لم يتوقع طلّاب الجامعة الأمريكية في بيروت أن تتزامن انتخاباتهم الطلابية التي جرت في 14 تشرين الأول/ أكتوبر مع مشاهد أعادت إلى اللبنانيين ذكرى الحرب الأهلية. في ذلك اليوم، وقعت اشتباكات في منطقة الطيونة، على خلفية احتجاج ضد القاضي طارق البيطار المستلم ملف تحقيق انفجار مرفأ بيروت.
رغم ذلك، استُكملت العملية الانتخابية الطلابية وفاز المعارضون بـ18 مقعداً من أصل 20، توزّعت بين مرشّحين من النادي العلماني وآخرين من نادي "التغيير يبدأ هنا".
تقول آية قاسم، نائبة رئيس النادي العلماني في الجامعة الأمريكية، لرصيف22: "كان التنسيق ليوم الانتخابات صعباً جداً في ظل ما كان يمرّ به البلد في ذلك اليوم. الكثير من المرشحين والطلاب المقترعين لم يتمكّنوا من الحضور إلى الجامعة، وربما أثّر ذلك على نتائج الانتخابات". مع ذلك، تعتبر أن النتائج "دليل على تغيير بالجو السياسي في الجامعة".
لم يكن ذلك الفوز الأول للنادي الذي تأسس عام 2008، إذ كان قد حقق فوزاً كاسحاً في انتخابات 2020، وهو العام الذي شهد فوز الجماعات المستقلة في انتخابات المجالس الطلابية في العديد من الجامعات الخاصة في لبنان، في ما اعتُبر انتصاراً استثنائياً ونتيجة مباشرة للزخم الذي أنتجته انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، وتعبيراً عن طفح كيل الشباب من الأحزاب التقليدية وما تتسبب به من أزمات متتالية.
وأتت نتائج الانتخابات الطلابية عام 2021 لتثبت بشكل لا ريب فيه أن هناك تغيٰراً فعلياً في المزاج الطلابي، إذ "استطاعت الأندية الطلابية المستقلة تحقيق خرق جدّي في عدد من الجامعات الخاصة لا سيما الأمريكية واليسوعية (جامعة القديس يوسف) واللبنانية الأمريكية وغيرها"، بحسب علي مراد، الأستاذ الجامعي والمستشار القانوني في جمعية "كلّنا إرادة".
يقول مراد لرصيف22 إن هذه النتائج "مؤشر على عدم قدرة الأحزاب على استنهاض قواعدها، وعلى أن الخطاب البديل ورغبة الناس بتوجيه صفعة انتخابية لأحزاب السلطة المسؤولة عن الحالة التي وصلنا إليها هما أيضاً مسألة قائمة".
نتائج الانتخابات الطلابية عام 2021 أثبتت بشكل لا ريب فيه أن هناك تغيٰراً فعلياً في المزاج الطلابي... طفح كيل الشباب من الأحزاب التقليدية وما تتسبب به من أزمات متتالية
التغيير الحاصل، برأي قاسم، لا يقتصر على النتائج الإيجابية لصالح المجموعات المستقلّة فحسب، بل أيضاً على "عدم ترشّح الأحزاب التقليدية أصلاً في الانتخابات الطلابية" التي لطالما كانت مسرحاً للأحزاب الطائفية في لبنان، تستعرض فيها حجم تأثيرها.
وساهمت التحركات الشعبية المُعارضة للقوى السياسية الحاكمة في خريف 2019 بتعبئة الطلاب الجامعيين سياسياً، إذ نظّمت مجموعات طلابية عدة احتجاجات ومسيرات داخل الجامعات وخارجها، وربطت المشاكل الطلابية بمشاكل اقتصادية واجتماعية عامة، خلال نقاشات نُظّمت في الساحات العامة في العاصمة بيروت وفي مدن عدة.
انتفاضة 2019 ولّدت مجموعات طلابية مستقلة عدة، منها نادي "التغيير يبدأ هنا"، كما أعطت زخماً لعمل مجموعات أخرى قائمة، لا سيما "شبكة مدى"، وهي شبكة أطلقها طلاب من النادي العلماني في الجامعة الأمريكية في بيروت وفي جامعة القديس يوسف عام 2017، مع طلاب من جامعات أخرى، بهدف تشكيل "عقد طلابي في مواجهة ارتفاع الأقساط الجامعية بطريقة غير منظّمة".
تطورت الشبكة لاحقاً تحت شعار "علمانية، ديمقراطية، عدالة اجتماعية" وتوسّعت لتشمل عام 2021 أندية طلابية جامعية أخرى، كما وسّعت نشاطاتها إلى خارج الأكاديميا، لتضم أندية شبابية ومجموعات معارضة داخل نقابات مهنية، بحسب العضو في الشبكة، كريم صفي الدين. كما ساعدت الشبكة في إنشاء نوادي علمانية جديدة ومجموعات طلابية مستقلة في الجامعات الخاصة في جميع أنحاء لبنان.
يرى صفي الدين أن "الانتخابات الطلابية تُعيد تنشيط الشباب بالمعنى السياسي وليس بالمعنى النقابي فحسب"، بحيث "تصبح حياتهم الجامعية مرتبطة بكلّ ما يحدث في البلد على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".
"التثقيف والتموضع والتوسيع والاستقطاب الذي تقوم به الأندية الطلابية في الجامعات يُساهم في التحضير لاستحقاقات أكبر على مستوى السياسة، مثل الانتخابات النيابية"
المواجهة الصعبة مع أحزاب السلطة
رغم نشاط المجموعات الطلابية المستقلة، لا تزال هيمنة الأحزاب السياسية التقليدية محسوسة داخل الجامعات الخاصة، إذ حصد مثلًا حزب القوات اللبنانية في جامعة سيدة اللويزة 24 مقعداً من أصل 27، و10 مقاعد مقابل ثلاثة للنادي العلماني والمستقلين معاً في فرع الجامعة اللبنانية الأمريكية في مدينة جبيل.
