لم يكن اهتمام الدولة المصرية بأزمة الزيادة السكانية، والدعوة إلى تنظيم الأسرة وليد الفترة الحالية، خاصة مع الانفجار السكاني الذي تشهده. لقد بدأت هذه الفكرة في ثلاثينيات القرن الماضي، على يد عالم جغرافيا، تبنى الفكرة، وظل وراءها حتى أصبح الأمر مثار اهتمام الحكومات المتعاقبة.
لم يكتفِ عالم الجغرافيا بذلك، وإنما سعى واستطاع الحصول على فتوى دينية بجواز تحديد النسل. فمن هو هذا العالم؟ وإلام أثمرت جهوده الداعية إلى تحديد النسل وتنظيمه في مصر؟
من هو الدكتور محمد عوض محمد؟
كما يقول عمر طاهر في مؤلفه "صنايعية مصر – الكتاب الثاني"، كان من المتوقع أن يتبنى هذه الفكرة طبيب يهتم بالصحة العامة، أو عالم اقتصاد يشغله الوضع المادي للأفراد والمجتمع، وربما رجل سياسة يرى في زيادة السكان عرقلة لتقدم البلاد. لكن البداية كانت عند الدكتور محمد عوض محمد، عالم الجغرافيا الذي خالف كل التوقعات، ليؤكد أنه الأب الروحي لعلم الجغرافيا في مصر، ومن أشهر طلابه الدكتور جمال حمدان، أحد أعلام هذا المجال.
حصل عوض على البكالوريا (الثانوية العامة حالياً) عام 1913، والتحق بمدرسة المعلمين، واعتقل سنة 1915 في أثناء الحرب العالمية الأولى، بتهمة "تدبير المكائد ضد الدولة"، ثم نقل إلى مالطة وكان عمره 20 عاماً. وهناك تعلم اللغات الألمانية والتركية والفارسية، وترجم مسرحية "فاوست"، للشاعر الألماني غوته.
عقب عودة عوض إلى مصر عام 1919، كان هناك قرار مجلس وزراء بحرمانه من التعليم والشهادات، ومن دخول المدارس أو تولي وظائف الدولة، فتقدم لامتحان مدرسة المعلمين من المنزل، وعمل مدرساً وصحافياً ومترجماً، وساعده النجاح بتفوق على الحصول على بعثة دراسية حصل خلالها على الماجستير من جامعة ليفربول، ثم الدكتوراه من جامعة لندن، وعين بعدها أستاذاً في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، وأسس معهد الدراسات الأفريقية في مصر، وبحسب طاهر. كما كان عضواً في وفد مصر بمؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945.
"إيه اللي أنت بتعمله ده؟! هل تركت التدريس في الجامعة من أجل هذه الأفكار؟!"، فرد عليه عوض بقوله: "إن هذه الأفكار هي صميم عملي... دي جغرافيا"، قال المسؤول: "هل تسمي علاقة الرجل بزوجته جغرافيا؟!"، فأجاب: "علاقة الرجل بزوجته تؤثر في السكان، وهذا في صميم الجغرافيا". لماذا تبنّى الأب الروحيّ لعلم الجغرافيا في مصر قضيّة تحديد النسل وتنظيم الأسرة؟
رائد تنظيم الأسرة
في ثلاثينيات القرن الماضي، انشغل الدكتور عوض بتأليف كتابه "سكان هذا الكوكب"، الذي صدر عام 1936، الذي ناقش خلاله توزيع السكان في كل بقاع العالم، وما يترتب عليه من آثار اقتصادية وصحية بل حتى دينية أيضاً. وفي هذه الأثناء، لاحظ أن الحال في مصر من حيث التطبيق ليس جيداً، خاصة أن السكان يتكاثرون بسرعة، والموارد لا تتزايد بالقدر ذاته.
نبّه عوض في مؤلفه إلى ضرورة أن تتشكل في مصر هيئة رسمية أو غير رسمية تُعنى بدراسة موضوع السكان كله لأن مشكلة السكان في مصر "من أعقد المشكلات وأحقها بأن توجه إليها جميع الجهود".
