المهاجل هي ترنيمة الفلاح اليمني البسيط، وأغنية الحصاد، وأنشودة الصباح والمساء، كم يطيب الحديث عن المهاجل الشعبية في اليمن. ومفردها ''مَهْجَل''، والذي يٌعرّف بأنه لون غنائي من التراث اليمني القديم، أهازيج ترددها النساء وكذلك الرجال خلال العمل في مواسم الزراعة، لعدة أغراض، منها تحفيز المزارعين والعمال وحثهم على بذل المزيد من الجهد، إلى جانب ذلك فهي وسيلة تقليدية للتنفيس عن النفس والتعبير عن المشاعر من حب، وغزل، وعتاب، وحنين، وشوق، وهو ما ستأتي عليه هذه المادة تفصيلاً.
انتقلت المهاجل بأنواعها بين الأجيال عبر التواتر الشفهي، ما يجعلها واحدة من اللاماديات التراثية الثقافية الشعبية التي يسعى اليمنيون للحفاظ على ديمومتها خوفاً من اندثارها أو نسيانها، في ظل تراجع حضورها مؤخراً في أماكن كثيرة لأسباب ترتبط بشكل عام بتغير أسلوب الحياة .
"اليوم والله والله دايم
يا شهر نيسان أين المسايل
أين الغمامة أين الأصايل
يا طير غني فوق الخمائل
الورد يرقص والغصن مائل".
لكل موسم هجلة
تتميز المهاجل الزراعية في اليمن بتنوع فريد؛ فلكل موسم زراعي "التلام"، "العلان"، "الصراب"...وغيرها، مهجل أو هجلة معينة، تختلف من منطقة إلى أخرى.
"اليوم يا الله الله دائم
قا صربوا الدخن والذرة قائم".
هذه الهجلة مثلاً، خاصة بموسم "الصراب" أي الحصاد، وهناك مهاجل أخرى لمواسم مختلفة خلال أيام السنة، فحين يبدأ المزارع بحرث أرضه بالمحراث التقليدي مستعيناً بالأثوار والجِمال وأحياناً الحمير، يصدح بصوته من وسط الوادي بهجلة مخصصة لهذا النوع من العمل، فيسمعه الناس في المنطقة ويعرفون أن موسم الزراعة قد بدأ.
انتقلت المهاجل بأنواعها بين الأجيال عبر التواتر الشفهي، ما يجعلها واحدة من أقدم اللاماديات التراثية الثقافية الشعبية التي يسعى اليمنيون للحفاظ على ديمومتها خوفاً من اندثارها أو نسيانها، في ظل تراجع حضورها مؤخراً
يقول المزارع سعد قاسم (45 عاماً) لرصيف22 شارحاً التنوع في المهاجل: "هناك مهاجل لا تقال إلا في الصباح، ومهاجل خاصة بالمساء ، وكلها ترتبط بالعمل، ولا يقتصر ترديد المهاجل الشعبية على من يعملون في الزراعة فقط، فعمال البناء لهم مهاجل خاصة بهم أيضاً، وهناك مهاجل للأسفار، لكنها أقل انتشاراً من مهاجل الزراعة''.
مهجل صباحي
"الله يا داري مو يقول الطير
اسألك وا رب وا كثير الخير
يالله صبحنا في مزارعنا
يالله صبحنا بالرضى والخير".
مهجل مسائي
"طاهش الحولين قا تعشى اثنين
بينهم واحد شاجع أحمر عين
ليلبوا روح ليلبوا وا ليل".
أورد عبد الله البردوني الشاعر اليمني، في كتابه "فنون الأدب الشعبي في اليمن" أن فن المهاجل قد شكّل أساس شعر العامية من الناحية التفاعيلة ومن حيث اللغة والنكهة
من مهاجل الأسفار
"يوم السفر يا ربنا تلاطف
العين تدمع والقليب راجف
يوم السفر يا حسرة المفارق
سيَّب حبيبه بالدموع غارق".
مهجل للتحفيز والتنفيس
تساهم المهاجل والأهازيج الشعبية في شحذ الهمم، وبث روح النشاط، وبذل الجهد المضاعف لدى من يقومون بالأعمال المرهقة أو المتعبة، ويتم تداولها على نطاق واسع في القرى والأرياف، لا سيما المناطق الزراعية والجبلية.
