شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رفع مصر السّريّة عن وثائق حرب أكتوبر... الأسرار والرسائل والدلالات

رفع مصر السّريّة عن وثائق حرب أكتوبر... الأسرار والرسائل والدلالات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الثلاثاء 19 مارس 202410:54 ص

بعد أكثر من خمسين عاماً على انتصار السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973، أفرجت وزارة الدفاع المصرية عن وثائق بخط اليد لقيادات الجيش المصري، تحت عنوان "أسرار الحرب"، كاشفةً من خلالها عن سير العديد من الأحداث السياسية والعسكرية في الفترة الممتدة بين نكسة حزيران/ يونيو 1967، والتي أدت إلى احتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء، مروراً بسنوات الإعداد لحرب أكتوبر، وصولاً إلى سير الحرب وتحرير سيناء.

تشمل الوثائق المنشورة خطط الهجمات، وإدارة الحرب، وسير العمليات القتالية، ووضع القوات المتمركزة، وسجلات المعلومات الاستخباراتية، بالإضافة إلى معلومات مفصلة عن التخطيط الإستراتيجي للحرب، وتقييم دقيق للوضع الداخلي في مصر وإسرائيل، واتفاقيات فض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية.

يتزامن نشر الوثائق مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتصعيد غير المسبوق على عدة جبهات بالمنطقة، وتزايد الخلافات بين القاهرة وتل أبيب بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية المحتملة في رفح الفلسطينية، والتي ترى القاهرة أنها تهدف إلى تهجير أكثر من مليون فلسطيني إلى سيناء. كما يأتي الإفصاح عن الوثائق بعد مواقف دبلوماسية مصرية تصعيدية تجاه إسرائيل بينها تكذيب القاهرة ادعاءات تل أبيب التي تحملها مسؤولية منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة واغلاق معبر رفح، ومرافعة القاهرة أمام محكمة العدل الدولية بشأن ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لم تفصح القاهرة صراحةً عن أسباب نشر الوثائق الهامة في مثل هذا التوقيت، ما فتح الباب لجدل مصري وإقليمي واسع حول دلالات توقيتها في ظل أوضاع الصراع الحالية بالمنطقة، خاصة أنها تخرج للعلن لأول مرة بعد إعلان إسرائيل عن أرشيفها شبه الكامل للحرب.


خداع وتخطيط، فقتال

يكشف قسم من الوثائق خطة "الخداع الإستراتيجي" التي انتهجتها لخداع العدو، إذ اعتمدت على تنشيط الحراك السياسي والدبلوماسي لترجيح الحلول السلمية، مع استمرار التظاهر بالمرونة والرغبة في التوصل إلى حلول سلمية شاملة أو جزئية، ومعاودة التوسّط عن طريق الدول العربية التي تربطها علاقات صداقة مع الغرب للاتصال بأمريكا والدول الغربية لإظهار نية قبول الحل السلمي، بالإضافة إلى إظهار التناقضات في الجبهة العربية بالقدر اللازم، الذي لا يضر بالعلاقات الحقيقية للدول العربية أو العمليات المشتركة.

وزارة الدفاع المصرية تفرج عن وثائق بخط اليد لقيادات الجيش المصري إبان حرب أكتوبر. دلالات عديدة يحملها توقيت النشر. فما صلة ذلك بالحرب الإسرائيلية على غزة؟ وهل من رسائل داخلية تريد القاهرة إيصالها لمواطنيها؟

كما توضح تفاصيل خطة "جرانيت 2 المعدلة" - الخطة العسكرية التي جرت الحرب وفقاً لها، عبر الجمع بين جميع الجهود العسكرية المصرية، بما في ذلك خطة "جرانيت 1" التي طرحها الفريق محمد فوزي، وزير الدفاع قبل تولي الرئيس السادات السلطة، و"جرانيت 2" التي وضعها وزير الدفاع الفريق محمد صادق، الذي تولي منصبه بعد عزل الفريق فوزي، وخطة "المآذن العالية" التي وضعها رئيس أركان الجيش المصري الفريق سعد الدين الشاذلي، لتصبح "جرانيت 2 المعدلة" هي الخطة الرسمية للحرب، والتي تعرف داخل القوات المسلحة المصرية بالخطة "بدر".