كذلك، أكد محمود صبره في مؤلفه "السبع العجاف" أن البوادر الأولى للاهتمام بالمشكلة السكانية في مصر ظهرت عام 1936، من خلال كتاب "سكان هذا الكوكب"، وهو ما دعمه أيضاً محمد رياض في كتابه المعنون: "مصر" إذ قال إن الدكتور عوض راعه نسبة النمو السكاني المرتفعة بين تعدادات وتقديرات الفترة من 1882 إلى 1927، بتضاعف عدد السكان في تلك الفترة من 6.8 مليون إلى 14.2 مليون نسمة.
لم يكتفِ الدكتور عوض بإطلاق كتابه، فقرر إنشاء جمعية لتبني سياسات تحديد النسل، أسماها "الجمعية المصرية لتحديد النسل". وبعدها شرع في عقد الندوات وجلسات لمناقشة هذا المفهوم في حضور العلماء والمتخصصين من كبار الأطباء، وبعض علماء الدين، وعلى رأسهم الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر في ما بعد، ساعياً بذلك إلى إيجاد أنسب طريقة لتسكين الفكرة بهدوء في الوجدان العام، خاصة أنها كانت جديدة على المجتمع ولا يتوقع أن يتقبلها بسهولة.
وإذا كان الجميع ينسب إلى الدكتور عوض فضل الدعوة إلى التفكير في تحديد النسل، فلا بد من الإشارة إلى أنه ظهرت دعوات مشابهة، قبل صدور كتاب "سكان هذا الكوكب"، أبرزها للصحافي الراحل سلامة موسى، الذي تناول الأمر في مؤلفه "في الحياة والأدب" عام 1930، قائلاً: "إذا كان أهم أسباب الحروب هو فيض السكان على الأوطان، فإن أنجع علاج للحرب وخير ما يدرأها عن الناس هو تحديد النسل، بحيث لا يزيد السكان عن الوطن الذي يعيشون فيه، فيمتنع الزحام الذي يدعو إلى المهاجرة أو إلى الاستعمار، وبذلك تقل المنافسة بين الأمم وتنتفي الحروب، والأمم الآن ليست عظيمة بعدد سكانها، بل بمقدار ما فيها من صحة ونظافة، وحضارة وثقافة".
لكن بحسب لمعي المطيعي في مؤلفه "موسوعة هذا الرجل من مصر"، قوبلت دعوة موسى بالسخرية، خاصة أنه أنجب ثمانية أبناء. وفي كتابها "المرأة العربية والفكر الحديث"، أشارت مفيدة محمد إبراهيم إلى أن الكاتب الصحافي برر ذلك بأن "الأطفال الأربعة الأولين كانوا إناثاً، فكان الشوق إلى ولد ذكر حتى أنجبناه". أردفت الكاتبة: "اعتبر سلامة موسى هذا الشوق إلى ولد ذكر غريزة اجتماعية عامة لا يمكن تجاهلها، وكأن كل العقائد الاجتماعية التي كرس نفسه لمحاربتها لم تكن هي الأخرى غرائز اجتماعية كان يجب عليه مراعاتها".
الجغرافيا و"علاقة الرجل بزوجته"
بالعودة إلى عوض، أشار عمر طاهر إلى أنه في إحدى الندوات اعترض أحد المسؤولين الكبار على ما يحدث، وهاجم الدكتور عوض، قائلاً: "إيه اللي أنت بتعمله ده؟! هل تركت التدريس في الجامعة من أجل هذه الأفكار؟!"، فرد عليه عوض: "إن هذه الأفكار هي صميم عملي... دي جغرافيا"، قال المسؤول: "هل تسمّي علاقة الرجل بزوجته جغرافيا؟!"، فأجاب: "علاقة الرجل بزوجته تؤثر في السكان، وهذا في صميم الجغرافيا".
وكأن الدكتور عوض كان يعلم سلفاً ما ستلقاه فكرته من معارضة، فأعد جواباً لذلك في "سكان هذا الكوكب" حيث شرح كيف كانت هذه الدعوة مثار اعتراض كبير في أوروبا خلال الربع الأخير من القرن الـ19، ثم قلّ المعترضون تباعاً بفعل جدية الموضوع وعلمية نتائجه، موضحاً بحسب ما نقل محمد رياض في كتاب "مصر"، أنه "ليس في الناس من ينادي بأن وسائل منع الحمل يجب أن تكون حديث المجالس. ولكن تجنب الكلام بتاتاً في موضوع مرتبط أوثق الارتباط بصحة الأم وتربية الأطفال وهناء الأسرة أمر لا يمكن أن ينصح به منصف".
