شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"هل يعرف الإسرائيلي كيف يعدّ شراباً أبيض من الخروب الأخضر؟"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتاريخ نحن والحقيقة

الاثنين 22 يوليو 202404:29 م

كانت "الشيف" الفلسطينية فداء أبو حمدية تتجوّل في أحد المعارض الفنية في مدينة ميلانو الإيطالية، حين مرّت بكشك يعرض ويبيع أطباقاً إسرائيلية؛ مقلوبة ومجدرة وحمص.

تمنت فداء في سرّها أن تجد في زاوية أخرى كشكاً فلسطينياً. لكنها لم تجده. "لقد تكرر هذا المشهد أمامي في أماكن كثيرة. إنه تكرار شكّل تحولاً كبيراً في حياتي الخاصة"، تقول فداء لرصيف22.

شرعت الشيف الفلسطينية بكتابة مرجع يوثق المطبخ والحياة الفلسطينية باللغة الإيطالية. فأصدرت "المطبخ الشعبي الفلسطيني".

"حاول الكتاب أن يعطي للفلسطينيين صوتاً، ويقدم مطبخهم من خلال رحلة خاضتها مجموعة من الأصدقاء والباحثين في ربوع فلسطين"، تضيف فداء.

يتحدث الفلسطينيون منذ عقود، بأشكال ومنصات مختلفة، عن سرقة الأكلات الشعبية الفلسطينية من قبل إسرائيل متمثّلةً بوزارة السياحة والتراث الإسرائيليتين، كالفلافل والحمص والسلطة الفلاحية التي باتت تُسمى "سلطة يروشالايم"، أي سلطة القدس.

لكن هذا الحديث لم يندرج يوماً في إطار قانوني أو رسمي يحمي الأكلات الفلسطينية من السرقة أو الأسرلة، ويعمل على تثبيت ملكيتها الفكرية أو الروحية كأكلات فلسطينية ضمن مشاريع دبلوماسية الطعام أو "Gastrodiplomacy"؟

وهي سياسات ثقافية تقودها الدول في سبيل ترويج مطبخها الوطني للجمهور الأجنبي. وطريق لتسويق الهوية الوطنية من خلال الثقافة الطهوية.

لكن في ظل غياب جسم رسمي يقود سياسات الفلسطينيين الثقافية ويبادر إلى ترويج مطبخهم في العالم، يلجأ الفلسطينيون أفراداً إلى توثيق مطبخهم وتاريخه اللصيق بحيواتهم.

أطباق من اللبنة والحمص والفلافل (من كتاب "المطبخ الشعبي الفلسطيني" لفداء أبو حمدية)

أفراد يوثقون المطبخ الفلسطيني

ترى فداء أن الطعام هو أداة تواصل مع العالم. ولا يقل أهمية عن رفع الرموز والصور أو ارتداء الكوفية. بل إنه الطريقة الأكثر حميمية وسهولة للوصول إلى العالم.

"ولذلك، على الجهود أن تتكثف، على الصعيد الرسمي، من أجل توثيق ثقافة الطعام الفلسطيني ونشرها، واستخدام "دبلوماسية الطعام" للحديث عن فلسطين أمام العالم"، تؤكد فداء.

وتردف "إن لم نوثق هذا التاريخ فسوف نُنسى". ولهذا السبب، وجدت نفسها أمام مشروع الكتاب الذي ترى فيه مرجعاً يؤكد على أن تحويل خيرات الأرض إلى طعام هو جزء عضوي من الهوية الفلسطينية".

في ظل غياب جسم رسمي يقود سياسات الفلسطينيين الثقافية ويبادر إلى ترويج مطبخهم في العالم، يلجأ الفلسطينيون أفراداً إلى توثيق مطبخهم وتاريخه اللصيق بحيواتهم

لا يقدم الكتاب توثيقاً للمأكولات فحسب، بل يوثق الرحلة إليها. تبدأ رحلات الكتاب برحلة الفلسطيني ما إن يركب التاكسي، إلى معاناته اليومية في عبور الحواجز الإسرائيلية، حتى تنتهي بقصة العائلة التي يوثق الكتاب قصتها الشخصية وطهيها لطبق شعبي فلسطيني.

وربما يجد أفراد فلسطينيون آخرون شكلاً مختلفاً للتوثيق. فقد بدأ الكوميديان والكاتب الفلسطيني الأمريكي عامر زهر، الحديث عن الأكلات التقليدية الفلسطينية وتاريخها، حين فوجئ بـ"يوم الفلافل العالمي".

وهو يوم بادر إليه شاب إسرائيلي يدعى بن لانج. فسُجل تاريخ 12 حزيران/ يونيو من كل عام يوماً دولياً للفلافل.

"قررت البحث في تاريخ هذا اليوم"، يقول عامر لرصيف22. "فوجدت أن الادعاء الإسرائيلي يقول إن يهود اليمن جاءوا بهذا الطبق إلى إسرائيل. توجّهت بالسؤال إلى اليمنيين في محيطي، ثم إلى المطاعم اليمنية في مناطق قريبة مني في الولايات المتحدة. ونفى الجميع أن يكون الفلافل طبقاً يمنياً".

نشر عامر بعد بحثه فيديو يشرح الفرق بين الحمص الفلسطيني والحمص الإسرائيلي، شارحاً الطريقة الفلسطينية لتحضير الحمص، أما الطريقة الإسرائيلية فهي أسهل بكثير، بحسب تعبيره، "ما عليك إلا أن تجد فلسطينياً يجهز صحن الحمص، تطرده من بيته، وتقول إنه حمص إسرائيلي".

