من سمات عصور ما بعد الحداثة أن يركض المرء بلا توقف، وبلا ضمانات لتحقق ما يسعى إليه. وفي عصور البث المباشر للحروب وانهيار المصطلحات الكبرى لحقوق الإنسان ودحض الظلم ونصرة المظلوم نعيش هذه الأيام.
نعيش في عالمنا الثالث إمّا حروباً لا تنتهي، أو تفقيراً وتصحيراً متعمدين بسبب سياسات الحكومات العربية أو الديون الكبرى وضرائب ليس للفرد منا أي دخل فيها. كل هذا يدفع البشر للانهيار النفسي والمعنوي، ويُشتت المساعي الكبرى للإنسان سواء كان مدعوماً بوازع ديني أو فلسفي يسعى من خلاله لتحقيق ذاته التي تسحقها نظم دكتاتورية أو رأسمالية لا تصنع منا إلا آلات مدجنة، ومدججة بالشعور العارم بالعار والخيبة. كل هذا يجعل نسب الفشل أكبر من نسب النجاح، ونسب الاخفاق في الاستمرار أكبر من نسب تحقق الذات وإمكانية الاستمرار في حياة كفاعل وليس كمتفرج.
"أصله بعيد عنك مات منتحر… كافر"
يقول ستانلي غرينسبان الطبيب النفسي المختص بالعمل مع الأطفال: "قلة قليلة فحسب من الأطفال هم من ينشئون في ظروفٍ مثالية، لدرجة أنه ليس لدينا أي فكرة عما قد يكون بالضبط النمو الصحي الكامل". ويُشير الاقتباس إلى لعنات غير نهائية تتسبب بها طرق التنشئة الخاصة بنا. قد يظن البعض أن كل ما حدث في الماضي وانتهى أمر يمكن التسامح معه، ولكن الأبحاث العلمية كلها في مجال الطب النفسي تنفي هذا الافتراض، وتُضيف أن كل ما حدث قديماً يكاد أن يكون هو سبب كل ما نحن عليه الآن سواء قبلنا هذه الحقيقة أم لا.
عالم نفس: "قلة قليلة فحسب من الأطفال هم من ينشئون في ظروف مثالية، لدرجة أنه ليس لدينا أي فكرة عما قد يكون بالضبط النمو الصحي الكامل".
يوضح أنطونيو داماسيو الطبيب وعالم الأعصاب: "عندما ننظر إلى أي دارة من الدارات العصبية في مخ المرء البالغ في لحظة ما من حياته، سنجد أنها فريدة ومميزة ولا تشبه غيرها، وتعكس تماماً تاريخ حياة صاحبها والظروف التي عاش فيها".
هذه التحليلات تهتم بالتاريخ المرضي لضحايا الاكتئاب والانتحار، فغالباً لا نرى من حيوات هؤلاء إلا الجوانب المشرقة كما في حالات المشاهير ونجوم السينما والمجتمع، وفي حياتنا اليومية التي نلتقي فيها بأصدقاء وزملاء عمل وزملاء دراسة قد لا نلاحظ عليهم أي علة، ولكننا نفجع حينما يصلنا خبر وفاتهم مصحوباً بتكتم كبير حول سبب الوفاة الذي يتم تداوله سراً "أصله بعيد عنك مات منتحر/كافر". هذا الجزم المدفوع بموروث عقائدي ديني أو شعبي بكفر المنتحر هو ما يتسبب في طمس البيانات الحقيقية لعدد ضحايا الاكتئاب والعلل النفسية الأخرى التي يقرر أصحابها ترك الحياة والهرب من الباب الخلفي.
يقول د. غابور ماتيه الطبيب وعالم النفس المجري الكندي الذي مارس الطب النفسي والسريري لأربعين عاماً في كتابه "عقول مشتتة" الصادر عن دار "عصير الكتب" من ترجمة أحمد السعدني: "بعض البشر شديدو الحساسية، فمحفز أو باعث بسيط، أو باعث قد يراه الآخرون بسيطاً، قد يستثير إليهم رد فعل عنيف".
ربما يشمل هذا الاقتباس بعض الإشارات والتفسيرات لأفعال يومية، ولكنه أيضاً يُؤكد ما قاله عالم النفس النمساوي الأشهر سيغموند فرويد في بحثه الحداد والسوداوية: "إن حب الأنا هو الدافع البدائي الأول للبقاء على قيد الحياة، وهو دافع قوي جداً تنبع منه الشهوة الجنسية الجارفة للمحافظة على النوع، التي تظهر جلية إذا ظهر ما يهدد حياة الفرد، ولذلك لا يمكننا أن نفهم كيف تسعى الأنا لتدمير ذاتها.