البنا يقود معارضة الفكرة
بالفعل، واجهت فكرة عوض موجة غضب مغلّفة بـ"الغيرة على الدين"، واعتراضاً شديداً من البعض، وعلى رأسهم الشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الذي دعته الجمعية الطبية المصرية لحضور مؤتمر عقدته في كلية الطب، في أيار/ مايو عام 1937، لمناقشة موضوع "تحديد النسل"، فاستدل على رفضه في الكلمة التي ألقاها بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، مؤكداً أن "الإسلام يأمر بالإكثار من النسل، ويحض عليه ويدعوا إليه، وبالعكس لا يرى التحديد والضبط".
لم يكتفِ الدكتور عوض بإطلاق كتاب يحذر من خطورة الزيادة السكانية، وقرر إنشاء جمعية لتبني سياسات تحديد النسل، أسماها "الجمعية المصرية لتحديد النسل". وبعدها شرع في عقد الندوات وجلسات لمناقشة هذا المفهوم في حضور العلماء والمتخصصين من كبار الأطباء، وبعض علماء الدين، لإيجاد أنسب طريقة لإسكان الفكرة بهدوء في الوجدان العام
في هذا السياق، أوضحت رباب كمال في مؤلَّفها المعنون "نساء في عرين الأصولية الإسلامية"، أن جماعة الإخوان كانت ترى في تحديد النسل مؤامرة، الغرض منها تقليص عدد المسلمين.
واعتبر حسن حنفي، صاحب كتاب "الدين والثورة في مصر"، أن الهجوم على حركة تحديد النسل وبيان أسباب نشأتها في الدول الصناعية، كضرورة من ضرورات الصناعة وكنتيجة لعمل المرأة، من مظاهر التزمت الديني ضد الفكرة.
أول فتوى رسمية بإباحته
بالرغم من ذلك، لم يستسلم عوض الذي نصحه كثيرون بالحصول على فتوى إذا كان ينوي مواصلة الدعوة إلى فكرته، وكان مفتي مصر آنذاك الشيخ عبد المجيد سليم (1928 - 1946). يكشف مؤلف "صنايعية مصر" أن عوض ذهب إلى الدكتور طه حسين، وعرض عليه الأمر، فساعده، واستطاع أن يحصل على فتوى من الشيخ عبد المجيد سليم بإباحة تنظيم الأسرة.
كانت هذه الفتوى الأولى من نوعها التي تصدر رسمياً، وما تزال منشورة على موقع دار الإفتاء المصرية، بتاريخ 25 كانون الثاني/ يناير عام 1936.
من هنا، استطاع عوض أن ينقل الندوات وجلسات النقاش بشجاعة وثبات من ملاعب الخاصة إلى العامة في الحارات والقرى، وتبنت الصحف مناقشة الفتوى وفكرة تحديد النسل، واستغل الأول ذلك وسعى إلى ترسيخ مشروعه في الوجدان الشعبي، من خلال الاشتراك مع الجمعية الطبية (نقابة الأطباء في ما بعد)، في تنظيم "أسبوع تحديد النسل" كل شهر، تحت رعاية الأطباء، عبر مجموعات تطوف بالمدن والقرى تعرض الفكرة، وكل ما يتعلق بها دينياً وصحياً واجتماعياً.
ولم تكن فتوى سليم الأخيرة حيث أصدر الشيخ محمود شلتوت (شيخ الأزهر في الفترة من عام 1958 إلى 1963)، فتوى أخرى عام 1959، تناقش إمكانية وواقعية تحديد النسل، قال فيه: "إذا كانت المرأة سريعة الحمل، ولا يوجد الفصال المناسب بين حملين، أو تعاني من أمراض معدية، وبالنسبة للأقلية تعاني من ضعف أعصابها، ولا يمكنها مواجهة مسؤولياتها المضاعفة، ولا تجد مساعدة من حكومتها أو أفراد مجتمعها الأثرياء تمكّنها من حمل مسؤولياتها، في تلك الحالات يكون تحديد نسلها فردياً ومحدداً، وهو علاج يوصف لتحاشي الشرور المعروفة ومن خلالها يمكن أن يأتي النسل القوي والصحيح"، بحسب ما نقل الدكتور غالب عبدالكافي، في أطروحته "تنظيم الأسرة في ميزان السياسة الشرعية".
