شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
آخر أيام

آخر أيام "فرجي الهبّورة لعمّو"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والطفولة

الاثنين 3 يونيو 202411:20 ص

اتصلت بي جارتي من بيروت البارحة: "ماذا أقول لأولادي؟"

ضجّت المنطقة بالخبر حتى وصلني إلى باريس: أحد الأساتذة في المدرسة التي تُعلّم فيها، أوقف بتهمة التحرّش بقاصر.

لا يهمني البتة أن أدخل في حيثيات الموضوع وطابع العاجل والمستجدات وراء خبر كهذا. إن الصبحيات بين طانت ماري وطانت نهلا وطانت إلهام تتكفّل بالموضوع، وللمزيد من المعلومات الساخنة والإشاعات المثيرة والمبالغ بها، نرجو من القرّاء عدم التردّد بالتفتيش عنهن في قائمة متابعيني على تطبيق الانستاغرام، متمنياً لكم كل المتعة.

"ماذا يعرف الأولاد؟": سألتُها. قالت إن المدير زار الصفوف وبُلّغ أن أحد أفراد عائلة المدرسة قد تعرّض لقاصر.  تأسّف معتذراً وأراد أن ينبه الطلاب: "لا أحد لديه الحق بأن يلمس أعضاءكم الحميمة".

تردّني هذه الجملة إلى عيادة الطبيبة التي تهتم بابنة أختي التي في عمر السادسة. قالت الطبيبة الشابة قبل أن تعاينها: "سآخذ الإذن منك ومن والدتك أن أعاينك بوجودها، وأود أن أحذّرك أنه لا يحق لأي أحد لمس مناطق جسمك الحميمة. فقط والدتك والطبيب/ة بوجود الوالدة، بعد أن يأخذ الإذن طبعاً".

حين أخبرت صديقتي عن هذا الموعد عند الطبيبة، وعما قيل لابنة أختي، بكت، فهي تعرّضت للتحرّش من جدها في الحادية عشر.

"ليش نحنا ما حدا قلنا هالشي؟ عنجد ليش؟"

صديقتي حملت السر والألم والذنب وعدم فهم ما حصل طوال سنين كثيرة، وها هي الآن، بعد أكثر من عشرين عاماً، تفكّك آلام الصدمة مع معالجتها النفسية لأول مرة، ولكن مدير المدرسة جال كل الصفوف، ونبّه كل التلاميذ.

صديقتي حملت السر والألم والذنب وعدم فهم ما حصل طوال سنين كثيرة، وها هي الآن، بعد أكثر من عشرين عاماً، تفكّك آلام الصدمة مع معالجتها النفسية لأول مرة

تشير الأرقام في أوروبا إلى أن ولداً من أصل عشرة يقع ضحية تحرّش واغتصاب، بمعظم الأحيان من قبل فرد من أفراد العائلة. "في كل صف ثلاثون ولد، ثلاثة منهم قد تعرّضوا للتحرش، سمعوا هذا الكلام، وباتوا الآن يعرفون": قلت للجارة.

اليوم، صبي من عشرة، عرف أنه لا يحق لوالده أن يلمسه كما كان يفعل، أو فتاة علمت أنه لا يحق لعمّها أن يطلب منها إبقاء أي سر بينهما. لا أعلم ماذا قال هذا المدير بالضبط، ولكني أكمل حديثه في رأسي:

"إذا حدا منكن تعرّض لمضايقة من قبل شخص أكبر منه، نحنا هون، وفي أخصائية علم نفس موجودة بالمبنى الفولاني ممكن تحكو معا بأي وقت."

اتفقنا أنا والجارة: مصائب قوم عند قوم فوائد، فالفائدتان الوحيدتان اللتان تخرجان من مصيبة كهذه هي تحرّر الكلمة والتوعية.

كان أهلنا يقولون لنا: "ما تحكوا مع حدا غريب وأوعا تطلعوا بالسيارة مع حدا ما بتعرفوه".

أذكر جيداً الخوف من الخطف، والريبة التي كانت تجتاح بيوتنا كامتداد لأيام الحرب. 

إنما كنا نعود إلى المنزل، ونشعر بالطمأنينة والدفء والسلام، ويتبدّد خوف الخطف من قبل شخص غريب، ولكن ماذا يحصل للطفل الذي يتعرّض له أفراد عائلته نفسهم، من يمثلون الدفء والحب والطمأنينة؟

إذا كان كل ولد من عشرة قد تعرّض للتحرش (علماً أن هذه الإحصاءات ليست دقيقة لأنه لا يتم التبليغ في كل الحالات عن هذه المصائب)، فماذا حصل للتسعة الباقيين؟

هناك الممنوع والتحرّش غير المقبول الذي يحدث بالخفية، وهنالك التحرّش المقبول اجتماعياً، لا بل الذي يُشجّع عليه الأهل، وهو علاقة الـ"عمّو" بالـ"هبّورة"، أو ما يسمى أيضاً بالزيزي أو الحمامة. تعددت الأسماء والانحراف واحد.

أذكر هذه الموضة في لبنان في صغري، أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات. لا أعلم إلى متى تعود ومن أين أتت، وأتمنى من كل قلبي أن تكون قد اختفت.

لنبدأ بالتعريف عن الشخصيات: من هو "العمّو"؟

"العمّو" هو رجل كبير بالعمر، غالباً ما يكون فوق الستين، قد يكون جاراً، ولكن بالأغلب هو قريب للعائلة، قربة بعيدة، جاء للزيارة بعد غياب طويل.

لماذا الرجال تحت عمر الستين غير مهتمين بالهبّورة؟ على الأرجح لأن "هبّورتهم ماشي حالا" وليست بوضع ولا غيرة ولا ضيقة عين. ممكن القول إن الموضوع هو كتتويج الملك: "ماتت الهبّورة، فلتحيا الهبّورة!".

ما هي الهبّورة؟ هي العضو التناسلي للصبي، الذي غالباً ما يكون بين الثالثة والسادسة من عمره.

لماذا تمتد هذه الفترة تحديداً على هذه السنوات؟ لأنه قبل هذا العمر، لا يكون الولد منتبهاً بشكل جيد أن لديه "هبّورة"، وبعدها، خلص، كل ال "عمو-يات" في الضيعة يكونون قد اطمأنوا على حالة الهبّورة، وبالتالي أصبح عادياً وجودها. 

ماذا يمكن أن يتضمن طقس الاطمئنان على الهبّورة؟

- سؤال: "شو يا عمو؟ كيف الهبّورة؟"، مرفق بابتسامة ماكرة وهزة رأس.

- طلب من أحد أفراد العائلة، غالباً الأب، أن "يفرجي الولد -وبفخر كبير- الهبّورة لعمو".

- استرسال العمّو، مقترباً ومحركاً بإصبعي الإبهام والسبابة، يمد يده على الهبّورة ويقرصها بتباهٍ، ثم يقهقه. 

- وممكن طبعاً أن تجتمع كل هذه الاحتمالات أعلاه لأنه "كتير حماس هالطقس عنجد ياي".

عندها، يستحي الولد ويهرب إلى غرفة أخرى، ما يُعدّ ردة فعل طبيعية، لا بل صحية.

من يستفيد من التطمن على الهبّورة؟

الأب، الذي يفتخر لأن "إجاه صبي" فيعرض ذكوريته، أو بالأحرى يعوّض عن النقص في رجولته من خلال رجولة ابنه غير البالغ حتى الآن. والعمّو، الذي يتلذذ بانحراف البيدوفيليا خاصته، مع سماح الأهل، في إطار مقبول اجتماعياً، ويبقى السؤال: لماذا البابا لا يفرجي هبّورته للعمو ويسطفلو ببعض، ويقيسوا ويقارنوا ويلعبوا بهم كسيوف "Star Wars"؟

إنما، في حال لم يُطلب منكم أن تفرجوا الهبّورة لعمو، لأن ليس لديكم هبّورة أو لأن حظكم حلو، لا بد أنه قد طُلب منكم أن "تروحو تبوسو الطانت، عيب".

نطلب من القرّاء عدم تقبيل الأولاد قبل التأكد مع الولد إذا ما كان موافقاً على تبادل القبل، فحتى لمداعبة كلاب الآخرين، نحن نطلب الإذن، فلماذا لا نطلب الإذن بتقبيل الولد؟ 

من على هذا المنبر، نطلب من الأهل عدم الإصرار على طلب إعطاء أو أخذ القبلات من أي أحد، لا قريب ولا بعيد، ونطلب من القرّاء عدم تقبيل الأولاد قبل التأكد مع الولد إذا ما كان موافقاً على تبادل القبل، فحتى لمداعبة كلاب الآخرين، نحن نطلب الإذن، فلماذا لا نطلب الإذن بتقبيل الولد؟

رأيت مرّة على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع من أرشيف برنامج "الأول عال LBC". كان رياض شرارة يجول القرى ويطرح ألعاباً ومسابقات مع أهالي الضيع. في هذا الفيديو، نراه يحدث طفلاً شعره طويل بعمر ال4 سنوات، يسأله ما إذا كان صبياً أو بنتاً. يقول الصبي إنه صبي، ولكن يسمح رياض شرارة لنفسه بفتح البنطلون وكبّ نظرة على أعضاء الولد الحميمة: "هات لنتأكد... آه لا والله مظبوط، صبي"، كل هذا أمام المئات من الحاضرين وملايين المشاهدين. عادي. مرسي عمو رياض، طمّنتنا.

قد يستغرب البعض أن التحرش والاغتصاب وضعوا في نفس الإطار مع مزحة "العمو" الثقيلة ومع قبلة "الطانت" اللزجة، ولكن رسم الحدود حول حرمة الجسد لدى الولد، وكما هو يريدها، يبدأ بأصغر الأفعال.

يبدأ الأمل بالتفسير ووضع الكلام على التابوهات والمحرمات. يبدأ الأمل بالتوعية، بتنبيه الأطفال أن أجسادهم ملك لهم، وألا يتواجدوا مع شخص بالغ في غرفة بابها مغلق. يبدأ الأمل بتعليم الطفل أنه ما من سرّ عليه أن يكتمه كما طُلب منه. يبدأ الأمل بتمضية الوقت مع الأولاد، والاستماع والانتباه لما يقولون، وما لا يقولون. يبدأ الأمل مع كل ولد يرفض أن يلمسه شخص بالغ دون إذنه، ومع كل أب وأم يحترمان قرار ولدهما. واليوم، أكثر من أي يوم، نحن بحاجة لبعض الأمل، وبعض الاحترام واللطف، الكثير من اللطف. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image