"والله ما روح.. الا قا هو ليل
وا عشي وا صبح..وا بن عم الليل"
ومن مهاجل التحفيز ايضا للمزارعين
"قم سبح الله وا عبد نايم
ماترقد النوم الا البهايم
الحاج روح من التهايم
معه مشده وأربع عمايم"
وهناك مهجل شعبي آخر مشهور في محافظة تعز، مطلعه:
"بكر غبش بشعبة الدباهي
بعد البتول بالشاجبة يواهي
من خلال المهاجل الزراعية يُعبّر الفلاحون في اليمن عن أحوالهم عن أحزانهم وأفراحهم، وعن طريقة حياتهم، فحين يهجل المزارع فهو يشحذ همته ويحرض نفسه على العمل في أرضه بأقصى جهد ممكن.
هناك مهاجل لا تقال إلا في الصباح، ومهاجل خاصة بالمساء ، وكلها ترتبط بالعمل، ولا يقتصر ترديد المهاجل الشعبية على من يعملون في الزراعة فقط، فعمال البناء لهم مهاجل خاصة بهم أيضاً، وهناك مهاجل للأسفار، لكنها أقل انتشاراً من مهاجل الزراعة
ثنائية البتول والذاري
تؤدى المهاجل الشعبية بشكل فردي أو ثنائي، وأحيانا جماعي، وهذا التوزيع يعتمد على نوعية وطبيعة العمل، فالفلاح الذي يحرث الأرض ويسمى بالعامية ''البتول'' يرافقه من خلفه ''الذاري''، وهو من يضع الحبوب والبذور في الأرض، ويؤديان سوياً ثنائية رائعة من مهاجل الزراعة الخاصة بهذا الموسم المعروف بـموسم الـ"تلام".
لكن وبالإضافة إلى دورها في تحفيز الهمم، تمثل المهاجل الشعبية ذاكرة اليمنيين سياسياً واجتماعياً، فهي تعبير صادق عن وجدان الناس وحالهم وذاكرتهم الجمعية، كما تعكس نمط تفكيرهم ورؤيتهم لحلول مشاكلهم.
المهاجل.. صوت المرأة الريفية
في مناطق مثل تعز وإب في وسط اليمن، تشارك المرأة الريفية الرجل في أعمال عدة منها الزراعة، فتتغنى بصوتها الجميل أثناء العمل، بمهاجل شعبية تعبر فيها عن الحب، والشوق، وأحياناً العتب. إذ تعتبر المهاجل الشعبية إلى جانب الملالات، وسيلة المرأة الريفية لتوصيل رسائلها التي لا تستطيع البوح بها مباشرة، ومثال ذلك:
"قلبي جراح ولا جزمت أٌقول آح
سهمي ركيك وزاد أجا بصرداح
حنّيت من قلبي ومن فؤادي
ولا لقيت اللّي على مرادي"
والصرداح هو الشيء أو المكان الذي لا فائدة منه، ويطلق أيضاً على الحجر الأملس.
المهاجل الشعبية إلى جانب الملالات، هي واحدة من وسائل المرأة الريفية في اليمن لإيصال رسائلها التي لا تستطيع البوح بها مباشرة، كالغزل والعتب
تراجع ومحاولات للتوثيق
بحسب ما رصده رصيف22 خلال جولة في الريف اليمني، فإن تداول المهاجل الشعبية قد شهد تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات العشر الأخيرة، وبعزي صالح (55 عاماً) وهو مزارع من محافظة إب، هذا التراجع لعدة أسباب منها، استبدال المزارعين الطرق التقليدية بطرق حديثة كالآلات الزراعية والحراثات، والحصادات، حيث أن الطرق التقليدية التي تعتمد أساساً على المواشي في حراثة الأرض والعمل اليدوي في جني المحاصيل، تمنح الفلاحين الفرصة والوقت الكافيين لإطلاق المهاجل والترنم بها أثناء العمل.
سبب ثان يتعلق بانصراف الأبناء عن الزراعة كمهنة للآباء والأجداد، وبحثهم عن أعمال أخرى لتحسين مستويات المعيشة، لذا باتوا ينتقلون من الريف إلى المدينة، والكثير منهم يضطر للسفر والاغتراب خارج البلاد، لذا فقد تصبح المهاجل عرضة للنسيان، لأن الأبناء لا يحفظونها عن آبائهم.
تدخل المهاجل الشعبية في كلمات بعض الأغاني اليمنية كتلك التي غناها الفنان أيوب طارش في ''الغراب السوادي'' وهي واحدة من طرق توثيق هذا الإرث الشعبي الشفهي الجميل.
