شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
بعد تسريب فيديو لعميد وطالبته في جامعة البصرة... عائلات تمنع بناتها من الدراسة الجامعية

بعد تسريب فيديو لعميد وطالبته في جامعة البصرة... عائلات تمنع بناتها من الدراسة الجامعية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 28 مارس 202404:10 م
Read in English:

Iraqi Women's Education Threatened: Fallout from University Scandal

تروي ضحى (23 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة في إحدى جامعات البصرة، قصتها لرصيف22، حين عادت إلى منزلها في منتصف الشهر الحالي، ووضعت حقيبة الكتب جانباً وهرعت إلى مساعدة والدتها في إعداد الإفطار الرمضاني، ولم يلبث شقيقها الذي كان يتصفح هاتفه أن انضم إليهما في المطبخ بمجرد أن سمع صوتها.

تقول إنه بدأ يضايق حركتها كعادته، كأن يتعمّد غسل وجهه في الحوض الخاص بغسل الخضروات. لكنها تجنبت مجادلته أو حتى الحديث معه، فيما ملامح وجهها كانت كفيلةً بالتعبير عن امتعاضها، ما دفعه للقول بلهجة حادة: "شبينا ما نعجب، لو العميد كان صعدتن على القنفة وأنتن الممنونات" (القنفة هي الأريكة).

العميد يخطئ وطالبات يدفعن الثمن

لم تفهم ضحى قصده ولا ماذا يعني، وتقول إنها لم تكترث لحديث طفل يصغرها بسبعة أعوام، قبل أن يعاود الكرّة ويقلل من احترامها بكلمات بذيئة، وحين رمقته بنظرات غاضبة تدخلت والدتها، وقمعتها ناصرةً الولد كالعادة، بحسب كلماتها.

تقول الفتاة إنها لا تملك الوقت الكافي للسوشال ميديا، وإنها في حال فعلت سيشي بها أخوها، كما يفعل في كل مرة تضع فيها الكحل، أو حين يراها تتحدث إلى السائق الذي يوصلها إلى الجامعة.

"سألت نفسي ماذا يقصد بالقنفة؟"، تقول، لكنها فسرت الأمر بأنه مجرد ولد غيور يفعل هذا كل مرة انتقاماً لفشله، لأنه لم ينجح منذ عامين. 

بعد تداول فيديو العميد الذي ابتز طالبته ومارس الجنس معها في إحدى الجامعات على أريكة مكتبه "القنفة"، قام والد ضحى بحرمانها هي وأختيها من استكمال دراستهن الجامعية، وقد فعلت كثير من العائلات مثله تجنباً للإساءة إلى السمعة 

في ذلك اليوم، كان هناك إفطار رمضاني ضم العائلة كلها، إخوتها وزوجاتهم، بالإضافة إلى عمتها، وقبل أن ينتهي الجميع من الأكل، شارك أخوها أباها مقطع فيديو العميد وهو يمارس الجنس مع إحدى طالباته، بعدما انتشر في العراق.

بدأت العائلة تتداول مقطع الفيديو حول السفرة، بينما ضحى ترفع أواني الطعام من أمامهم وترفض التدخل. حينها قام شقيقها الأكبر بسحبها من شعرها متوعداً: "والله والله والله وكل الإيمان والأقسام، إن عتّبت قدمك باب المنزل لأقطعها لك".

تقول ضحى إن العائلة بأفرادها جميعاً بدأت بمناقشة السؤال الذي فحواه: "وما أدرانا أن شقيقتنا لم يتم التحرش بها؟"، ليرد الأخ بأنه لو اشتمّ رائحة شيء من هذا القبيل، لذبحها "مع الذي يمعمع في الحديقة"، أي الخروف. حدث هذا قبل أن تنضم عمّتها إلى "محفل القمع" وتتصل بزوجها وتوصيه بأن يهاتفها بعد مشاهدة مقطع الفيديو الذي سترسله إليه.

وتشير ضحى إلى أن زوج عمتها اتصل بعد دقائق بأبيها، متوعداً إياه بأنه إن لم يمنع بناته الثلاثة من الذهاب إلى الجامعة لن يعيد عمتها إلى منزلها، وبأنه سوف يصير عاراً في العائلة لا يُردّ السلام عليه.

