شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل بارك خطيب الحرم المكي التطبيع السعودي يوم عرفة؟... بين إسلام مكة وإسلام الأقصى

هل بارك خطيب الحرم المكي التطبيع السعودي يوم عرفة؟... بين إسلام مكة وإسلام الأقصى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والخطاب الديني

الثلاثاء 2 يوليو 202406:05 م


يتوتر مفهوم (الشيخ) أو (الإمام) في الثقافة الإسلامية بين معنى (المثقف) الذي تعتمد عليه المجتمعات في قيادة وعيها، ومعنى (القائد) الذي تعتمد عليه في قيادة مصيرها. وفي الحوادث الكبيرة، تدور حول الأئمة والخطباء والشيوخ ذات الأسئلة التي تدور حول المثقفين والقادة السياسيين، من مواقفهم السياسية أو مواقعهم الفعلية من مواجهة الظلم.

"الحج إظهار للشعيرة وليس مكاناً للشعارات السياسية ولا التحزبات"، هذه العبارة تضمنتها خطبة يوم عرفة ضمن مناسك الحج لهذا العام على لسان شيخ الحرم المكي "ماهر المعيقلي"، وقد احتلت عناوين الأخبار في عدد كبير من وسائل الإعلام، مثيرةً بذلك موجةً من التساؤلات والآراء حول مسألة الخطبة الدينية وموضوعاتها وقيودها في الشعائر المختلفة. 

كذلك لم تخلُ التعليقات والمقالات التي استنكرت مضمون خطبة الحج هذا العام من التلميح والتصريح بعلاقة مشروع التطبيع السعودي بما سمي بالرقابة أو الحذر الذي حُرّرت به الخطبة لهذا العام، الأمر الذي غذّى هذه الضجة وأعطاها أبعاداً سياسية وفق كثير من المحللين.  

ظهرت كثير من المقالات والمواد الإعلامية التي تدين "عدم ذكر  خطبة عرفة للإبادة في غزة" بشكل صريح، حتى إن بعضها ربط فحوى الخطبة بمشروع التطبيع السعودي الإسرائيلي. 

ولعلّ من الواضح أن وراء هذه الضجة، احتدام الصراع السياسي بين المملكة العربية السعودية وإيران على قيادة المسلمين. فبعد أن وجه المرشد الإيراني، علي خامنئي، رسالته إلى الحجاج قبل يوم عرفة، معتبراً قضية البراءة لهذا العام أنها: "البراءة من الكيان الصهيوني وداعميه، ولا سيما الإدارة الأمريكية"، وأنها ينبغي أن تتجلى قولاً وعملاً لدى الحكومات والشعوب، فتضيق الخناق على الجلادين. مؤكداً على "دعم المقاومة الفلسطينية" ومذكراً "بفجائع غزة، وعنجهية الكيان الصهيوني عديم الرحمة وهو مظهر القسوة والعتو التي لم تدع مجالاً للتهاون لدى أي فرد أو حزب أو حكومة أو فرقة مسلمة".

فريق التحرير لموقع "ألترا فلسطين"، عنون تقريراً صحفياً يتصدر الصفحة الرئيسية على الموقع: "ماهر المعيقلي لم يأتِ على ذكر الاحتلال". وجاء في التقرير: "خطيب الحرم المكي في خطبة يوم عرفة لم يأتِ على ذكر الاحتلال الإسرائيلي أو المسجد الأقصى بشكل صريح ومباشر في خطبته رغم حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة"، وكان يتوقع فريق التحرير من خطيب الحرم المكي أكثر من دعوته التي جاء فيها: "إدعوا لإخواننا في فلسطين الذين مسّهم الضر وتألموا من أذى عدوهم سفكًا للدماء، وإفسادًا في البلاد، ومنعًا من ورود ما يحتاجون إليه من طعام ودواء وغذاء وكساء".

الخطبة الدينية ودورها

يوضح د. سعيد دويكات، أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية، لرصيف22، في تعقيبه على سؤال حول تاريخ الخطبة الدينية في المراحل الإسلامية المختلفة، وقد بدأ الإجابة بضرورة إعادة ترتيب المصطلحات، فيميّز دويكات: "لا شيء في الإسلام اسمه خطبة دينية، أو خطبة سياسية، اسمها خطبة يوم عرفة، أو خطبة الجمعة، ولا يوجد شيء اسمه سياسي وشيء آخر اسمه ديني، الدين شامل مناحي الحياة، وفيه الفقهي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي، وفيه عمل عسكري، وفيه علم اجتماع". 

