شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لعنة بيت العيلة"... سلطة الحموات أقوى من الحكومات في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الاثنين 29 يوليو 202404:09 م

في أوائل الخمسينيات، تم عرض الفيلم المصري "حماتي قنبلة ذرية" في دور السينما للمرة الأولى. كان الفيلم من بطولة إسماعيل يس وماري منيب، التي اشتهرت بعدها بأدوار الحماة الصعبة. فتدخل الحماة الزائد عن اللازم، سواء كانت أمًّا للزوج أو الزوجة، في حياة الزوجين كفيل بتدميرها.

بعد انتشار أحد الفيديوهات التي تظهر فيها زوجة ابن تضرب حماتها بالشبب في إحدى قرى محافظة الشرقية، انهمرت التعليقات على السوشيال ميديا ما بين مؤيد ومعارض لما حدث، خاصة بعد ظهور الحماة واستنكارها للأمر متعللة بأن المفروض أن الحماة هي من تضرب زوجة الابن وليس العكس.

في فيديوهات أخرى، صرح أهل الزوجة أن الحماة كانت تقطر على ابنتهم في الطعام، والنقود التي يرسلها الزوج من الخارج، خاصة أنها تسكن معهم في نفس البناية. وأنها كثيراً ما عايرتها بفقرها وبجهازها البسيط الذي تزوجت به.

مفتاح شقتي مع الجميع

لجأ الأهل في الأصل لبناء عمارات وبيوت متعددة الطوابق لتسهيل تجهيزات الزواج لأبنائهم هرباً من أسعار الشقق الغالية، لكنهم صعبوا عليهم أموراً أخرى.

تقول نسمة وهي مدرّسة تعيش في إحدى مدن الدلتا، إن مشاكل بيوت العائلة لا تخص القرى والأرياف فقط ولا حتى ترتبط بالمستوى الثقافي والمادي. فهي لم تشعر منذ بداية زواجها بأي خصوصية.

وتقول لرصيف22 إن حماتها تحمل نسخة من مفتاح شقتها، والنسخة متاحة للجميع، لدرجة أنها في مرة، وبعد عودتها من العمل، فوجئت ببعض الفوضى في الشقة وبقايا طعام لم تكن موجودة. علمت فيما بعد أن شقيق زوجها فتح الشقة للفرجة على أحد الماتشات التي لم يجدها في قنوات تلفازهم القديم، دون أن يعنَ أحدهم بالاستئذان منها. وحين ثارت للأمر، غضب زوجها وعنفتها حماتها، واتهموها بالأنانية وإثارة المشاكل.

زوجة الابن خادمة بالمجان

بينما في القرى الأمور أصعب. تقول حنان، وهي ممرضة تعرفت على زوجها ونشأت بينهما قصة حب، تزوجته وانتقلت معه إلى بيت الزوجية في قرية ريفية. حيث فرضت عليها حماتها قوانينها الخاصة. 

تقول نسمه إن حماتها تحمل نسخة من مفتاح شقتها المتاحة للجميع، لدرجة أن شقيق زوجها فتح الشقة لمشاهدة أحد المباريات في غيابها، دون أن يتكلف عناء الاستئذان منها. وحين ثارت للأمر، غضب زوجها وعنفتها حماتها، واتهموها بالأنانية وإثارة المشاكل

وتروي لرصيف22 إنها بمجرد رجوعها من العمل عليها أن تمر عليها تكنس وتنظف وتغسل المواعين، وتطهو الطعام أيضاً. تقول: في بيتي لا أستطيع أن أشتري الزيت والسكر وكل ما يلزم البيت للطبخ، كل شيء موجود عند الحماة فقط، حتى تتأكد أنني لن أطبخ لنفسي دونها. حتى أعرف بعض الزوجات بمجرد زواجهن تأخذ الحماة "البوتاغاز" الجديد لشقتها وأحياناً الثلاجة، حتى تراقب كل شيء وتمنع أي محاولة بسيطة للاستقلال بالحياة بعيداً عنها.

تقول سهى لرصيف22، وهي طبيبة أطفال متزوجة من طبيب، إن حماتها التي تسكن معهم في نفس البناية تحشر أنفها في كل كبيرة وصغيرة تخص حياتهم. لدرجة أنها تفتش الأكياس التي تحملها في الذهاب والإياب. لكن ما لم تتوقعه سها أنها تفتش أكياس القمامة أيضاً، وهذا ما اضطرها لحمل الأكياس بنفسها ورميها بعيداً دون وضعها أمام البناية انتظارا لعامل القمامة الذي يأتي لجمعها يوماً بعد آخر. اكتشفت الأمر حين وجدت أشياء بعينها كانت قد تخلصت منها موجودة في شقة حماتها.

