"لا أطيق ممارسة الجنس في هذا الجوّ الحار"؛ هذا هو التعليق الأول الذي قالته ميار (32 سنةً)، لرصيف22، عند سؤالها عن العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة ورغبتها الجنسية.
ميار، وهي مصرية تعمل خارج بلدها، مقتنعة بأن الجوّ الساخن محبط، ويجعلها تزداد تعرّقاً طوال الوقت، ولا ترغب في أن يقترب منها زوجها: "أقضي معظم يومي في العمل، ثم أعود إلى المنزل لأستكمل أعمال البيت، وأجدني غارقةً في الحرّ والتعرّق برغم كل الاحتياطات التي أقوم بها للحفاظ على مظهري الجمالي. الحرّ أصبح فوق قدرتي على التحمّل".
لم تمانع ميار، أن تبرر ذلك الأمر بكونه عدم ثقة بنفسها. تقول: "ربما عدم ثقة بنفسي. في أوقات مختلفة، أرضخ بالطبع لرغبات زوجي، فمن الصعب أن أرفض العلاقة طوال فترات الصيف، ولكن الأمر بالنسبة لي يكون أكثر متعةً في فصل الشتاء، خاصةً أن الحرارة المرتفعة مع العمل والاهتمام بالبيت والأولاد كلها أمور تجعلني أكثر اكتئاباً".
تضيف هذه الشابة التي تعمل في شركة أدوية: "بعض صديقاتي يجدن أن الأمر أكثر متعةً في الصيف، خاصةً مع القدرة على الاستحمام بالماء البارد وارتداء ملابس خفيفة، وكنت أرى ذلك باستمرار في الأفلام عندما يمارس البطل الحب مع البطلة على الشاطئ مثلاً في الصيف، ولكني لا أشعر بذلك، فمع أقل لمسة يبدأ جسدي بالتعرق مجدداً، وفي المقابل يحدث المثل مع زوجي ولا أستمتع كثيراً، وأظن أن زوجي لا يفضّل الصيف مثلي".
تأثير سلبي على الرغبة الجنسية
يذكر عالم الجنس أندريس سورو أن ارتفاع الحرارة الشديد يسبب زيادةً في التعرق وفقدان السوائل، ما قد يؤدي إلى الجفاف الذي بدوره يؤثر على التوازن الهرموني في الجسم، ويكون له تأثير سلبي على الرغبة الجنسية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لدرجات الحرارة المرتفعة أن تزيد من مستويات التوتر وتؤدي إلى زيادة إنتاج الكورتيزول، وهو هرمون يمكن أن يتداخل مع الاستجابة الجنسية بشكل سلبي.
"هناك من لا يحبّون الصيف، وتكون حالتهم المزاجية في هذا التوقيت في أسوأ حالاتها، ما يؤثر سلباً على العلاقات في العمل والبيت وبالطبع على العلاقة مع الشريك"
ووجدت دراسة أجرتها جامعة فيلانوفا، أن شهرَي حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو، بالإضافة إلى كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير، تشهد أكبر عدد من عمليات البحث المتعلقة بالجنس على غوغل، كما وجدت دراسة أجراها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أن النساء أقل عرضةً للحمل في الأيام الأكثر حرارةً في العام. ويشير الباحثون إلى أن الطقس الحار يجعلنا خاملين ومترددين في القيام بأي شيء قد يؤدي إلى التعرّق.
تذكر المعالجة الجنسية الدكتورة منى صلاح، لرصيف22، أن الأمر متغيّر ولا يمكن أن نعدّه قاعدةً ولكن بالفعل تتأثر العلاقات الجنسية وغيرها من العلاقات العامة بين الأفراد بالحالة النفسية العامة والتي يؤثر عليها الطقس بشكل مباشر.
تشرح منى: "هناك من لا يحبّون الصيف، وتكون حالتهم المزاجية في هذا التوقيت في أسوأ حالاتها، ما يؤثر سلباً على العلاقات في العمل والبيت وبالطبع على العلاقة مع الشريك، وهناك من يعدّ الصيف الفصل الأمثل بين فصول السنة، فهو فرصة للخروج والذهاب إلى المصيف وارتداء مختلف الملابس، والفصل الأمثل لممارسة العلاقة، وهذا ما يذكره العدد الأكبر من الخبراء مستندين إلى أن فيتامين د، الذي نحصل عليه من الشمس يزيد من خصوبة الرجال في الصيف، ولكن لا يمكن أن ننسى أن فيتامين د، ليس مصدره الشمس فحسب".
اضطرابات عاطفية بسبب الحرارة
في حديثها إلى رصيف22، توضح باحثة الدكتوراه في الصحة النفسية سهى المصري، أن هناك بعض المشكلات النفسية التي يتعرض لها الأفراد بسبب الحرارة، من بينها زيادة التوتر: "الحرارة المرتفعة قد تؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والقلق، كما أن الشعور المستمر بالحرارة يمكن أن يجعل الشخص أكثر عصبيةً وسرعةً في الانفعال، ما قد يؤدي إلى نزاعات وخلافات بين الزوجين".
