شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"قوم ننسى هالزمان ونحلم بزمن ألطف"... متلازمة الإنسان المهاجر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

السبت 22 يونيو 202411:42 ص

الشعور بالوحدة ومتلازمة الإنسان المهاجر

بعد الأحداث السياسية العنيفة التي عصفت بإيران عام 1979 أثناء الثورة الإيرانية، فقدت أستاذة الأنثروبولوجيا الثقافية هالة غوراشي، شعورها بما يمثله وطنها، فعرفت نفسها بأنها: "مواطنة لكل دول العالم"، بما يتسق مع فكرها الماركسي وقتها، شيئاً فشيئاً عصفت بها النوستالجيا...

تمثّل الأمان لدى هالة في صورة مثالية رسمتها في ذهنها لوطنها إيران، كلما مرت الأعوام طغى الحنين أكثر وصارت الصورة أقوى، وتجذر الانتماء أكثر إلى البلاد البعيدة، مما فاقم شعورها بالفراغ والتهجير، فحقيقة أن الأستاذة الجامعية الحاصلة على عدة جوائز تقديرية من هولندا لجهودها في مجال بحوث اللاجئين والاندماج ممنوعة من زيارة بلادها، سببت لها شعوراً بالخواء خيم على حياتها حتى وإن امتلأت هذه الحياة بكل معاني النجاح، وصارت المسافة مسافتين، مسافة مكانية بين هولندا وإيران، ومسافة زمنية بين الماضي البعيد والحاضر القريب.

تدرك بالتجربة أنك إن دفأت جسدك من برد الشتاء، فمن يدفئ قلبك؟

في كتابها "طرق للنجاة ومعارك للفوز"، تأخذ غوراشي قراءها في رحلتها بعد الهجرة، ومنذ الوهلة الأولى أحسست بأنها تقرأ في قلبي، أعرف ما يعنيه أن تصنع مسافة بينك وبين الوطن، أن يكون هو أبعد نقطة مكانية وأكثر الذكريات طغياناً، تتركه خلفك لتمضى إلى الأمام فيطاردك في أحلامك، منذ أن مس البرد قلبك للمرة الأولى وأنت تدثره بالصوف كما تضمد جسدك، وتدرك بالتجربة أنك إن دفأت جسدك من برد الشتاء، فمن يدفئ قلبك؟

مواسم هجرة البشر

بالنظر إلى التاريخ نلاحظ حركات تحرك الجماهير في حقبات زمنية مختلفة تبعاً لتكتل مراكز القوى السياسية والاقتصادية، فمثلاً، منذ القرن السادس عشر وحتى الحرب العالمية الثانية، شهدت أوروبا انتقال ما يقرب من 60 مليون مهاجر أوروبي عبر المحيط، سواء لدعم الجهود الاستعمارية أو للهرب من الحروب أو التجنيد أو بسبب الإبادة العرقية، ففيما يتعلق بهولندا فقد سجلت السجلات الأمريكية هجرة ما يقرب من 9500 مواطن هولندي إلى القارة الأمريكية في عام 1882 بحثاً عن العمل في المستعمرات الجديدة التي عرفت وقتها باسم "هولندا الجديدة" و"نيو أمستردام" المعروفة حالياً بمدينة "نيويورك".

يرى عالم الاجتماع الروسي الأمريكي كوليشر، أن الحربين العالمية الأولى والثانية تسببتا في انتزاع ما يقرب من 30 مليون إنسان من بلادهم وتوطينهم في مناطق أخرى غريبة عنهم، ما بين السياسات النازية والسوفيتية وفوضى الحرب الشاملة ضاع توثيق تنقلات ملايين من الأوروبيين بين الدول الأوروبية، الأمر الذي أثّر تأثيراً كبيراً على الديموغرافية السكانية للقارة، وانتهت الحرب مخلّفة وراءها ملايين البشر من طالبي اللجوء وغير المجنسين من الأوروبيين مما جعل أي محاولة للقيام بعمليات التوثيق درباً من دروب المستحيل.

على الجانب الآخر، وبالأخص بداية من ستينات القرن الماضي انطلقت الهجرات من الشرق وجنوب أوروبا إلى هولندا، من أجل توفير العمالة المتوسطة لإصلاح ما أفسدته الحروب، لم تكن هولندا قبل هذه الفترة تعد نفسها دولة من دول الهجرة، فتم استقدام العمال من المغرب وتركيا وإسبانيا وإيطاليا ليعملوا بشكل مؤقت في صناعات الأقمشة وبناء الطرق، بسبب تحسن الأوضاع الاقتصادية في بلدان جنوب أوروبا. عادت العمالة الأوربية إلى أوطانها بينما توطنت وتجنست الجاليات الشرقية في هولندا الجيل تلو الآخر.

