شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
صدام الإمارات والسودان الدبلوماسي… إلى أي مدى يؤثّر على الحرب الأهلية وعلاقات البلدين؟

صدام الإمارات والسودان الدبلوماسي… إلى أي مدى يؤثّر على الحرب الأهلية وعلاقات البلدين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أثارت المواجهة والسجال الحاد بين مندوبي السودان والإمارات خلال جلسة الأمم المتحدة حول الأوضاع بالسودان، في 18 حزيران/ يونيو الماضي، ردود أفعال رسمية وشعبية وتساؤلات حول أسباب هذه المواجهة والاتهامات المتبادلة خلالها، وآثارها المحتملة على العلاقة بين البلدين وعلى مسار الحرب الأهلية التي اندلعت منتصف نيسان/ أبريل 2023 ولم تتوقف حتى الآن.

وكان مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، قد جدّد خلال حديثه في ذاك الاجتماع اتهامه دولة الإمارات بدعم مليشيات الدعم السريع، قائلاً إن حكومة بلاده تملك أدلة على هذه الاتهامات، ومشيراً إلى تقرير لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن الأوضاع في دارفور الذي تضمّن اتهامات للإمارات كذلك.

ونشرت وكالة السودان للأنباء (سونا) لاحقاً ملفاً قالت إنه يحوي أدلةً بشأن "حرب الإمارات على السودان" قدّمته الحكومة السودانية إلى مجلس الأمن. بالإطلاع على الملف، نجد أنه يحوي مضبوطات مزعومة لعدد من الأسلحة والقطع العسكرية وأجهزة الاتصال والتجسس التي يدّعي التقرير أنها إماراتية المصدر إضافة إلى عدد من وثائق الهوية لشخصيات إماراتية يقول التقرير إنها عُثر عليها في مناطق شهدت معارك داخل السودان.

يقول الدبلوماسي السوداني، علي الشريف، لرصيف22 إن الإمارات والسودان رغم التصعيدات الأخيرة لم يقرّرا قطع العلاقات الدبلوماسية وتبادل طرد السفراء "من باب الحكمة، بهدف الإبقاء على شعرة معاوية"، لافتاً إلى أن "مستقبل العلاقات بينهما سيتوقف على مسار الحرب ومدى استجابة الإمارات للوساطات"

في موازاة ذلك، كان رد مندوب الإمارات لدى الأمم المتحدة، محمد أبو شهاب، نافياً الاتهامات التي كالها مندوب السودان، واصفاً إياها بـ"السخيفة"، مشيراً إلى أن بلاده ظلّت تقدم الدعم للعمليات الإنسانية في السودان، ومتهماً الجانب السوداني المتمثل في القوات المسلحة وقادتها بتعطيل المفاوضات في "منبر جدة" وكذلك تدفق المساعدات.

كذلك، علّق مستشار الرئيس الإماراتي على هذا السجال في تغريدة عبر حسابه في منصة إكس الأربعاء 19 يونيو/ حزيران قائلاً: "في الوقت الذي تسعى الإمارات إلى تخفيف معاناة الأشقاء السودانيين يُصر أحد أطراف الصراع على خلق خلافات جانبية وتفادي المفاوضات وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية". وأضاف مستشار الرئيس الإماراتي: "اهتمامنا وقف الحرب والعودة للمسار السياسي، اهتمامهم تشويه موقفنا عوضاً عن وقف هذه الحرب".

تقارير تتهم الإمارات

واتهم التقرير النهائي لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المقدم في الفقرة 2 من القرار 2676 (2023)، الصادر في 15 كانون الثاني/ يناير 2024، الإمارات بتوريد الأسلحة والذخيرة إلى قوات الدعم السريع بواسطة رحلات جوية عبر تشاد. ووفقاً للمعلومات التي جمعها فريق الأمم المتحدة من مصادر في تشاد ودارفور، حول هذا الدعم، كانت هذه الادعاءات "ذات مصداقية".

وورد في التقرير: "كان لهذه القوة النارية الجديدة تأثير هائل على توازن القوى على الأرض سواء في دارفور أو المناطق الأخرى". وعدّد التقرير أنواع الأسلحة المورَّدة بما شمل المُسيّرات القتالية (UCAV)، ومدافع الهاوتزر، وقاذفات الصواريخ المتعددة، والأسلحة المضادة للطائرات مثل منظومات الدفاع الجوي المحمولة، التي شُوهِدت في نيالا والفاشر والجنينة.

وقال الفريق إن الإمارات ردّت على هذه الاتهامات بالقول إن طائرات الشحن كان لها غرض إنساني، لا سيّما إنشاء مستشفى ميداني في أم جرس للاجئين السودانيين، ونفت "أي مشاركة لها في شحن الأسلحة والذخائر من الإمارات إلى قوات الدعم السريع عبر تشاد". فيما لم ترد تشاد على هذا الفريق.

ويرى الصحافي المتخصص في رصد انتهاكات الحرب في السودان، محمد كمبال، أن الإمارات لم تعلن عن عدد الطائرات التي تزعم أنها أرسلتها لأغراض الدعم الإنساني لأن ذلك سيكشف بصورة مباشرة عن أن هناك فعلاً رحلات شحن عسكرية إذا أخذنا في الاعتبار أن لدينا تقدير العدد الكلى للرحلات، مشيراً في حديثه لرصيف22 إلى أن هناك تقديرات للطائرات التى تمد الدعم السريع عسكرياً من الإمارات إلى تشاد.

تُبنى هذه التقديرات بالاعتماد على التسريبات الصحافية بالإضافة إلى متابعات محققي المصادر المفتوحة ومراقبي حركة الطائرات وفق كمبال الذي يؤكد أنه يعمل مع فريق رصد 10 رحلات لأغراض عسكرية حتى الآن ويفترض أن العدد أكبر من ذلك بكثير.

وفي السياق نفسه، كانت منصة التحقق المفتوحة المصدر "إيكاد" قد أظهرت في تقرير يستند إلى موقع "غريون" المتخصص في تتبع الملاحة، أن أكثر من 50 رحلة جوية قد انطلقت من الإمارات إلى تشاد، معظمها نفّذتها شركة "فلاي سكاي إيرلاينز"، وهي شركة نفّذت رحلات سابقة بين الإمارات وإثيوبيا واليمن وليبيا في نزاعات مشابهة.

الدعم السريع ينفي

من جانبه، علّق مستشار قائد قوات الدعم السريع، هارون مديخير، على اتهامات مندوب السودان في الأمم المتحدة واصفاً إياها بأنها "غير حقيقية"، مضيفاً أن خطابه الموجه إلى الإمارات "يفتقر إلى الحس الدبلوماسي" و"مستمد من خطابات عسكرية" على شاكلة خطاب مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية عضو مجلس السيادة، ياسر العطا، الذي اتهم فيه الإمارات بدعم التمرّد على الجيش السوداني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ومشبِّهاً له بأساليب مخاطبة قادة النظام السابق للمجتمع الدولي.

"اهتمامنا وقف الحرب والعودة للمسار السياسي، اهتمامهم تشويه موقفنا عوضاً عن وقف هذه الحرب"... الإمارات ترفض اتهامات قادة القوات المسلحة السودانية لها بإذكاء الصراع الأهلي عبر تمويل الدعم السريع. فكيف ردت على الاتهامات الخبراء الأمميين لها في هذا الخصوص؟

وأكد مديخير أن مصدر تسليح قوات الدعم السريع هو الجيش السوداني نفسه باعتبار أن قواته كانت جزءً من المنظومة العسكرية، إضافة إلى ما تغنمه قواته أثناء العمليات العسكرية والتي يقول إن قواته تحقق فيها "انتصارات ملحوظة". كما أشار مديخير، في حديثه لرصيف22، إلى أن الإمارات كدولة قدّمت للسودان مساعدات إنسانية عديدة مقدماً شكره لها ومقراً بوجود علاقات إيجابية تجمع بين المسؤولين الإماراتيين وقادة الدعم السريع في إطار "الصداقة".