وتشير إلى أن ارتفاع الحرارة يؤدي كذلك إلى فقدان القدرة على التركيز وصعوبة كبيرة في التواصل والتحاور بين الأفراد، ويؤدي أيضاً إلى عدم القدرة على الحصول على قسط مناسب من النوم وافتعال مشكلات في أثناء النهار.
وتضيف باحثة الدكتوراه، أن تقلّب المزاج بالنسبة للزوجين في الصيف يجعل من الصعب التركيز على الاهتمام ببعضهما البعض، لافتةً إلى أن الحرارة المرتفعة تؤثر على الهرمونات، ومن ثم تقلل من الرغبة في ممارسة الجنس عند الشريكين.
وتضع سهى، عدداً من النصائح لتقليل تأثير الحرارة على العلاقة الجنسية، من بينها استخدام مكيّفات الهواء والمراوح، ومن ثم اختيار الوقت المناسب الذي تكون فيه درجة الحرارة أقل، مثل الصباح الباكر أو المساء، والابتعاد عن ممارسة الجنس في فترات الظهيرة، كما تنصح بضرورة الاستماع إلى رغبات الجسد لدى الشريك، ومناقشة ذلك حتى لا يحدث شرخ في العلاقة بسبب عدم توافق الرغبات.
لا توجد قاعدة ثابتة
على الجانب الآخر، يظن البعض أن العلاقة تكون في أفضل حالاتها بين الشريكين في فصل الصيف.
يقول علي، من محافظة القاهرة (41 سنةً)، لرصيف22: "الحقيقة أنا أحب ممارسة العلاقة في أي وقت، ولكن اخترت أن يكون زفافي في فصل الصيف لأنني أحب الصيف، وأحب أن أستمتع به، وقد ذهبت مع زوجتي لقضاء شهر العسل على أحد الشواطئ، وكان الأمر في غاية المتعة. لم نشعر بسبب البرد بأننا مقيدون بالكثير من الملابس، لذا تكون العلاقة ممتعةً في الصيف وأكثر تحرراً".
"الصيف هو الأجمل على الإطلاق، بحيث أستطيع أن أرتدي فيه ما أريد من الملابس وأن أثير زوجي بسهولة"
بدورها، ترى لينا، من محافظة الإسكندرية (28 سنةً)، أن ممارسة العلاقة الجنسية مع الشريك تكون في أفضل حالاتها في الصيف، وفق ما تقول لرصيف22: "الصيف هو الأجمل على الإطلاق، بحيث أستطيع أن أرتدي فيه ما أريد من الملابس وأن أثير زوجي بسهولة".
وتضيف لينا: "أحب أن أراه وهو يخرج من حمام السباحة عاري الصدر، عكس الشتاء الذي يغطينا تماماً، فالعلاقة هنا تكون صعبةً وقليلةً، وأنا أتعرّض للاكتئاب في فصل الشتاء ولا أحب الخروج والشعور بالبرودة، لذلك تكون في ذلك التوقيت ممارسة العلاقة صعبةً ودونها عوائق كثيرة وتحتاج إلى تخطيط مسبق".
في هذا السياق، تقول عالمة الجنس آنا لومبارديا، إن الحرارة والضوء يحفزان بشكل طبيعي الغدد التي تفرز السيروتونين وهرمونات المتعة الأخرى التي تساهم في رفاهيتنا.
وعليه، فإن حواسنا أصبحت بالفعل أكثر يقظةً. إذا أضفنا إلى ذلك سياق الصيف، عندما نرتدي ملابس أقلّ، علينا أن نضع في الحسبان أن الحقيقة البسيطة المتمثلة في إظهار المزيد من الجلد توجه الدماغ نحو إثارة أكبر، ما يزيد من إثارة الأجسام.
من جهته، يقول أستاذ الذكورة والصحة الجنسية محمد نبيل، لرصيف22: "هناك عوامل نفسية وعضوية تؤثر على ممارسة الجنس في فصلي الشتاء والصيف، ففي الشتاء يقلّ التعرض لمادة السيروتونين ويزداد الاكتئاب وتزداد سرعة القذف وتقل القدرة على النوم، كما أن الشتاء يتسبب في انكماش العضو الذكري، وتقلّ فيه الرغبة لدى الرجال بسبب الكسل والبرودة ويعزف الشريكان عن ممارسة العلاقة بسبب الملابس الكثيرة، ولكن هذه أسباب نفسية أكثر منها عضوية".
ويضيف نبيل: "في الصيف، الشمس تمدّنا بفيتامين د، والملابس الخاصة بالمرأة تكون أكثر إثارةً، كما أن الجو يساعد على زيادة الرغبة ويزداد فرز السيروتونين وتتحسن الحالة المزاجية والرغبة، ولكن في النهاية لا توجد قاعدة عامة، فالبعض يحبّذ ممارسة العلاقة في الشتاء ويعدّه الأكثر رومانسيةً".
في الختام، لا توجد قاعدة ثابتة تقيّد الأشخاص عند ممارسة الجنس، ولا توجد أسباب عضوية تمنعهم من ذلك في أي فصل من فصول السنة، ولكن الأمر يعتمد على الحالة النفسية، كما يمكن للشريكين التقليل من تأثير ارتفاع الحرارة والاستمتاع بحياة جنسية صحية ومتوازنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...