شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
انتخابات بلديات شمال شرق سوريا... تأسيس للديمقراطية أم تعميق للانقسام؟

انتخابات بلديات شمال شرق سوريا... تأسيس للديمقراطية أم تعميق للانقسام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات العامة

الاثنين 13 مايو 202404:52 م

غيّرت الإدارة الذاتية في هيكلية وتسميات مؤسساتها وفقاً لـ"العقد الاجتماعي الجديد" الذي أصدرته في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023، ومن بنودها إجراء انتخابات المجالس والبلديات وغيرها. وصادق مجلس الشعوب الديمقراطي على قانون الانتخابات وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات البالغ عددهم 20، والتي بدورها أعلنت عن إجراء انتخابات للبلديات والبالغة عددها 121، ووفقاً لقانون الانتخابات فإن كل منطقة يبلغ عدد سكانها أو يزيد عن 10 آلاف نسمة يحق لها الحصول على بلدية خاصة بها.

مصدر في المفوضية العليا للانتخابات تحدث لرصيف22 شريطة عدم ذكر اسمه قال إن "الانتخابات نوعية وستجري في 7 مقاطعات وهي عفرين والشهباء، منبج، الفرات، الرقة، الطبقة، دير الزور، الجزيرة".

وقد سبق أن أجرت الإدارة الذاتية التي أعلنت في 21 كانون الثاني/يناير 2014 انتخابات للبلديات في 13 شباط/فبراير 2015، كما أجريت انتخابات لمجالس الأحياء في 22 ايلول/سبتمبر 2017، وفي الأول من كانون الأول/ ديسمبر تمت انتخابات للبلديات، وسط إصرار الأطراف السياسية على المقاطعة، وتباين المواقف والآراء حيال مستوى الخدمات المقدمة، ومؤشرات الديمقراطية، وإمكانية بروز نمط جديد من مستويات المعيشة من عدمه، أو ما ستغيره الانتخابات البلدية في مناطق الإدارة الذاتية بناء على تجربة الحكم طيلة الأعوام الماضية.

مواقف القوى السياسية

سكرتير حزب السلام الديمقراطي، أحد أحزاب الإدارة الذاتية، طلال محمد، وهو أحد المشاركين في كتابة العقد الاجتماعي، يقول لرصيف22 إن الجديد في هذه الانتخابات والذي يُمكن التعويل عليه أنه "يتم تأسيس نظام بلدي جديد في مناطق شمال شرقي سوريا، ويعتمد على استقلالية البلديات وتوسيع دائرة صلاحياتها".

ورغم جمود الملف السوري والانقسام الجغرافي والسياسي على كامل الجغرافية السورية لكن طلال يدعو إلى "عدم ربط مصير المنطقة بتشابك الملفات داخل الأزمة السورية، كي لا تصبح منطقة فاقدة للقانون تقودها الميليشيات كما حدث لغيرها" على حد تعبيره، مُختتماً حديثه بالقول: "هذه الانتخابات تثبت أننا نستطيع تأسيس مشروع جامع على مستوى الخدمات الإدارية والحوكمية، بل وأكثر من ذلك استطعنا لملمة قوى سياسية سوريا مؤمنة بالحل السياسي ضمن مجلس سوريا الديمقراطية". 

غيّرت الإدارة الذاتية في هيكلية مؤسساتها وفقاً لـ"العقد الاجتماعي الجديد"، ومن بنوده إجراء انتخابات المجالس والبلديات. وقد صادق مجلس الشعوب الديمقراطي على قانون الانتخابات وكذلك أعضاء المفوضية العليا للانتخابات والتي بدورها أعلنت عن إجراء انتخابات البلديات والبالغة عددها 121

بينما يقول الأكاديمي الكردي فريد سعدون لرصيف22: "تيجة للتجارب السابقة وحالة الجمود في العلاقات بين الإدارة الذاتية وأطراف سياسية تقليدية وتاريخية في المنطقة، والرافضة للمشاركة في الانتخابات أو الانضمام للإدارة الذاتية بشكلها الحالي دون اتفاقات مكتوبة وبرقابة دولية، فإن الإدارة الذاتية كانت تعلم جيداً رفض الأطراف السياسية الأخرى مثل المجلس الوطني الكردي، والمنظمة الأثورية الديمقراطية، والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، المشاركة في الانتخابات، رغم ذلك دفعت باتجاه إجرائها.