تصمت قليلاً، ثم تعود للحديث وهي تجهش بالبكاء، لتقول إنّ والدها أقسم على عدم عودتها إلى الجامعة، ومزق دفاتر محاضراتها، و"حين يقسم لا يعود بكلامه".

وبالبكاء تختم حديثها متحسرةً على نفسها، لأنها تعرف أن مصيرها الزواج من أحد أقاربها الذي لا يجيد فكّ الخط، لأنها تحملت أخطاء أشخاص آخرين.

الرجال على صواب دائماً!

تقول المدافعة عن حقوق المرأة سندس نعمة لرصيف22: "بطبيعة الحال، وكما تجري العادة، الرجال لا يخطئون، ويخرجون من الخطأ مثل الشعرة من العجين".

قصة ضحى التي دفعت فيها ثمن أخطاء الآخرين، محورها مقطع فيديو مصوّر تم نشره، وتناقلته كل الأوساط الإعلامية العربية والمحلية في العراق، وقد سُمّيت هذه الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"القنفة". 

ناشطة نسوية: "الغريب أن هذا الفعل حدث في رمضان، والمعروف عن هذا العميد أنه رجل ملتزم دينياً، ويقيم ندوةً شهريةً في الكلية، تمجّد الدين وفضائل الصوم والصيام ومكارم آل البيت". 

وفي تفاصيلها أن عميد كلية في جامعة البصرة مارس الجنس مع واحدة من طالباته على أريكة مكتبه الجامعي، حيث ابتزّها مقابل النجاح، لكن كاميرات المراقبة التي نسي العميد إطفاءها صوّرت الحادثة، وكانت موصولةً بهواتف ومواقع مراقبة خاصة بالجامعة. هذا ما صرّح به وزير التعليم العالي للإعلام، بعد أن اختلفت الآراء حول من هو المسؤول عن تسريب الفيديو.

وبحسب نعمة، الأكثر غرابةً هو أن "هذا الفعل حدث في شهر رمضان، والمعروف عن هذا العميد أنه رجل ملتزم دينياً، ففي كل شهر يقيم ندوةً في الكلية، تمجّد الدين وفضائل الصوم والصيام ومكارم آل البيت" .

وتضيف: "بالطبع ستتم معاقبته مجتمعياً وقانونياً، ولكن كما في كل مرة سيكون المذنب الأول والأخير الكادر النسوي في الجامعة، سواء كنّ طالبات أو موظفات".

وتقول: "بعد أن انتشر مقطع الفيديو، رصدنا عشرات من حالات العنف مختلفة الأنواع، ومنها تشويه السمعة في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن هذا الوقت هو وقت احتفالات التخرج، وهو ما تعرضت له بعض الطالبات اللواتي نشرن صور تخرجهنّ، ولا يقتصر الفعل على طالبات جامعات البصرة بل امتدت حملات التشوية إلى كل الجامعات، لتنهال التعليقات على صورة الفتاة من قبل بعض الذكوريين تنديداً بسمعتها، وحتى من بعض الفتيات اللواتي شاركن في حملات التشويه، وقد اتهمت الحملات الطالبات بأن نجاحهنّ في مسيرتهنّ العملية كان مقابل شرفهنّ على "القنفة". 

وفي المجمل كانت معظم التعليقات في هذه الحملات بأن "هذه الطالبة كانت برفقة العميد"، أو "العميد يسلم عليج"، أو من خلال نشور صورة القنفة (الأريكة) السوداء في منشوراتهن.  

بالإضافة إلى ما سبق، تم سحب صور الطالبات اللواتي تصوّرن في مناسبات قديمة مع العميد، والتعليق بأنهنّ خريجات دفعة "القنفة"، لا سيما أن العميد بمرتبة الدكتوراه وهذا يعني أنه في الجامعة منذ 15 عاماً على الأقل، وقد تعرضت أغلب طالباته للتشهير والتعليقات المسيئة".

