نشأت في أعقاب حركة التنوير العثمانية في القرن التاسع عشر، حركات طلابية عديدة. حدث ذلك نتيجة توسّع مجال الفضاء العام، بعد انقطاع لقرون طويلة، وفي الغالب كانت تلك الحركات والتنظيمات متأثرةً بالمجتمع الغربي؛ على اعتبار أن حركة التغيير على مستوى السلطة كانت جرّاء هذا التأثر بعد إرسال السلطنة البعثات الطلابية إلى عواصم أوروبية مختلفة، في طليعتها باريس. كما تابع الطلبة في كنف الدولة العثمانية المتغيرات على مستوى الحياة السياسية، وتفاعلوا معها بأشكال مختلفة، لكن كان عدم استعداد المكونات للانتقال إلى هوية المواطنة الجديدة، عاملاً أساسياً لم يساعد على وجود حركة طلابية واحدة عابرة للقوميات والأديان، وإنما كانت معظم الحركات متأثرةً -إلى حد ما- بصراعات الهوية، خاصةً مع جمعية "الاتحاد والترقي" التي تبنّت الفكر الطوراني القومي وعملت على إسقاط السلطنة العثمانية مقابل إنشاء دولة قومية حديثة.
بذور ولادة حراك طلابي
أيّد، مطلع العام 1876، الطلبة العرب الحركة المطلبية التي نشأت في كنف الدولة العثمانية عقب إقرار القانون الأساسي الذي أصدره السلطان عبد الحميد عام 1876، والذي كان أول وثيقة دستورية في تاريخ الدولة العثمانية. عزز القانون دور "المجلس العمومي" على حساب صلاحيات السلطان، فكان أول وثيقة تؤطّر دوره، كما ساهم في حفظ حرية الصحافة والكتابة.
جاء هذا التأييد جراء انخراط الطلبة العرب في حركات مدنية مختلفة لديها مطالب وأهداف مدنية متأثرة بالثورة الفرنسية. لكن عودة إبطال القانون بعد عامين، ساهم في احتقان كبير داخل الدولة وأدى إلى استياء الطبقات المثقفة والناشطة سياسياً، خاصةً الشبابية والطلابية، وقد شكل ذلك دافعاً للطلبة لتشكيل جمعية "الاتحاد والترقي" في إسطنبول، مطلع العام 1889، وقد انتسبت إليها مجموعة من الطلبة العرب والأتراك والأرمن وغيرهم.
نشأت في أعقاب حركة التنوير العثمانية حركات طلابية عديدة. نتيجة توسّع مجال الفضاء العام، بعد انقطاع لقرون طويلة، تأثرت تلك الحركات بالمجتمع الغربي؛ لا سيما بعد إرسال السلطنة البعثات الطلابية إلى عواصم أوروبية مختلفة، في طليعتها باريس
لكن مع تغيّر خط الحركة وتحولها إلى حزب سياسي قومي بدلاً من حركة طلابية نضالية مطلع العام 1903، وصولاً إلى العام 1906، خاصةً بعد أحداث جرت داخل الجامعات والمدراس، كالتضييق على الطلبة العرب والنزوع من قبل القوميات الأخرى نحو الفكر القومي بدلاً من الوطني، اندفع الطلبة العرب الذي شكل السوريون الثقل الأكبر فيهم، وفق تعريف "المملكة السورية" أو حتى لاحقاً وفق تعريف "سوريا عقب الاستقلال"، للخروج من جمعية الاتحاد لتغيير منهجها، وإنشاء حركة تمثّل تطلعاتهم الذاتية وهي "الإخاء العربي" التي قامت على أسس قومية كانت غايتها الأساسية تعزيز القومية العربية داخل الجامعات والمعاهد، على غرار الحركات الأخرى، سواء التركية أو الأرمنية.
وشهدت حركة الإخاء صراعات كبيرةً داخل الجامعات، إذ مثّلت ردة فعل عربية أو سورية ضد سلوك الاتحاديين وعمليات التمييز التي كان الطلبة يتعرضون لها داخل المدارس من قبل المدرّسين أو الطلبة أنفسهم. وصف أحمد قدري، الحركة في كتابه "مذكراتي عن الثورة العربية"، بأنّها حركة طلابية ثورية غير منظّمة تأثرت بالمكونات القومية الأخرى في الدولة. وخلال العقد الأول من القرن العشرين استمرت الصراعات مع حركة "الاتحاد والترقي"، إلى حين نجاح الأخيرة في الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني، في العام 1908-1909، وسيطرتها على مفاصل الحكم.
