كانت هناك فترات تعايش تاريخية عاشتها جماعة الإخوان المسلمين والدولة الأردنية، وأهمها السنوات الممتدة من الخمسينيات إلى السبعينيات، وهي الفترة التي تعاونت فيها الجماعة مع الدولة وأجهزتها للحد من المد اليساري في أوقات الانقلابات على الملكيات، حينها تم تسجيل الجماعة كـ"جمعية" في الوقت الذي مُنعت فيه الأحزاب من ممارسة عملها بحكم الأحكام العرفية.
لكن هذه الفترات كانت دائماً متقطعة ومشوبة بالحذر، ولا تزال طبيعة العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ملتبسة يحكمها الشد والجذب حتى إشعار آخر، هذا الإشعار سيختلف باختلاف المتغيرات والأحداث التي تعيشها المنطقة.
ورغم التغيرات التي شهدتها المنطقة لا تزال السلطات الأردنية تتعامل بنوع من الارتياب والرقابة الحثيثة مع التنظيم بالنظر إلى شعبيته الكبيرة في الشارع، وهي الشعبية التي تتزايد في ظل الحرب الأخيرة على غزة والأدبيات المعروفة للجماعة في الأردن والتي تقدّم القضية الفلسطينية في كثير من الأحيان على الأزمات الداخلية الأردنية كما يرى مراقبون.
مع تبني العديد من الدول والأنظمة العربية توجهات صارمة بحق الجماعة، بقي الأردن يحتفظ بشعرة معاوية في تعامله معهم، وهذا يعود بحسب مراقبين إلى أنّ الدولة لا تتبع المنهج الدموي في صراعها مع الجماعة، بخلاف ما فعله نظام الرئيس السيسي في مصر من إجراءات متشددة وحاسمة ضد الإخوان عبر حظر أنشطتهم وملاحقة قياداتهم وإلقاء من بقي منهم في السجن فيما لاذ بعضهم بالفرار.
فهل تخشى الدولة الأردنية من شعبية الجماعة؟ وهل تحتمي قياداتها بالانتماء القبلي أو تتغطى تحت عباءة بعض العشائر ذات الشأن؟ أم أن للجانب الاقتصادي دوراً ما في التخوف من تحجيم أعمال الجماعة التي يصفها بعض السياسيين بأنها واحد من أكبر الـ"لوبيات الاقتصادية" في المملكة؟
سياسات إخوان الأردن في حكم محمد مرسي
السلطة في الأردن تتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين باعتبارهم تياراً سياسياً ممثلاً بحزب جبهة العمل الإسلامي - الذراع السياسية للجماعة، وواحداً من الأحزاب السياسية المنظمة التي تعمل بشكل مؤسسي، أسوة بغيرهم من الأحزاب السياسية، وبهذا الصدد يؤكد المحلل السياسي الأردني المقرب من وجهة النظر الرسمية محمد الملكاوي عدم وجود أي ميزة للجماعة ولا لأي حزب آخر في الأردن حالياً، فالتعامل وفق القانون، وطبيعة العلاقة هي طبيعة قانونية بين الطرفين.
لكنه في نفس الوقت يلفت رصيف22 إلى وجود محاذير في طبيعة العلاقة بين الطرفين، خصوصاً بعد تجربة الربيع العربي التي أظهرت أن بعض القيادات الإخوانية من شباب الصقور كانت لديهم حدة في أطروحاتهم، وقد أدى ذلك إلى التعامل معهم بحذر.
كانت هناك فترات تعايش تاريخية عاشتها الجماعة في الأردن، أهمها السنوات التي تعاونت فيها مع أجهزة الدولة للحد من المد اليساري في فترة الانقلابات على الملكيات، حيث تم تسجيلهم كـ"جمعية" في الوقت الذي مُنعت فيه الأحزاب من ممارسة عملها بقوة الأحكام العرفية
فبعد فوز الإخوان المسلمين في مصر - بحسب ملكاوي - بدأ العديد من المنتمين للجماعة بالتعامل مع الدولة الأردنية باعتبارهم تنظيماً له جذوره في مصر، فكان هناك استقواء بطريقة غير حكيمة على الدولة الأردنية، كما عمدت بعض القيادات الإسلامية من الإخوان المسلمين إلى التمادي بطريقة أو بأخرى على الدولة الأردنية، وبالتالي لم تعط الجماعة في حينه أية مؤشرات على أنّهم تيار سياسي أردني بل انحازوا إلى التيار الأكبر "الجماعة الأم" الذي يعتبرونه مظلتهم ومرجعيتهم الأساسية.
وحول عدم اتخاذ السلطة السياسية في الأردن خطوة حاسمة تجاه الإخوان كما فعل نظام الرئيس السيسي في مصر، يرى الملكاوي أنّ هناك خصوصية لمصر وخصوصية للأردن، حيث أنّ النظام الأردني لا يعدّ دموياً، ولم يقبل أن يكون كذلك منذ بداية تأسيس الدولة ولا حتى بعد أن قطعت مئة سنة على تأسيسها، مشدداً على أنّه لا يمكن للدولة الأردنية أن تلاحق القيادات والرموز الإخوانية وتضعهم في السجن، خصوصاً في مرحلة الانفتاح السياسي، وبالتالي فإنّ هذه الخطوة محسومة، لأنّ خصوصية الأردن غير خصوصية مصر. وبحسبه، فإن هناك خلافات جوهرية على كثير من المحاور، أبرزها أنّ الإخوان في الأردن سعوا للسيطرة على النظام، وهذا كان على وجه الخصوص بين العامين 2011 و 2012 حين حاول بعض شباب الإخوان القيام باستعراض عسكري.
ويضيف: "طرح بعض المتطرفين المنتمين للجماعة إسقاط النظام الذي بدوره تعامل مع جميع هذه الأمور بحكمة لأنّه لا يريد أن يتعامل بدموية مع الإخوان وكافة التيارات السياسية التي تعدّ جزءاً من الحياة السياسية ما داموا يلتزمون بالقانون، وعند عدم التزامهم بالقانون يمكن أن تتخذ خطوات حاسمة لحفظ القانون سواء كان مع الجماعة أو مع غيرهم من التيارات".
وفي رؤية مخالفة لما طرحه الملكاوي يرى العديد من المراقبين أنّ الإخوان المسلمين يعتبرون بمثابة زنبرك الأمان للأردن، لأنّ كثيراً منهم من أبناء العشائر الأردنية، أو الفلسطينية التي تحمل الجنسية الأردنية، وهم وحدهم القادرون في الساحة على إحداث التوازن في الواقع السياسي الأردني، وهذا ما يؤكدّه الناقد والمحلل السياسي الأردني عمر النظامي، في حديثه لرصيف22، معتبراً أنّ الإخوان هم صمام الأمان للأردن باعتبارهم هم الذين يقفون في هذه المرحلة في وجه المشروع الصهيو-أمريكي، منوهاً بأنّ الأردن ليس مصر ولن يكون في يوم من الأيام كذلك، ملمحاً إلى أنّ الملك الأردني إن فكر بتحويل الأردن كما في مصر فستكون نهاية لحكمه ولحكم الهاشميين كلهم ومن يدعمهم كما حصل في العراق.
بسبب المخاوف التي يبديها النظام الأردني من الجماعة، ظلت الذرائع - أو الأسباب - تتوفر للسلطات الأمنية لاتخاذ موقف متشدد تجاه الجماعة، ونتيجة لذلك، جرت سلسلة من الاعتقالات لقياداتها ومؤيديها، فضلاً عن تغيير طبيعة وجودها القانوني ومطالبتها بتصويب أوضاعها مع تعديل قانون الأحزاب وقانون الانتخابات في 2015، ما أدى إلى تفتيت الجماعة من الداخل وانقسامها، وتأجيج الخلافات التنظيمية داخلها دون مواجهة مباشرة معها.
هذا الانقسام داخل جماعة الإخوان المسلمين، تفاقم بسبب تدخل الحكومة، ويمكن أن يكون له آثار خطيرة طويلة المدى بحسب رأي الناقد السياسي عمر النظامي، على المجتمع والسياسة الأردنية "إذ سيؤدي إلى خلخلة النظام السياسي التابع للملك في الأردن في أي لحظة".
ويشير النظامي إلى أنّه بعد حرب غزة فضل النظام السياسي ممثلاً بالملك الأردني خلق انقسامات داخل الجماعة وليس المواجهة المباشرة معها أو حظرها كما فعلت مصر والإمارات والسعودية، أو كما هو الحال مع "حزب التحرير" المحظور داخل الأردن والمعروف بتطرفه.
ويضيف: "يحاول نظام ملك الأردن إضعاف الجماعة، خاصة في ظل غياب القيادة السياسية الإخوانية التي تحظى بقبول الأغلبية، وخاصة بين المكون الشبابي، ومنها الضربة الكبيرة قبل عدة أسابيع حين جرى اتهام أعضاء في الجماعة بالإرهاب من خلال قضية العثور على أسلحة لجماعات تابعة للإخوان، وهي القضية التي سيكون لها آثار خطيرة طويلة المدى على المجتمع والسياسة الأردنية إذا أدت إلى الخلط بين المشاعر المعادية للإخوان المسلمين والمشاعر المعادية للفلسطينيين".
عهد الأمان الذي أخذه الإخوان من القصر الهاشمي
وقد شكلت تجربة الإخوان في الأردن مع الدولة الأردنية نموذجاً مختلفاً، مقارنة مع تجارب الجماعة الأخرى في العالم العربي، والدول المجاورة بالأردن، وهذا عائد إلى رغبة الطرفين (الجماعة والدولة الأردنية) إلى التصعيد أو القطيعة الدائمة.
بداية العلاقة الحقيقية بين الطرفين تعود إلى بدايات الإمارة قبل أن تصبح مملكة، ففي العام 1946 -وهو ذات العام الذي حصلوا فيه على الترخيص- خرج وفد إخواني على رأسه الشيخ عبدالمعز عبد الستار مندوباً عن المركز العام للإخوان المسلمين في القاهرة، بالإضافة إلى الحاج ظافر الدجاني رئيس شعبة الإخوان في يافا، ليبايعوا الأمير عبد الله ملكاً، حيث كانوا يرونه أقرب إلى خليفة المسلمين، وقد أخذوا حينها عهد الأمان.
ولم يقتصر الأمر عند تلك المرحلة، ففي عهد الملك حسين، كان هناك تواصل دائم مع الجماعة وقيادتها، وقد أكدّ عدة مرات أنّ الجماعة تعدّ مكوناً وطنياً منحازاً إلى الوطن ومصالحه.
هذه العلاقة العضوية بين الجماعة والقصر بالإضافة إلى عهد الأمان الهاشمي الذي حصل عليه الإخوان مع بداية تأسيس المملكة، يجعل الرأي الغالب لدى العديد من المراقبين بأنه حتى وإن حدثت موجات من العداء أو الشدّ بين الطرفين، تبقى الجماعة جزءاً من تركيبة النظام في الأردن، وهذا ما يشير إليه الباحث والمؤرخ المتخصص في شؤون جماعة الإخوان الشيخ عوني جدوع العبيدي، في حديثه لرصيف22، قائلاً بأنّ الإخوان مهما بلغت شعبيتهم فإنّهم استراتيجياً على عهد مع النظام منذ لحظة التأسيس وإن اختلفوا في السياسات والإجراءات، ولكنّهم جزء من أجزاء تركيبة النظام الظاهر المرئي.
ويؤكد العبيدي أنّ رموز الجماعة أكدوا مرات ومرات في محطات مهمة من تاريخ النظام الأردني، أنّهم والأجهزة الأمنية والقوات المسلحة والعائلة المالكة والنظام الأردني جزء واحد، وقد كانت لهم مواقف لإنقاذ النظام في أكثر من حالة عبر التاريخ.
يرى البعض أن سبب عدم حظر الجماعة في الأردن هو في كون النظام غير دموي، بينما يحيل آخرون الأمر إلى الشرعية التي يضفيها وجودهم كمعارضة على الأردن كـ"ديمقراطية ناشئة".