بعد وفاة شلتوت، خلفه في مشيخة الأزهر الشريف الشيخ حسن المأمون، وتبنى الفكرة ذاتها، وكتب في عدد جريدة "أخبار اليوم"، الصادر صباح يوم 22 آب/ أغسطس عام 1964، عن الإسلام وتنظيم الأسرة، قائلاً: "نجد الآن أن الظروف قد اختلفت، وتكاثف السكان في العالم كله بدأ يهدد بهبوط خطير في مستويات الحياة اللازمة للبشر، لدرجة حدت بكثير من المفكرين إلى تنظيم النسل في كل الدول، بحيث لا تعجز موادرها عن الوفاء بأسباب العيش الكريم لسكانها، وتقديم الخدمات العامة لهم".
وأكد الشيخ حسن المأمون أن "الإسلام وهو دين الفطرة لم يكن في يوم من الأيام ضد مصلحة الإنسان... وإني أرى أن لا مانع شرعاً من النظر في تنظيم النسل، إذا كانت الحاجة تدعو إلى ذلك، وعلى أن يتم هذا باختيار الناس وإقناعهم، من دون قهر أو قسر، وفي ضوء ظروفهم، وعلى أن تكون الوسيلة إلى ذلك مشروعة"، بحسب ما نقل أحمد الشرباصي في مؤلفه "الدين وتنظيم الأسرة".
إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة
مع الوقت، تحولت فكرة الدكتور عوض إلى واقع يضم كل فترة داعمين جدد، حتى اللحظة التي بدأ معها رسمياً تصنيع حبوب منع الحمل في مصر، ثم قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رقم 4075 لعام 1965 بإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة التابع لرئيس الوزراء، وفقاً لطاهر.
لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنه سبق هذا القرار خطوة أخرى، كانت إعلان الميثاق الوطني الذي نبّه إلى مخاطر الزيادة السكانية السريعة في أيار/ مايو عام 1962. وبدأت مصر في تبني سياسة سكانية مرجعيتها الأساسية هي نظرية الإنكليزي مالتوس، الخاصة بخطورة زيادة السكان، بحسب ما ذكر محمود صبره في كتابه "السبع العجاف".
بعد صدور القرار الجمهوري المذكور، بدأت وحدات الريف، في شباط/ فبراير عام 1966، في تقديم خدمات تنظيم الأسرة، وخصصت لها في البداية عيادة في غير أوقات العيادة الخارجية، تعمل ثلاث مرات أسبوعياً بعد الظهر، ثم بعد ذلك أصبحت أحد البرامج الأساسية والمتكاملة مع رعاية الأمومة والطفولة، ثم برنامجاً قائماً بذاته داخل وزارة الصحة، لتتطور لاحقاً إلى إدارة عامة ثم إلى قطاع كامل داخل الهيكل التنظيمي للوزارة، بحسب ما ذكره بسيوني سالم في مؤلفه "تاريخ وتطور الرعاية الصحية الأولية في مصر".
بدأ العمل على تنظيم الأسرة رسمياً في الموعد المذكور أعلاه، عبر 1991 وحدة تابعة لوزارة الصحة على مستوى محافظات الجمهورية. زاد العدد عام 1969 إلى 2690 وحدة.
في خطابه لمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لثورة 23 تموز/ يوليو عام 1966، أكد الرئيس عبد الناصر أن الزيادة السكانية أصبحت تمثل خطورة بالغة، موضحاً "إذا كنا وصلنا في زيادة السكان إلى المرتبة الثانية في العالم بعد باكستان، وزاد تعداد مصر إلى أكثر من 30 مليوناً، معنى هذا إن إحنا كل سنة هنزيد مليون، طب هنأكِّل المليون دول منين".
وبعد سنوات، بدأت تنظيمات سياسية أخرى غير الدولة، في الاهتمام بموضوع تحديد النسل. يدل على ذلك ما ذكره الرئيس الراحل أنور السادات، في مؤلفه "تطوير الاتحاد الاشتراكي" إذ كتب: "وقد طرحت منذ عام 1971 أمام الاتحاد الاشتراكي مهمتين إلى جانب مهامه السياسية والاجتماعية الأخرى على أعلى قدر من الأهمية، هما: تصفية الأمية وتنظيم الأسرة"، معتبراً أن كل ما تستطيع الدولة أن تؤديه في مشكلة تنظيم الأسرة، هو توفير الوسائل الفنية للتنظيم، ويبقى بعد ذلك إقناع الناس بضرورته، كمهمة شعبية لا يمكن أن ينهض بها إلا التنظيم السياسي.
إنشاء المجلس القومي للسكان
عندما أنشئ المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة عام 1965، كان برئاسة رئيس مجلس الوزراء، بهدف تخطيط وتنسيق الأنشطة الخاصة بخدمات تنظيم الأسرة، ثم انتقلت رئاسته إلى نائب رئيس الوزراء في عام 1972، بقرار من السادات.
قبل عوض، دعا الصحافي سلامة موسى إلى تحديد النسل في كتابه "في الحياة والأدب" الصادر عام 1930. لكن دعوته قوبلت بالسخرية والاستهجان لا سيما أنه أنجب ثمانية أبناء
وفي هذا السياق، أشار كمال الوصال في كتاب "ثقوب وجيوب… بحث في أسباب إهدار المال العام في مصر"، إلى أن الحكومة أعلنت آنذاك عن سياسة قومية جديدة للسكان لمدة عشر سنوات عرفت بـ"المدخل الاجتماعي والاقتصادي لخفض الإنجاب".
لكن في هذه الأثناء، وبالرغم من ظهور عدة فتاوى تبيح تحديد وتنظيم النسل، كان هناك بعض المعارضين للأمر، من بينهم الشيخ محمد أبو زهرة (1898 - 1974)، أحد كبار علماء الأزهر، الذي أصدر مؤلفاً بعنوان "تنظيم الأسرة وتنظيم النسل" عام 1976، أرجع فيه تلك الدعوات إلى أمريكا وإسرائيل.
كتب أبو زهرة: "إن الدعايا لتحديد النسل ظهرت في البلاد الإسلامية من مظاهر أوروبية وأمريكية، ولم تفرق بين بلد ذات موارد كثيرة، وأخرى قليلة، وكانت في الماضي تظهر وتختفي، حتى إذا احتلت إسرائيل الأرض المقدسة وأخرجوا أهلها من ديارهم وأموالهم وأرضهم، وظاهر على إخراجهم الأمريكان والإنكليز، وغيرهم من أهل أوروبا، وأكثر أهل أمريكا".
وأضاف: "عندئذ وجدنا الدعاية إلى تحديد النسل تعود جذعة قوية في عنف ولجاجة، وتخص البلاد العربية التي تحيط بإسرائيل بالدعاية، تحتل ربوعها حتى ما كان منها سكانه لا يصل إلى خمسة ملايين، وفيه موارد طبيعية تتسع لثلاثين وأربعين... واتجهوا إلى التخصيص، وخصوا مصر بالدعاية اللجوج، لأن دعوى قلة الموارد الطبيعية فيها ربما تروج، ولأن سكانها في نماء ببركة الله تعالى، ولأنها تقف بالمرصاد في الصدر لإسرائيل...".
مع هذا، مضت الدولة في الاهتمام بقضية الزيادة السكانية. في عام 1984، عقد مؤتمر لتقييم السياسة القومية للسكان، انتهى بإصدار توصية بإنشاء "المجلس القومي للسكان"، الذي أنشئ في العام التالي، برئاسة رئيس الجمهورية (حسني مبارك آنذاك)، لمواجهة المشكلة السكانية، وفقاً للوصال.
وبحسب بعض المجلات القديمة، وزعت حبوب منع الحمل في مصر خلال فترة ثمانينيات القرن الماضي، وأكدت الإحصائيات أن ازدياد عدد السكان في مصر قل نسبياً في تلك الفترة.
واستمرت الدولة بعد ذلك في الاهتمام بقضية الزيادة السكانية، وأصبحت مناص الحديث في العديد من الندوات والمؤتمرات، خاصة أن مصر تشهد انفجاراً سكانياً إذ تخطى عدد سكانها الـ106 ملايين نسمة، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...