بعض الفرضيات تقول بأن فكرة الانتحار التي قد تحاور الفرد تأتي من رغبته في إيذاء غيره دون أن يتاح له ذلك فترتد الرغبة في إيذاء ذاته، لكننا لا نعلم حتى الآن ماهية العوامل التي قد تجتمع وتدفع الفرد إلى تنفيذ هذه الافكار بالفعل، لكن تحليل الكآبة الآن يُظهر أن الأنا لا يمكن أن تقتل نفسها إلا إذا تحولت إلى هدف للطاقة العدائية المرتدة إليها من الموضوع الآخر في العالم الخارجي والذي كان هدفاً لطاقة الأنا في السابق، وفي خلال هذا الارتداد يكتسب الموضوع طاقة أكبر من طاقة الأنا ذاتها، فيتمكن من السيطرة عليها، ويتضح ذلك في حالتين متناقضتين تماماً، حالة الحب الجارف وحالة الانتحار، وإن كان تعبير الأنا مختلفاً في الحالتين.
"دماغي يوجه اللوم لي"
يقول سامح (22 عاماً) وهو اسم مستعار عن أول زيارة له للطبيب النفسي: "تم تشخيصي في شهر أيلول/ سبتمبر 2022 بعد إصابتي بنوبات هلع وتنميل عام في الجسم، عقب سؤالين فقط شخصني الطبيب باكتئاب جسيم MDD وهلع، وبعد أكثر من جلسة شرح لي الطبيب طبيعة مرضي وأكد على فعالية العلاج في إعادة ضبط كيمياء المخ".
غالباً لا نرى من حيوات المكتئبين إلا الجوانب المشرقة فقد نلتقي في حياتنا اليومية بأصدقاء وزملاء عمل وزملاء دراسة لا نلاحظ عليهم أي علة، ولكننا نفجع حينما يصلنا خبر وفاتهم مصحوباً بتكتم كبير حول السبب الذي يتم تداوله سراً "أصله بعيد عنك مات منتحر، كافر".
أما عن أوقات العجز، فيُجيب: "في بعض الأوقات أفقد القدرة على المواكبة، أترك عملي واتوقف عن تناول الدواء ولا أذهب للطبيب بسبب الحالة المادية -نظراً لارتفاع تكاليف زيارة الطبيب والعلاج- في بداية الانتكاس لا أشعر بأن الأمور تذهب للأسوأ، يومين أو ثلاثة ثم تبدأ الأفكار الانتحارية بالعودة إلى رأسي وتبدأ مشاعر الذنب في السيطرة عليّ ويبدأ دماغي في توجيه اللوم لي، ومع الخوف من فقدان السيطرة والسير نحو الجنون أبدأ الدائرة من جديد، فأزور الطبيب ونعيد ترتيب جرعات الأدوية ومواعيد الزيارة".
أرقام عربية مؤسفة
في تقرير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان عن مصر في الربع الأول لعام 2022، تبين تسجيل 127 حالة انتحار و 16 محاولة في ازدياد ملحوظ عن السنوات التي سبقت هذه السنة. وقد جاء الذكور غير المتزوجين ومن الطلبة الجامعيين في المرتبة الأولى ثم ربات المنازل في المرتبة الثانية.
وترجع الأسباب بحسب "مرصد الأزهر الشريف" الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2022 للعنف الأسري وغياب الوازع الديني والابتزاز الالكتروني -في حالة انتحار الفتيات- وسوء ظروف المعيشة، كل هذا بالإضافة لضغوط العمل في حالة انتحار الموظفين أو ضغوط الدراسة في حالة الطلبة في الثانوية العامة أو الجامعات، كل هذا يُشكل ضغطاً كبيراً على قوام المجتمع المتأزم في أوضاعه السياسية والاقتصادية بسبب الأوضاع العالمية.
جاءت مصر الأولى عربياً في ارتفاع معدلات الانتحار بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية عام 2019 وعام 2021، ووفقاً للتقرير العالمي للانتحار في العالم في عام 2019، فإن أكثر من 77% من حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. بينما في لبنان فإن معدلات الانتحار ارتفعت في 2023 عن العام الذي سبقه بنسبة 16 % بحسب تقرير "الدولية للمعلومات" وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية لبنانية، ويرجع السبب لتردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان وتدهور الحالة الاجتماعية على خلفية فقدان الليرة اللبنانية لـ 95 % من قيمتها الأساسية.
بينما احتل العراق المرتبة الثالثة عشرة في ترتيب الدول العربية من حيث عدد حالات الانتحار عام 2023 بحسب تقرير مجلة "ceoworld" الأمريكية، مع الإشارة إلى أنه شهد ارتفاعاً غير مسبوق على مدار الأعوام الماضية بنسبة مضاعفة تقريباً بحسب تقرير تم نشره بتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر عام 2023 على موقع دبي العربية.
إكرام الميت دفنه
لا يمكن أن نقرأ أرقاماً مثل هذه بدقة في ظل تعتيم عربي دائم على حالات الانتحار خوفًا من النبذ الاجتماعي للأسرة أو من الملاحقة الجنائية للبحث عن أسباب الوفاة والتأكد من عدم وجود شبهة جنائية، وهو ما يستدعي تشريح الجثة مما يعني وصمة اجتماعية أخرى للراحل وأهله لأنه في بلادنا "إكرام الميت دفنه" وهذا أهم من أسباب الوفاة أو دوافع الانتحار، ولأن "الحي أبقى من الميت" فما يتبع الوفاة هو إخفاء تام لسيرة الراحل.
تقول د. ولاء عبدالصبور استشارية العلاج النفسي لرصيف22: "الضغوط النفسية هي تلك الأحداث الخارجية الضاغطة على الفرد، والتي تسبب له إحساساً بالتوتر وعندما تزداد حدة هذه الضغوط، فإنها تفقد الإنسان قدرته على التوازن، والضغط النفسي قد ينشأ داخل الشخص نتيجة الأزمات التى يعيشها والتفكير السلبي وقد يكون خارجي المنشأ مثل الإصابة بمرض مزمن أو فقدان وظيفة أو دخول الفرد فى صراع مع أحد الأشخاص أو الدخول فى بعض المشاكل النفسية والأسرية، ونتيجة لهذه الضغوط قد تنشأ بعض الأعراض النفسية والجسدية مثل صعوبة التركيز والقلق والتوتر وسرعة الغضب والشعور بعدم الراحة وبعض الأعراض السلوكية مثل قضم الأظافر والتحدث بصوت عال وإلقاء اللوم على الآخرين وأيضاً زيادة سرعة ضربات القلب وتشنج العضلات وزيادة سرعة التنفس وجفاف الحلق وتصبب العرق والإحساس باضطراب فى المعدة".
بين الطب النفسي والموروث
"إذا مُنعنا من تعلم قول لا، فقد تضطر أجسادنا إلى قولها نيابة عنَّا في النهاية".
يؤكد الطبيب المجري الكندي "جابور ماتيه" في كتابه "حينما يقول الجسد لا" الصادر عن دار عصير الكتب ومن ترجمة "إيمان سعودي" على أهمية التصالح مع الماضي بمحاولة فهمه وتفكيكه، والاعتماد على الطب النفسي كمصدر رئيسي بالإضافة لرفع الوعي الفردي والجمعي بحقيقة الصدمات النفسية سواء كان مصدرها طفولة مشوهة أو ظروف حياتية يومية صعبة في حياة القانون الأول لها منذ البداية هو التغير والتطور.
يسعى غابور ماتيه لترسيخ قيمة "لا" في مقابل كلمة "نعم" التي تحصل على القبول الإجتماعي الكاسح بينما "لا" تشير وتحفز النفور. ويؤكد أهمية قول "لا" أمام كل ما يؤدي للضغط العصبي والنفسي المزمن الذي يؤدي إلى النهاية الظلامية. في الكتاب يذكر جابور أمثلة لا حصر لها من الأمراض المزمنة المستعصية التي ظهرت في عصر الآلة السريع بسبب سعي الإنسان البشري للكمال الآلي، ويؤكد في كتابه على أهمية الوعي الفردي وتحليل الفرد منا لكل ما يشعر به داخليًا على الصعيد الـ"فسيوعصبي".
وفقاً للتقرير العالمي للانتحار في العالم في عام 2019، فإن أكثر من 77% من حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ترى الدكتورة عبد الصبور أنه للتعامل مع الضغوط النفسية يجب أولاً تصحيح أخطاء التفكير حيث يعتنق بعض الأشخاص من حين لآخر بعض الأفكار السلبية نتيجة للمواقف التى يمرون بها وهذه الأفكار تؤثر على الشخص وعلى نظرته لتلك المواقف ، فينظر لها بطريقة سلبية وبالتالى زيادة الضيق والضغط النفسي، وثانياً يجب تعليم الشخص مهارة تأكيد الذات والقدرة على قول كلمة لا عند الضرورة ، فهناك بعض الأشخاص ذوى الشخصية الضعيفة لايستطيعون الرفض عندما يطلب منهم الأشخاص الأخرون بعض الأشياء أو المهام التى تفوق قدراتهم وبالتالى يزداد الضغط لديهم ومن الأشياء التى تزيد من الضغط النفسي هو كثرة تفكير الشخص فى المشكلة عندما تواجهه مشكلة ما لذلك لكى نخفف من هذا الضغط يجب عليه التفكير فى الحل وذلك بوضع خطة مناسبة. كما أن ممارسة الرياضة وأخذ قسط كافى من النوم ومشاركة الأصدقاء المقربين الحديث فى الأحداث المسببة للضغوط والحصول على الدعم النفسي من الأشياء التى تقلل الضغوط.
كيف ننجو من الصدمات؟
في الفيلم التسجيلي "The Wisdom of Trauma" الذي يتناول حياة عدة أشخاص يعانون من الاكتئاب، والإدمان، أو القلق، تتحدث امرأة عن فقدانها لوالدها في سن الـ10، تقول إنها تربت في الشوارع وإنها لم تكن تخشى القانون. ما الفارق بين العيش مشرداً أو مسجوناً؟ تجيب هي بأنه لا أحد سيفتقدها.
يقول غابور ماتيه: "للطفل حاجتان أساسيتان، حاجة واحدة منذ الصغر وهي أمر مطلق وغير قابل للتفاوض، وهو التعلق. وبالتالي فإن الحاجة الأخرى هي الأصالة. الأصالة هي الارتباط بأنفسنا، لأنه بدون أصالة، دون اتصال بمشاعرنا الغريزية فقط كم من الوقت يمكنك البقاء على قيد الحياة هناك في الطبيعة؟".
ويؤكد في كتابه "عقول مشتتة" أن الارتباط العاطفي ببساطة يعني حاجتنا إلى أن تكون في علاقة وثيقة مع شخص ما آخر. ويعبر النزوع إلى الارتباط العاطفي عن الحاجة الماسة لدى صغير الإنسان الهش والضعيف إلى أن يكون في علاقة حميمية آمنة مع شخص واحد على الأقل، شخص يمثل له صورة الأم، شخص يشمله بحمايته، ويكون متاحًا له طوال الوقت.
يتذكر غابور نفسه، الطفل اليهودي الذي وُلد في بودابست في يناير/كانون الثاني من عام 1944 قبل شهرين ونصف من وقوع المجر تحت الاحتلال الألماني النازي ويُعيد نشر مذكرات والدته التي كتبتها تحت هلع ورعب الموت حرقًا أو فقدان ابنها الأول. من المذكرات ينشر صدمات تتالت على عائلته سببت له اضطرابات عديدة فيما لم يعرف حقيقتها كلها رغم كونه طبيباً ذائع الصيت إلا في مراحل متأخرة من حياته.
لا يحتاج الدماغ البشري لوعي كامل لتلقي الصدمات وتخزينها، ولا حتى يستوجب نمو هذا الدماغ البشري بالكامل حتى يبدأ في تخزين المعلومات لأن الأبحاث التي تُشير لاكتمال ثلاثة أرباع الدماغ البشري خارج الرحم في مراحل النمو المتعددة وصولًا لمرحلة البلوغ تؤكد على حقيقة أنه ومنذ اليوم الأول يمكن أن يتعرض الطفل لصدمات وتفاعلات كيميائية ضارة تترسخ في القشرة الدماغية وتُولد ردود فعل جاهزة تؤدي بدورها لعلل واضطرابات فيما بعد.
يقول دكتور "دانيل جيه سيجيل" طبيب الأطفال النفسي بجامعة جنوب كاليفورنيا بلوس أنجلوس: "بداية من سنوات الطفل الأولى، يبدو أن قدرتنا على تنظيم حالاتنا العاطفية إنما تعتمد على شعورنا بأن الشخص الأهم في حياتنا قادرٌ هو الآخر، في الوقت نفسه، على تنظيم حالاته العاطفية". التحليل النفسي هو أحد أبرز سمات العلاج البيولوجي الحديث وهو معني بسجل مرضي غير مدون في السجلات التاريخية الخاصة بالأمراض البيولوجية، سجل متراكم من ردود الفعل السلبية غير المعلنة والتفاعلات الكيميائية المزمنة نتيجة التوتر والضغط العصبي تؤدي في انهيارات متلاحقة تبدو أحيانًا بلا سبب. ويؤكد جابور في كتابه عقول مشتتة على: "إذ نجد أن الطب النفسي الحديث يصغي أكثر من اللازم إلى البروزاك أكثر مما يصغي إلى البشر، وعليه، أرى أنه يجب أن نولي حياة البشر وتجاربهم الماضية اهتماماً لا يقل عن الاهتمام الذي نوليه لكيمياء أدمغتهم".
لا يمكن فصل المريض عن البيئة التي يعيش فيها، وكذلك لا يمكننا فصل أجهزتنا الحيوية عن البيئة -الجسد- التي تعيش فيه، لذا فإن كل هذا العدد غير النهائي من الخلايا والتفاعلات الكيميائية لا يمكن أن لا يؤثر على صاحبه.
يرى بعض علماء النفس أن الطب النفسي الحديث يصغي أكثر من اللازم إلى البروزاك أكثر مما يصغي إلى البشر، وأنه يجب أن نولي حياة البشر وتجاربهم الماضية اهتماماً لا يقل عن الاهتمام الذي نوليه لكيمياء أدمغتهم، إذ لا يمكن فصل المريض عن البيئة التي يعيش فيه
وتتحدث د. نشوى صلاح الكاتبة واستشارية الصحة النفسية والحاصلة على شهادة الدكتوراة من جامعة أوستن في العلاج المعرفي السلوكي لرصيف22 عن كيفية التخلص من الضغوط المزمنة، تقول: "يجب التعرف على ما يُسبب هذا الضغط وهذه المشاعر السلبية ومن ثم التحرر منها لأنها قد تُسبب الانهيار، وللضغط النفسي أعراض جانبية عديدة تظهر في صور جلد ذات، عدم ثقة بالنفس، الشعور بالغضب، وعدم تقبل الرفض، لذا فالمهمة الأولى هي محاولة التعرف على طبيعة هذه المشاعر التي تسبب الضغط وهل هي أسباب داخلية أم خارجية".
وتختم: "يجب على المرء التمتع بالقدرة على إدارة الأزمات والتدّرب على التحمل وزيادة الصلابة النفسية حتى ينجو من الضغوط".
العلاج بالفن
أما أخصائية العلاج بالفن شروق رأفت فتقول لرصيف22: "الدراسات والأبحاث المختلفة تقول إنه عندما ننخرط في صناعة الفن، فإنه يساعد الجهاز العصبي على الاسترخاء، وإن المستويات الكيميائية في الدماغ ستنخفض وتسبب الاسترخاء للعديد من الناس ، مما يساعد أيضًا على تهدئة الجهاز العصبي".
وتضيف: "الفن وسيلة الشخص للتعبير عن نفسه بدون الحاجة إلى الكلام، لعجزنا أحيانًا عن الحديث في بعض الأمور وعجزنا عن تحديد مشاعرنا تجاهها وهنا دور العلاج بالفن".
من المتعارف عليه في العلاج بالفن بشكل عام إنه حينما ينخرط الشخص في عمل شيء إبداعي -حتى لو بدون غرض لإنتاج فن عظيم- بمجرد انخراطه في العملية الإبداعية يتم تعزيز اليقظة الذهنية لديه مما يساعد جسده على الاسترخاء وتقليل مستويات التوتر لديه. تؤكد شروق رأفت أن الهدف من العلاج بالفن ليس هدفه الأسمى هو إنتاج فن عظيم أو إعداد فنان محترف ولكن الهدف هو مساعدة الآخرين على التعبير عن أنفسهم بشكل أكبر وبطريقة صحية.
وتختم رأفت: "لا توجد نصيحة واحدة ولا طريقة واحدة للنجاة، ولكن المحاولات قد تختلف من شخص لآخر، وقد تنجح ما دمنا نسعى لعلاج ما حدث وليس تجاهله لأن ميراثنا الحضاري البشري الذي أثبت أن النجاة قديمًا لم تكن فردية إذ يمكن الإضافة إليه أيضاً أن النجاة لا يمكن أن تكون في معزل إدراك حقيقتنا الداخلية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...