هل يمكن حماية المطبخ بالقانون؟

تمكنت شيماء حمد، المدونة والباحثة في تراث المطبخ الفلسطيني، من الجمع بين القانون والفن من خلال مشروع "Food in Law" لتوثيق موروث المطبخ الفلسطيني.

تعتبر شيماء أنها تقدم فنّاً أدائياً يحاول قراءة القوانين وتفكيكها، مستخدمةً الطعام كوسيط لتفكيك العلاقات التي تبنى بالنظام والقانون والسياسية، وقد تُبنى بشكل موازٍ في الحياة الاجتماعية، سيما إن كانت مرتبطة بالمطبخ وعادات الأكل لدى المجتمعات الزراعية.

تحاول شيماء، من خلال فنها، قراءة العادات التي تنشأ داخل هذه العلاقات في المطابخ وعادات الأكل وانعكاساتها على الحياة.

"نحن نعيش في تحت احتلال استعماري ونحاول استرجاع معرفة نفقدها على نحو يومي، لأن الاحتلال يوجهنا لفقدانها"، تقول شيماء لرصيف22.

وتتابع شارحةً: "أما البعد القانوني فهو مرتبط بالملكية الفكرية وقوانين الحماية. ولعلنا قادرين على فهمه حين نراه متجسداً في المؤشرات الجغرافية. نحن نصف الموز بالريحاوي (نسبة إلى أريحا). ويرمز بالنسبة إلينا البرتقال إلى يافا والعنب إلى الخليل".

"أنتمي لعائلة لاجئة من قرية البرية قضاء الرملة. وقد مارس الاحتلال قطعاً جغرافياً بيني وبين مكاني الأول. أنا أمارس الفن كي اتصل بشكل مباشر مع إنسانيتي وتاريخي"، تؤكد.

خلال أبحاث دراستها الجامعية، وجدت شيماء أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، تعمل على حفظ التراث غير المادي للدول، وأن الطعام يندرج ضمن هذا التراث.

من يمتلك الأرض عليه أن يعرف كيف يأكل من خيرها. لكن الإسرائيليين غير قادرين على تمييز الخبيزة من اللوف والعلك والسلك والأعشاب البعلية البرية الفلسطينية

فكتبت بحثها حول الحماية القانونية للموروث الغذائي الفلسطيني، على المستوى المحلي والدولي، من سرقة إسرائيل بجهاتها الرسمية للمطبخ الفلسطيني، لينبثق عنه مشروع "Food in law".

ومن بين مبادرات هذا المشروع، هو عمل شيماء على توثيق دبس العنب الخليلي كموروث فلسطيني في قائمة "اليونسكو".

وقد جاءت هذه الخطوة بعد أن ألهمتها قصة نزاع اليونان ودول أوروبية أخرى حول ملكية جبنة "الفيتا"، حيث تمكنت اليونان من إثبات ملكيتها من خلال أسطورة يونانية قديمة.

واستصدرت قانوناً يمنع استخدام اسم "جبنة الفيتا" دون أن يكون المزارع قد ربّى أغنامه بمزارع اليونان.

طبق حمص (من كتاب "المطبخ الشعبي الفلسطيني" لفداء أبو حمدية)

ثقافة الطعام التي تشكّلت من التاريخ الشخصي والعام

لا ينفصل اهتمام الفنانين والمؤرشفين للمطبخ الفلسطيني عن تاريخهم الشخصي اللصيق بتاريخ شعبهم الجمعي. فوالدة شيماء وجدتها والنكبة هي منابع إلهامها الأول، كما تقول.

"عاشت أمي في مخيم الفارعة في الضفة الغربية، بعد أن هُجرت من الرملة. وتعلمت من جدّتي وصفة "الشيشبرك" التي اعتمدتها بعد النكبة، مستخدمة البيض بديلاً عن اللحمة لعدم قدرتها على توفيره"، تقول شيماء.

وتردف: "نلحظ بأن التعديلات التي طرأت على مطبخنا، والتي لا زالت تطرأ الآن في غزة على سبيل المثال، تحمل مقاومة وقدرة على الحفاظ على الذات وإعادة تدوير الطعام المتوفر في آن".

أما عامر زهر، فولد في الأردن لعائلة فلسطينية لجأت عام النكبة من الناصرة. ثم انتقلت أسرته إلى الولايات المتحدة.

"عملت والدتي عنان "شيفاً" وامتلكت مطعماً قدم الطعام الفلسطيني في أميركا خلال فترة التسعينيات"، يقول عامر.

ويتابع: "نشأت في بيت يحمي ويوثق التراث والمطبخ الفلسطيني. ويستمر هذا التوثيق حتى اليوم. تعطي والدتي دروساً في الطبخ وتنشر محتواها عبر صفحتها على "إنستاغرام".

ترى شيماء أن علاقة الفلسطيني مع أرضه هي المولد الأول لمطبخه ولثقافة طعامه. "تحاول إسرائيل إثبات علاقتها بالأرض. لكن من يمتلك الأرض عليه أن يعرف كيف يأكل من خيرها. لكن الإسرائيليين غير قادرين على تمييز الخبيزة من اللوف والعلك والسلك والأعشاب البعلية البرية الفلسطينية التي لا يمكن إحصاؤها"، تقول.

وتتساءل: "هل يعرف الإسرائيلي كيف يعدّ شراباً أبيض من الخروب الأخضر كما نفعل نحن؟"


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image