ولفت إلى عدم إقدام الدعم السريع على انتقاد دول كثيرة قدّمت الدعم العسكري للجيش السوداني، ذاكراً منها روسيا وإيران والجزائر، مبرراً ذلك بأن "هذه ليست طريقتنا في إدارة العلاقات الدبلوماسية".

مستقبل العلاقات على المحك؟

وعلى خلفية انتقادات مساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 لدولة الإمارات ووصفها لها بـ"المافيا" واتهامها بالتورط في نقل العتاد الحربي لقوات الدعم السريع، كانت الدولتان قد اتخذتا قراراً متبادلاً بطرد دبلوماسيين هو الأول من نوعه في العلاقات الثنائية بينهما.

لكن العلاقات لم تقطع تماماً على الصعيد الرسمي، وتبعاً لذلك وللسجال الدبلوماسي الحالي، يقول الدبلوماسي وسفير السودان السابق لدى الصين وبلجيكا، علي الشريف، إن البلدين رغم التصعيدات الأخيرة لم يقرّرا حتى الآن قطع العلاقات الدبلوماسية وتبادل طرد السفراء "من باب الحكمة، بهدف الإبقاء على شعرة معاوية"، لافتاً إلى أن "مستقبل العلاقات بينهما سيتوقف على مسار الحرب ومدى استجابة الإمارات للوساطات بين شعبي البلدين مع وجود عامل العلاقات التاريخية بين شعبي البلدين والذي سوف يساهم في تهدئة التصعيد".

ينتقد ميرغني شكوى الوفد الدبلوماسي السوداني للإمارات في مجلس الأمن ثم السجال الأخير بين مندوبي البلدين، ويعتبر ذلك "إمعاناً في معالجة خاطئة لأمر يمكن أن يتم التداول حوله ثنائياً"، مشدداً لرصيف22 على أن هذا السجال يشوّش العلاقات الثنائية دون أن يحقق فوزاً أو مصلحة على المدى القريب أو البعيد

وفي ما يخص شكوى السودان ضد الإمارات في مجلس الأمن، يرى الشريف أن بعض الدول وعلى رأسها المملكة المتحدة تعمل على عدم اتخاذ أي قرار إدانة للإمارات واكتفاء المجلس بالنظر في الشكوى.

وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد كشفت في تقرير، هذا الأسبوع، أن المملكة المتحدة تعمل على منع رفع دعاوى قضائية دولية ضد الإمارات وقمع الانتقادات لدور أبوظبي في تسليح قوات الدعم السريع السودانية وممارسة ضغوط على الدبلوماسيين الأفارقة لتجنّب إدانة الإمارات. علماً أن وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية نفت بشدة هذه المزاعم. 

من جهته، يقول المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة التيار، عثمان ميرغني، إن الشكوى في مجلس الأمن ثم السجال الأخير بين مندوبي البلدين يكشفان عن "إمعان في معالجة خاطئة لأمر يمكن أن يتم التداول حوله ثنائياً"، قائلاً لرصيف22 إن هذا السجال يشوّش على العلاقات الثنائية دون أن يحقق فوزاً أو مصلحة على المدى القريب أو البعيد. ويلفت إلى أن السودان تربطه مصالح اقتصادية كبيرة مع الإمارات كونها الشريك التجاري الأول للبلاد مع وجود استثمارات عامة وخاصة لكلا البلدين. ويرى ميرغني من هذا المنطلق أن قطع العلاقات لا يبدو مفيداً خاصة أن "الأزمة تبدو عابرة"، وفق تعبيره.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image