بجانب المعابد الفرعونية والشواطئ الجميلة والأماكن السياحية الأخرى، سيخبركم/ نّ المرشدون/ ات جميعهم/ نّ، بأنه لا يمكنكم/ نّ مغادرة مصر دون تجربة مأكولاتها الشعبية اللذيذة التي تعكس تنوع المطبخ المصري الذي يناسب الأذواق كلها.
في الحقيقة، لن تعرفوا/ ن بلداً تمام المعرفة، إلا إذا تذوقتم/ نّ طعامه، لذا أعددنا قائمةً تضم 6 أطباق يجب عليكم/ نّ تجربتها في مصر، ليس من بينها الكشري والفول والطعمية، لكونها أطباقاً تقليديةً تجاوزت سمعتها الحدود.
"الملوخية"
طبق غنيّ بالعديد من الفوائد الصحية، يُصنع من أوراق الملوخية المخروطة/ المفرومة مع شوربة اللحم والثوم والكزبرة.
يعود تاريخ هذا الطبق الذي يحظى بشعبية كبيرة في بلاد النيل، إلى الحضارة المصرية القديمة؛ إذ تجد أوراق الملوخية على بعض نقوش المقابر الفرعونية.
ميشيل بيريديل جونسون، وهي مؤرخة في مجال الطعام وكاتبة متخصصة في الصحة الغذائية، تقول: "عندما تتبع الجذور تجد أن الناس كانوا يأكلون الأطعمة المحلية، وما كان محلياً على طول نهر النيل هي الملوخية"، كاشفةً أن المصريين كانوا يأكلون الملوخية في العصر الفرعوني كما يأكلونها الآن: "لأن هذا هو ما يزرعونه وما يناسب نظامهم الغذائي والمناخ".
"عندما تتبع الجذور تجد أن الناس كانوا يأكلون الأطعمة المحلية، وما كان محلياً على طول نهر النيل هي الملوخية"
تخبر ماتيلد لاكومت، وهي شابة بلجيكية، رصيف22، بأنها في أول مرة وُضعت أمامها الملوخية وجدتها أكلةً "غريبةً"، وتساءلت: "ما هذا الحساء الأخضر؟"، لكنها باتت تحبها جداً اليوم وتأكلها كثيراً عند تواجدها في مصر، وتنصح أصدقاءها بتناولها عند زيارتهم القاهرة.
ويقول محمد الجزّار، مدير مطعم "صبحي كابر"، لرصيف22، إن أكثر من 90% من زوّار المطعم من العرب والأجانب، يطلبون الملوخية لأنها من أشهر الأكلات التقليدية المصرية. ويؤكد أن مذاقها يعجب غالبيتهم لذا يطلبون المزيد منها.
ويشير الجزّار إلى أن سرّ مذاق الملوخية المميز لديهم، يكمن في أنها دائماً طازجة وليست مثلّجةً: "يتم شراؤها يوماً بيوم، ويتم إعداد 'الطشة' الخاصة بها بالسمن البلدي مع قليل من زيت الذرة".
يُمكنكم/ نّ تذوق الملوخية المصرية في مطعم "البرنس" أو "صبحي كابر"، وهما من أشهر المطاعم التي تقدّم الملوخية في بلاد الفراعنة.
"الفتة"
طبق تقليدي غنيّ بنكهات مختلفة، يُصنع من الأرز واللحم والصلصة والخل والثوم وقطع الخبز المحمص. تختلف الفتة المصرية عن نظيرتها الشامية التي تتكون من مكونات أخرى كلبن الزبادي في سوريا، والدقة والليمون في فلسطين.
وبرغم أن الفتة من أشهر الأطباق المصرية التي تُقدَّم في عيد الأضحى بـ"اللحم الضاني"، لكنها حاضرة طوال السنة على مائدة المصريين/ ات، سواء بـ"اللحم الضاني" أو اللحم البقري؛ وفي الحالتين يُفضّل صنعها بلحم "الموزات" (من ساق العجل/ الخروف). ويعود أصلها إلى عصر الفراعنة، إذ يُقال إنهم أول من صنعها.
لكن هناك روايةً أخرى تفيد بأنها شامية وانتقلت إلى بلاد النيل، حيث وضع المصريون لمستهم عليها.
ترفض سميرة عبد القادر، مؤسسة مبادرة "توثيق المطبخ المصري"، الروايات التي تفيد بأن الفتة أكلة شامية انتقلت إلى مصر، وتقول إن المصريين القدماء هم أول من صنعوا الفتة، لافتةً إلى أنهم قاموا بتحميص الخبز لكي يحتفظوا به لفترات طويلة ومن بعدها ظهرت فكرة "الفتة" و"تطرية" الخبز المحمّص بالمرق.
تجربة تناول الفتة في القاهرة ستكون مثاليةً في مطعم "أبو شقرة"، الذي يُعدّ من أفضل المطاعم المصرية في إعدادها. ويتميز المطعم بأن له العديد من الفروع التي تغطي العاصمة كلها.
"الحواوشي"
أكلة مصرية أصيلة تُصنع من العيش البلدي الذي يتم حشوه باللحم البقري المفروم مع البصل والفلفل الحار وخليط من البهارات الخاصة.
ولا يدرك كثيرون/ ات من عشاق "الحواوشي"، أن الاسم يعود إلى عائلة مصرية، هي "آل حواوشي".
يقول مصطفى الحواوشي، الذي توفي في العام 2018، في تصريحات سابقة أدلى بها لأحد البرامج التلفزيونية، إن والده ابتكر رغيف الحواوشي قبل نحو مئة عام تقريباً، ولم يحصل على ملكية وبراءة اختراعه هذا، لكن المصريين خلّدوه بإطلاق اسمه عليه.
وكان رغيف "الحواوشي" في البداية محشواً بـ"البوفتيك" والكبدة، قبل أن يطوّر الابن اختراع والده، ويبتكر هو الآخر أنواعاً جديدةً من الحواوشي، محشوة بالسجق/ القلب والكلاوي/ كوكتيل من اللحوم. لكن يبقى "الحواوشي" المصنوع من اللحم المفروم هو الأشهر والمفضّل لدى معظم المصريين/ ات.
لكن مؤسسة مبادرة "توثيق المطبخ المصري"، تقول إن هذه الرواية غير صحيحة، وتؤكد لرصيف22، أن مصطفى الحواوشي أعاد صناعة وصفة مصرية قديمة ورد ذكرها في كتاب "الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب"، وهو كتاب يضم مجموعةً من وصفات الطبخ تعود للقرن الثالث عشر للمؤلف ابن العديم الحلبي.
وتوضح عبد القادر أن "الحواوشي" قديماً كان يُعرف باسم "الخبز باللحم"، وتضيف شارحةً: "ينقسم الحواوشي إلى نوعين؛ المصري والإسكندراني. والنوعان انتقلا إلى بلاد الشام في القرن الثالث عشر تقريباً"، لافتةً إلى أن الحواوشي المصري يُسمى في بلاد الشام "عرايس"، أما الحواوشي الإسكندراني فيُسمّى "لحم بعجين".
بمجرد تذوّقه، أحبّت زوي إيمانويل، وهي سائحة فرنسية، "الحواوشي"، وتشير في حديثها إلى رصيف22، إلى أن هناك توازناً جيداً بين الخبز واللحم: "لهذا هو مثالي للغاية ودائماً لذيذ وهو لا يشبه أبداً أي طعام آخر في بلدي".
لتجربة "الحواوشي"، ربما يكون الخيار المنطقي هو مطعم "الحواوشي الأصلي" المملوك لأبناء مخترع الأكلة، لكن يُعدّ "حواوشي الربيع" أفضل مطعم يقدّم "الحواوشي" في مصر حالياً. وننصحكم بألا تنسوا تغميس الحواوشي ببساطة في سلطة الطحينة التي تُقدَّم معه، إذ تعطيه مذاقاً شهياً.
لا بدّ من الإشارة إلى أن هناك نسخةً مشابهةً من "الحواوشي" المصري في فلسطين تسمّى "العرايس"، كما يوجد في لبنان "اللحم بعجين" الذي يشبه "الحواوشي".
"الحمام المحشي"
"الحمام المحشي" من أشهر الأطباق المصرية التقليدية إذ يحتل مكانةً خاصةً لدى المصريين/ ات الذين يعتقدون أنه يُمدّ الرجل بالطاقة ويعزز قدراته الجنسية، ولهذا يزيّن مائدة الرجل في ليلة زفافه.
يُصنع هذا الطبق من الحمام الذي يتم حشوه بالأرز المتبّل أو الفريك، ويضيف البعض كبدة الحمام بعد تقطيعها إلى أجزاء صغيرة، إلى الأرز عند الحشو، حيث تُعطي الطبق مذاقاً مميزاً وشهياً.
يرى حسين الدهان، مدير مطعم "الدهان" الشهير في حي الحسين العتيق، أن "الحمام المحشي" من الأطباق المصرية الأصيلة التي لا تُقدَّم خارج مصر إلا في بعض الدول العربية؛ ولهذا غالبية الأجانب الذين يزورون المطعم تكون لديهم رغبة في تجربته. يقول حسين لرصيف22: "حينما تزور المطعم مجموعة من السائحين/ ات ونعرض عليهم/ نّ قائمة الطعام ونخبرهم/ نّ عن الحمام المحشي وكيفية إعداده يطلبونه ويُعجبون به كثيراً".
ويضيف: "هم لا يريدون طعاماً يُمكنهم تناوله في بلادهم، ولكنهم يرغبون في تجربة الأطباق التي يحبّها المصريون ولهذا ننصحهم بالحمام المحشي الذي نقدّمه منذ عشرات السنين ونعدّه بالطريقة نفسها التي يُصنع بها في البيوت المصرية".
بدوره، يقول أدهم حميد، وهو فلسطيني-ألماني، لرصيف22، إن "الحمام المحشي" من أكثر الأكلات المصرية التي أحبّها خلال زيارته الوحيدة للقاهرة، تليها "الكبدة الإسكندراني" والفول بالزيت الحار. ويضيف أنه لم يُحب "الكوارع" على الإطلاق.
لتذوق "الحمام المحشي" في مصر، نرشح لكم/ نّ مطعم فرحات أو مطعم الدهان، وكلاهما في منطقة الأزهر بالقرب من مسجد الحسين وشارع المعز لدين الله الفاطمي الشهير، ولهما فروع عدة.
"الكبدة الإسكندراني"
طريقة تحضير "الكبدة الإسكندراني" واحدة من أشهر طرائق طهي الكبدة في مصر. و"الكبدة الإسكندراني" أكلة شعبية نشأت في مدينة الإسكندرية، ثم انتقلت إلى باقي المدن المصرية وتُصنع من الكبدة المقلية مع خليط من البهارات.
لا يُعرف بالتحديد تاريخ ابتكار هذه الطريقة المميزة في طهي الكبدة التي ربما تتشابه مع طرائق تحضير الكبدة في دول أخرى، لكن من المؤكد أنها لا تتجاوز في القدم تاريخ اكتشاف القارة الأمريكية التي انتقل منها الفلفل، المكوّن الرئيسي لهذه الطريقة، إلى أوروبا ومنها إلى أنحاء العالم الأخرى قبل نحو 400 عام. وهي تتميز بالتتبيلة الشهية الخاصة بها التي تتكون من مزيج من الخلّ والليمون والثوم والملح والكزبرة الناشفة والفلفل الأسود والكمون بالإضافة إلى الفلفل الحار/الحلو، كما أنها تُقدَّم مع سلطة الطحينة ولا تُضاف إليها صلصة الطماطم كما هو الحال في إيطاليا واليونان.
وبسبب المذاق الحار الذي تتمتع به، يقول محمد عبد الوهاب، وهو سائح أردني تذوق معظم الأكلات الشعبية في مصر، إنه أحبّ "الكبدة الإسكندراني" بشدة حينما جرّبها، ولهذا ينصح السائحين/ ات القادمين/ ات إلى مصر بتناولها، وكذلك ينصحهم بتذوق الكوارع مع ورق العنب والشوربة، ويرى أن "الأكل المصري في المجمل جيّد، لكن تجربته في البيوت المصرية أفضل بكثير من تجربته في المطاعم".
تعترف سميرة عبد القادر، مؤسِسة مبادرة "توثيق المطبخ المصري"، بأن "الكبدة الإسكندراني" أكلة حديثة عرفتها مصر قبل عقود وصارت تقليديةً، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أن المصريين القدماء كانوا يهتمون بطبخ كل أجزاء "الذبيحة"، ومن بينها الكبدة بطريقة مختلفة، حيث كانوا يقومون بوضعها في منديل "الذبيحة" ثم لفّها وشيّها (شوائها).
يُمكنكم/ نّ تجربة "الكبدة الإسكندراني" في مطعم "عز المنوفي" الذي يُعدّ من أشهر مطاعم الكبدة في مصر حالياً.
"الكوارع"
"الكوارع" طبق تقليدي في مصر يُصنع من كراع البقر المطبوخة في مرق غنيّ بمزيج من التوابل، ويُقدّم مع طاجن محشو بورق عنب بـ"الكوارع"، أو مع طبق آخر يُعرف باسم "فتة الكوارع"، وهي عبارة عن خبز محمّص ومغطّى بالأرز الذي تتم تسويته بشوربة "الكوارع"، ثم تضاف إليه صلصة الطماطم والثوم والخل.
وهناك روايتان عن أصل الطبق، الأولى أنه طبق تركي يعود إلى عصر الدولة العثمانية وانتقل من تركيا إلى بلاد الشام ومصر. أما الرواية الثانية فتقول إنه يعود إلى الفرعون "سخم خت"، من الأسرة الثالثة، الذي كان يحب أن يجرّب الأكلات الجديدة، فطلب من طباخه أن يخترع له أكلةً جديدةً، فقام الطباخ بتنظيف أكرع العجل وتقطيعها وأخرج منها العظم ثم طهاها جيداً، ووضع الكثير من التوابل عليها وقدّمها للملك فأُعجب بها وعدّها هديةً من الإله "رع" له.
"الحمام المحشي" من أشهر الأطباق المصرية التقليدية إذ يحتل مكانةً خاصةً لدى المصريين/ ات الذين يعتقدون أنه يُمدّ الرجل بالطاقة ويعزز قدراته الجنسية، ولهذا يزيّن مائدة الرجل في ليلة زفافه
وهنا اقترح الطاهي أن يكون اسمها "كا رع". وتعني كلمة "كا" في اللغة المصرية القديمة الروح، أما "رع" فهو اسم إله الشمس لدى المصريين القدماء.
ولتجربة "الكوارع" هناك العديد من المطاعم الشعبية الشهيرة التي تقدّم هذا الطبق أبرزها "مسمط بحة" في السيدة زينب.
أكلات تقليدية وليست تراثيةً
ترى الدكتورة هالة بركات، المتخصصة في دراسة علوم النبات والباحثة في تراث الأكلات، أنه من الصعب معرفة ماذا كان يأكل المصريون القدماء بالتحديد، لكننا نعرف ما كان موجوداً في عصرهم: "نعلم أن الملوخية كانت موجودةً في مصر القديمة، وكذلك في ليبيا وتونس والسودان ولبنان وفلسطين، لكننا لا نعرف كيف كانت تؤكل لأنه لا توجد بقايا ملوخية مكتشفة ولا وصفة لها تركها المصريون القدماء".
وتضيف لرصيف22: "لدينا عيّنات مستخرجة من المواقع/ المقابر الأثرية (حبوب/ بقايا طعام)، تخبرنا بما كان موجوداً لدى المصريين القدماء لكن لا توجد وصفات".
وبناءً على ذلك، تشدد بركات على أن الأطباق سالفة الذكر هي عبارة عن أكلات تقليدية، لأنها تمثّل أبرز ما يأكله المصريون وتقدّمه المطاعم المصرية الآن، وهذا لا يعني بالضرورة أن عمرها آلاف السنين.
بالإضافة إلى هذه الأطباق التي ذكرناها، هناك العديد من المأكولات الأخرى اللذيذة التي يُمكنكم/ نّ تناولها عند زيارتكم/ نّ مصر، مثل "الفطير المشلتت" مع العسل والجبنة القديمة، و"الكفتة"، و"البصارة"، و"الفسيخ"، و"العكاوي"، و"طاجن المكرونة بالكبدة"، و"الممبار" و"الكبدة بالردة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...