من جهته، يؤكد الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني الكوردي فيصل يوسف أن موقفهم من الانتخابات وعموم العلاقة السياسية والإدارية يقوم على "توافق شامل في العلاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وليس محصوراً في مسألة الانتخابات البلدية بمفردها، بل صياغة رؤية سياسية مشتركة حول الوضع السوري العام وسبل حل القضية الكردية، وبناء مرجعية كردية عليا وشراكة حقيقية في الإدارة للمناطق الكردية عفرين كوباني الجزيرة، ومنها سبل الدفاع عن الأهالي في مواجهة اي اعتداء مفترض، ولكنهم حالياً لن يُشاركوا في هذه الانتخابات".

ويرى أن الشراكة الحقيقية "كانت ولا تزال محور المناقشات للوصول لاتفاقية بين المجلس و أحزاب الإدارة الذاتية؛ كي تضع الأسس والضوابط للعمل الكردي المشترك في إطار سوريا منشودة لكل أبنائها" وحول تفرد الإدارة الذاتية بإجراء الانتخابات في ظل ظروف، من الممكن إنها لن تأتي بجديد عن الأعوام السابقة.

يقول يوسف: "أفضل الحلول يقوم على تشارك المكونات في إدارة المنطقة، على خلاف المراحل السابقة، وأنهم كمجلس كردي يهمهم الموقف الكردي الموحد وإتمام المفاوضات التي جرت برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أقرت في حينها بضمان تنفيذ أية اتفاقية بين الطرفين وبمشاركة مظلوم عبدي".

وشرح موقف المجلس الكردي حول أفضل الحلول لإدارة المنطقة بشكل جديد بعيداً عن التفرد أو مشاريع لن تقدم أيّ جديد يكمن في "ضرورة حل سياسي للأزمة القائمة للبلاد وفق القرار الدولي 2254 وبيان جنيف 1، وإلى حين ذلك فالحاجة الملحة للشعب الكردي هي حمايته والدفاع عن مصالحه وتعزيز العلاقة مع المكونات الأخرى في إطار الإتيان بنظام الحكم الديمقراطي التداولي، وبناء سوريا دولة اتحادية يتمتع فيها الكرد وغيرهم بحقوقهم دون إقصاء أو إلغاء". 

رأي أكاديمي: "الإدارة الذاتية كانت تعلم جيداً رفض الأطراف السياسية الأخرى  المشاركة في الانتخابات، ورغم ذلك دفعت باتجاه إجرائها"

من جهتها فإن المنظمة الأثورية في سوريا، وهي عضوة في الائتلاف السوري المعارض وتتخذ من القامشلي مقراً أساسياً لها، تُعيد عبر نائب رئيسها السيد بشير سعدي سبب رفضهم المشاركة في الانتخابات إلى كونها خاصة بمؤسسات الإدارة الذاتية، على اعتبارها سلطة أمر واقع.

يقول: "المشاركة في هذه الانتخابات يعني الاعتراف بشرعية هذه الإدارة، ونحن غير معترفين بشرعيتها ونتعامل معها كسلطة أمر واقع".

ويكمل سعدي أن هذه الانتخابات "لن تأتي بأيّ شيءً جديد، ولا يوجد ما يستدعي إجراء الانتخابات أساساَ، وربما هي محاولة لاكتساب ما يمكن أن ندعوه شرعية الأمر الواقع" للإدارة"، مضيفاً: "كما جرت قبل هذه الانتخابات دورتين سابقتين، ستتكرر الحالة دون أن يحصل نتيجتها أي تطور نحو الأفضل، ولا يُمكن القول إن هذه الانتخابات مؤشر على ديمقراطية الحياة السياسية في المنطقة".

وعن الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، وهو خارج جميع الأطر السياسية الموجودة، تقول عضوة المكتب السياسي ميديا عكو لرصيف22: "هذه الانتخابات لن تأتي بجديد، وهي سابقة لأوانها، وكان يجب أن تقوم في مرحلة ما بعد تسوية الأوضاع العامة في سوريا، وتحديد شكل الحكومة ونظامها". مضيفة: " كان الأفضل للإدارة الذاتية السعي لإشراك جميع المكونات والأطراف السياسية في أيّة انتخابات جارية، خاصة بوجود العديد من الأحزاب السياسية غير المنضوية تحت سلطة الإدارة الذاتية، والتي لم تشارك في إعداد العقد الاجتماعي والذي منه انبثقت منه غالبية قوانين الإدارة الذاتية، ومن ضمنها انتخابات البلدية، وعوضاً عن ذلك لجأت للضغط على هذه الأحزاب لترخيص نفسها لدى الإدارة، كل هذه الأمور كان لا بد من معالجتها وخلق جو من الأريحية لدى الجميع قبيل البدء بهذه الخطوة".

وتختم: "هذه الانتخابات لن تأتي بجديد، ولن تحل المشاكل، ولن توفر الخدمات، فهي لا تمثل الجميع، خاصة وأن المشاكل الأمنية والخدمية مرتبطة بسياسة الإدارة بالأساس، ووفق تصوّري فالبلديات لن تكون الحل باعتبار القرار النهائي سيكون للإدارة الذاتية نفسها".

القواعد الاجتماعية وواقع الخدمات

عبّر بعض سكان الأحياء الشعبية عن استيائهم لواقع الخدمات الموجودة، منهم المُدرّس زكريا القصاص (37عاماً) من أهالي حيّ قدوربك، يقول لرصيف22: "إن الواقع الخدمي بائس ومرير، من حيث مستويات النظافة السيئة، والانقطاع الدائم للمياه والكهرباء، والخدمات المفقودة، وغياب الرقابة على عمليات البناء وعدد الطوابق، والموافقة على العدد المسموح به، إضافة لضعف تلبية الواجبات". ويقدم أهالي الأشورية في القامشلي نموذجاً حول ذلك، إذ يقول المتقاعد حسن يوسف (65 عاماً): "منذ أشهر تمت سرقة القاطع الرئيسي لمحول الكهرباء الذي يغذي الحيّ، وطالبنا مراراً البلدية وطوارئ الكهرباء بحل المشكلة، لكن الجواب كان دوماً بأن علينا كأهالي شراء قاطع وهم سيتكفلون بالتركيب، علماً أن الثمن يتحاوز آلاف الدولارات".

رصيف22 زار كذلك الأحياء الشرقية حيث يمكن مشاهدة سوء أحوال الطرق والحفر الكثيرة التي تملؤها المياه والوحل في الشتاء، وهو حال معظم الطرق في عموم المحافظة. 

تشترك بلديات شمال شرق سوريا بشكواها الدائمة من رداءة الخدمات وضعف الأداء وغياب الشفافية والحوكمة بحسب مراقبين وسكان، وينسحب هذا الأمر على جميع القطاعات كحالة الطرق التي تعج بالحفر، وإزالة النفايات، وكذلك خدمات الماء والكهرباء. 

يقول المهندس ألان مبو: "الواقع مرير حقيقة، ندخل فصل الصيف، والقمامة تتراكم في الشوارع والأحياء، ورغم تكثيف أيام تجوال السيارات المخصصة لجمع القمامة من الأحياء، لكن لا نظافة في هذه البلاد، والواضح أن عدد السيارات قليل لذلك تتأخر في جمع القمامة، وحتى مكبها لا يبعد عن المدينة كثيراً، لذا لا يكاد يخلو مستشفى من المصابين بالأمراض الجلدية".

في حين يقول مروان حسين (47 عاماً) وهو بائع مواد تنظيف إن الوضع السياسي والعسكري العام في البلاد هو السبب في عدم تقديم الخدمات المطلوبة، ومع ذلك يجب أن تكون أفضل من ذلك.

يقول الأكاديمي فريد سعدون: "بوجود إنغلاق في الأفق السياسي للمعضلة السورية، وغياب أية بوادر للحلول، كما دفع الجمود واللامبالاة من الجهات الفاعلة للملف السوري بمعظم الأطراف السياسية للاستسلام والركون للواقع، وهذه الترتيبات هي التي تدفع الإدارة الذاتية لإجراء الانتخابات وإتمام مشاريعها السياسية والانتخابية في شمال سوريا، رغم عدم تقبل كل الأطراف لهذا النموذج، لكن الإدارة الذاتية ليست استثناء وهي تمارس ما تراه مناسباً لها و الخاضعين لسيطرتها من تدابير شؤونهم".

ويؤكد في الوقت نفسه على الفشل الإداري والحوكمي، يقول: "الأزمات لا تقتصر على الوضع السياسي فحسب، بل الخدمي والمعيشي وعلى مختلف المستويات والقطاعات من كهرباء وماء وغاز ونظافة وجودة الطرقات العامة، فهي متردية لدرجات بائسة، فمثلا تعاني القامشلي من انتشار كثيف للكلاب الشاردة في الشوارع وأغلبها تحمل مرض الجرب والذي تتسبب بإصابة الإنسان به، وكذلك الوضع الصحي والتعليم، يفلا خدمات كافية في المنطقة".

ويختتم: "في ظل كل هذا التردي لماذا إجراء الانتخابات، ما دامت البلديات لا تقدم المطلوب منها، ربما يرغبون في انتخاب هيئات وإدارات جديدة، لكن لا أعتقد أن القرارات تصدر من البلدية، بل هي قرارات سيادية تقررها القيادة السياسية التي توجه هذه الإدارات لإتمام الإجراءات ومواجهة الفساد والاختلاسات، وأمام ضعف أداء تلك القيادات، فإن أي هيئة جديدة ربما لن تقدم أكثر من 5-10% من الخدمات والواجبات، لكنها لن تغير من الوضع بشكل عام، وتالياً فإن إجراء الانتخابات بهذه النظرة السياسية والقيادات لن تقدم الجديد وبالمستوى المطلوب".

رأي قانوني

ويتحدث المحامي معاذ يوسف المتخصص في الانتخابات لرصيف22 عن" غياب أية شرعية من جهة عدم الاعتراف بها من قبل النظام السوري والذي لا يزال المجتمع الدولي يتعامل معه كونه حافظ على مؤسسات الدولة وقبل بالعملية السياسية التي دعت إليها الامم المتحدة والمجتمع الدولي، وهذا واضح في بيان جنيف والخطوط التوجيهية المتفق عليها لعملية انتقالية بقيادة سورية، أي أن ما يجري في مناطق الإدارة الذاتية وجميع مناطق سيطرة المعارضة من انتخابات وسن قوانين يجري خارج إطار الشرعية الدولية".

ويستدل يوسف على رأيه بما ورد في الفقرة (4) من القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن والذي ينص على "دعم الأمم المتحدة لانتخابات حرة ونزيهة تجري عملاً بالدستور السوري، وبالتالي لا تتمتع أية انتخابات قد تجري في سوريا بالشرعية القانونية". 

المنظمة الآثورية: "المشاركة في هذه الانتخابات يعني الاعتراف بشرعية هذه الإدارة، ونحن غير معترفين بشرعيتها ونتعامل معها كسلطة أمر واقع". 

مجيباً حول قضية التداخل بين صلاحيات بلديات الحكومة السورية ومثيلاتها للإدارة الذاتية بالقول: "ليس هناك أي قانون ينظم ذلك، و هذا حال جميع مفاصل الإدارة، فالمواطن يعاني من هذه الازدواجية المفروضة عليه: عمليتين انتخابيتين، معاملتين، ضريبتين، بلديتين، ماليتين، تجنيدين، وهكذا".

ويضيف: "في ظل هذا الوضع لا أعتقد أن إجراء أية انتخابات سيأتي بجديد، وبصرف النظر عن معايير الحوكمة والشفافية والمهنية التي تفتقدها أجهزة الإدارة الذاتية غير المؤهلة، خاصة مع غياب الاتفاق السياسي للقوى السياسية الفعالة في مناطق الإدارة الذاتية مما يعني عدم مشاركة نسبة أكثر من النصف على أقل تقدير".

وكانت المفوضية العليا للانتخابات في شمال سوريا وشرقها، قد أعلنت عن تأجيل موعد الانتخابات إلى 11 حزيران/يونيو المقبل، بدلاً من الموعد السابق في نهاية أيار/مايو الجاري، وجاء في بيانها أن الموعد الذي حددته في وقت سابق غير كافٍ لإجراء الانتخابات، لذا أجلت الموعد لإنجاح العملية الانتخابية.

وقد حاول رصيف22 الحصول على تصريح من شخصيات سياسية من الإدارة الذاتية، لكن من دون جدوى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

0:00 -0:00
Website by WhiteBeard