ًوتكمل: "الموضوع لا يقتصر فقط على الطالبات بل نالت الموظفات حصةً منه، فصور الأريكة أصبحت التعليق الأبرز على منشوراتهنّ، أو أن تُسحب صورة لموظفة سواء كانت في ندوة أو مؤتمر علمي، ويتم لصق صورتها بجانب أريكة، خصوصاً أن الفتاة التي كانت تظهر مع العميد لم تتضح ملامحها في المقطع وجرى التشويش على وجهها قبل النشر، وبهذا أصبحت الطالبات جميعهنّ موضع شك".

هلع في الوسط الجامعي

تقول ربا (24 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة في كلية القانون في جامعة واسط: "مقطع الفيديو الذي انتشر كان كفيلاً بأن ينشر الهلع والخوف في الوسط الجامعي كله. قبل يومين عدت إلى منزلي من الجامعة ووجدت والدي يفتش في أغراضي، فسألته هل اختلطت قطعة من ملابسه مع ملابسي في أثناء توزيع الغسيل؟ فأجابني بنبرة عالية لم أسمعها من قبل: "طول عمري تعبان عليكم وما نزلت راسي وحده من خواتج وبجامعتج نزلتي راسي، وروحة للجامعة بعد ماكو". 

بعد انتشار الفيديو، رُصدت العشرات من حالات العنف، ومنها تشويه السمعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وامتدت الحملات إلى كل الجامعات، لتنهال التعليقات على صور الفتيات تنديداً بسمعتهن، وقد اتهمت الحملات الطالبات بأن نجاحهنّ في مسيرتهنّ العملية كان مقابل شرفهنّ على "القنفة"

وتضيف لرصيف22: "حاورت أمي التي تمتنع عن الإجابات في كل مرة، وتتملص من الموضوع بحجة خوفها من أن يحمّلها أبي مسؤولية عنادي، فطموحي بالنسبة لهم فشل وعناد، وبعد توسلاتي أجابت: 'أبوجي كان اليوم بيت عمج، وشايف مقطع فيديو لأستاذ وطالبته وتعرفين عمج وتحريضاته'".

وتتابع: "استحلفت أمي بخالي الشهيد أن تخبرني ما علاقة التفتيش في ملابسي بالموضوع، فكان ردها أن أبي كان يبحث في ملابسي كي يقارن بينها وبين ملابس الفتاة التي كانت مع العميد، وأنه أقسم على قتلي إن وجد شبهاً بينها".

وتؤكد أن والدها اطّلع على مقطع الفيديو دون أن يعرف أو يحلل في أي جامعة وقع الفعل، ودون أن يسألني، وتضيف: "لنفترض أنّ هذه الحادثة وقعت في جامعتي، كان الجدير به قبل أن ينهي طموحي أن يسألني عن تحرشات الأساتذة".

وتختم : "عرفتم الآن لماذا لا نبوح بمضايقات الأساتذة أو بمضايقات أي شخص آخر؟ لأن أرباب عائلاتنا هم أعداء لنا، ينهون مستقبلنا إن تحرش أحد بفتاة في بلاد السند، ولأننا بنات ننفذ ونصمت ولو حدث أي شيء لأحد أشقائي لتوجهت رصاصات أبي ورشاشات القبيلة صوب من مسّ شعرةً من شعره".

الحقيقة لدى الأقوى!

في هذا السياق، تقول المدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم لرصيف22: "نمر بين فترة وأخرى بمثل هذه الحوادث، وقد تعددت شكاوى الطالبات والعاملات في مختلف المجالات والمؤسسات سرّاً وعلناً، ويقع على عاتقنا حلها من خلال توعية النساء وحثّهنّ على التصدي لها، إلا أننا نفشل في كل مرة ويعلو صوت العادات القبلية السائدة بأن النساء هنّ المسببات، وأنهنّ أساس الإغراء والمسؤولات عن جرّ الرجل إلى هذه الأفعال".

وتضيف: "من واجب الجهات المسؤولة ملاحقة أصحاب الصفحات والمواقع الإلكترونية التي تشهّر بسمعة النساء، وإنزال العقوبات وغلق صفحاتهم. هذه الأفعال الشنيعة من تشهير واتهامات إن لم يوضع لها حد فسنواجه في الأيام المقبلة كوارث وانتهاكات بحق النساء لأن البيئة مهيّأة للقتل والتضييق" .

وفي هذا الجانب تقول أستاذة في جامعة عراقية: "من سخرية القدر أننا نتستر بأسماء وهمية خوفاً من الملاحقات المتعددة من الحكومة والقبيلة والعائلة".

وتضيف في حديثها لرصيف22: "من دون مبالغة، أنا على مستوى عالٍ من الدراسات العلمية، ويتحكم بي على صعيد العمل مدير قسم أو عميد، ويقرر مصير ترفيعي على أساس علاقة غير شرعية أمارسها معه، وتشرح صعوبة موقفها"القبول تصرف ضد مبادئي. والرفض يعني المراوحة في المكان نفسه دون ترقية". 

لا يقتصر التعرض للابتزاز الجنسي على الطالبات، تقول أستاذة جامعية: "من دون مبالغة، أنا على مستوى عالٍ من الدراسات العلمية، ويتحكم بي على صعيد العمل مدير قسم أو عميد، ويقرر مصير ترفيعي من عدمه على أساس علاقة غير شرعية أمارسها معه" 

أما قرارها برفع دعوى قضائية فهذا الأمر سوف يُكلّفها مالياً، بالإضافة إلى فتح جبهة من المواجهات المجتمعية والاتهامات التي لا تقوى على ردها إلا إذا تصدت عائلتها لهم ووقفت إلى جانبها، و"تخلّي عائلاتنا عنّا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت ضعاف النفوس يتوسعون في تطاولاتهم".

وتختم حديثها: "هذا الحدث الذي شهدناه في الأيام الماضية مقصود، والمراد منه التقليل من وجود النساء في الحياة العملية" .

القانون الغائب

يتفق القانوني والمحلل السياسي صفاء اللامي، مع الأستاذة الجامعية في رأيها، ويقول: "إن عائدات المصائب في قضايا التحرش تحصدها المرأة في جميع المجالات الوظيفية، والحل الأمثل هو اللجوء إلى القانون بمساندة عائلتها".

ويضيف في حديثه لرصيف22: "القليل من أفراد العوائل يخرجون من ذلك العرف المتّبع، والحل المريح بالنسبة لهم هو أن يجعلوا بناتهم حبيسات في المنازل". 

ويوضح صعوبة لجوء المرأة بمفردها إلى القانون: "من المستحيلات أن تذهب المرأة بشكوى إلى المحكمة دون معرفة أهلها، لأن الأمر يحتاج إلى عنوان سكنها لترسل المحكمة التبليغات عليه، لا سيما أننا في مجتمع قبلي، ومن الممكن تسوية القضية عشائرياً".

تقول زهراء (33 عاماً)، التي تعمل محاضرةً في جامعة أهلية في النجف، وتكمل دراسة الدكتوراه: "خطيبي رفض إكمال العرس المتفق عليه بعد العيد، وخيّرني بين الاستمرار في وظيفتي وإنهاء مسيرتي الدراسية العليا، وبين حبّي له الذي استمر ستة أعوام".

تضيف أنها بعد اعتراضها على طريقة تفكيره -وهو من أصحاب الشهادات العليا- أخبرها بأن والدته محقة في نظرية اختيار الشريكة، وهي أن تكون عفيفةً لا ترى الرجال ولا الرجال يرونها ، وأنه عاد إلى رشده بعد أن شاهد حادثة "القنفة".

لا يوجد قانون خاص بالتحرش في مؤسسات التعليم العالي، إنما يعاقب القانون العراقي التحرش الجنسي بموجب المادة 398 من قانون العقوبات العراقي.

وتتنوع العقوبات حسب خطورة الجريمة، ويمكن أن تشمل السجن والغرامات المالية، وفقاً لتقدير القاضي بناءً على الظروف الخاصة بكل حالة.

ويلفت اللامي إلى ضرورة وجود شعبة في المراكز، تتواجد فيها كوادر نسائية، وخطوط ساخنة للتبليغ عن حالات التحرش، لأن الطالبات والموظفات والنساء يتعرضن بصورة عامة للتحرّش مرةً أخرى لدى حضورهنّ إلى مراكز الشرطة من أجل الشكوى.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard