شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
هكذا هي الحياة الحقيقية مع

هكذا هي الحياة الحقيقية مع "النرجسيين"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 4 يوليو 202402:11 م

في السنوات الأخيرة، زاد استخدام وصف "نرجسي" للإشارة إلى مشاكل نفسية تتعلق بالعنف والتلاعب بين بعض المؤثرين ممن لا يمتلكون المعرفة الكافية للتشخيص النفسي. فهل كل من يحب نفسه بشكل مبالغ به يعد مصاباً باضراب الشخصية النرجسية؟

تعرف النرجسية وفق علم النفس كاضطراب نفسي يشمل الافتقار إلى التعاطف والتلاعب بمشاعر الآخرين. وفقًا لبحث نُشر في "Psychology Today"، فإن الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) يظهرون سمات مثل الإحساس الزائد بالأهمية، والحاجة المفرطة للإعجاب، والسلوك العدواني عند الشعور بالتهديد أو الانتقاد.

من الضروري التمييز بين النرجسية وغيرها من المشاكل النفسية المتعلقة بالعنف. بينما يتلاعب النرجسيون بالآخرين لتحقيق غاياتهم الخاصة، فإن الأشخاص الذين يعانون اضطرابات مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) يظهرون سلوكيات عدوانية بشكل أكبر وتتسم بالتلاعب والانتهاك المتعمد للقوانين وحقوق الآخرين، مما يشمل تاريخًا من السلوك الإجرامي، ومما قد يتسبب بالالتباس مع الترجسية لدى الكثيرين.

من المهم أيضًا الإشارة إلى أن النرجسية ليست مقتصرة على الرجال فقط. هناك نساء يعانين هذا الاضطراب ويؤذين شركاءهن بأساليب مشابهة. الدراسات تظهر أن نسبة النساء اللواتي يعانين اضطراب الشخصية النرجسية قد تكون أقل من الرجال، لكن ذلك لا يعني غياب هذه الظاهرة بين النساء

صفات الشخصية النرجسية

معظمنا يعرفون أن كلمة النرجسية اشتُقّت من كلمة "نرسيوس" استناداً للأسطورة اليونانية حين وقع نرسيوس في حب انعكاس صورته على سطح الماء، فظل واقفاً عندها حتى مات. 

بينما يتلاعب النرجسيون بالآخرين لتحقيق غاياتهم، فإن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) يظهرون سلوكيات عدوانية بشكل أكبر وتتسم بالانتهاك المتعمد للقوانين إلى حد السلوك الإجرامي، وهذه الشخصية قد تتسبب بالالتباس لدى الكثيرين مع الشخصية النرجسية

لا تتوقف النرجسية عند حب الذات فقط، بل هناك جوانب أكثر ظلاماً، إذ تُعتبر أحد الاضطرابات النفسية التي تعرّفها الخبيرة النفسية آنا دريشر في مقالها عن سمات الشخصية النرجسية بالقول "إنه شخص لديه إحساس زائد بالأهمية والاستحقاق، وينتظر الثناء والمدح المبالغ فيه وفي إنجازاته طوال الوقت".

من الصفات الأخرى بالإضافة إلى كونه شخصاً متلاعباً نفسياً، يفتقر إلى التعاطف مع الآخرين ولا يهتم بمشاعرهم ولا بتلبية احتياجاتهم العاطفية أو النفسية. هو شخص غير متزن يتغذى على التلاعب بمشاعر الناس من حوله مما يجعل علاقاته مع الآخرين غير متزنة، بل ومؤذية في أغلب الأحوال. فالغاية من وجود شريك في حياته هي تحقيق أهدافه ومتعته الخاصة وليس بناء علاقة أو أسرة.

يرفعني إلى قمة الجبل ثم يرميني

هدى وهو اسم مستعار (45 عاماً) مدرّسة وأم لثلاثة أطفال من محافظة الجيزة، تقول بأنها لم تفهم أنها وقعت ضحية لشخص نرجسي إلا بعد ثمانية عشر عاماً من الزواج، تقول: "ثمانية عشر عاماً من بستَرة المشاعر، تارة مشاعر دافئة وفياضة لأبعد حد، وتارة انقطاع وانحسار تام. كان يرفعني لقمة الجبل ويرميني كل يوم".

وتتذكر أحداث سنواتها الماضية، وتضيف لرصيف22: "في أول الزواج وبمجرد نشوب أي خلاف عابر، كان زوجي يثور بطريقة مخيفة وزائدة عن اللازم، ثم يجبرني على كتابة اعتذار رسمي له بخط يدي، وحين أرفض يقترح عليّ أن أرسله كرسالة إلكترونية على الإيميل الخاص به، أو حتى أسجله بصوتي على الهاتف، مقسماً عشرات المرات أنه لن يريه أو يسمعه لأحد". 

 تُعرّف الخبيرة النفسية آنا دريشر الشخصية النرجسية بـ"أنه شخص لديه إحساس زائد بالأهمية والاستحقاق، وينتظر الثناء والمديح المبالغ فيه وفي إنجازاته طوال الوقت".

وتكمل: "في إحدى المرات وبعد خلاف عادي جداً، أقسم عليّ أن أقدم استقالتي من العمل، رغم أن الخلاف لم يخص العمل لا من بعيد ولا من قريب، حاولت التملص وأخبرته أنني سأتقدم للحصول على إجازة طويلة، حتى تهدأ الأمور، لكنه ظل مصراً على الاستقالة. قال لي إن الاستقالة هي السبيل الوحيد لبقائنا معاً. أريد أن أتأكد أنك ستنفذين كلامي أياً كان، وحين رضخت واستسلمت في النهاية، واستيقظ معي في اليوم التالي وبينما أرتدي ملابسي وأنا لا أكاد أفهم ما يُفعل بي، ولا أرى الجرم الذي ارتكبته لأفقد وظيفتي بسببه، وبعدما تأكد من إقدامي على الخطوة، أخبرني بمنتهى الهدوء أنه عفا عني ولا داعي للاستقالة".

حين يقول: "أنا عاويز حقي الشرعي" 

بينما تقول آمال وهو اسم مستعار (39 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال ومهندسة غير عاملة بأنها عايشت زوجاً نرجسياً لخمسة عشر عاماً، تقول: "كنتُ أتعرض للتعنيف الجنسي بعد نوبات الشجار. لا زلتُ أذكر أول مرة كأنها البارحة، حدث بيننا خلاف عادي في السنة الثانية من الزواج. خرج بعدها وتأخر في عودته فخلدت للنوم. حين عاد كنتُ نائمة، دخل الغرفة ولكزني في قدمي بطريقة غاضبة فاستيقظت، معتقدةً أنه جاء لمصالحتي، لكني وجدت عينيه تتقدان بالشر قبل أن يباغتني بجملته قائلاً: (أنا عاوز حقي الشرعي)".

وتضيف: "ارتبكت وشعرت بالرعب خاصة من شكل عينيه المتقدتين في ظلمة الغرفة. خفت يومها من الرفض ومن القبول أيضاً. لكني حسمت الأمر بسرعة وقلت القبول أهون على أمل أن يصالحني قبلها أو حتى خلالها. وما إن قلت له تفضل، حتى خلع سروالي ولباسي الداخلي وأقعى فوقي رافعاً ردائي العلوي. اعتصر كل ما طالته يداه بمنتهى القوة. ألقى سوائله في داخلي كمن يلقي فضلاته في مرحاض. انتهى مني في دقائق معدودة ولم تنته الدموع التي فاضت مني مذ ابتدأ في اغتصابي. نعم، أخذت الكثير من الوقت حتى أدركت أنني كنت في حالة اغتصاب".

وتختم آمال: "للأسف لم أجد ما أحكيه في صبيحة اليوم التالي. ماذا كنت سأقول؟ تمنيت ليلتها لو ضربني، كنتُ سأكشف كدماتي للجميع وأقول ضربني هنا وهنا. سأقول تألمت ساقي أو كتفي لكنه ضربني بلا أثر لأريه لأحد فالتزمت الصمت. وبقيت أخاف من أي شجار ينشأ بيننا وأحاول إنهاءه قبل أن يصل بنا لنفس النقطة. أسرع وأقدم نفسي له، حتى وأنا غاضبة ونافرة منه. المهم ألا يتكرر الأمر. ومع ذلك تكرر".

علامات على العلاقة النرجسية  

بينما تقول نهى (35 عاماً) وهو اسم مستعار لأم لطفلين إن زوجة الرجل النرجسي لا تعرف السكن، وإنها تختفي خلف جدران وهمية كفكرة البيت والأسرة والشكل الاجتماعي لتفيق كل يوم على حقيقة أنها في العراء.

هذا ما تؤكده أرلين كونشيك، الخبيرة النفسية ومؤلفة كتاب "التوتر" أو "Anxiety"، في مقالة لها بعنوان "17 علامة تؤكد أنك متورط في علاقة نرجسية"، فتشير إلى أن "النرجسي يجعلك تشعر بتهديده لك طوال الوقت، وتأتي أغلب تهديداته بطريقة مراوغة ودون كلمات مباشرة، إنه فقط يجعلك متأكداً أنك إن لم تفعل ما يطلبه منك ستكون العاقبة وخيمة وقاسية".

نهى الحاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال وتعمل مديرة تسويق في إحدى الشركات. تقول إنها كانت تصاب بغصة شديدة وتعجز عن ابتلاع ريقها كلما أبلغوها في العمل بترقية جديدة لخوفها الشديد من ردة فعل زوجها. تعرف أنه سيصمت لحظتذاك ويتظاهر أنه أمر جيد، قبل أن ينفجر فيها غاضباً ويهينها قدر المستطاع لأي سبب يخترعه. تعرف السيناريو المكرر في كل مرة حققت فيها نجاحاً. تحتفل وقتها مع زملاء العمل وتنتظر الحفلة التي ستُقام على كرامتها في البيت. تقول: "يعاملني وقتها كخادمة، يصدر لي الأوامر بمنتهى العصبية". 

تشير مؤلفة كتاب "التوتر" أرلين كونشيك إلى أن "النرجسي يجعلك تشعر بتهديده لك طوال الوقت، وتأتي أغلب تهديداته بطريقة مراوغة ودون كلمات مباشرة، إنه فقط يجعلك متأكداً بأنك إن لم تفعل ما يطلبه منك ستكون العاقبة وخيمة وقاسية".

لم تنسَ نهى آخر ترقية، حين انتهى يومها بمسح الشقة كلها وغسل حوائطها أكثر من مرة لأن درجة النظافة لم تعجبه. فالمصابون باضراب الشخصية النرجسية كما يؤكد أغلب الأطباء النفسيين لا يطيق نجاح أي إنسان آخر خاصة لو كانت شريكته لأن هذا يزعزع ثقته بنفسه.

تقول هدى إن زوجها كان يستخدم الصمت العقابي معها: "يضعني في عزلة تامة، وكلما حاولت اختراقها سواء بالدلال أو المواجهة، لا يرد. يدفعني بأطراف أصابعه دون أن يعنى حتى بالنظر إليّ. يدفعني عنه كأنني حثالة أو كومة من الخراء، ويعيدني بالغصب لعزلتي التي خلقها لي فأغلق بابها وأظل أبكي حتى أنهار تماماً وأنتظره حتى يعطف عليّ بفتح الباب وإطلاق سراحي".

في المقابل هناك عقاب الجنس، وعنها يقول الكاتب الأمريكي تشارليز تريبان في مقاله عن العلاقة الخاصة مع الشخص النرجسي. بأن "النرجسي يستخدم الجنس كأداة للعقاب، إما بحرمان شريكه من ممارسة العلاقة كنوع من التأديب، أو بجعله يخجل من شكل جسده وأدائه الجنسي كنوع من التلاعب وإحكام السيطرة".

عن تجربة من هذا النوع تتحدث نهى: "فجأة ونحن جالسان معاً بطريقة ودية نوعاً ما، يطلب مني بنبرة آمرة أن أغلق الباب، وأن أخلع ملابسي، هكذا دون مقدمات. ينظر بعدها إلى جسدي ويبدي علامات عدم الرضا. يطلب مني أن أستدير فأفعلها وأنا أشعر أنني أستدير فوق كرامتي المهدورة تحتي على الأرض. أختنق من البكاء والعجز وأنا لا أملك إلا تنفيذ الأوامر. أستدير، يكمل معاينتي كمن يعاين جاريته قبل الشراء. بعدها إما ينعم عليّ ويشير لي بالاقتراب ومجاورته مجدداً في الفراش استعداداً لمكافأتي وممارسة الجنس، وإما يشير لي بالمغادرة فألتقط ملابسي وأنا لا أتمنى شيئاً إلا أن تنشق الأرض وتبتلعني".

بحسب تشارليز يرى النرجسي في الجنس ملعباً لممارسة ألاعيبه وابتزازاته النفسية فهو مكان خاص لتلبية احتياجاته هو دون النظر لاحتياجات الشريك، ومع ذلك فنادراً ما يشبع النرجسي من ممارسته أو حتى يشعر بالرضا. كون هذا النوع من الرجال لا يكنّ أي احترام للمرأة.

تقول آمال: "زوجي يردد دائماً أن النساء كلهن "شراميط" (مومسات)، حتى ابنته لا يتورع عن نعتها بنفس الكلمة. خاصة أنه دائم التشكيك في سلوكها، وحين تواجهه وتخبره أن هذا الأمر غير حقيقي، يقول إن تخويف البنت وشعورها الدائم بالتهديد سيمنعانها من ارتكاب الأخطاء، ومهما حاولت تصحيح مفاهيمه عن التربية لا يتوقف هو عن اتهام البنت تارة بالسرقة وتارة بالكذب وتارة بسوء السلوك. حتى أنه كان يخوفها منذ الصغر مدعياً أنه يضع كاميرات مراقبة في كل حجرات البيت لدرجة أن البنت كانت تسألني قبل أن تغير ملابسها هل هناك كاميرات في الحمام أيضاً؟، ومهما أحاول طمأنتها وإخبارها أن الأمر مجرد مزحة من أبيها لا تصدق".

تعرض أطفالي للأذى في عمر الأشهر

تقول هدى إن زوجها بدأ مبكراً جداً في إيذاء أطفالهما. فكانت إذا ما اشتكت له مثلاً أن الطفل لا يتورع عن ملامسة القدر الساخن وأنها تخشى أن تتأذى أصابعه، ينصحها على الفور أن تضربه. فتخبره أن الطفل صغير جداً ولن يفهم، فيصمم أنها لو ضربته مرة واثنتين وحتى عشر مزات سيفهم الأمر في النهاية. وحين ترفض تماماً، يغافلها هو ويفعلها بنفسه. 

يقول الكاتب الأمريكي تشارليز تريبان بأن "النرجسي يستخدم الجنس كأداة للعقاب، إما بحرمان شريكه منه كنوع من التأديب، أو بجعله يخجل من شكل جسده وأدائه الجنسي كنوع من التلاعب وإحكام السيطرة".

إلى هذا النوع من الإيذاء تشير استشارية العلاقات الأسرية ومؤسسة قناة "ادرس عدوك النرجسي" الدكتورة كوثر سند،، فتشير إلى أن أغلب النرجسيين حتى لو أظهروا بعض المشاعر لأطفالهم في سنوات عمرهم الأولى تنتهي هذه المشاعر في عمر السبع سنوات.

لكن لماذا تتحمل زوجة أو شريكة النرجسي كل هذا العنف؟ تقول كونشيك في مقالها إن "شريكة النرجسي أو ضحيته تمضي حياتها كمن يخطو فوق أرض مفروشة بالبيض النيء. في خوف من نوبات الغضب المفاجئة وغير المبررة، والتي تحدث في الغالب لأي أمر تافه. من كثرة ما تتعرض الضحية لنوبات التعنيف، وحشرها في خانة المذنب دون أي ذنب حقيقي، من كثرة ما عاشت أحاسيس قاسية بالدونية وعدم الاستحقاق حتى تصدق أنها تستحق ما يُفعل بها، فهي المقصّرة. ولو أنها تحملت أكثر لن تواجه نوبات العنف والعصبية، أو تسمع الكلام المؤذي. وبمرور الوقت تنسى الضحية كل شيء عن نفسها وعن حقيقتها وتتمحور حياتها كلها حوا شيء واحد فقط: كيف تحمي نفسها وتتجنب نوبات الغضب والعقاب".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image