شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
اليوم التالي للحرب أخطر من يومها الأول

اليوم التالي للحرب أخطر من يومها الأول

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 26 يونيو 202410:42 ص

يقول الجيش الإسرائيلي إنه بصدد الإعلان عن انتصاره على الجناح العسكري لحركة حماس خلال أسابيع. وهذا القول، أو التصريح، صار حديث الشارع السياسي والإعلامي في إسرائيل، وعندنا وعلى المحطات الإعلامية العربية والعالمية.

هذا التصريح بقدر ما هو مضحك وغير واقعي وغير معهود في هكذا معارك، إلا أنه قد يكون سلّماً للنزول عن الشجرة التي اعتلاها نتنياهو مع بداية الحرب. بمعنى أن حكومة الاحتلال وصلت إلى طريق مسدود، أو هي تحاول ترويج ذلك، فيما يخصّ الحسم العسكري واسترجاع الرهائن، وهي تريد أن توقف الحرب "نظرياً"، ولم تجد لذلك إلا تصريحاً "نظرياً" أيضاً، لتقول للعالم إنها انتهت من مهمتها، وإن القادم شيء آخر مختلف، ولا يمكن تسميته حرباً.

من ناحيتي لا أجد إلا هذا التفسير لهكذا تصريح، وقد أكون مخطئاً على أية حال، لكن ما يبرّر هذا الاعتقاد هو التالي:

لو استعرضنا باختصار شديد أزمات نتنياهو لوجدنا أزمة أهالي الأسرى والمظاهرات اليومية ضدّه، وهذه لا زالت تراوح مكانها منذ بداية الحرب، فلا هي قادرة على إسقاطه وإسقاط حكومته، ولا هو قادر على إسكاتها أو تلبية مطالبها، أي أنه قادر على التعايش معها رغم ما تتسبّب به من أوجاع يومية في الرأس.
الأزمة الثانية هي الخسائر الفادحة التي يتعرّض لها الجيش في أرض المعركة على يد كتائب القسام، وبقية تشكيلات الفصائل المقاومة، وهذه أزمة تخصّ الجيش بالأساس، وهو الذي يقوم، نتيجة لها، بصبّ غضبه على المستوى السياسي المتمثل بنتنياهو، كرئيس للحكومة. ولأن الحكومة ليست كلها نتنياهو، والدولة ليست نتنياهو، فإن الخلاف مهما بلغ لن يصل إلى تمرّد حقيقي وعصيان للأوامر، وهذا ما يفهمه نتنياهو وحكومته جيداً، ويعالجانه يومياً بفكرة أن لكل حرب خسائرها.
لو استعرضنا أزمات نتنياهو لوجدنا أزمة أهالي الأسرى والمظاهرات اليومية ضدّه، وهذه لا زالت تراوح مكانها منذ بداية الحرب، فلا هي قادرة على إسقاطه وإسقاط حكومته، ولا هو قادر على إسكاتها أو تلبية مطالبها، أي أنه قادر على التعايش معها 
الأزمة الثالثة هي صورة إسرائيل في العالم، والعالم هنا هو الشعوب والحكومات، وتحديداً في أوروبا وأمريكا الشمالية. فلا إفريقيا تعني نتنياهو، ولا آسيا ولا العالم العربي، وهو لا يقيم وزناً لهؤلاء "الأغيار" المعادين، هذا إن عادوه أصلاً بما يؤذيه أو يؤذي دولته. إذن العالم بالنسبة له هو أمريكا وأوروبا.
فيما يخصّ الحكومات في هذه الدول فغالبيتها من حلفائه، أما فيما يخصّ الشعوب، وتحديداً الأجيال الشابة، فلا أقرب لتفكير نتنياهو مما قاله أحد منظري اليمين الإسرائيلي في تعليقه على مظاهرات الجامعات، بما معناه إنه حين يكبر هؤلاء الشباب ويصبحون في مراكز التأثير السياسي، تكون إسرائيل قد رمّمت صورتها خمس مرات. إذن نتنياهو لا تعنيه صورة إسرائيل، أو للدقة، لا يخاف كثيراً من هذا الجانب، وهو ودولته متمرّسون في القفز فوق القانون الدولي، وممارسة دور الضحية حتى في أحطّ وأسوأ لحظاتهم الفاشية.
الأزمة الرابعة، وهنا مربط الفرس كما يُقال، هي اليوم التالي للحرب. هذا هو الخلاف الحقيقي مع الإدارة الأمريكية الحالية، ومع جزء من دول الغرب ومع مؤسسة الجيش في إسرائيل. وكما هو معروف ليس المقصود باليوم التالي يوماً أو شهراً، بل صيغة سياسية وإدارية لغزة وللضفة بعد سكوت البنادق. وهذا ما يرفض نتنياهو التصريح به علناً، ويستعيض عنه بتصريحات "جسّ نبض"، مرّة بإشراف أمني إسرائيلي لتجمع عشائر فلسطينية، ومرّة بقوات عربية ودولية تدير غزة، ومرّة بإدارة مدنية محلية، وهكذا.
هل يوجد خلاف مع الإدارة الأمريكية، ومجمل دول الغرب حول ضرورة استرجاع الأسرى الإسرائيليين عند فصائل المقاومة؟ قطعاً لا. وهل يوجد خلاف مع الإدارة وكثير من دول الغرب حول مطلبه الثاني، وهو القضاء على حماس؟ أيضاً لا. إذن لا خلافات تخصّ الطابع الأمني للحرب، وبلغة أخرى، لا خلافات حول الأهداف المعلنة لهذه الحرب، باستثناء الاحتجاجات العالمية فيما يخصّ همجية التدمير وعدد الضحايا الكبير.
الخلاف ببساطة، وهذا واضح لكل مراقب منذ الشهر الأول لهذا العدوان المنفلت، هو حول الأهداف السرية وغير المعلنة، وهي أهداف سياسية بالدرجة الأولى وليست أمنية أو عسكرية. والأهداف السياسية يمكن اختصارها بجملة واحدة: نتنياهو لا يريد حلاً سياسياً يعيد للفلسطينيين حقوقهم. هو لا يعترف أن هناك شعباً فلسطينياً له حقوق في هذه الأرض، وبالنسبة له حماس والسلطة، وأي ممثل سياسي للفلسطينيين، سواء.
لا يريد نتنياهو وأركان حكومته، وجزء كبير من معارضيه في إسرائيل، هذا الحل، حتى مع جائزة التطبيع السعودي، وما سيتبع ذلك من تطبيع لمجمل الدول العربية، وهو يراهن على تخفيض سقف المطالب السعودية بهذا الشأن، أو نقل الملف بأكمله لها وللدول العربية بحجّة أنه لا يوجد للفلسطينيين من يمثلهم، لهذا فهو يقترح إدارة عربية للقطاع. كما أنه لا يريد حلّاً تحت الضغط الغربي والأمريكي، رغم كل ما يمكن أن تتساهل به أمريكا لصالحه ولصالح إسرائيل، وهو يراهن على خفض توقعات هذه الأطراف أيضاً.

أما كيف يمكنه ذلك وما هي الأدوات التي يحاول استخدامها لترويض العالم؟ الجواب ببساطة هو خلق مأساة إنسانية وقذفها في حضن الجميع، وهذا يعيدنا إلى تصريح الجيش الذي بدأنا به هذا المقال، فقد استكملت حكومة الاحتلال وجيشها مهمة اقتلاع أهل غزة جميعاً من بيوتهم، وقتلت مَن قتلت منهم، ودمّرت الجزء الأكبر من البنية التحتية في القطاع، ثم سيطرت على معبر رفح، وبهذه السيطرة تصبح كل معابر قطاع غزة تحت رحمتها، وهي التي تتحكم بما يدخل ويخرج منها.

نتنياهو يراهن على تخفيض سقف المطالب السعودية بشأن حل سياسي، أو نقل الملف بأكمله لها وللدول العربية بحجّة أنه لا يوجد للفلسطينيين من يمثلهم، لهذا فهو يقترح إدارة عربية للقطاع
في حالة كهذه، ما الذي يفيد إسرائيل لو استمرّت بالقيام بما تقوم به؟ لا شيء. على العكس تماماً، فإن كل يوم إضافي من العنف المنظم سيتسبّب لها بخسائر مادية وسياسية. لهذا فهي ستعلن عن نهاية العمليات بشكلها الحالي، وتحديداً بشكلها المبادر، وستتموضع قواتها في محور نتساريم ومحور فيلاديلفيا، وفي المناطق العازلة التي قضمتها من القطاع، وسوف تترك المبادرة لفصائل المقاومة، وهي ستكتفي بالردّ، وساعتها لو كان الرد أعنف وأقسى مما يحصل اليوم فلن يقف في وجهها العالم، وتحديداً أمريكا.
هذا هو اليوم التالي للحرب كما يفكر به وكما يخطط له نتنياهو؛ أن يترك المبادرة في القتال للفصائل، وأن يترك المبادرات الإنسانية للعالم العربي، والمبادرات السياسية لحلفاء إسرائيل التقليديين في الغرب. أي بمعنى آخر، توريط الكل والحفاظ على وضعية لا سلم حقيقي، ولا حرب بشكل يومي أو عنيف، ولا مفاوضات جدية للتخلص من هذه الحالة والانتقال إلى خطوة جديدة. هذه الحالة ستطول بالطبع، وكل المؤشرات تقول إنه قادر على تمديدها إلى موعد الانتخابات الأمريكية على أقل تقدير.
ما الذي أعددناه نحن لليوم التالي للحرب؟ وأقصد بـ  "نحن" هنا الجميع؛ السلطة والمنظمة والفصائل ومنظمات المجتمع المدني الأكثر من الهمّ على القلب. لا شيء على ما يبدو سوى ترك الأمور على حالها وانتظار الوقوع في هذا الفخ. فخ الانهيار الداخلي واليأس التام لدى المشردين وأهالي الضحايا في غزة، وتالياً مجمل الشعب الفلسطيني. وحين تصل إلى مرحلة الانهيار واليأس، فأنت أمام خيارين: إما القبول بما يُعرض عليك مهما كان قليلاً، وإما ستتم شيطنتك كرافض وكمعيق للحلول التي تهدف لإنقاذك أنت بالأساس. وهنا، هنا بالذات، ستكون الارضية مهيأة للترتيبات الأمريكية في المنطقة. هذه الترتيبات التي ستستثنينا، ولا أريد المبالغة في التشاؤم والقول إنها ستكون على جثة الشعب الفلسطيني، إن بقينا على هذه الحالة من التشرذم وعدم السعي الجدي للوحدة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image