هدفت الخطة إلى "تدمير تجمعات العدو الإسرائيلي في سيناء على مرحلتين، إضافة إلى الاستيلاء على مناطق ذات أهمية إستراتيجية، مع تهيئة أنسب الظروف العسكرية والسياسية لاستكمال هزيمة العدو وتحرير الأراضي المحتلة".

تكشف وثائق أخرى عن تفاصيل الضربة الجوية، وعبور قناة السويس، والتغلب على الساتر الترابي، وأداء المدفعية المصرية ودورها، وتدمير خط بارليف، وإسقاط واستسلام مواقع إسرائيلية، وغيرها.


ثغرة الدفرسوار 

خلال الحرب، وحينما بدأ الجيش المصري تطوير الهجوم، استغلت تل أبيب ذلك ودفعت بتشكيلات مدرعة بين الجيشين الثاني والثالث، في ما عرف بـ"ثغرة الدفرسوار"، حيث دارت معارك ضارية على حدود مدينة السويس، وفشلت القوات الإسرائيلية في دخول مدينة الإسماعيلية. استمرت الاشتباكات حتى وقف إطلاق النار.

وطالما كان الحديث عن الثغرة متبايناً للغاية، بين من يرى أن القوات الإسرائيلية كانت قادرة على الوصول إلى القاهرة، بالنظر إلى التعظيم الإسرائيلي لما قدمته قواتهم في الثغرة، وبين من يرى أن الثغرة قلّصت حجم الإنجاز المصري، واضطرت القاهرة لقبول قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.

واحدة من أهم الوثائق المنشورة عبارة عن مذكرة مقدمة إلى وزير الحربية من هيئة العمليات عن الأعمال القتالية المصرية التي استهدفت محاصرة وتصفية الجيب الإسرائيلي غرب قناة السويس، وذلك في الفترة من 25 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 إلى 25 كانون الثاني/ يناير 1974، أي بعد وقف إطلاق النار واتفاقية فض الاشتباك الأولى في 18 كانون الثاني/ يناير. شملت مجموعة من الوثائق الأخرى الأوامر العسكرية وخريطة تصفية الثغرة، ممثلة في الخطة "شامل"، و"شامل المعدلة" التي تشير إلى تصاعد الأعمال القتالية بين الجانبين عبر تسجيل النشاط اليومي بالثغرة، وأماكن تمركز القوات الإسرائيلية، ومحاصرة القوات المصرية لها.

في هذا الإطار، يرى الخبير العسكري، اللواء محمد قشقوش، في تصريحات لرصيف22، أن وثائق الثغرة تعد أهم الوثائق المنشورة، لأنها ترد بشكل واضح على الأكاذيب الإسرائيلية التي سعت منذ انتهاء الحرب إلى تضخيم ما حدث في الدفرسوار، وتعتبرها معركة "التعادل العسكري" خلال الحرب، مشيراً إلى أن وجود وثائق مصرية بخط اليد داخل غرفة عمليات القوات المسلحة، يدحض بما لا يدع مجالاً للشك تصريحات جنرالات الحرب الإسرائيليين عن الثغرة، والتي نشرت عنها تل أبيب في وثائقها عن الحرب، لكنها لا ترتقي لمعنى وقيمة الوثائق أمام ما قدمته وزارة الدفاع المصرية من معلومات وبيانات وخرائط وسير أعمال القتال داخل الجيب الإسرائيلي. 

لكن اللافت أن المذكرة المنشورة عن تفاصيل النشاط القتالي داخل الثغرة، لا تحتوي على الصفحة الثالثة، كما أن النشر توقف عند الصفحة السابعة، في الوقت الذي بدا واضحاً أن هناك العديد من الصفحات الأخرى، والتي يبدو أن القاهرة ترفض الإفصاح عنها في هذا الوقت. بالإضافة إلى عدم وضوح خطة تصفية الثغرة، والاكتفاء بنشر خريطة توضح وجود خطة دقيقة للتعامل مع الجيب الإسرائيلي، دون توضيح أو تفصيل لها. 

فشل تطوير الهجوم ووقف إطلاق النار

في تقرير رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، اللواء محمد عبد الغني الجمسي، للجنة الأمن القومي عن العمليات العسكرية أثناء الحرب، يتضح تقسيم العمليات إلى أربع مراحل، الأولى من 6 إلى 13 تشرين الأول/ أكتوبر، وتضمنت اقتحام وعبور قناة السويس، وإنشاء وتطوير رؤوس الكباري. والثانية في 14 من نفس الشهر وهدفها تطوير الهجوم المصري شرقاً وتوقفه. والثالثة من 15 إلى 17 نفس الشهر، وتضمنت صد هجمات العدو المضادة والمركزة "الثغرة"، بينما شملت المرحلة الرابعة تطوير القتال غرب القناة بين يومي 18 و25 من الشهر نفسه.

يعترف اللواء الجمسي خلال تقريره الثري بفشل تطوير الهجوم وعواقبه، ونشاط العدو غرب القناة، ومدى الضغط الذي تعرض له الجيش الثالث الميداني. لكنه يؤكد في الوقت ذاته على تماسك قوات الجيش الثالث الميداني، وحالته المعنوية العالية. 

الإعلام وتصريحات القادة الإسرائيليين

أفردت الوثائق المصرية قسماً خاصاً لدور إلاعلام العام والحربي خلال فترة الحرب في مجال الإعداد والتخطيط للمعركة بشكل يختلف تماماً عن دور الإعلام خلال حرب حزيران/ يونيو 1967 إذ "خرج الإعلام المصري إلى نطاق التأثير الإقليمي والدولي وتوجه نشاطه لكشف النوايا الإسرائيلية والتحم بالأحداث العربية والعالمية"، وفق الوثائق. وإن أوضحت الوثائق أن الإعلام لم يتمكن من تغطية تفاصيل القتال مباشرة بسبب حرص القيادة على السرية وعدم كشف نية الهجوم.

تسلط الوثائق الضوء كذلك على تغيّر نبرة تصريحات الجنرالات الإسرائيليين من "قمة الصلف والغرور الإسرائيلي الذي كان يعتقد أن العرب لن يجرؤوا على شن أي حرب ضد قواتهم التي لا تقهر" قبل المعركة، ثم "مسايرة الواقع" أثناء المعركة، وصولاً إلى "التحدث لأول مرة بشكل صادق بسبب ضخامة ما لقيته إسرائيل من خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات".


رسائل ودلالات داخلية وخارجية

برغم ما تحتويه الوثائق المصرية من زخم معلوماتي كبير فإنّ الرأي العام المحلي انشغل أكثر بما يحمله توقيت نشرها من دلالات، علاوة على الرسائل غير المباشرة التي تسعى لإيصالها. ومن النقيض إلى النقيض، تنوعت آراء المهتمين والمراقبين أيضاً.

فبينما يقول اللواء سمير فرج، عضو لجنة الكشف عن الوثائق، إنه ليس هناك مغزى أو رسالة بعينها من نشر وزارة الدفاع المصرية الوثائق في هذا التوقيت، وإن المستهدف هو توضيح الصورة الكاملة للجيل الذي لم يعاصر الحرب، يرى المحلل العسكري اللواء محمد قشقوش، في تصريح لرصيف22، أن الوثائق تحمل رسائل متعددة لكل من تسوّل له نفسه الإضرار بالأمن القومي المصري، سواءً على الحدود الشمالية الشرقية حيث إسرائيل، أو شرقاً حيث البحر الأحمر وباب المندب.

وبيّن قشقوش أن واحدة من أهم الوثائق التي تم الإفراج عنها هي وثيقة إغلاق باب المندب أمام الملاحة المتجهة إلى إسرائيل خلال حرب أكتوبر حيث قامت مدمرتان مصريتان بمنع تسلل الوقود الإيراني إلى إسرائيل، وهي رسالة بقدرة القوات المسلحة المصرية على حماية أمن مصر القومي والدفاع عن مسار مصالحها مهما تباعدت القطاعات الجغرافية، على حد قوله.

"تسعى الإدارة المصرية (من نشر الوثائق في هذا التوقيت) إلى بناء جسور من الثقة بين الجيش والفئة الأكبر من الشعب، والتي لم تعاصر الحرب، ولم تطلع على وثائقها من وجهة نظر مصرية رسمية من قبل، ولم يتعرفوا على كواليسها إلا عبر الإنتاج السينمائي والدرامي المحدود، وبعض الأوراق من مذكرات القادة"

ويضيف المحلل العسكري أن تلك الرسالة موجهة إلى ممارسات الحوثيين ومن يدعم حراكهم في باب المندب اليوم لأن تلك الممارسات العدائية أثرت بشكل بالغ على حركة التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس، وبالتبعية على عائدات القناة، حيث دفعت بعدد من الشركات والدول إلى البحث عن مسارات أخرى للشحن والنقل.

وهو يتابع: "لا شك أن هناك توتراً دبلوماسياً بين القاهرة وتل أبيب بسبب إصرار إسرائيل على اجتياح رفح الفلسطينية، التي تعدها القاهرة ضمن خطوطها الحمراء، حيث محور فيلادلفيا الخاضع لاتفاقية السلام، والذي تمنع الاتفاقية وملحقاتها السياسية والعسكرية نشر أي قوات عسكرية إسرائيلية به"، مستدركاً بأن إحدى الرسائل المباشرة للوثائق هي التأكيد على جاهزية الجيش المصري، خاصة بعد التنوع الكبير في تسليحه اليوم، مقارنة بتسليحه خلال حرب أكتوبر، وقدرته على صد أي عدوان قد يعرض أمن البلاد للخطر، خاصة أن اجتياح رفح عسكرياً يعني قتل وترويع وتهجير عشرات آلاف الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما لن تسمح به مصر، لذا فقد سعت القاهرة أن تعلنها لتل أبيب بشكل أكثر وضوحا، وتذكرها بالماضي القريب "من فعلها مرة قادر على أن يفعلها كل مرة".

الرأي العام الإسرائيلي هو الهدف؟

في الإطار ذاته، يعتقد شادي محسن، الباحث المهتم بالشؤون الإسرائيلية، في تصريحات لرصيف22، أن توقيت نشر الوثائق يشير إلى رغبة مصرية في زيادة الضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والتي تتسم بالانقسام الحاد في ظل تداعيات الحرب على غزة، بعد فشل الجيش الإسرائيلي في استرداد أسراه، معتبراً أن تلك الضغوط تؤثر بشكل حاد على تماسك قواته.

ويقول: "تبعات الإفراج عن الوثائق المصرية في الداخل الإسرائيلي لم تكن هينة. فالإعلام العبري بشكل عام حاول عدم الالتفات لتفاصيل ما جاء في الوثائق على الرغم من أنها لم تأتِ بجديد لكنه اهتم بشكل بالغ بموعد الإفراج عنها، حيث الحرب الإسرائيلية على غزة، وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية على تل أبيب لوقف الحرب"، معتبراً أن الوثائق قد تمثّل "أحد جوانب الضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة، من حيث زيادة الضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والعمل على زيادة الانقسام بين صفوفها، وتعزيز مواطن الضعف في قوات الجيش الإسرائيلي الذي فشل في تحرير الأسرى الإسرائيليين، كما أنها تعصف بإرادة ورغبة تنظيمات اليمين المتطرف شبه العسكرية التي تزايد في مواقفها بشأن التعامل مع الفلسطينيين".

علاوة على ذلك، يقول محسن إن الوثائق "تفضح فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وتعري حجمها أمام المواطن الإسرائيلي إذ تربط بشكل غير مباشر بين فشلها الحالي في تحديد مواقع قيادات المقاومة ومواقع الأسرى الإسرائيليين، وفشلها القديم في التنبؤ بالحرب المصرية السورية على إسرائيل".

رسائل للرأي العام المصري

على جانب آخر، يقول الدكتور محمد المهدي، الباحث بالمركز المصري للفكر، لرصيف22، إن الإدارة المصرية تسعى من خلال نشر هذه الوثائق في مثل هذا التوقيت إلى محاولة التفاعل مع الرأي العام المحلي، عبر السيطرة عليه، وتوجيهه إلى خندق آخر، في ما يعرف بسياسة "بص العصفورة"، مشيراً إلى أن تلك الممارسة تلجأ لها القاهرة دوماً كلما عجزت عن إحداث تغيير في ملفاتها الساخنة.

يرى قشقوش، أن واحدة من أهم الوثائق التي تم الإفراج عنها هي وثيقة إغلاق باب المندب أمام الملاحة المتجهة إلى إسرائيل خلال حرب أكتوبر حيث قامت مدمرتان مصريتان بمنع تسلل الوقود الإيراني إلى إسرائيل، وهي رسالة بقدرة القوات المسلحة المصرية على حماية أمن مصر القومي والدفاع عن مسار مصالحها مهما تباعدت القطاعات الجغرافية، على حد قوله

يتابع المهدي مؤكداً أن تزايد الضغوط السياسية على الإدارة المصرية في ظل فشل القاهرة في تحقيق نتائج إيجابية في ملف دخول المساعدات إلى غزة، وتنامي الرغبة الإسرائيلية باجتياح محور فيلادلفيا، وعدم جدوى مسار القاهرة للمفاوضات بين إسرائيل وحماس، هو ما دفع القاهرة إلى محاولة الهروب من الواقع الذي أصبح يحاصر تطلعاتها وأمنها، وذلك عبر انتهاج سياسية إلهاء الرأي العام بصرف النظر عن الضغوط العظيمة والمتعددة التي تقع على كاهلها، في ظل النوايا والممارسات الإسرائيلية التي تهدد الأمن القومي المصري، وتضعه في خطر محدق.


يردف: "نشر الوثائق يستهدف منح الإدارة المصرية فسحة من الوقت لإعادة ترتيب أوراقها بعيداً عن ضغوط الداخل والخارج، على أمل أن تنجح إحدى أدواتها المتعددة في إحداث تغيير بالمشهد الأمني والسياسي الإقليمي". يدلل المهدي على ذلك بأن معظم الوثائق التي نشرتها القاهرة لم تقدم إضافات جديدة إلا في بعض الجوانب المحدودة حيث وردت معظم المعلومات والبيانات في كتابات وتصريحات سابقة لقادة الحرب المصريين. 

"وثائق وزارة الدفاع المصرية تحمل عدة رسائل للرأي العام المصري، أبرزها تجديد وتأكيد الثقة بين الشعب المصري وجيشه، في ظل كثرة الأدوات المعادية التي تسعى إلى زرع وتوسعة الفجوة بين الشعب المصري وقواته المسلحة"، هكذا يقول محمد كامل، أستاذ الدراسات والبحوث السياسية بجامعة الزقازيق، في تصريحات لرصيف22، مضيفاً أن الآلة الإعلامية الإسرائيلية لا تدخر جهداً لمحاولة الضغط على الجبهة الداخلية المصرية، عبر إشاعة الأخبار الكاذبة، كالتي يتم ترويجها مؤخراً حول بناء الجيش المصري لمخيم يسع أكثر من 200 ألف لاجئ قرب الحدود مع غزة، رغم أن البناء الذي قام به الجيش كان من أجل عمل مقر دائم للمساعدات المصرية والدولية الموجهة للقطاع.

يضيف كامل: "كما تسعى الإدارة المصرية لبناء جسور من الثقة بين الجيش والفئة الأكبر من الشعب، والتي لم تعاصر الحرب، ولم تطلع على وثائقها من وجهة نظر مصرية رسمية من قبل، ولم يتعرفوا على كواليسها إلا عبر الإنتاج السينمائي والدرامي المحدود، وبعض الأوراق من مذكرات القادة"، لافتاً إلى أن الإفراج عن وثائق رسمية من جانب الوزارة المسؤولة عن الحرب يسمو على كافة الشهادات الفردية.

وفي سياق منفصل، يرى كامل أن الوثائق المفرج عنها تحمل دعوة غير مباشرة إلى الباحثين المصريين والعرب، من المهتمين بالشؤون العسكرية والأمنية الإقليمية، إلى ضخ عدد جديد من الدراسات والقراءات الأكاديمية المتخصصة، التي تناسب حجم المعلومات الجديدة في نقاط محددة بالوثائق، مثل وثائق ثغرة الدفرسوار، ووثائق تجهيز الجيش واستعداده للحرب بعد "النكسة". 

إجمالاً، يبدو أن الوثائق المفرج عنها تحمل رسائل ودلالات ترتبط بالوقت والمنطقة والظروف الداخلية، أكبر بكثير من حجم البيانات والمعلومات الجديدة التي تخص الحرب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image