شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"نهاية نتنياهو أم تثبيت أركانه"... ماذا وراء قرار تجنيد طلاب "الحريديم" في إسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الاثنين 8 يوليو 202402:24 م

مذ قررت المحكمة العليا في إسرائيل، أواخر الشهر المنصرم، إلزام الحكومة بتجنيد طلاب المعاهد اليهودية المتشددين دينياً (الحريديم) في الجيش، بواقع 3 آلاف طالب، وهناك ضجة كبيرة في الداخل الإسرائيلي، بالتزامن مع الحرب على غزّة التي دخلت شهرها التاسع.

قضت المحكمة العليا بالإجماع، بانتفاء وجود سند قانوني يسمح بتمييز الحريديم وإعفائهم من أداء الخدمة العسكري، ويعني ذلك سحب التمويل من أي معهد ديني لا يمتثل طلابه لإخطارات التجنيد.

ونتج عن قرار المحكمة، إصدار مكتب النائب العام الإسرائيلي تعليماته إلى وزارة الدفاع بضرورة تنفيذ القرار، قائلاً: "إن التزام مؤسسة الدفاع بتجنيد طلاب المدارس الدينية سارٍ بالفعل، بدءاً من الأول من تموز/ يوليو الجاري"، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

في المقابل، يشارك الآلاف من الحريديم من بعض التيارات، في مظاهرات ضد قانون التجنيد في ساحة السبت في القدس، اعتراضاً على قرار المحكمة العليا.

لماذا هذا القرار الآن؟

تعاني صفوف القوات المسلحة الإسرائيلية حالياً من الإنهاك، خاصةً أن أغلب المجنّدين في مطلع الشباب، بجانب مدنيين أكبر سنّاً جرت تعبئتهم كقوات احتياط، ما أدى بالطبع إلى انهيار قواهم، في ظل الحرب التي لم تتوقف منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سوى أسبوعين.

وبحسب موقع "تايمز أوف إسرائيل"، نقلاً عن "المركزي للإحصاء"، في تقرير له نُشر في كانون الثاني/ يناير 2023، فإن عدد الحريديم في إسرائيل، 1.28 مليون نسمة، يشكّلون 13.5% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 9.45 مليون نسمة، مشيراً إلى أنه مع معدل النمو الحالي للحريديم (4% سنوياً)، سيمثلون 16% من إجمالي السكان بحلول نهاية العقد.

وبناءً على هذه الإحصائيات، يتبين سبب التفكير في تجنيد طلاب "الحريديم"، خاصةً أن عددهم كبير للغاية، في ظل احتياج كبير إلى شبان في الخدمة العسكرية، وتحقيقاً لمبدأ المساواة، وهو ما يتأكد من نص الحكم الصادر: "في أوج حرب صعبة، يُعدّ عبء عدم المساواة أكثر حدةً من أي وقت مضى".

"لا توجد قوة في العالم ستمنع شعب إسرائيل من دراسة التوراة، ومن حاول ذلك في الماضي فشل فشلاً ذريعاً"، هكذا صرّح حزب شاس، أرييه درعي. هل تفلح مساعي تمرير وتطبيق قانون التجنيد الإجباري على الحريديم في إسرائيل هذه المرة؟

حزبان متشددان في ائتلاف نتنياهو

يضم ائتلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الحكومي حزبَين متشددَين، هما "شاس" و"يهدوت هاتورا"، يعدّان الإعفاءات عنصراً مهماً للاحتفاظ بدعم ناخبيهما في المعاهد الدينية، ولمنع انصهار هؤلاء المؤيدين في الجيش، وهو أمر قد يصطدم مع عاداتهم المحافظة.

وفي خطوة أولى لهما، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن الحزبين يدرسان إمكانية الانسحاب من حكومة نتنياهو، عقب قرار محكمة العدل العليا بشأن تجنيد الحريديم، موضحةً أنهما غير معنيين بانتخابات حالياً، لكنهما سيواجهان صعوبات في البقاء داخل حكومة لا تستطيع أن تحقق أي إنجاز لهما.

من جهته، قال الوزير الإسرائيلي من حزب "يهدوت هتوراة" الحريدي، مئير بروش، إن فرض التجنيد الإجباري على الحريديم سيؤدي إلى تقسيم الدولة إلى دولتين، إحداهما علمانية والأخرى يتفرغ فيها اليهود لدراسة التوراة، مشيراً إلى أنه لا توجد قوة تستطيع منع شخص من دراسة التوراة.

كما أكد رئيس حزب "شاس"، أرييه درعي، أنه "لا توجد قوة في العالم ستمنع شعب إسرائيل من دراسة التوراة، ومن حاول ذلك في الماضي فشل فشلاً ذريعاً، ولن يؤدي أي حكم تعسفي إلى إلغاء جميعات طلاب التوراة في أرض إسرائيل".

وهنا يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية، محمد الليثي، إن هناك العديد من الحجج التي يتذرع بها "الحريديم"، لعدم الخدمة في الجيش الإسرائيلي، أولها أن دراسة اللاهوت والحفاظ على التوارة من خلال دراستها وحفظها، لا يقلّان أهميةً عن أداء الخدمة العسكرية، مشيراً في حديثه لرصيف22، إلى أنهم يرون أن دراسة التوراة بمثابة سلاح روحاني، لحماية اليهود في إسرائيل.

ويوضح الليثي: "ومن ناحية أخرى، يقولون إن التقاليد والأعراف والحياة العسكرية تتعارض مع حياتهم كيهود متدينين، فعلى سبيل المثال، هم ضد الاختلاط، لكن في الحياة العسكرية يخدم الشاب والمرأة معاً، ما يمثّل مشكلةً بالنسبة لهم".

مطالبات بسرعة تطبيق قرار "تجنيد الحريديم"

وفي مقابل ذلك، ترى بعض الحركات في إسرائيل، وعلى رأسها "جودة الحكم"، أن قرار المحكمة العليا يعني أن الحكومة يجب أن تبدأ بتجنيد طلاب المدارس الدينية الأرثوذكسية المتطرفة على الفور، خاصةً أنه لم يعد هناك أي إطار قانوني يسمح للحكومة بمنح إعفاءات شاملة من الخدمة العسكرية لهم، وتالياً يجب على الحكومة فرض قانون التجنيد الإلزامي عليهم، مشددةً على أن "هذا انتصار تاريخي لسيادة القانون، ومبدأ المساواة في عبء الخدمة العسكرية".

ويرى البعض، أنه من الممكن الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، وعلى رأسها وزير التعليم الإسرائيلي، الذي أكد أنه "ليس هناك اقتتال من شأنه أن يمزق المجتمع الإسرائيلي في خضمّ حرب طاحنة، ومن الممكن أن نتعاون على فعل ذلك".

يُذكر أن عدد طلاب "الحريديم" يبلغ حالياً 63 ألفاً، لكن الجيش أقرّ بأنه من المرجح أن يجري تجنيد 3 آلاف فقط، خلال العام الحالي.

وبحسب صحف إسرائيلية، فإن هناك خيارين رئيسيين أمام الجيش؛ الأول هو إجراء قرعة عشوائية للمؤهلين للتجنيد مهما كان عددهم، والآخر "تجنيد الفئات الأقل أهميةً، أي الشباب من مجتمع 'الحريديم المعاصرين'"، وأولئك الذين يلتحقون بالمدارس الدينية المنقطعة، التي لا تلتزم بالدراسات الدينية بشكل كامل.

هل تسقط حكومة نتيناهو؟

هذا الوضع القائم، يطرح سؤالاً مهماً مفاده: "هل تسقط حكومة نتيناهو؟"، والإجابة أنه من غير المرجح أن يؤثر هذا القرار بشكل فوري على ائتلاف نتنياهو، خاصة أنه منذ الحرب على غزة، التي دخلت شهرها التاسع، لم يتأثر الائتلاف أو تسقط الحكومة، رغم الكثير من الانتقادات والتظاهرات التي ملأت الشوارع مطالبة بوقف الحرب وإعادة المحتجزين.

وقد يضع هذا القرار، نتنياهو في مأزق، بسبب عدم قدرته على الوفاء بتعهداته الخاصة بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، التي تعد من أهم المطالب التاريخية لليهود المتشددين.

لكن إذا سقطت حكومة نتنياهو لأي سبب كان، فإن ذلك لا يعني انتهاء أزمة الحريديم، لأن إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، لن تأتي بحكومة تقف إلى جانب "الحريديم"، في ظل وقوف المعارضة داخل تل أبيب موقف الرفض من إعفاء الحريديم، وبناء عليه فإن المخرج بالنسبة لهم ليس في سقوط الحكومة.

ويؤكد ذلك ما أظهره استطلاع للرأي، أجراه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في أيلول/ سبتمبر الماضي، بأن 68% من عموم الإسرائيليين يعارضون منح إعفاء للحريديم من الخدمة العسكرية.

وتجدر الإشارة هنا إلى تصريحات زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي أكد أنه يجب البدء في تجنيد الحريديم، مشدداً على ضرورة تطبيق القانون، وإلا فسيكون ذلك بمثابة خيانة للجيش، كما شدد أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع السابق، البرلماني المعارض حاليا، على أنه "لا علاقة لليهودية بالتهرب من أداء الخدمة العسكرية".

وتعليقاً على ذلك، يقول الليثي، إن إلزام طلاب "الحريديم" بالتجنيد الإجباري، سيكون له تداعيات على مستويات عديدة، أولها المستوى السياسي، لأن هناك عدد من الأحزاب اليمينية التي تتبنى وجهة النظر التي تؤيد عدم خدمتهم في الجيش، وفي الوقت نفسه هم داخل ائتلاف الحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتانياهو، موضحاً أن تلك الحكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، ما يجعل الأحزاب اليمينية والمتطرفين أكثر تحكماً في تصرفات الحكومة، وعلى ما يبدو أن ذلك ما ذهب بإسرائيل إلى الوضع الحالي الذي يشهد أزمات على مستويات مختلفة.

زعيم المعارضة يائير لابيد أكد أنه يجب البدء في تجنيد الحريديم، مشدداً على ضرورة تطبيق القانون، وإلا فسيكون ذلك بمثابة خيانة للجيش.

ويوضح الليثي، أن هناك أزمة اجتماعية، لأنه بالتزامن مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قُتل العديد من الجنود خلال خدمتهم العسكرية بعد مشاركتهم في الحرب، ما دفع الكثيرون للمطالبة بأن يخدم شباب الحريديم في الجيش مثل أبناءهم.

منع التمويل عن الحريديم

ويترتب على هذا قرار المحكمة، منع عشرات الملايين من الدولارات، التي كانت تُرصد لطلاب "الحريديم"، وهذا ما جعل المجتمع الحريدي يجمع ما يقرب من 100 مليون دولار عبارة عن تبرعات من الولايات المتحدة الأمريكية، رداً على أمر "العدل العليا: بوقف التمويل العام للمعاهد الدينية، التي يتهرب طلابها بشكل غير قانوني من التجنيد في الجيش الإسرائيلي، وفقاً لتقرير نشرته "هآرتس".

وتؤكد الصحيفة الإسرائيلية أن هذه الأموال لا تلبي الاحتياجات طويلة المدى للمعاهد الدينية، التي لم تعد قادرة على الاعتماد على دعم الدولة، لكنها ستمنح المعاهد متنفساً، بينما تتعامل مع القيود المالية التي تؤثر بالفعل على عملها.

وكانت المحكمة العليا قد قضت في آذار/ مارس الماضي، بأنه لا يمكن للحكومة تحويل الأموال إلى المعاهد الدينية، لنحو 50 ألف طالب مؤهلين للتجنيد في الجيش، بعد انتهاء صلاحية اللوائح التي تعفي أعضاء المجتمع الحريدي المنخرطين في الدراسات اليهودية من التجنيد الإلزامي.

وكانت المحكمة قد أوضحت في قرارها، أن هذه الأموال غير قانونية، لأنه ابتداء من 1 نيسان/أبريل 2024، مع انتهاء مفعول القرار الحكومي بهذا الشأن، لم يعد هناك أي إطار قانوني يسمح بإعفاء هؤلاء الشبان من واجب الخدمة العسكرية.

ووفقاً لـ"هآرتس"، فإن أمر المحكمة العليا بشأن التمويل، الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل، أوقف تسليم 270 مليون شيكل (72 مليون دولار) في العام الحالي، وسيخلق عجزا بقيمة 400 مليون شيكل (106 ملايين دولار) في عام 2025، مشيرة إلى أن الوضع قد يتفاقم بسبب احتمال وقف التمويل أيضا للحضانات النهارية، لأطفال طلاب المعاهد الدينية الحريدية الذين لم يجر تجنيدهم.

وبالفعل بدأت الحكومة في اتخاذ بعض الخطوات بدء تنفيذ قرار التجنيد، منها إصدار المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف- ميارا، تعليماتها إلى الجيش بالشروع في العمل على تجنيد 3 آلاف شاب حريدي بصورة فورية، بالإضافة إلى تقديم خطة متكاملة لزيادة هذا العدد بصورة تدريجية، ووجهت جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية بالامتناع الفوري عن تحويل أي مبالغ من أموال الدعم الحكومية للمدارس الدينية الحريدية، التي لا يخدم طلابها في الجيش.

هل يتفوق الائتلاف الحكومي على القانون/ المحكمة؟

يرى الليثي، أنه من الصعب قطع الميزانيات عن "الحريديم"، نظراً لتمتعهم بنفوذ كبير، وفي ظل سيطرة الائتلاف على الحكومة، والقوة السياسية التي من شأنها وضع العديد من العراقيل، مشيراً إلى أنه "حال تنفيذ نتنياهو أوامر المحكمة بإلزام الحريديم بالخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن ذلك من شأنه زيادة الاضطرابات"، موضحاً أن هذا المستوى الثالث من التداعيات، وهي التداعيات الأمنية، بسبب قدرتهم على إحداث اضطرابات في الشارع الإسرائيلي.

ويرى محللون أن قرار المحكمة العليا إيقاف ميزانيات الحكومة للمدارس الدينية هو إحدى جبهات معركة الأحزاب الدينية الاقتصادية، لكن ليس أكثرها دراماتيكية. فمن بين الجبهات الأخرى، معركة إقرار ميزانيات نظام التعليم وأطره وأجور المعلمات في المجتمع الأرثوذكسي وإقرار الرقابة عليها من قبل وزارة المالية والمستشارة القانونية.

قرار المحكمة العليا إيقاف ميزانيات الحكومة للمدارس الدينية هو إحدى جبهات معركة الأحزاب الدينية الاقتصادية، لكن ليس أكثرها دراماتيكية. فمن بين الجبهات الأخرى، معركة إقرار ميزانيات نظام التعليم وأطره وأجور المعلمات في المجتمع الأرثوذكسي وإقرار الرقابة عليها من قبل وزارة المالية والمستشارة القانونية... ما الذي قد تسفر عنه هذه الأزمة؟

وتقدر ميزانيات نظام التعليم بما يفوق بكثير ميزانيات المدارس الدينية التي قُطعت عنها الميزانيات، وبالتالي فقد تُشكّل العثرات فبها أزمات أكبر بين المجتمع والحكومة.

ويقول الكاتب الإسرائيلي في "يديعون أحرونوت" شاحر إيلان إن هذه النزاعات، التي ستبتّ في أمرها المحكمة العليا لاحقاً، "تسبب انتقادات كبيرة في أوساط المجتمع الحريدي وتوسّع من أزمته مع الحكومة".

ويشير إلى أن الحكومة، وفي قرار لها اتُخذ بتاريخ 17 نيسان/ أبريل 2024، حاولت من خلاله استباق قرار المحكمة العليا، نص على أن الأخيرة لا تملك صلاحية تحديد الميزانية الإجمالية المخصصة للمدارس الدينية. وأن تحديد الأولويات داخل الميزانية هي مسألة متروكة للحكومة.

ولا تزال الحكومة تحاول الالتفاف على قرار المحكمة عبر إيجاد طرق لتضخيم ميزانيات المدارس التي يحصل طلابها على إعفاء دائم، وعبر التلاعب في مسألة الرقابة. إلا أن المستشارة القانونية للحكومة حذرت من هذه الطرق الالتفافية وتجاوز قرارات المحكمة.

من هم الحريديم؟

هنا سؤال يطرح نفسه، مفاده: من هو الحريديم وكيف وصلوا إلى هذه المنزلة في إسرائيل، وهو ما أجاب عنه الدكتور محسن صالح وكريم الجندي، في كتابهما المعنون بـ"صناعة القرار الإسرائيلي: الآليات والعناصر المؤثرة"، قائلين إن الحريدي في العبرية هو الشخص الذي يرتجف من مخافة الله، وجمعها حريديم.

ويوضح مؤلفا الكتاب، أنه منذ نجاح "الحريديم" الانتخابي المفاجئ سنة 1988، وتحالفهم مع إسحاق شامير والليكود، شكلوا جزءاً من كل ائتلاف حكومي، كما وضعهم نجاحهم في فترات مختلفة من التسعينيات في موقف جعلهم قادرين على إملاء شروطهم على المجتمع الإسرائيلي.

ويؤكد المؤلفان أنه "على الرغم من أن غالبية اليهود الإسرائيليين يرون أن الحريديم وقياداتهم متطرفين، فإن تأثيرهم ازداد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة؛ إذ لعبوا دور الشريك الأساسي في الائتلافات الحكومية مع الأحزاب التي كلفت بتشكيل الحكومة، ولأنه ليس لديهم أي اهتمامات سياسية في الحكومة، فإنهم يكونون مرنين جداً في مفاوضات الائتلاف، ما يجعلهم شركاء سياسيين مريحين".

من ناحية أخرى، فإن للحريديم تأثيراً اقتصادياً أيضاً؛ إذ يقول الاقتصادي مومي داهان، من مدرسة السياسة العامة في الجامعة العبرية، إن ما يقارب 60% من رجال الحريديم لا يعملون في وظائف معتادة، بل يفضلون التفرغ للدراسات الدينية، بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم عائلات الحريديم هي الأكبر ضمن اليهود الإسرائيليين، حيث تتكون في معظم الأحيان من 6 – 7 أطفال، ونتيجة لذلك فإن 50% من الحريديم يعيشون تحت خط الفقر، ويتلقون مساعدات حكومية (معظم الأطفال يستفيدون من امتيازات البطالة)، مقارنة بـ15% من بقية الإسرائيليين على أبعد تقدير، بحسب كتاب "صناعة القرار الإسرائيلي".

تاريخ إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية

وفقاً لتقرير صادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، في 1 تموز/ يوليو الجاري، فإن بداية تاريخ إعفاء "الحريديم" من الخدمة العسكرية، كان عام 1949، بقرار من دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأولى، من خلال إعفاء 400 شاب من طلاب المدارس الدينية من واجب التجنيد، ما داموا مشغولين بدراسة التوراة فقط.

ويوضح التقرير، أن هدف بن غوريون الأساسي من هذا القرار، كان المحافظة على "جمرة تعلّم التوراة بين المجموعات اليهودية التي كادت أن تُباد إبّان الهولوكوست".

وظلت أعداد هؤلاء الطلاب في سن التجنيد الإجباري للجيش، المعفيين منه، تزداد سنوياً، حتى وصل عددهم في حزيران/ يونيو من العام الماضي، إلى نحو 63 ألف طالب، وفقاً للإحصائيات الرسمية.

وقد كان ازدياد هذا العدد بشكل مستمر، بما لا يتناسب مع نسبة الحريديم من بين مجموع السكان في إسرائيل (حوالي 14%)، السبب المركزي في إعادة وضع هذه المسألة على جدول الأعمال العام في إسرائيل، وسط خلافات حادة بين مؤيدي تجنيدهم ومعارضيه.

واستعر النقاش حول الموضوع حالياً، بسبب استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما خلّفته حتى الآن من خسائر بشرية فادحة في صفوف الجنود والضباط (39 ألفاً بين قتيل وجريح لم يعودوا قادرين على مواصلة الخدمة العسكرية)، من جهة، وحيال تصاعد احتمالات نشوب حرب أخرى، على الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية، بين إسرائيل وحزب الله، من جهة أخرى.

وأوضحت المحكمة، أنه في ظل عدم وجود قانون ينظم مسألة تجنيد الشبان الحريديم، فإن أحكام قانون الخدمة الأمنية لعام 1986، تسري على كل من يكون الجيش معنياً بتجنيده، ما يعني إلزامّية تجنيد جميع أبناء الـ18 عاماً من اليهود والدروز المُلزمين بالتجنيد قانونياً، إلى جانب أفراد آخرين يُبدون استعداداً للتجنيد.

محاولة إيجاد مخرج قانوني

يذكر أنه في عام 1998، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً يقضى بعدم قانونية هذا الإعفاء، لكن الحكومات الإسرائيلية منذ ذلك الحين تحاول إيجاد "مخرج قانوني" للإبقاء على إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.

"رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يتخذ المزيد من الخطوات التي من شأنها أن تثير غضب الحريديم؛ تجنباً للإطاحة به من الحكومة، وكتابة نهايته السياسية".

واستطاعت تلك الحكومات التحايل على قرار المحكمة العليا عبر تمديدات متكررة للائحة الأصلية، كان آخر تلك التمديدات قد صدر في تموز/ يوليو من العام الماضي.

ويشير تقرير المركز الفلسطيني، إلى أن القرار العيني الذي قصدته المحكمة، في قرارها الذي أصدرته الحكومة في أواخر حزيران/يونيو 2023، إلزام الحكومة للجيش الإسرائيلي بعدم تجنيد الشبان الحريديم لتأدية الخدمة العسكرية في صفوفه.

وقد اضطرت الحكومة إلى اتخاذ ذلك القرار لدى انتهاء فترة سريان قانون إعفاء الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية، في مطلع تموز/يونيو 2023، وكانت المحكمة العليا أصدرت في عام 2017 قراراً قضائياً أمرت فيه بإلغاء القانونين اللذين أتاحا آنذاك إعفاء الشبان الحريديم من واجب تأدية الخدمة العسكرية.

ومنذ ذلك الحين، أعطت المحكمة الكنيست الإسرائيلي سلسلة من المُهَل لسن قانون جديد لهذا الغرض كان آخرها حتى نهاية حزيران 2023.

وبحسب "أرشيف نشرة فلسطين"، فإنه في عام 2012، احتدم الجدل في إسرائيل بين الأصوليين اليهود "الحريديم" وبين جهات علمانية، من بينها زعيم حزب "يسرائيل بيتينو" المتطرف أفيغدور ليبرمان، في أعقاب صدور قرار للمحكمة العليا الإسرائيلية، لوقف العمل بقانون مؤقت، ينظم مسألة إعفاء الشبان اليهود الأصوليين من الخدمة في الجيش الإسرائيلي لأسباب دينية وشرائعية.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعترض فيها "الحريديم" ضد مثل هذا القرار، ففي آذار/ مارس 2014، تظاهروا ضد القانون الذي يفرض على شبانهم الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، في مظاهرة عدت وقتها الأضخم في إسرائيل على مدى عدة عقود، وفقاً لـ"أرشيف نشرة فلسطين".

في المحصلة، لا يزال مشروع القانون يأخذ طريقه في البرلمان الإسرائيلي، وإذا استمر حكم المحكمة، فقد يضع ذلك ضغوطاً إضافية على ائتلاف نتنياهو، ما قد يدفع البلاد إلى إجراء انتخابات مبكرة؛ إذا انهار الائتلاف، وهو ما دفع الليثي إلى التأكيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يتخذ المزيد من الخطوات التي من شأنها أن تثير غضب الحريديم؛ تجنباً للإطاحة به من الحكومة، وكتابة نهايته السياسية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard