شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل تسهم النقاط الروسية في كبح جماح ميليشيات إيران في الجولان؟

هل تسهم النقاط الروسية في كبح جماح ميليشيات إيران في الجولان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تعيش المناطق الحدودية السورية من جهة الجولان، حالة هدوء حذر في ظل تكثيف روسيا وجودها هناك عبر تسيير دورياتها العسكرية وتثبيت نقاط مراقبة بلغت حتى الآن 14 نقطةً موزعةً على طول الخط الفاصل بين الأراضي السورية وهضبة الجولان، وتحديداً في ريف القنيطرة الغربي الملاصق لمرتفعات الجولان.

غاب الوجود الروسي عن القنيطرة بشكل فاعل بعد إخلاء قواتها نقطة التلول الحمر العسكرية شمال المحافظة منتصف 2021، ولم تعد إلى المنطقة منذ ذلك الوقت، لتتابع تقليص عدد قوّاتها ونقاط تمركزها في الجنوب السوري عموماً مع مطلع العام 2022، بعد غزوها لجارتها أوكرانيا. إلا أن اهتمامها بالجنوب السوري عاد إلى الواجهة مجدداً، وبشكل أكبر، بعد عملية "طوفان الأقصى" في غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وارتفاع حدّة التوتر بين إسرائيل والأذرع الموالية لإيران في الجنوب اللبناني والجولان المحتل الذي شهد سقوط صواريخ استهدفت مستوطنات إسرائيليةً مصدرها جنوب سورية.

حسب نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة (التابع لوزارة الدفاع الروسية)، فإن النقاط التي تمركزت فيها وحدات من الشرطة العسكرية الروسية استُحدثت على خلفية تزايد وتيرة الاستفزازات في المنطقة المنزوعة السلاح بين إسرائيل وسوريا، وبغرض مراقبة وقف إطلاق النار.

بدأت القوات الجوية الروسية بتسيير دوريات جوية على طول "خط برافو"، وهي منطقة فاصلة بين الحدود السورية-الإسرائيلية، منزوعة السلاح تُعرف بمنطقة فض الاشتباك، وترعاها الأمم المتحدة عبر قوات "اليونيفل" التابعة لها، وفق اتفاقية دولية.

يمكن للمراقب ملاحظة خروج سوريا من معادلة الصراع في غزة بضغط من روسيا التي لا ترغب في انجرار سوريا إليها. بالإضافة إلى رغبة موسكو في عدم سقوط الأراضي السورية تحت وطأة التصعيد بين طهران وتل أبيب، الأمر الذي قد يؤدي إلى تورط الروس في حرب ضد إسرائيل وحليفتها أمريكا من جهة، وتهديد وجودها من جهة أخرى على الأراضي السورية

قطع الطريق على إيران

سمح تقليص روسيا قواتها في الجنوب السوري لميليشيات إيران بالتوغل أكثر، لا سيما ضمن المناطق القريبة من الجولان الذي تعرّض لـ24 هجوماً بصواريخ ومسيّرات انطلقت من داخل الأراضي السورية منذ مطلع العام الجاري حتى نيسان/ أبريل الفائت، وهو ما "أزعج" الجانب الإسرائيلي الذي هدّد بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في حال مشاركته في الصراع الناتج عن "طوفان الأقصى".

ويمكن للمراقب ملاحظة خروج سوريا من معادلة الصراع في غزة بضغط من روسيا التي لا ترغب في انجرار سوريا إليها، إذ قال النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، إنه "لا يمكن السماح بذلك بأي شكل من الأشكال"، بالإضافة إلى رغبة موسكو في عدم سقوط الأراضي السورية تحت وطأة التصعيد بين طهران وتل أبيب، الأمر الذي قد يؤدي إلى تورط الروس في حرب ضد إسرائيل وحليفتها أمريكا من جهة، وتهديد وجودها من جهة أخرى على الأراضي السورية.

ومع اتخاذ الأطراف الموالية لإيران من الجنوب السوري منطلقاً لعمليات القصف ضد إسرائيل، أُجبرت روسيا على تكثيف نشر نقاطها على الحدود المحاذية لإسرائيل بغرض منع الميليشيات الإيرانية من الاقتراب وإعطاء ضمانة لإسرائيل بأن النظام السوري لن يدخل في الصراع مع إسرائيل بسبب حربها على غزة.

يرى الباحث في الشأن الروسي محمود حمزة، أن النقاط الروسية هي نوع من كسب أوراق جديدة في سوريا في زحمة الأحداث الجارية حالياً، فهي تريد إثبات وجودها بعد أن مرّت بظروف صعبة في أوكرانيا وتوترت علاقتها مع تل أبيب بسبب موقف الأخيرة الداعم لكييف.

ويضيف خلال حديثه إلى رصيف22، أن "روسيا تريد إيصال رسائل عدة؛ فرسالتها إلى تل أبيب فحواها طمأنتها إلى أن الروس موجودون على الحدود الفاصلة بين سوريا وإسرائيل وتالياً لا خطر يهدد الأمن القومي الإسرائيلي من هذا المكان. أما رسالتها إلى النظام فهي أن وجود موسكو يساهم إيجابياً في تهدئة الحدود وإبعاد الغضب الإسرائيلي عن الأسد المُهدد بسقوط نظامه، فيما تُختصر رسالتها إلى إيران بأن الوجود والدور الإيرانيين يجب أن يتحجما لا سيما في ظل الضربات الإسرائيلية العنيفة لمواقع الميليشيات الإيرانية".

موسكو لا تريد الصدام مع إسرائيل

يشكل الانتشار الروسي في الجنوب السوري، حالةً من الارتياح لتل أبيب، فمن المهم جداً بالنسبة للأخيرة عدم تشتيت قوتها ما بين غزة والجنوب اللبناني والجولان السوري في حال تمّ فتح جبهة منه، فيما يمكن التوجه نحو فرضية تجدد التنسيق العالي بينها وبين موسكو في محاولة لإحياء قواعد التنسيق والاتفاق الدولي المبرم في آب/ أغسطس 2018، والقاضي بإبعاد ميليشيات إيران مسافة 85 كيلومتراً عن الحدود الفاصلة بين سوريا وإسرائيل، لضمان عدم قيام تلك الميليشيات بأي عمليات عدائية ضد إسرائيل انطلاقاً من الحدود السورية.

"روسيا تريد إيصال رسائل عدة؛ فرسالتها إلى تل أبيب فحواها طمأنتها إلى أن الروس موجودون على الحدود الفاصلة بين سوريا وإسرائيل وتالياً لا خطر يهدد الأمن القومي الإسرائيلي من هذا المكان. أما رسالتها إلى النظام فهي أن وجود موسكو يساهم إيجابياً في تهدئة الحدود وإبعاد الغضب الإسرائيلي عن الأسد المُهدد بسقوط نظامه"... فما هي رسالتها إلى إيران؟

اللافت أن صحيفة "بديعوت أحرنوت" العبرية، كانت قد رأت أن هدف موسكو الحقيقي ليس المراقبة، بل عرقلة إسرائيل وردعها عن مهاجمة أهداف إيرانية، وكذلك عن أهداف لحزب الله والفلسطينيين العاملين في سوريا لصالح حزب الله، وكل ذلك تحت ستار ما يسمى بالإشراف الروسي على ما يجري على خط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا، واصفةً الخطوة الروسية بالتصعيدية في إطار "دعم موسكو للمحور الشيعي الراديكالي بقيادة إيران، مقابل دعم إيران للمجهود الحربي الروسي ضد أوكرانيا".

ولم تستطع نقاط الروس نزع فتيل معركة التصفيات المستعرة التي تنتهجها إسرائيل ضد قيادات من الصف الأول في "الحرس الثوري"، كما لم تستطع أن تمنع الجيش الإسرائيلي المتوجس من تحركات الميليشيات الإيرانية، والتي تموّه عناصرها بزي جيش النظام وتتحرك بأريحية أكبر، من تشكيل لواء إقليمي، بحسب زعم صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، سيتمركز في منطقتَي جبل الشيخ (حرمون) على الحدود السورية، وجبل الروس (مزارع شبعا) على الحدود اللبنانية، ومهمته القتال وسط التضاريس المركبة والجبلية، وكجزء من ملاءمة الاستجابة العملياتية على الحدود الشمالية.