خلال فترة ما بعد الانقلاب، استشعر الطلبة ضرورة تأسيس حركة تنظيمية مبنية على أسس معرفية لديها رؤية واضحة تنسجم مع مطالب العرب في اللامركزية، وفي الوقت نفسه تعمل على مناصرة حقوق الطلبة السياسية دون أن يكون هناك تخيّل لإمكانية تحولها إلى مشروع إقليمي. على هذا الأساس، تم تأسيس "المنتدى الأدبي" خلال الانتخابات النيابية في أستانا عام 1909، برئاسة طالب الحقوق عبد الكريم قاسم الخليل، الذي قاد الحركة ومن ثم ذهب إلى سوريا خلال الحرب العالمية الأولى 1914، قبل أن يتمّ إعدامه في بيروت من قبل جمال باشا، كما جاء في كتاب يوسف حازم "مِشعل العرب الأول 1884-1915"، وبقيت بيروت تعدّ ذكرى استشهاده مناسبةً وطنيةً حتى منتصف سبعينيات القرن المنصرم.
بقيت هذه التشكيلات حتى مطلع عام 1910، مجرّد مقدّمات طلابية لحركة أوسع؛ أي لحظة الإعلان عن "حركة الفتاة العربية" في باريس عام 1913، والتي تُعدّ من أهم حركات التغيير في المشرق العربي خلال حقبة ما بعد الانقلاب والحرب العالمية الأولى والمملكة السورية. انطلقت حركة الفتاة العربية، من تطور الفكر الطلابي ذاته داخل كنف الدولة العثمانية والدخول في صدام مباشر مع الاتحاديين بين عامي 1900 و1910، وقد امتهنت الحركة عملها بمبادرة تقدّم بها ثلاثة طلاب من سوريا الكبرى، واحد منهم سوري في التعريفات الحديثة لسوريا هو أحمد قدري، وقد اتخذت الحركة من باريس مقراً لها لوجود عدد كبير من الطلبة فيها، كما يبرر أحمد قدري في مذكراته.
ولكن عملياً، عقدت الحركة مؤتمرها التأسيسي الأول في دمشق كفرع ارتباط رئيسي بشكل سرّي بالتزامن مع مؤتمر باريس عام 1913، تحت مسمى "المؤتمر العربي"، وسرعان ما انضم إليها طلبة سوريون أصبحوا لاحقاً من الشخصيات الرئيسية في الدولة السورية الحديثة، أبرزهم محمد كرد علي وجميل مردم بك وشكري القوتلي وسعد الله الجابري، الذين كان لهم دور أساسي في الدولة السورية الحديثة لاحقاً.
ثنائية سوريا والطلبة... عندما يكون الطلاب روافع الاستقلال
استمرّت الجهود الطلابية السورية في المرحلة التي تلت الحرب العالمية الأولى، أي بالتزامن مع بدء انتداب فرنسا على سوريا، وأولى تلك الحركات كانت عام 1925، لحظة تنظيم الآلاف من الطلبة مظاهرات حاشدة ضد زيارة وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، لعواصم عربية مختلفة على رأسها القدس ودمشق ،حيث وعدت قيادات وطنية سورية بإفشال هذه الزيارة ودعا حينها عبد الرحمن الشهبندر، رئيس حزب الشعب، أبرز الأحزاب الناشئة حينها، جميع الطلبة السوريين للتظاهر، كما انضمت شخصيات أكاديمية عدة بثقلها إلى تلك التظاهرات ودعت فئاتها الطلابية المختلفة للخروج فيها ودعمها كما في حالة سليم زكي الذي تناولته الذاكرة الدمشقية، وهو أول مدير لإذاعة دمشق دعا طلابه للتظاهر، واستطاع الطلبة إغلاق شوارع دمشق.
أيّد الطلبة العرب الحركة المطلبية التي نشأت في كنف الدولة العثمانية عقب إقرار القانون الأساسي في عهد السلطان عبد الحميد، لكن عودة إبطال القانون ساهم في احتقان كبير أدى لتشكيل جمعية "الاتحاد والترقي" مطلع 1889، وقد انتسبت إليها مجموعة من الطلبة العرب والأتراك والأرمن
لفتت هذه التظاهرات نظر سلطة الانتداب إلى ضرورة فصل الفئات الطلابية عن المكونات الأخرى، وفصل النخبة السياسية عن قواعدها الشعبية، لا سيما الطلبة، بالدافع نفسه الذي وصّفه حنّا بطاطو في كتابه "فلاحو سوريا"، في ما يتعلق بتقسيم سوريا عبر تطييفها ومنطقتها منعاً لتشكيل أي هوية سورية وطنية، حيث منع الفرنسيون من خلال مرسوم قاموا بتعميمه الطلبة السوريين من الانضمام إلى أي تيار وطني سوري خاصة "حزب الشعب"، ما اضطرهم إلى الانضمام إلى حركات سياسية سرية مختلفة بين عشرينيات وثلاثينات القرن المنصرم؛ مثل "القبضة الحديدية" و"جمعية الكف الأحمر" في حلب.
برز الحراك الطلابي السوري بشكل أعمق في مدارس "التجهيز" التي تضم الإعدادي والثانوي في سوريا، لا سيما ضمن فئة الانتقال من التعليم المتقدم إلى المعاهد أو الجامعات، ويعود المصطلح إلى نهاية الدولة العثمانية إذ لم يكن في دمشق سوى مدرسة ثانوية واحدة تقع في الحي اليهودي عُرفت في العام 1918 بـ"مدرسة التجهيز"، ومع الوقت تطورت المدرسة من حيث البنية التحتية لتحتوي في العام 1932 على مجموعة مبانٍ لتستوعب طلاباً، مع الوقت، من كل المحافظات السورية.
وعليه، شكّل طلاب التجهيز أهميةً بالغةً لمعظم الحركات الوطنية في النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي وصولاً إلى تطوير بنيتها التحتية، وذلك ضمن كيانات الكتلة الوطنية وعصبة العمل القومي وقد نشطت مجلة "المضحك المبكي" في توصيف الصراعات الطلابية نهاية العام 1932، في زوايا مختلفة. وفي الفترة نفسها، ساهم تطور الحركات الطلابية في مدارس التجهيز في تشكيل مشهد طلابي مؤثّر في جامعة دمشق التي بدأ نشاطها الطلابي مطلع العام 1928، وذلك بالتزامن مع إنشاء مدرسة الآداب العليا فيها في العام نفسه، وكانت التظاهرة الشهيرة احتجاجاً على تخفيض ميزانية الجامعة عام 1929، مدخلاً مهماً لبدء الحراك الطلابي "الجامعي" في سوريا، كما كان لطلاب التجهيز دور أساسي في الحراك الوطني داخل الكتلة الوطنية أو عصبة العمل القومي.
لم يقتصر الحراك الطلابي على الداخل السوري فحسب، حيث كان النشاط الطلابي السوري في أوروبا في مرحلة العشرينيات والثلاثينيات متقدماً من ناحية التنظيم ووجود التشكيلات الطلابية، خاصةً عندما أسس السوريون الذين يدرسون في جنيف "جمعية الطلبة السوريين في جنيف" أو ما يُعرف باسم "فينيقيا" عام 1922، والتي سعت إلى مساعدة الطلبة ومناصرة القضية السورية في أوروبا، وكذلك الإعلان عن جمعية الطلبة العرب في أوروبا التي أسسها فريد زين الدين، خلال المرحلة الدراسية في أوروبا أواخر العشرينيات، والذي سيتولى لاحقاً منصب سفير سوريا في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام 1957.
في السياق نفسه، تُعدّ جمعية الطلبة العرب، نواة تشكيل "عصبة العمل القومي" داخل سوريا بعد استقطابها شباباً خارج سوريا وداخلها. تأسست العصبة في العام 1933، وتبنت برنامجاً شبابياً رافضاً لوجود أي حكومة في ظل بقاء الانتداب الفرنسي، وكان قوام العصبة بمجملها من الطلبة الجامعيين الذين يدرسون في جامعات أو معاهد محلية في سوريا ولبنان أو من خريجي جامعات أوروبية ولم تضم أياً من التجار أو الصناعيين، وقد اشتهر أبرز مؤسسيها عبد الرزاق الدندشي، الذي ينحدر من محافظة حمص السورية بشخصيته القوية، وضمّ الحزب شخصيات سوريةً مهمةً مثل صبري العسلي الذي سيتولى رئاسة حكومات سوريّة عدة لاحقاً في الخمسينيات.
اللافت في العصبة أنّها كانت أكثر وضوحاً من التيارات الأخرى في رفض الطائفية، وتعرّف المرحلة بأنها وطنية لا حزبية، وعملت على هذا الأساس. وتُعدّ العصبة من أبرز المقدمات الطلابية والشبابية لاحقاً في الشارع السوري المعارض لأي تسليم للأمر الواقع للانتداب بحسب خطار بوسعيد، في كتابه "عصبة العمل القومي ودورها في لبنان وسوريا 1933-1939". كما كان للعصبة دور كبير في إضراب الستين يوماً في العام 1935، الذي كان سبباً غير مباشر في توقيع معاهدة الاستقلال 1936.
اشتهر إضراب الستين يوماً، في التاريخ السوري بأنه جاء عقب إغلاق الانتداب مقر الكتلة الوطنية في دمشق في العام 1935، وقد سبّب ذلك احتجاجات كبيرةً في سوريا، طالبت بإنهاء الانتداب وإلغاء قرار فصل الطلبة من الجامعات والمدارس والمعاهد. في المجمل، كان قوام الحراك ومحركه طلبة الجامعات والشباب الذين انتسبوا إلى تيارات سياسية وطنية كالعصبة والشباب الوطني، وقد عطّلت الميليشيات السنغالية مهرجاناً طلابياً كبيراً في دمشق، وقتلت عدداً من المتظاهرين في العام 1935. يتناول فيليب الخوري في كتابه "سوريا والانتداب الفرنسي"، المهرجان الطلابي قائلاً إنّ قوام الحراك كان من الطلبة وليس من الكتلة الوطنية التي انتظرت أكثر من أسبوع لإعلان الإضراب الشامل في البلاد. عقب المهرجان تعاون الطلبة مع "القبضايات" أي زعماء الأحياء والحارات لفرض إضراب شامل في سوريا انتهى بتوقيع الأخيرة معاهدة الاستقلال الشهيرة عام 1936.
تفاعل الحراك الطلابي خلال فترة الاستقلال، خاصة خلال حقبة الرئيس شكري القوتلي، فرفض الحراك التعديلات الدستورية لتمديد ولاية الرئيس، والانقلابات العسكرية مطالباً بعودة الحياة الديمقراطية.
لم ينخفض الحراك الطلابي خلال فترة الاستقلال، منذ مطلع العام 1943، بل كان متفاعلاً مع كل المستجدات خاصةً في فترة التظاهرات خلال حقبة الرئيس شكري القوتلي بين العامين 1948 و1949، والتي رفض خلالها الطلبة التعديلات الدستورية الخاصة بتمديد ولاية الرئيس، كما رفضوا الانقلابات العسكرية وطالبوا بعودة الحياة الديمقراطية، لا سيما في مرحلة أديب الشيشكلي التي عمت خلالها الممارسات القمعية ومنها استخدام السلاح الثقيل ضد مدينة السويداء في عامي 1953-1954، وكذلك خلال مرحلة "حلف بغداد" الحساسة في العام 1955، التي قاد خلالها الطلبة مظاهرات عارمةً ضد فكرة انضمام سوريا إلى الحلف، إلى درجة جعلت وزارة المعارف في الحكومة السورية المستقلة تصدر مناشدةً في كانون الثاني/ يناير من العام 1952، للتوقف عن الإضرابات التي جعلت العام الدراسي لا يتجاوز ثلاثة أشهر بسبب كثرتها، ما يشير إلى ارتفاع سقف الحريات في فترة الاستقلال.
البعث والأسد... الحقبة الطلابية السوداء
حاول حزب البعث العربي الاشتراكي، منذ انقلابه على المؤسسات السورية الجديدة عام 1963، السيطرة بشكل كامل على أي حراك طلابي في سوريا، وكان صدامه الأول طلابياً في إحدى مدارس حماة السورية وفقاً لميشيل سورا، في كتابه "سورية الدولة المتوحشة"، مؤشراً على النزعة القمعية للنظام السياسي الجديد، وذلك بعد عراك حدث بين طلبة بعثيين كتبوا على الجدران "لا حكم إلا للبعث"، وطلبة رافضين لحكم البعث والانقلاب العسكري، ما دفع حينها الرئيس أمين الحافظ لإرسال قوات سرايا الأمن القومي لقمع التظاهرات الطلابية الاحتجاجية، لكنها تحوّلت خلال تلك الأعوام إلى إضراب كبير شمل محافظة حماة بالكامل استطاع النظام القائم إخماده، لكنه لم ينجح في إنهاء الحراك بشكل كامل حيث عاد للاندلاع مطلع سبعينيات القرن الماضي على شكل صراع مسلح. أحداث تلك المدرسة كانت الفتيل الذي أشعل الصراع الكبير في سورية مع نظام حافظ الأسد والذي سيمتد لعشرين عاماً.
نجح حافظ الأسد في ضبط الحراك الطلابي وربطه بأجهزة قمعية مرتبطة بالاتحاد الوطني الذي بات يمثل السلطة، بينما انعدم الحراك بعد استصدار القانون رقم 49 الذي ذكر في مادته الأولى "إعدام كل منتسب لحركة الإخوان"، ويعتقد النظام أن كل معارض له هو منتسب للإخوان، ما منع الحراك لمدة ناهزت عشرين عاماً
كانت تلك الاحتجاجات بمثابة تنبيه للسلطة الحاكمة إلى ضرورة ضبط الحراك الطلابي كي لا تتكرر سيناريوهات النضال من المملكة السورية لاستقلال سوريا. ففي العام 1966 أصدر الرئيس نور الدين الأتاسي المرسوم التشريعي رقم 130 لعام 1966 القاضي بإنشاء "الاتحاد الوطني لطلبة سورية"، وكان ذلك بمثابة أول اعتراف بالاتحاد الذي شكلته السلطة الحاكمة. بينما عمل حافظ الأسد في منتصف السبعينيات على ضبط الحراك الطلابي خاصةً عبر تعميم قانون تنظيم الجامعات الثاني عام 1975 الذي عدّ "الاتحاد الوطني لطلبة سورية" كياناً مشرفاً على العملية التعليمية الجامعية وذلك بالتزامن مع استصدار دستور جديد عام 1973، يحرّم أي عمل مدني وفق المادة الثامنة في البلاد، أي على قياس السلطة الحاكمة ضمن مرحلة إعادة تشكيل الحياة المدنية والسياسية مطلع سبعينيات القرن الماضي.
وخلال تلك المرحلة، أعاد نظام الأسد تصدير رواية جديدة عن الحراك الطلابي متناسقة مع سردية السلطة بخصوص العمل الطلابي، ويعتمد في النظام الداخلي لما يسمّى "الاتحاد الوطني لطلبة سورية" أنّ أول مؤتمر طلابي سوري عُقد في مدينة اللاذقية، وقد ترأسه حافظ الأسد عام 1950، بينما يؤكد فيليب خوري في كتابه "سوريا والانتداب الفرنسي"، أنّ أول مؤتمر طلابي عُقد في مدينة حماة السورية في شباط/ فبراير 1932، بالتزامن مع اعتماد أول دستور سوري في التاريخ وانتخاب أول رئيس لسوريا هو محمد علي العابد.
في تلك المرحلة، نجح حافظ الأسد في ضبط الحراك الطلابي ومنعه بشكل كامل في سورية، وربطه بأجهزة قمعية مرتبطة بالاتحاد الوطني الذي بات يمثل السلطة، بينما انعدم الحراك الطلابي بعد استصدار القانون رقم 49 الذي ذكر في مادته الأولى "إعدام كل منتسب لحركة الإخوان"، ويعتقد النظام أن كل معارض له هو منتسب للإخوان، ما منع الحراك الطلابي والمدني لمدة ناهزت عشرين عاماً.
في حقبة الأسد الابن، عادت احتجاجات السويداء مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2000، عقب تنصيب بشار الأسد على خلفية مقتل طالب سوري بنيران أحد الموالين لنظامه، ومن ثمّ اعتقال طلاب في مدينة داريا جراء نشاطهم المدني، كذلك حراك الطلبة داخل "تجمع شمس" شكّل أهميةً لدى نظام الأسد لاستصدار قانون تنظيم الجامعات الثالث في العام 2006 الذي منع تأسيس الحركات الطلابية في المواد العشرة الأولى، لتكون تلك الخطوة الأخيرة قبل اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، والتي كانت فيها الجامعات السورية مصدرها الأول معلنةً بداية مرحلة جديدة من النضال الطلابي السوري، ليستكمل طلبة سوريا النضال الذي لطالما تعودوا عليه، سواء عبر تأسيس اتحاد طلبة سوريا الأحرار في العام 2011، وكذلك تأسيس اتحاد طلبة سوريا SSU في العام 2020، الذي يُعدّ آخر المؤسسات الطلابية السورية والأكثر تنظيماً ويُعدّ ممثل الطلبة المعارضين لنظام الأسد ويضم آلاف الطلبة في مناطق المعارضة السورية وحول العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم