في ظل الصمت المطبق على الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الجزائر، فاجأت المحامية وزعيمة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" زبيدة عسول الجميع في الساحة السیاسیة في البلاد بإعلان ترشحھا للانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول/ ديسمبر 2024. قرار اعتبره البعض شجاعاً في ظل الانغلاق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات في حين تكهّن فريق بأنه جاء بالتحالف مع النظام الحالي.
تحت عنوان "انطلاقة جديدة للجزائر"، أعلن المجلس الوطني للحزب مشاركته في الانتخابات الرئاسیة 2024 في ندوة صحافية بمقر الحزب بالعاصمة الجزائر، ولأول مرة منذ تأسيسه عام 2012، معلناً بذلك فتح باب الترشح للرئاسيات وتحريك المياه الراكدة حولها، لتكون عسول أول شخصیة سیاسیة تعلن ترشحھا لرئاسيات 2024.
السؤال الملح هنا: هل الجزائر - بعد كل ما مرت به من تقلّبات سياسية - مؤهّلة لأن تحكمها امرأة؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في هذه العجالة.
"الشعب یبحث عن سياسي نزيه بغض النظر عن جنسه، یحمل رؤیة ومشروعاً للبلاد"... هل الجزائر مؤهّلة الآن لأن تحكمها امرأة؟
من ھي زبيدة عسول؟
عملت عسول سابقاً في وزارة العدل الجزائرية. وكانت عضواً في المجلس الانتقالي (بين عامي 1995 و1997) الذي أعقب توقّف المسار الانتخابي خلال تسعينيات القرن الماضي. كما عملت مستشارة في المحكمة العلیا، لكنھا استقالت وتفرغت عام 2004 للمحاماة، وانخرطت في الحركة الحقوقية، قبل أن تؤسس حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي"، الذي حصل على الاعتماد في آذار/ مارس 2013.
وقد اشتُهرت عسول بعضويتها في "حركة مواطنة" المناهضة لترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لفترة خامسة. لكنها تعرضت للعديد من الانتقادات بعد دعمها الجنرال المتقاعد، المسجون حالياً، علي غديري، إذ كانت في فريق حملته لرئاسيات عام 2019 الملغاة. علماً أنها سحبت دعمها له في وقت لاحق، وأقرت بعدم جدوى إجراء هذه الانتخابات.
إلى ذلك، تحظى عسول بشعبية بين نشطاء ثورة 22 شباط/ فبراير إذ كانت ضمن لجنة الدفاع عن معتقلي الحراك الشعبي وواصلت الدفاع عن العديد من الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر منذ ذلك الحين.
ما هي فرصها في الفوز؟
بدافع الدين والعادات والتقاليد، وُجِهَت سھام الانتقادات للنساء اللواتي حاولن أو قررن الترشح للانتخابات الرئاسية في كل مرة. انتقادات تحكمھا معطيات غير مرتبطة بالسياسة، بل بالمعتقدات والقواعد الاجتماعية الصارمة، للمجتمع الجزائري المحافظ، والتي ترفض ولوج المرأة إلى عالم السیاسیة، بل تعتبر ذلك عيباً في بعض المناطق، ويسيء إلى صورتھا وعائلتھا أحیاناً.
لم تسلم سیاسیات بارزات مثل لويزة حنون من ھذه الانتقادات. لُقبت حنون بـ"المرأة الحديدية" إذ كانت رمزاً للنضال النقابي في الجزائر. وأصبحت في عام 2004، أول امرأة في الجزائر والمنطقة العربية تدخل المنافسة رسمياً على منصب رئاسة البلاد. ترشحت للمنصب مرة ثانية في 2009 وثالثة عام 2014. ولم توفّق في المناسبات الثلاث وكانت نتائجها متواضعة. ورغم ريادة المرأة الجزائرية في السعي إلى كرسي الحكم، وعلى مستوى المشاركة السياسية بوجه عام، لم يبد البتة أن هناك امرأة قادرة على شغل هذا المنصب في التصوّر الشعبي.
لكن عسول لا تُعیر الانتقادات لترشح النساء أھمیة. صرّحت حديثاً: "الكلام الذي یقال إن المرأة لا تصلح أن تكون رئيسة في الجزائر كلام غیر صحیح بالنسبة لي، خاصة أنھم يستدلون بتجربة لويزة حنون التي قامت بدورھا كسیاسیة وھي لم تفشل وحدھا، ھناك مئات الرجال الذين فشلوا لكنھم يركزون على فشل المرأة التي - برأيي - لا تملك الدعم والإمكانيات التي یمتلكھا الرجل الذي يترشح لمنصب الرئيس" .
زبيدة عسول: "الكلام الذي یقال إن المرأة لا تصلح لأن تكون رئيسة في الجزائر كلام غیر صحیح بالنسبة لي، خاصة أنھم يستدلون بتجربة لويزة حنون التي قامت بدورھا كسیاسیة وھي لم تفشل وحدھا، ھناك مئات الرجال الذين فشلوا لكنھم يركزون على فشل المرأة التي لا تملك الدعم والإمكانات التي یمتلكھا الرجل الذي يترشح لمنصب الرئيس"
علاوة على ذلك، ترى عسول أن الواقع يقول العكس تماماً. "حسب تجربتي المتواضعة التي تقلّدت فیھا عدة مناصب في القضاء، كان الناس يبحثون عني كقاضية ویطلبونني بالاسم، لأنھم لایھتمون إن كنت رجلاً أم امرأة، ما یھمھم ھو الثقة والنزاھة والكفاءة. الشعب یبحث عن سياسي نزيه بغض النظر عن جنسه، یحمل رؤیة ومشروع للبلاد".
تستدل عسول بتاریخ الجزائر الذي طالما كتبته نساء قائدات ومناضلات. "لدینا قائدة الجيوش، لالة فاطمة نسومر، والمجاھدات العظيمات اللواتي قھرن المستعمر الفرنسي. المرأة الجزائرية كانت حاضرة في معركة تحرير البلاد".
وتعتبر ھذه التجربة الأولى لزبیدة عسول في محاولة افتكاك كرسي الرئاسة لتكون بذلك الثانية في تاريخ الجزائر التي تخوض غمار الاستحقاق الرئاسي، بعد حنون. علماً أن شلبية محجوبي، رئيسة حركة الشبیبة والدیمقراطیة، كانت أول سيدة جزائرية تُعلن عزمها الترشح في الانتخابات الرئاسية، وذلك في مواجھة الرئیس الیمین زروال سنة 1995. غير أنها لم تتمكن من جمع التوقيعات اللازمة لإتمام الترشح.
لعبة مغلقة وسياق معقد
وعن فرص عسول في الفوز، ترى المحللة السياسية زهور أوعمارة أن "الانتخابات الرئاسية الجزائرية لعام 2024 ستكون ضمن سياق معقد يتضمن تحديات نظامية وسياسية"، تقول لرصيف22: "ترشح عسول هو تجسيد للحق الدستوري في المشاركة السياسية، وهو عنصر حيوي لتعزيز الديمقراطية المتعددة في الجزائر. لكن بالمقابل هناك تحدٍ كبير أمام أي مرشح/ة خارج النخبة الحاكمة في بيئة تسيطر عليها الهيمنة السياسية لطرف واحد".
ولتحقيق أفضل نتائج في هذا السباق، تنصح أوعمارة عسول بضرورة صياغة رسالة سياسية مقنعة وعملية تلبي احتياجات وتطلعات الناخبين من أجل جذب الدعم الشعبي. بالإضافة إلى العوامل الأخرى، مثل الوصول إلى الموارد وبناء التحالفات مع الأحزاب والمجموعات الأخرى، وتقديم برنامج سياسي قوي ومتماسك.
وتعتبر أوعمارة أن تقييم فرص عسول يظل مرهوناً بمدى قدرتها على التنقل في هذا السياق السياسي المعقد والاستجابة بشكل فعال لتطورات الوضع السياسي في الجزائر.
من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، أنه "لا يمكن التنبؤ حالياً بفرص عسول في الفوز لأن لعبة الانتخابات ما تزال مغلقة وغير واضحة المعالم خاصة في ظل عدم الإعلان عن بقية المرشحين الآخرين حالياً".
ردود فعل متباينة على ترشحها
وبعد إعلان زعيمة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي ترشحها لرئاسيات 2024، تباينت آراء رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعي الوضع السياسي في البلاد. فهناك من قال إنها "حليفة للنظام" أو "أرنب سباق، وظّفها النظام من أجل منح الشرعية للانتخابات المقبلة" - الشيء الذي نفته عسول بشكل قطعي خلال مؤتمرها الصحافي لإعلان ترشحها بقولها: "قراري لیس ولید صفقة سیاسیة مع السلطة، ولو كان الأمر كذلك لقمت بھ منذ فترة طويلة وليس الآن. النظام لیس بحاجتي من أجل منحه الشرعیة، النظام لدیه منطقه الخاص".
على الجانب الآخر، حث آخرون على ضرورة منح الفرصة لعسول وانتخابها باعتبار ترشحها فرصة للتغيير الجذري في المشهد السياسي. كتب عبد الكريم زغلييش: "ماذا جنينا من مقاطعة الانتخابات؟ لا نستطیع ربح نظام بالجلوس في المنزل".
من جانبه، يعتبر الصحافي عثمان لحياني أن "إعلان عسول ترشحھا انطلاقاً من موقفھا النقدي السلطة، یوضح وجود قناعة سیاسیة لدیھا ولدى قطاع من مؤیدیھا بضرورة مغالبة السلطة بأي وسيلة سیاسیة ممكنة"، حسبما يقول لرصيف22.
"ليس لديها تاريخ نضالي جمعوي في مجال حقوق المرأة إذ لم تدخل يوماً في نضال ضد قانون الأسرة مثلاً أو قانون تجريم العنف ضد النساء أو قانون الجنسية. تاريخياً، لم تكن متواجدة في هذه النضالات"... هل تدعم الجمعيات النسوية في الجزائر المرشحة الرئاسية زبيدة عسول؟
هل تحظى بدعم الجمعيات النسوية؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تحظى عسول بدعم النساء في الجزائر لمجرد أنها امرأة؟ أو على أقل تقدير تدعمها الجمعيات المعنية بحقوق المرأة في البلاد؟
تملك زبيدة عسول جميع القدرات القانونية والإمكانيات السياسية من أجل الترشح للرئاسة، بحسب الإعلامية ورئيسة جمعية "المرأة في اتصال"، نفيسة لحرش، لكنها تعتبر أن "عسول لم تكن يوماً مناضلة في جمعيات نسائية أو مدافعة عن حقوق المرأة. كما أن برنامجها السياسي لم يكن واضحاً تجاه هذه المسألة".
تؤكد لحرش لرصيف22: "أعرف زبيدة وقدراتها السياسية. كنت معها في المجلس الانتقالي فترة التسعينات. لكنها ليس لديها تاريخ نضالي جمعوي في مجال حقوق المرأة إذ لم تدخل يوماً في نضال ضد قانون الأسرة مثلاً أو قانون تجريم العنف ضد النساء أو قانون الجنسية. تاريخياً، لم تكن متواجدة في هذه النضالات".
تشاطر الناشطة النسوية فريال شلال لحرش الرأي. تقول: "وجود امرأة مرشحة أولى في الانتخابات المقبلة له رمزية قوية. زبيدة كانت مهمة جداً في الدفاع عن معتقلات الرأي خلال الحراك الشعبي، لكنني لست متأكدة إذا كانت ما تزال ضد النظام الحالي، خاصة أن حزبها دعا في عام 2019 للتصويت للمرشح علي غديري في انتخابات وصفها الحراك بأنها غير شرعية".
ولم تعبرّ عسول، بحسب شلال، عن رأيها بوضوح في العديد من القضايا كوضعية المرأة الجزائرية، والعديد من القوانين المجحفة في حقها، ومدى تطبيقها، خاصة تلك المتعلقة بالتحرش والمساواة في فرص العمل وقانون الأسرة غير الدستوري وحالات العنف المتفاقمة والاعتراف بجرائم قتل النساء كجرائم منفصلة بعقوبات أشد.
إلى ذلك، يمكن القول إن ترشح عسول سیشجع الكثیر من الشخصیات السیاسیة على اتخاذ وحسم موقفھا إزاء الانتخابات وإعلان الترشح، حتى تتضح أضلع المشھد الانتخابي المقبل. كما يعتبر ترشحها - مھما كانت خلفياته - خطوة ھامة نحو تعزيز المشاركة السیاسیة للنساء ویمثل تحدیاً للتقالید وتعزیزاً لدور المرأة في المشھد السياسي الجزائري. وإن كان لا يعوّل الكثير على توليها المنصب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...