من جهته، يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية خالد خليل، أن "هناك تنسيقاً بين الروس والإسرائيليين قائماً على إعطاء سلاح الجو الإسرائيلي مطلق الحرية بالتحرك جواً في سوريا ضد أهداف إيرانية، برغم تعرّض اتفاق الـ2018 القاضي بإبعاد الميليشيات الإيرانية مسافة 85 كيلومتراً وبضمانة روسية، لبعض الهزّات التي بلغت ذروتها مع تغيّر الموقف الإسرائيلي من حرب روسيا على أوكرانيا، وتنامي دعم تل أبيب لكييف وتماهيها مع الغرب مقابل اتخاذ موسكو موقفاً منتقداً لحرب إسرائيل على قطاع غزة".

ويستبعد خليل في حديثه إلى رصيف22، أي "استهداف لإسرائيل من جهة الجبهة السورية الخامدة في الصراع الدائر بين أذرع إيران وإسرائيل، لأن روسيا تحاول لعب دور في تسوية إقليمية شاملة ينتظرها الأسد بفارغ الصبر، بالإضافة إلى رغبتها في عدم التخلي عن النفوذ غير المسبوق لها في الشرق الأوسط وما يرافق ذلك من رغبة ملاحَظة في منع التمدد الإيراني في سوريا والتأثير على نفوذها فيها".

ولا يمكن إخفاء رغبة روسيا أيضاً بعد ارتياحها نسبياً في أوكرانيا وانخفاض الدعم الغربي لكييف، في محاولة لعب دور آخر في الحرب الإسرائيلية ضد غزة والتي يبدو أنها تتسع إقليمياً وتشهد استقطاباً عالمياً، وهذا الدور يأتي لمناكفة الولايات المتحدة الأمريكية، حسب الباحث خليل.

تأهيل الأسد

يؤكد الباحث في الشؤون العسكرية في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، أن "امتصاص روسيا للموقف الإسرائيلي الرافض للحرب الروسية على أوكرانيا والتمسك بسيادتها تجلّيا عبر التطمينات بهدوء الجبهة السورية على الحدود الشمالية مع إسرائيل، فنقيض ذلك يشكل عامل ضغط على الروس من قبل الجانبين الإسرائيلي والأمريكي".

"امتصاص روسيا للموقف الإسرائيلي الرافض للحرب الروسية على أوكرانيا والتمسك بسيادتها تجلّيا عبر التطمينات بهدوء الجبهة السورية على الحدود الشمالية مع إسرائيل، فنقيض ذلك يشكل عامل ضغط على الروس من قبل الجانبين الإسرائيلي والأمريكي"

وتسجل روسيا المختلفة مع تل أبيب على الملف الأوكراني فحسب دون الملف السوري، استثمارها بتحديد موازين اللعبة على الأراضي السورية، بين إيران والنظام وإسرائيل، إذ لا تسمح بعبث الأطراف الثلاثة بمعادلة التوازن التي صنعتها منذ تدخلها في سوريا صيف 2015، وهذا ما يفسر عدم تفعيلها نظامَي الصواريخ المتطورة "أس 300" و"أس 400" لتعطيل الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة على الميليشيات الإيرانية.

ففي كانون الثاني/ يناير 2024، وعقب اغتيال العديد من قادة الحرس الثوري الإيراني في دمشق، لمّحت صحيفة "جمهوري إسلامي" الإيرانية، إلى مسؤولية روسيا عن اغتيال القادة، متسائلةً عن سبب عدم فاعلية منظومة الدفاع الروسية "أس 400" التي تنشط في سوريا في مواجهة الهجمات الإسرائيلية.

ويمكن الذهاب سياسياً إلى أبعد من ذلك بالإشارة إلى أوراق رابحة تبحث عنها روسيا في ما يتعلق باتفاق مستقبلي بين حكومة دمشق وتل أبيب، فوفق قراءة الباحث حوراني، "الأمل قائم لدى روسيا بإعادة تأهيل الأسد والاعتراف به من قبل إسرائيل كمكافأة له على عدم مهاجمتها والنأي بنفسه عن الصراع الدائر، وتقديم صكّ اعتماد من جديد لضرورة الحفاظ عليه كضابط أمن يحرس الحدود مع إسرائيل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image