وفقاً لدي يونغ جيرفيلد، أستاذة العلوم الاجتماعية الهولندية ومخترعة اختبار قياس الشعور بالوحدة المعترف به دولياً، فإن الوحدة هي ذلك الشعور غير المحبب الذي يتكون بناء على نظرة الشخص وتقييمه لشبكة علاقاته الاجتماعية بأنها غير كافية من ناحية الكم أو الكيف

بهذه النظرة السريعة نجد أن الإنسان هو الإنسان أياً كانت بلده أو زمنه، يلوذ بنفسه بعيداً عن الخطر ويبنى أوطاناً جديدة أينما وجد الأمان، ولكننا نتساءل في هذا التقرير عن الضريبة النفسية التي يتكبدها البشر في هذا الطريق.

لماذا نشعر بالوحدة؟

وفقاً لدي يونغ جيرفيلد، أستاذة العلوم الاجتماعية الهولندية ومخترعة اختبار قياس الشعور بالوحدة المعترف به دولياً، فإن الوحدة هي ذلك الشعور غير المحبب الذي يتكون بناء على نظرة الشخص وتقييمه لشبكة علاقاته الاجتماعية بأنها غير كافية من ناحية الكم أو الكيف، وما يصعّب من هذا الأمر هو استحالة خضوع هذا التقييم إلى معايير واضحة، حيث أن تقييم جودة العلاقات الاجتماعية يتوقف على تجارب الشخص ذاته وتوقعاته بخصوص العلاقات الاجتماعية المرضية.

تكمن أهمية العلاقات الاجتماعية في تعزيز الشعور بالأمان لدى الأفراد، فشبكة العلاقات الاجتماعية تقدم لكل فرد من أفرادها إمكانية الشعور بالاندماج داخل المجموعة، ومشاركة الاهتمامات والقيم والمعايير ذاتها، فتعد المجموعة الصغيرة بمثابة العصبة أو الحليف الذي يقدم الدعم عند الحاجة والتعزيز النفسي للمشورة والنصيحة والمعلومات.

يبدأ الشعور بالوحدة في الظهور عندما تختفي هذه المجموعات فيما يُعرف "بالعزل الاجتماعي" وهو عدم قدرة الفرد على تكوين علاقات تشاركه الاهتمامات ذاتها وتكون بمثابة حليف له في المواقف المختلفة، ويبدو بعد البحث أن طلبة الجامعة، وكبار السن، والمهاجرين هم أكثر فئات المجتمع عرضة للشعور بالوحدة.

منذ عقود طويلة والبشر يهاجرون وفق معايير متعلقة بشكل الشبكة الاجتماعية التي سيقومون بتكوينها في البلد الجديد، ومدى نجاح المهاجر في تحقيق توقعاته يتوقف على الخلفية الثقافية، والسمات الشخصية، والسياق البيئي لكل فرد على حدة، فالمهاجرون يتعرضون للكثير من مسببات الضغوط والشعور بالفقدان بالإضافة إلى غياب الدعم الاجتماعي إذا ما قارنناهم بأقرانهم من السكان المحليين.

هناك أيضاً ما يفيد بوجود عامل تهديد باحتمال إصابة المهاجرين باضطرابات نفسية مقترنة بالعزلة الاجتماعية، وبالرغم من ذلك فإن نسبة لا يستهان بها من الواقعين تحت عباءة العزل الاجتماعي لا يلجؤون لمساعدة المتخصصين.

تفيد إيمان تهامي، أخصائية علم النفس والمعالجة النفسية في هولندا، أن الاكتئاب واضطرابات القلق وغياب تقدير الذات هي مشكلات تشكل النسبة الأكبر من أسباب لجوء المهاجرين إلى المختصين النفسيين، ووظيفة المعالج الأساسية في هذه الظروف هي مساعدة المريض على ضبط مستوى التوقعات والأهداف الخاصة به ضمن إطار ثقافي يساعده على الاندماج في المجتمع الجديد بعقلية منفتحة على التغيير والمرونة.

يقول طه خالد، 33 سنة، مهندس برمجيات مصري الجنسية، عاش في ألمانيا وهولندا، أن أكثر ما يشعره بالوحدة في هولندا هو غياب الأهل والعائلة، فطه الذي كان الشعور بالغربة والوحدة يلازمه في مصر كما هو في هولندا يقول: "الفارق بين المجتمعين أن المصريون كانوا يفترضون أنني أشبههم دون أن يتعرفوا عليّ، بينما الهولنديون يفترضون أنني مختلف عنهم حتى وإن تحدثت اللغة ذاتها"، وفي الشأن ذاته تفتقد يارا، مصرية 35 عاماً، مهندسة مدنية وأم مقيمة في هولندا، الكثير من الأشياء التي ظنت أنها لن تفتقدها بعد الهجرة، كالمناسبات العائلية والدفء الأسري، كما تضطر للتأقلم على أمور لم تعتدها قبل الهجرة مثل التعايش مع القلق الدائم من الفقدان.

ثلاثي الأمومة والهجرة والوحدة

"غالبية الأمهات المهاجرات اكتشفن في مرحلة ما من حياتهن أن الكثير من الوظائف في البلد الجديد تصلح لأطفالهن فقط دونهن".

هكذا وثقت أستاذة التاريخ سوزان سينكا حال النساء في كتابها: "نساء هولنديات مهاجرات في الولايات المتحدة"، المتعلق بالحقبة الزمنية ما بين 1880-1920، وهي بهذا الوصف تضم عدداً ضخماً من النساء بمختلف جنسياتهن وخلفياتهن الثقافية والدينية والأزمنة التي جئن فيها تحت مظلة الهجرة والاغتراب والشعور بالوحدة.

"أعلم أنني لن أنتمي إلى هنا بقدر ما انتميت إلى بلادي، ولا أريد لابني أن يعيش هذا التمزق الذي اختبرته حين سافرت، فإن كان لابد أن يختار وطناً واحداً فليكن الوطن الذي يعيش فيه". هكذا عقبت سارة، أم من أصل عراقي لطفل عمره 10 سنوات، تعتقد سارة أن الشعور بالوحدة سينتهي مع الجيل المهاجر الأول، أما الجيل التالي المتمثل في ابنها فلن يقاسي ما قاسته لأنه لم يتعلق بوطن آخر.

المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الأم المهاجرة مرهقة للغاية من وجهة نظر يارا، التي تؤمن بأن شعور الطفل بالانتماء للوطن الأم هو مهمة الوالدين، فلا وجود لعائلة ممتدة تتشارك مهام التربية مع الوالدين في تشكيل هوية الصغار، فيتشرب الطفل من وجهة نظر يارا الثقافة الهولندية من مجتمعه المحيط، بينما يتشرب الثقافة المصرية في المنزل من الأبوين، "نعلمه اللغة العربية، واللهجة المصرية، ومع ذلك أستطيع أن أري كم هو أجنبي حينما نزور مصر". هكذا تصف يارا تجربتها.

ثمة شعور لدى الأمهات المغتربات بأن أمومتهن تساهم بشكل كبير في شعورهن بالوحدة، فلا تحصل الأم في الغربة، على الدعم المعنوي والتربوي من أفراد عائلتها الممتدة.

ثمة شعور لدى الأمهات المغتربات بأن أمومتهن تساهم بشكل كبير في شعورهن بالوحدة، فلا تحصل الأم في الغربة، على الدعم المعنوي والتربوي من أفراد العائلة الممتدة كما تحصل عليه نظيرتها الهولندية، تقول يارا أنها يجب أن ترتب دائماً موعداً مع جليسة الأطفال في حال أرادت أن تقضى وقتاً خاصاً بها أو أن تعتمد على إحدى صديقاتها لرعاية طفلها، الأمر دائماً يحتاج إلى ترتيب وتخطيط بسبب غياب شبكة الدعم الاجتماعي التي اعتادت الأمهات على وجودها في الوطن الأم.

وكما تُحرم الأم من الدعم الأسري فهي أيضاً تُحرم من دورها كابنة منحت والدتها دور الجدة، تشعر سارة بالذنب باعتبارها -على حد وصفها- حرمت أمها من الاستمتاع بوقتها مع حفيدها، تقول سارة: "يؤلمني قلبي حينما أرى جدة تنعم بوقتها مع حفيدها، أسير في الشوارع وأرى الجدات مبتسمات بصحبة أحفادهن فأفتقد أمي وأشعر بأني حرمتها من هذا الحق، فيساهم ذلك في مضاعفة شعوري بالعزلة والوحدة".

تعد الأمومة عاملاً في الشعور بالوحدة لدي المهاجرين، في هذا الشأن تفيد ابتسام العرباوي، بأن غياب العائلة واختلاف الثقافة والعادات والتقاليد هي من أكبر الصعوبات التي واجهتها مع أسرتها في هولندا، فابتسام التي هاجرت إلى هولندا عام 1989، لم تكن محاطة بأي نساء مصريات في المدينة التي عاشت فيها، فكان وجود المعارف والأصدقاء من الهولنديين هو بمثابة العون في التغلب على على هذه المشكلات، تشعر العرباوي بناء على تجربتها أن المجتمع الهولندي يحترم الثقافات المختلفة ويقدرها ويقدم الدعم للنساء والأمهات المهاجرات ما دام الشخص المختلف يتعامل مع غيره باحترام وعقلية مرنة، أيقنت السيدة المصرية أن مهمة التربية في بلد جديد لا تتم إلا بالقراءة وتثقيف الذات، وهو الأمر الذي يجعلها الآن فخورة بإنجازات أبنائها الوظيفية والمجتمعية في مجالات القانون والاقتصاد والطيران.

هل يورِّث المهاجرون مشاعرهم لأبنائهم؟

"أنا لا أعرف كيف كانت حياتي لتصبح إن كنت ولدت وعشت في مصر". هكذا تقول إيمان، من أصل مصري، عندما سئلت عن شعورها تجاه الوطن الأم، فالوطن بالنسبة لإيمان التي ولدت في ألمانيا وعاشت ما بين مصر والإمارات وحالياً تقيم في هولندا هو العائلة أياً كان مكانها، سواء في هذه العائلة في مصر أو ألمانيا أو هولندا أو أي بلد آخر، ولا ينحصر المفهوم على أرض بعينها.

يتفق كرم عثمان، مصري مقيم في هولندا، مع إيمان في الرأي بوصفه المشاعر ذاتها، فكرم الذي ولد في أمريكا اللاتينية وعاش ما بين دول مترامية حول العالم لظروف عمل عائلته، كان التنقل هو الثابت الأساسي في حياته، فنشأ بلا مفهوم واضح عما يعنيه هذا الشعور بالانتماء،.

"حينما اكتشفت تعلقي بمدينة أمستردام بعد 6 سنوات من الحياة المتواصلة فيها شعرت بالاضطراب، فهذا شعور لم أختبره من قبل لأنني لم أمكث في أي مدينة مع عائلتي طوال هذه المدة ، ولعل هذا هو الشعور الذي يصفه الجميع بالتعلق والانتماء إلى بلد ما". هكذا شرح كرم شعوره بسؤاله عن المدينة الأطول مكوثاً بالنسبة له، فالتحرر من فكرة الوطن كمساحة من الأرض يتيح للإنسان قدراً كبيراً من الحرية والاستقلالية في التحرك وعدم التقيد بمكان قد يشكل عائقاً للفرد في السعي تجاه أحلامه من وجهة نظر كرم، أما عن الشعور بالوحدة فيرى كرم أنه إن كان يشعر بالغربة في بلده الأم وفي هولندا على حد سواء، فقطعاً سيختار أن يعيش في الدولة التي تحقق له الأمان من الفساد بكافة أنواعه.

المستقبل في الوطن الجديد

"على قدر حلمك تتسع الأرض".

على درب محمود درويش يسير عدد من المهاجرين المقيمين في هولندا، فما بين تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية شعر فصيل من المهاجرين بانعدام إمكانية تحقيق أحلامهم في الشرق الأوسط مما دفعهم إلى الهجرة، يفيد طه خالد (اسم مستعار)، أن أزمته مع الإقامة في مصر كانت بسبب انعدام الأمل في التغيير والفساد بكل أشكاله الذي يفرض على الإنسان أن يكون جزءاً مشاركاً فيه ما دام يعيش في كنفه، فطه الذي كان على استعداد للتنازل عن كثير من أحلامه حينما لاح أمل التغيير في 2011، يشعر الآن بأنه اتخذ القرار المناسب بالهجرة، خصوصاً حينما جمعته هولندا بأصدقاء شاركوه نفس أسباب الهجرة، كما يشاركونه الأفكار والمشاعر ذاتها تجاه العقد الأخير من الحياة السياسية والاجتماعية في مصر.

في ورقة بحثية اختصت بدراسة الشعور بالوحدة لدى كبار السن من المهاجرين في كندا، رصد الباحثون أن المهاجرين من دول تقدس دور الأسرة والروابط الأسرية يتصدون للوحدة باعتمادهم على العلاقات الاسرية أكثر من الأصدقاء، فتقل مشاركتهم في النوادي الاجتماعية والأنشطة المحلية عن غيرهم من مهاجري المجتمعات الفردية التي تزيد لديهم قيمة الأصدقاء عن العائلة.

إن معدل "العزل الاجتماعي" والشعور بالوحدة لمن يتمتعون بصحة جسدية جيدة في شيخوختهم، هو أقل ممن يعانون من مشاكل صحية مزمنة

هناك عوامل أخرى تتحكم في درجة العزل الاجتماعي لدى كبار السن من المهاجرين، فوفقاً للدراسة فإن نسبة العزل الاجتماعي لدى النساء من كبار السن أعلى من الرجال، بالإضافة إلى الصحة الجسدية، فمعدل العزل الاجتماعي والشعور بالوحدة لمن يتمتعون بصحة جسدية جيدة في شيخوختهم هو أقل ممن يعانون من مشاكل صحية مزمنة.

وفقاً للدراسة ذاتها فإن درجة تعددية علاقات الشخص المهاجر الاجتماعية وسماته الشخصية تتحكم بشكل كبير في درجة الشعور بالوحدة والعزل الاجتماعي التي سيشعر بها في شيخوخته، ترى الدراسة أن تعددية الخلفيات الثقافية والاجتماعية في حياة المهاجر تساهم في تقليل شعوره بالوحدة مستقبلاً، هذه النوعية من الدراسات من شأنها أن ترفع الوعي لدى المهاجرين بمشكلاتهم الحالية بتقديم التوصيف المناسب لما يمرون به، بالإضافة إلى تقديم كيفية لحماية أنفسهم مستقبلاً من العزل الاجتماعي والشعور بالوحدة.

على جانب آخر اهتمت إحدى الدراسات بما قد ينتج عن هذه التجارب من أثر إيجابي، حيث أن هذه النوعية من المشاعر تسمح للإنسان بالتعرف على الذات والتجدد العاطفي والتأمل، تؤكد الدراسة أيضاً أن كثيراً من الناس التي تختبر هذه الفئة من التجارب الاجتماعية تتحسن لديهم القدرة على التحكم في مساراتهم الحياتية بمعزل عن المجتمع الذي نشؤوا فيه، بالإضافة إلى تحسين التركيز والتفكير بشكل مختلف، في هذا الشأن يقول طه خالد، أن الحياة في الخارج بقدر ما فيها من مساوئ فهي تمنح الإنسان الحرية الكاملة ليكون نفسه دون خوف من وصم أو أحكام اجتماعية ويعبر عن نفسه كيفما تراءى له.

وفقاً لرحلتها الطويلة كمهاجرة مصرية في هولندا، ترى ابتسام أن النجاح في المجتمعات الجديدة يكمن في تقدير الفرد لذاته وعمله الجاد من أجل تطوير نفسه، وفي هذا الإطار أنشأت العرباوي مجموعة على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مهتمة بقضايا النساء المصريات المقيمات في هولندا، وهي بذلك أتاحت لغيرها من النساء مساحة آمنة لتداول مشكلاتهن، وتسهيل مهمة اندماجهن في المجتمع الهولندي في جميع نواحي الحياة، وتوسيع شبكة علاقاتهم، بالإضافة إلى توفير دعم اجتماعي ونفسي عن طريق نساء أخريات يشاركنهن الظروف ذاتها، وفي الشأن ذاته تنصح إيمان تهامي، معاجلة نفسية متخصصة، المهاجرين بإحاطة أنفسهم بدوائر مختلفة ومتعددة داخل المجتمعات الجديدة، فمن الطبيعي أن يحيط الانسان نفسه بكل ما هو مألوف ليشعر بالأمان، ولكن الحذر واجب لأن هذا الأمر قد يتسبب في عزل المهاجر عن المجتمع المحيط به بدلًا من الاندماج، فالتوازن مطلوب لتحقيق الاندماج في المجتمعات الجديدة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image