تقول: "حماتي تفتش أيضاً أكياس المرأة التي تأتي لتساعدني في تنظيف الشقة، توقفها كل مرة كالمتهمة، تفتش في أكياسها لترى هل أعطيتها شيئاً من حاجتي أم لا. لدرجة أنني كنت أضع كيسها على جنب وألقيه لها من الشرفة بعدما تمر من نقطة التفتيش بسلام."

طعنات في صدر الحماة

لا تؤجج بيوت العائلة المشاكل والخلافات فقط، بل تتجاوزها إلى الجرائم، فالأمر يدعونا لتذكر حادثة ريهام التي قتلت زوجها في مركز طوخ عن طريق الخطأ بعد مشاجرة عابرة عام 2021. وبعد الحادث، لم تتحدث شقيقة القتيل إلا عن الأشياء التي كان شقيقها يشتريها لزوجته، كالستائر الجديدة والملابس وجهاز التكييف وعددت كل ما في شقتهم تقريباً. 

بعد انتشار أحد الفيديوهات التي تظهر فيها زوجة ابن تضرب حماتها بالشبب في إحدى قرى محافظة الشرقية، انهمرت التعليقات على السوشيال ميديا ما بين مؤيد ومعارض لما حدث. 

حادث آخر حدث في مطلع هذا العام في محافظة أسيوط، حين نشب شجار بين نانسي البالغة من العمر 21 عاماً وحماتها التي كانت دائمة النقد لها، والشجار معها ومعايرتها بقلة النظافة وعدم الإنجاب.

ليتطور الاشتباك الأخير بينهما حتى تحضر الحماة سكيناً من المطبخ، وفي محاولة نانسي لحماية نفسها والتخلص من السكين وجهت عدة طعنات لحماتها لتسقط قتيلة.

الحماة تعرف مواعيد الدورة الشهرية لزوجات أبنائها

تقول نسمة إنها لا تملك أي حرية في بيتها ولا حتى خارجها. فلا يجوز لهم السفر أو الخروج لأي مكان دون اصطحاب الحماة أو حتى استئذانها. مما كان يدفعهم لإلغاء خروجات كثيرة خوفاً من إشعال غضب الحماة ورفضها.

بينما تتذكر حنان أن انعدام الخصوصية يصل لدرجة أن الحماة يجب أن تعرف مواعيد الدورة الشهرية لزوجات أبنائها، وإن حاولوا إخفاء الأمر تعبث في أكياس القمامة بحثاً عن الفوط الصحية حتى تعرف.

لا يتوقف الأمر عند المعرفة، بل تستمتع بإذاعة الخبر بين زوجات الأبناء وعلى الأخص في شهر رمضان. حتى أبناؤها أنفسهم يخاف الواحد منهم حين ينام مع زوجته أن تكتشف الأمر من أثر مياه الاستحمام على شعره. 

تقول حنان إن انعدام الخصوصية يصل لدرجة أن الحماة يجب أن تعرف مواعيد الدورة الشهرية لزوجات أبنائها، وبأن أبناءها يخافون حين ينام الواحد منهم مع زوجته أن تكتشف الأمر من أثر مياه الاستحمام على شعره 

حين رفضت سهى أن تمسح سلالم البيت كما طلبت حماتها، فوجئت مرة بعد عودتها من العمل بطفلتها البالغة من العمر خمس سنوات تمسح السلالم أمام جدتها الممسكة بعصا لتهددها بالضرب لو توقفت.

تتذكر أيضاً كيف يعايرها زوجها بأي خطأ ترتكبه. لو احترق الطعام مثلاً يأخذ الحلة لأمه، ولو تلفت إحدى ملابسه في الغسالة يفعل نفس الشيء، متلذذاً بإحراجها أمام أهله.

تمكنت أخيراً، وبعد انفصال عن زوجها دام عدة أشهر، أن تستقل ببيت خارج بيت العائلة، لكن حماتها حرمت عليهم أن يأخذوا أي شيء من شقتهم القديمة واضطروا للبدء من جديد وتأثيث البيت على مهل، لكنها شعرت أنها تتنفس أخيراً.

رأي الدين في بيوت العائلة

هذه هي المشكلة، فحماة تتلذذ بإهانة زوجة ابنها، وأخرى تمنعها من زيارة أمها، وأخرى تجبرها على مسح السلالم، وأخرى تأخذ من ملابسها وأدواتها الشخصية دون استئذان. فبعض الحموات مقتنعات أن زوجة الابن خادمة مجانية. فعلى حسب تصريحات المحامية هويدا طارق أن حوالي 90% من حالات الطلاق في محكمة الأسرة ترجع لتدخل الأهل وخاصةً الحموات.

من جهته صرّح الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، في أحد البرامج بأن بيت العائلة ظاهرة تبتلع الزواج، لما فيه من انعدام الخصوصية، وكأن الزواج يدخل بعدها في ثقب أسود دون رجعة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image