تواجه المجموعات الطلابية المستقلة عقبات عدّة، منها التهديدات والمضايقات من مؤيدي الأحزاب التقليدية في الجامعات وخارجها، والقيود التي تفرضها إدارات الجامعات، بالإضافة إلى الاستثمار الكبير الذي تقوم به الأحزاب التقليدية لتوطيد وجودها وتطوير شبكات مصالحها داخل الجامعات.
يلفت مراد إلى أن "السلطة الحاكمة استعادت أنفاسها عام 2021 واستطاعت أن تحقّق نتائج أفضل في الانتخابات الطلابية"، مقارنةً بنتائج العام السابق.
بالإضافة إلى ذلك، ورغم كونها مؤشراً مهماً على المزاج السياسي العام، لا تمثّل الجامعات الخاصة مكونات المجتمع اللبناني كله. ولا تزال أحزاب السلطة تسيطر على العمل الطلابي في الجامعة اللبنانية، الجامعة الرسمية الوحيدة، التي تضم ما يقارب ثلث طلاب التعليم العالي في لبنان.
لطالما كانت الجامعة اللبنانية ضحية الزبائنية والطائفية السياسية منذ تأسيسها منذ نحو 70 عاماً، وهذا ما يُصعّب العمل المستقل داخلها. ولم تشهد الجامعة انتخابات طلابية منذ حوالى 13 عاماً، فيما تتوارث أحزاب السلطة المجالس الطلابية فيها عاماً بعد عام.
يعتبر مراد أن "تغييب الحياة السياسية عن الجامعة اللبنانية منذ سنوات طويلة هو مؤشر إلى تعطل الحياة الديمقراطية والحياة النقابية في البلد". ويضيف أن "الجامعة اللبنانية مصنع السياسة والرأي العام، وأكثر الأمكنة تنوّعاً وهي تعبّر عن شريحة تبدأ من الطبقة الوسطى لتصل إلى أكثر الطبقات فقراً. لدا فإن الانتخابات الطلابية فيها أمر لا يمكن المساومة عليه، وبمعزل عمّن يربح في مراحل معينة، فإن إجراء الانتخابات وفق قواعد قانونية هو بذاته أمر مطلوب".
ولكن لم تبقَ الجامعة اللبنانية بمنأى عن الحركة الطلابية المستقلة المطالبة بالتغيير، وشهد العام الماضي تأسيس أول نادٍ علماني فيها، كجزء من شبكة مدى، في خطوة يعوّل عليها كثيرون، برغم المعوقات الكبيرة التي تواجهها.
من الانتخابات الطلابية إلى الانتخابات النيابية
يعتبر صفي الدين أن "كلّ التثقيف والتموضع والتوسيع والاستقطاب الذي تقوم به الأندية الطلابية في الجامعات يُساهم في التحضير لاستحقاقات أكبر على مستوى السياسة، مثل الانتخابات النيابية".
"نعتبر الانتخابات النيابية أداةً لتنظيم وتدريب أنفسنا في السياسة لنقوم بمعركة مع النظام".
وتستعدّ الأحزاب والمجموعات المستقلة وأحزاب السلطة لخوض غمار انتخابات نيابية هي الأولى بعد انتفاضة 17 تشرين، فيما يعيش لبنان أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر بحسب البنك الدولي.
وفيما يميل البعض إلى اعتبار نتائج الانتخابات الجامعية مؤشراً مهماً على حجم التغير في توجهات الشارع، تقول قاسم: "لا أرى أن نجاح (المعارضة) في الجامعات في لبنان اليوم سنراه هو نفسه في الانتخابات التشريعية".
وتشير إلى أن إحدى العقبات أمام ذلك هي كون سنّ الاقتراع في لبنان 21 عاماً، أي أن معظم طلاب الجامعات الذين يُصوّتون للمعارضة في جامعاتهم لن يتمكّنوا من التصويت لها في الانتخابات التشريعية المرتقبة في آذار/ مارس 2022.
أمّا صفي الدين، فيقول إن الحاجز الأساسي أمام تأثير نتائج الانتخابات الطلابية على الانتخابات النيابية هو أن "الجامعات (الخاصة) التي تحصل فيها الانتخابات لا تُمثّل كل مكوّنات المجتمع".
ويضيف: "هناك عقبة تنظيمية، هي كيف ستقدر هذه القوة الحيوية في الجامعات على استيلاد قوى فعلية خارجها" لتوثر على نطاق أوسع وربما على سير الانتخابات النيابية لعام 2022 أو في الانتخابات التي تليها.
اليوم، تتعاون شبكة مدى، بحسب صفي الدين، مع مجموعات معارضة قائمة منذ عدة سنوات ومجموعات أخرى تشكّلت خلال انتفاضة 2019، بهدف توحيد الجهود والسعي نحو حصد أكبر عدد مقاعد برلمانية ممكنة في الانتخابات المقبلة. ويمكن للمجموعات الطلابية، مستفيدة من خبرتها في تنظيم الحملات والتعبئة بشكل حيوي، أن تلعب دوراً مهماً في دعم المرشحين المستقلين في الانتخابات.
يقول صفي الدين: "نعتبر الانتخابات النيابية أداةً لتنظيم وتدريب أنفسنا في السياسة لنقوم بمعركة مع النظام".
أنجزت هذه المادة ضمن مشروع "شباب22"، برنامج تدريبي لموقع رصيف22 يرعاه مشروع دي- جيل D-Jil، بالاعتماد على منحة من الاتحاد الأوروبي تشرف عليها CFI.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...