ولعل جزءاً مما يظهر على السطح من ممارسات تقوم بها الدولة الأردنية تجاه التيارات السياسية يأتي لطمئنة الطبقة الفاعلة الشبابية وتفريغ الطاقات، وهذا ما يؤكدّ عليه العبيدي الذي يشير إلى أنّه عندما يظهر تيار أو أشخاص ذوو تأثير داخل جماعة الإخوان فإنّهم يعملون على أخذها بعيداً عن رغبات وسياسات الشارع الحقيقية، بل ويعملون بكل ما أوتوا من قوة على تدمير هذا التيار أو ذاك الشخص.
العشائر داخل الجماعة، لمن الولاء الأخير؟
يعدّ الوزن العشائري عنصراً مهماً في إدارة كفة الصراع بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان، بل تسعى الجماعة لاستمالة العشائر والقبائل الأردنية ووضعها في مقدم الأولويات لتوجيه الشارع وتغيير الرأي العام من خلاله، باعتبار هذا البعد أحد أهم المكونات في المملكة.
المثال الأوضح على هذا التوجه هو ما قاله رئيس حركة "حماس" في الخارج خالد مشعل قبل عدة أشهر، إذ وجّه جزءاً من حديثه إلى العشائر الأردنية، قائلاً: "يا عشائر الأردن، يا أبناء الأردن، يا إخواني وأخواتي في الأردن أرض الحشد والرباط، الذي يتعرض لهذه المؤامرة لشطبه، وأهل فلسطين هم الذين بصمودهم يحمون الأردن، هبّوا لنصرة أهل فلسطين فالحدود قريبة منكم".
هذا التصريح اعتبره بعض المقربين من الدولة بمثابة دعوة واضحة إلى إثارة الفوضى في الشارع الأردني، خاصة أنّ غالبية القبائل الأردنية مسلحة، الأمر الذي يترتب عليه أعباء أمنية على السلطات الأردنية التي تحاول عقلنة موجة الغضب الشعبي تجاه ما يحدث في غزة لضمان خروجها عن الوضع الطبيعي.
يقول العبيدي عن تأثيرات الانتماء القبلي على الانتماء السياسي لأعضاء الجماعة ومن ثم انتمائهم للدولة، إن "ولاء القبائل والعشائر والعائلات الأردنية هو للنظام والدولة، ولا يستطيع أي حزب أو جهة تغيير الولاء المرتبط بالوجود وتحقيق الذات وتبادل المصالح وتحقيق الاحتماء واللواذ تحت عباءة النظام".
ويذهب العبيدي إلى أبعد من ذلك قائلاً: "بل إن القبائل تخشى من بعضها البعض لو غاب النظام، وكذلك تخشى على النظام أن يتم استبداله وهذا قد يعني السيطرة الفلسطينية بحكم الأغلبية الديمغرافية كوطن بديل بالاستعانة بالقوى العظمى، وهو سبب آخر يجعل القبائل تجتمع تحت عباءة النظام".
ويؤكّد العبيدي أنّ ولاء القبائل الأردنية للنظام فقط، ولا الإخوان ولا غيرهم سيغيّرون في هذا الولاء وإن كان هناك حدث معين تمّ فيه تحرك عشائري لصالح فرد من الجماعة فهو في إطار "الدّخالة" العشائرية ليس إلا.
قيادي إخواني: "نظام غير دموي ومعارضة راشدة"!
في سياق متصل يرى الأمين العام الرابع السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الأردن، زكي بني ارشيد، بأنّ طبيعة العلاقة بين النظام السياسي والمعارضة الأردنية بعمومها تخضع لمعايير الخصوصية الأردنية التي تتميز بها الدولة الأردنية عن غيرها، مع الإشارة إلى أنّ قواعد العلاقة تقوم على التوازنات السياسية والاجتماعية وحسابات المصالح بين مكونات المجتمع الأردني والسلطات الرسمية.
ويمكن اختصار طبيعة العلاقة بحسب رؤية بني ارشيد، بوصفها علاقة نظام غير دموي ومعارضة راشدة يحرص فيها الجميع على ترسيخ النسيج المجتمعي والسلم الأهلي والاستقرار السياسي، فعلى الرغم من حالات الاستهداف والاعتقال والتضييق وقمع الحريات العامة ضد المعارضة الوطنية ومنها الجماعة فإنّ هذه الخصوصية بحسب تأكيد بني ارشيد هي التي تحول دون انزلاق الأردن نحو الصدام الداخلي.
ساءت علاقة القصر وإخوان الأردن في فترة حكم محمد مرسي لمصر ، بسبب استقوائهم ومطالبات صقورهم بإسقاط النظام، ومع هذا لم يذهب الأردن إلى حد اعتبارهم مجموعة إرهابية كما في مصر والسعودية والإمارات، فهو أقرب للتصور البريطاني والأمريكي الذي يعتبرهم جماعة "ميسّرة للإرهاب" لا أرهابية
ويضيف بني ارشيد: "هذه المعادلة تحقق مصالح الجميع وبالتالي تحقيق مصالح الدولة المعتبرة، وهذا الاعتبار هو الذي يشكل حصانة للمجتمع وهو ما يفسر السلوك الرسمي والمقابلة الشعبية وعدم الصدام أو الارتطام".
مشيراً إلى أنّ الدور العشائري في التكافل الاجتماعي يبقى مقدراً إلا أنّ هذا الاعتبار ليس هو الحاسم في رسم طبيعة العلاقة بين النظام والمعارضة.
20% من مجلس النواب أي أنهم تحت السيطرة
تاريخياً كانت الأردن لها خصوصية مختلفة عن مصر وبقية دول العالم العربي، لذلك كانت الأردن حليفاً أساسياً منذ نشأة الجماعة، والذي فتح الفرع للجماعة هو الملك عبدالله المؤسس، وبقيت هذه العلاقة طوال الحرب الباردة مميزة جداً وكان النظام الأردني والإخوان في صف واحد ضد كل التهديدات للنظام التي واجهها من الحركات القومية واليسارية بشكل واضح وصريح، وهذا ما يؤكدّ عليه فعلياً الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية في حديث خاص لرصيف22.
ويستدرك: "لكن… تغيرت العلاقة بشكل واضح بين الطرفين بعد (هبة نيسان) أو أحداث التمرد التي حدثت في جنوب المملكة في العام 1989 والتي أدت إلى سقوط وزارة زيد الرفاعي وإجراء انتخابات نيابية في الأردن لأول مرة بعد احتلال الضفة الغربية سنة 1967 من قبل إسرائيل".
ويعدّ عام 1989 هو بداية مرحلة التحول الديمقراطي في الأردن، والذي ترافق مع تحوّل في المشهد العالمي تجاه ما يسمى بالخطر الإسلامي، وبالتالي وبحسب رؤية أبو هنية فإنّ العلاقة باتت تختلف بعد هذا التحول الذي شهده الأردن، وأيضاً بعد الدخول في عملية السلام - وادي عربة - وبعد اتفاقية أوسلو وقضية ارتباط الجماعة بحماس، حيث كان هناك مكتب لحماس في الأردن وبقي فاعلاً لغاية العام 1999، حينها أخذت العلاقة بالانحدار خصوصاً على خلفية قضية السلام، ومن ثمّ جاءت أحداث الربيع العربي فتمظهرت طموحات الإخوان العالية في المشاركة في الحكم وليس بمجرد وجود شكلي.
ويؤكدّ أبو هنية أنّه بعد الربيع العربي أصبحت العلاقة سيئة بين الطرفين، مما جعل الأردن يتبنى مقاربة وسطية ولا يذهب باتجاه الاستئصال واعتبار الجماعة مجموعة إرهابية كما فعلت مصر وبعض دول الخليج كالسعودية والإمارات والبحرين، مشيراً إلى أنّ الأردن أقرب إلى التصورات البريطانية والأمريكية التي لا تعتبر الجماعة إرهابية ولكنّها "ميسرة للإرهاب"، وبقيت تحاول أن تحد من وجود الجماعة وفعاليتها من خلال الدستور والقانون.
يقول: "لكن الأردن ورغم خلافه مع الجماعة فهو لا يريد الذهاب باتجاه الاستئصال، لأنّه ليس لديه مصلحة في هذا التوجه، فما الذي سيستفيده النظام الأردني من هذه الخطوة، فقد فصل بالفعل بين الجماعة الذي يعتبرها غير شرعية وقانونية وأصبحت جماعة محظورة، لكنّه سمح للجناح السياسي ممثلاً بحزب جبهة العمل الإسلامي الملتزم بالدستور وبالأنظمة والقوانين بالعمل".
ومن هنا فإنّ غياب الإخوان من المشهد الأردني سينزع الشرعية بحسب ما يذهب إليه أبو هنية عن أي ادعاء بالديمقراطية، فالأردن حريص على أن يظهر على أنّه دولة ديمقراطية لديها قوانين ليست كبقية الدول وبالتالي هو يحاول أن يستخدم الدستور والقانون في هذا الإطار.
ويوضح أنّه ليست هناك حاجة عملية وفعلية للتعامل مع الإخوان في الأردن كجماعة إرهابية، فهي لم ترتكب أي عمل إرهابي أو عنف ضد النظام وهي تمارس العمل السلمي والدعوي.
ويضيف أبو هنية: "تتمثل خصوصية الأردن في التعامل مع الجماعة أيضاً بالمكون الديموغرافي المتمثل في أنّ نصف سكان الأردن من أصول فلسطينية، ومع تعقيدات القضية الفلسطينية تصبح الأمور صعبة لدى النظام السياسي".
ويرى أبو هنية أنّ النظام السياسي يستطيع إصدار قرار يعتبر الجماعة إرهابية لكن هذا لا يفيده بشيء بل سيأزم الساحة المحلية ويفقد الأردن بعضاً من الشرعية، مشدداً على أنّه من خلال القوانين يستطيع أن يحجم الجماعة ويعطيها دوراً محدوداً سواء عبر الانتخابات ومجلس النواب، فمن الصعب أن تحصل الجماعة على أكثر من 20% في مجلس النواب وبالتالي هي تحت السيطرة، ولا تشكل خطراً على النظام.
رغم اعتمادها الوسطية في تعاملها مع الإخوان، لكن الدولة العميقة في الأردن لم تتقبلهم إلى حد توليهم الحكومة وتداول السلطة كما هو الحال مع الملكية الأخرى؛ المغرب.
ومن هنا فإنّ المكاسب في حظر الجماعة بالكامل واعتبارها إرهابية بالأردن تعتبر أقل بكثير من الخسائر، لذا يستخدم النظام منطق العصا والجزرة والشد والجذب ويعطي مساحة بحسب الظرف القائم في التعامل مع الجماعة، منوهاً بأنّه عندما يكون هناك ظرف إقليمي أو دولي ما يستدعي الانفتاح على الجماعة فإنّه يلجأ إلى أطروحات المعتدلين داخل الجماعة، وفي أحيان أخرى يستخدم إجراءات أكثر قسوة ضدهم.
ويبدو أنّ الأردن يتشابه في هذه السياسة مع السياسة المغربية باعتباره نظاماً ملكياً محافظاً ودستورياً يحاول أن يلجأ إلى عملية القوانين ويسعى إلى الحد من نفوذ الجماعة بدلاً من أن يذهب إلى استئصالها واعتبارها إرهابية.
في الحصيلة، فإنّ النظام السياسي في الأردن يتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وفق المقاربة الوسطية، لا نفيها بالكامل كما هو الحال في مصر وبعض دول الخليج، ولا تقبلها ضمن شمولية الاندماج التام في داخل النظام السياسي كما حدث في فترة ما مع التجربة المغربية حين استلمت الجماعة الحكومة، بل هي أقرب إلى منطقة رمادية بحيث لا تشكل خطراً على النظام وعلى الدولة الأردنية، وفي الوقت نفسه الاستفادة من وجودها لإعطاء صبغة الشرعية على المسار الديمقراطي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...