يتوتر مفهوم (الشيخ) أو (الإمام) في الثقافة الإسلامية بين معنى (المثقف) الذي تعتمد عليه المجتمعات في قيادة وعيها، ومعنى (القائد) الذي تعتمد عليه في قيادة مصيرها. وفي الحوادث الكبيرة، تدور حول الأئمة والخطباء والشيوخ ذات الأسئلة التي تدور حول المثقفين والقادة 

ويشرح أن هناك شيء عام، وهناك شيء خاص، يقول : "حين نقول خطبة صلاة العيد، فهي تتناول العيد كموضوع أساسي، ولكن الخطيب إذا رأى أموراً أخرى ملحّة يمكنه التطرق إليها".

الخطبة الدينية والمواقف السياسية

"قضية فلسطين هي قضية الأمة"، يعلق دويكات، "وقضية غزة قضية العالم كله، فهل يصحّ في أكبر تجمع عالمي للمسلمين أن أقول: ادعوا لفلسطين بكلمتين!؟ والله كلمتين؟" ثم يتساءل مستنكراً: "أليس الناس بحاجة لأن يعرفوا خطر الصهيونية على الأمة الإسلامية؟ أو أن يأخذوا موقفاً من هذه القضية؟ أليس هذا هو الموقع الذي يتعبأون فيه، ويكون لهم رأي بما يجري..!؟".

ويضيف: "عندما بدأ الدين الإسلامي يخضع للمؤسسة الدينية، فلنسمّها وزارة أوقاف، فلنسمّها الأزهر، تتلقى المؤسسة الدينية تعليماتها من نظام الحكم الذي تتلقى راتبها منه، وأصبح الشيخ بغض النظر عن اسمه يلتزم بالتعليمات التي يتلقاها من النظام".

ويتفق معه في هذه الجزئية، الباحث في تاريخ الأديان، الكاتب عبد الغني سلامة، موضحاً لرصيف22: "من أجل استيعاب موقع الخطبة الدينية ينبغي الرجوع إلى التاريخ القديم، وتحديداً إلى مرحلة ما قبل نشوء الأديان". ويضيف سلامة: "لقد كانت آنذاك طبقات الشاهنامة والسحرة والعرافين هي المكافئ الموضوعي لطبقة رجال الدين. ففي تلك المجتمعات البدائية نشأ التحالف التاريخي بين الحكم السياسي والحكم الروحي وتوطدت العلاقة الجدلية بينهما على أساس تبادل الأدوار وتبادل المصالح. حين كان الشاهنامة والسحرة يتلاعبون بعقول العامة، بالتعاويذ والقرابين، مقابل العيش دون عمل، وكان دورهم الوظيفي منح زعيم القبيلة القداسة التي تجعله بمثابة الرب، أو ممثلاً عنه، وبالتالي تسهيل عملية إخضاع العامة لحكمه، وتسهيل اقتيادهم، ودفعهم للحروب، وقبولهم نهب مواردهم وجهودهم وأرواحهم والتحكم في حياتهم". 

باحث: "من أجل استيعاب موقع الخطبة ينبغي الرجوع إلى مرحلة ما قبل نشوء الأديان. لقد كانت آنذاك طبقات الشاهنامة والسحرة والعرافين هي المكافئ الموضوعي لطبقة رجال الدين"

ويردف سلامة: "بعد نشوء الأديان الأرضية، ومن بعدها السماوية، أضيف لرجال الدين دورٌ جديد، هو تجاوز تقديس الحاكم، إلى تقديس كل أفعاله، وتبرير سياساته وإضفاء البعد الديني والروحي عليها، لتكون مقبولة من الشعب". ويضيف: "ظلت العلاقة متبادلة بين رجل السياسة ورجل الدين، فبالقدر الذي تستفيد منه السلطة من رجال الدين، فإن الدين نفسه يستفيد. ومن وجهة نظر المتدينين، فإن الحق (أو الدين) بمفرده لن يدوم، ولن يكسب، بل ربما يُسحق! وبالتالي يتوجب تسليحه بالقوة؛ أي بالسلطة السياسية".

أما في الدين الإسلامي، يوضح سلامة: "بدأ الجدل بشأن الديني والسياسي مباشرةً بعد وفاة الرسول، الذي تكاملت السلطتان الزمنية والمكانية في شخصه، وبالتالي لم يكن الفصل واضحاً بين الديني والسياسي. ولكن بمجرد وفاته انقسم الأنصار والمهاجرون على السلطة. وطوال فترات الخلافة الإسلامية منذ الراشدة وحتى العثمانية، كانت السلطة السياسية تتكئ وتعتمد على رجال الدين في تمرير سياساتها، وتبرير تجاوزات الحكام والولاة، وفي إخضاع العامة. وبالمثل، كانت كل من السلطة وطبقة رجال الدين تمد إحداهما الأخرى بأسباب الحياة والبقاء والتمدد".

خطب إسلامية سياسية مشهورة

في إجابته عن السؤال، هل اشتهرت خطب في التاريخ الإسلامي كان لها موقف سياسي جريء؟ تحدث د. دويكات عن قصة العز بن عبد السلام مع المماليك التي أكسبته لقبه "بائع الملوك"، حين طلبوا منه أن يخطب لتحريض الناس على قتال التتار، فكان موقفه الشهير بضرورة أن يُباع المماليك قطز والظاهر بيبرس أولاً، لكي يصبحوا أحراراً، ثمّ يقاتلون التتار تحت رايتهم. وعندما أراد السلطان أن يعتقله خرج على دابته، فلحقه الشعب، مما أجبر المماليك على الالتزام بحكمه الشرعي، فكان نصرهم في معركة (عين جالوت). وأكد دويكات لرصيف22: أن هذه الخطبة قرأها العز بن عبد السلام في صلاة الجمعة.

وأشار كذلك إلى خطبة الشيخ ابن تيمية التي قيلت في مواجهة التتار، وكانت أيضاً في يوم جمعة، وفيها كلمته الشهيرة: "إذا رأيتموني في صفوف التتار، والمصحف فوق رأسي، فاقتلوني!"، ويؤكد دويكات أيضاً أن خطبة هارون الرشيد بعد رسالته إلى نيفور (كلب الروم) كانت في يوم جمعة، وموقف المعتصم الشهير في إعلان حربه على الروم كان كذلك في يوم جمعة.

الحج والشعارات السياسية

يرفض دويكات أيضاً تصريح رئيس الشؤون الدينية للمسجد الحرام والمسجد النبوي عبد الرحمن السديس حين يقول: "لا مجال في الحج للشعارات السياسية أو الدعوات العنصرية والطائفية والمذهبية، أو التحزبات والجدالات والمهاترات، أو السجالات والملاسنات، أو مخالفة الأنظمة والتعليمات؛ بل هو فريضة شرعية ورحلة إيمانية".

بينما يتفق مع السديس د. معتز الخطيب في مقال له بعنوان (خطبة الجمعة بين الشريعة والسياسة) على موقع الجزيرة الإلكتروني، إذ يتحدث عن ثلاثة تصورات حول الأمر. الأول: أن الخطبة يجب أن تقتصر على التذكير والموعظة فقط، من أجل تحديد اختصاص واضح ومحدد للخطيب يحسنه ولا يتجاوزه. فليس على الخطيب أن يخوض في كل القضايا، ولا يجب أن يتداول على الخطابة أشخاص من تخصصات مختلفة؛ حتى لا تتفتت شخصية الإمام. ويدعم الكاتب في مقاله التصور الأول، معتبراً أنه الأكثر انسجاماً مع الدين، وأن التصورين الآخرين يتنافسان على سلطة المنبر. 

صرّح رئيس الشؤون الدينية للمسجد الحرام والمسجد النبوي عبد الرحمن السديس بالقول إنه "لا مجال في الحج للشعارات السياسية أو الدعوات العنصرية والطائفية والمذهبية، أو التحزبات والجدالات والمهاترات، أو السجالات والملاسنات، أو مخالفة الأنظمة والتعليمات؛ بل هو فريضة شرعية ورحلة إيمانية".

"إننا إذ يؤدي ضيوف الرحمن فريضة الحج، فإننا نؤدي فريضة الجهاد ضد أعداء الله المحتلين الغاصبين نيابة عن أمة الإسلام الكبيرة"، بهذه الكلمات خاطب "أبو عبيدة" الناطق باسم كتائب القسام حجاج بيت الله الحرام يوم عرفة، معتقداً أن الدين الإسلامي الذي تجتمع عليه قلوب المدافعين عن فلسطين والمسجد الأقصى، وراهنت عليه حركة حماس في إعلان حربها المتفائلة (طوفان الأقصى)، هو ذاته الإسلام الذي يطوف حوله الحجاج في البيت الحرام. وبأن الله الذي تُرفع له دعوات المظلومين في غزة ويسمع نحيب النساء اللواتي يموت أولادهنّ من الجوع، هو ذاته الذي يدفع لأجله الحاج الواحد 10 آلاف دولار، ويشتري من حوانيته المسابح والمساويك وسجادات الصلاة ذات البوصلة التي تؤشر إلى القبلة.  

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard