".

ورشة السيناريو "ورشة الفقراء"

هذا المصطلح الذي يفضله الأستاذ حسن لورشة جمعته مع طلاب يشتركون بظروف سيئة وشغف كبير بكتابة السيناريو، على ضوء الشموع والهواتف المحمولة. استمرت الورشة ساعاتٍ وأياماً من النقاش والحوار عن محاولات شابة متواضعة بكتابة السيناريو، انتهت باختيار 34 نص من أصل 100 على أساس الموهبة والإبداع.

يقول خلدون طه وهو أحد طلاب تلك الورشة لرصيف22: "أذكر بانتهاء الورشة كتب بوست عالفيسبوك وذكَرنا واحد واحد بالاسم, وعبر فيه عن حبو إلنا، هي كانت من الذكريات الحلوة. الأستاذ حسن هادئ جداً، ومثقف؛ يعني ماعنده مشكلة يقعد 3 ساعات على نفس الكرسي ونفس القعدة عم يسمع ويحكي بدون ما يتحرك. أول مرة حدا بيسمعنا وبقدر كتاباتنا غير الناضجة وما بسخف منها بالرغم من أنه هو من عمالقة الأقلام اللي كتبت بيوم من الأيام، سواء روايات أو نصوص درامية".

قالوا عنه

أتساءل إذا كان هناك طريقة تترجم غصة الصوت ورجفته بالأحرف، فليس عدلاً أن أكتب وداع أولئك الطلاب لمعلمهم بكلمات باردة لا تشبه أصواتهم التي سمعتها. يقول حسن يوسف فخّور: "لقائي بالأستاذ حسن كان منعطفاً هاماً على صعيد حياتي، خلق لي طموحاً".

إمكانية تحويل أعماله الروائية إلى دراما لم تأت كفعل عبثي، فرواياته تمزج بين الجانب الواقعي الموضوعي وبين الجانب الروائي الفني في أعماله

وتقول بيان: "مرة قررنا نلتقي بالشتا عنده بالبيت، وهو اعتذر لأن ما كان عنده مازوت وخاف علينا نبرد ببيته الكبير، كان ينادينا 'يابا'، ويردد دائماً: 'أبنائي في ورشة الفقراء... كلكم أبنائي. اشتغلوا، لا تهدروا وقتكم سُدى، فالوقتُ لا يُباعُ في الصيدليات'".

الوداع الأخير

لا شك أن رحيل السيناريست حسن سامي يوسف خسارة كبيرة في مجال كتابة السيناريو الدرامي في سوريا، خاصة وأنها تعاود النهوض مجدداً لاستعادة ألقها.

حسن سامي يوسف

لن أختم هذه المادة بعبارات الوداع، سأكتفي بأن أفسح المجال لأحد أبرز اقتباسات رواية "عتبة الألم" للسيناريست الراحل: "نحن نعرف كيف البشر يفترقون، حتى إنّ مثل هذه اللحظات محببة عند الكُتّاب عموماً، وكُتّاب السيناريو منهم على نحوٍ خاص، لعلها لحظات محببة لدينا نحن معشر الكتاب لأنها غالباً ما تكون مثقلة بالوجع، أو هكذا ندعي، نحن نحسن التعامل مع الفراق لأننا ببساطة نملك تاريخاً كاملاً حول هؤلاء المفترقين، وبالتالي نملك سجلاً يفيض بتفصيلات مدهشة حول كلّ منهم وعلى الأرجح منهما".





رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image