الغزل في مهاجل أهل اليمن
من أنواع المهاجل الشعبية في الريف اليمني، "المهاجل الغزلية" والتي تقال بكلمات عامية عفوية، تحمل الكثير من الرسائل والإشارات، التي لا يخلو بعضها من الجرأة في الوصف والتعبير، ومن ذلك:
"ألا فك اللثام .. قانا أعرفك من العام
ألا مرعف طويل.. متواصلين الأعرام"
و"المرعف" هو الأنف، و"الأعرام" هي الحواجب.
ومن كلمات مهجل آخر:
"من طلعة النجم والبنت قائم
تساهر الولد والولد نائم
والولد راقد فوق الوسائد
البنت على الابن مجنون هائم
اليوم والله والله دائم"
النشأة والتعريف
تعرف المهاجل بأنها تشبه إلى حدٍ ما فن ''الزوامل'' في كونها أناشيد متحركة تختلف نوع حركتها لأنها تؤدي للتحرك في مكان واحد كالحقول عند حرثها وسقيها وحصاد غلالها، وأيضاً بعض الأنواع التي يرددها الرجال والنساء سوياً في العمل المشترك بينهما، ومنها:
"حجر وسيري سايره .. ولا تكوني حايره"
يتحدث المؤرخون بأن المهاجل الشعبية اليمنية صمدت لقرون، لكن لا يعرف متى وأين كان ظهورها الأول، قبل أن تنتشر في مناطق عدة من اليمن وخاصة شمال البلاد وفي الوسط، كونها مناطق تشتهر بالزراعة.
تقول زهرة حيدر لرصيف22، وهي دارسة للموروث الشعبي إن الإشكالية التي يعاني منها المؤرخون تتمثل في تحديد زمن ظهور المهاجل، حيث أجمع البعض منهم، على أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً فيما عانى منه اليمني أثناء فترة الحكم الإمامي -أي ما قبل ثورة سبتمبر 1962-، فالمهاجل -بحسبهم- كانت وسيلة للتنفيس وانعكاس لواقع الحياة آنذاك، فكان الناس يرددونها و يتناقلونها فيما بينهم.
وقد أورد عبد الله البردوني الشاعر اليمني، في كتابه ''فنون الأدب الشعبي في اليمن'' الصادر عام 1998، أن "فن المهاجل والزوامل والأغاريد، قد شكل أساس شعر العامية من الناحية التفاعيلة ومن حيث اللغة ومن حيث النكهة، وإذا كان الشعر العامي عند المثقفين من (ابن فليتة) إلى (عبدالله هاشم الكبسي) يمتّ إلى بعض البحور الخليلية والموضوعات الموروثة، فإن فن المزارع والشعاب، أشخص ينابيعه وأهم مبررات وجوده؛ لأن فن الأرياف جذَّره وخلق بيئته الاجتماعية، ولم يخرج شعراء العامية على الفصيح، إلا لأن فن الريف قد سبقهم بخلق ملكة الإيقاع وحاسة التقبل".
أما الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح فيقول في كتاب ''شعر العامية في اليمن'' والصادر سنة 1986 أن المهاجل "تدخل تحت التصنيف اللغوي الثالث للعامية المعاصرة، وهي عامية القرية، وما يميزها أن البيت الواحد يعطي دلالة ذات معنى تامّ يُحْسَن السكوت عليه وتكتمل به المقاصد التي تذهب إليها. وفيما ندر تضطر إلى تجاوز البيت أو البيتين عند الرَّد على غيرها؛ وتحصر المهاجل بزمن معين هو زمن "العلّان" الذي لا تتجاوز مدته شهرين من بداية موسمه حتى نهايته، ثم يطويها النسيان وتستعاد في العام الذي يليه. ولكون موسيقى الشعر، بأبحرها الستة عشر، صنيعة الإنسان عفوي الخاطر وليس العكس".
لكن مهاجل المرأة قد جاءت على أوزانٍ خاصة بها، يسميها البردّوني "بحر المهاجل الشعبي"، ويرى أيضاً أن شعر غزال المقدشية، وعلي ناصر القردعي ألصق بشعر "المهاجل" والزوامل لريفيتهما، حتى إن بعض أشعار غزال المقدشية من "المهاجل" صالحة لغناء هذا النوع من الأهازيج، وهذه "المهاجل" تُعد ضرباً من أهازيج العمل وأغانيه ومغارده المختلفة.
أما في كتاب ''المعجم اليمني في اللغة والأدب'' يوضح الكاتب مطهر علي الإرياني، أن "الْهَجَلَ -بفتحتين على الهاء والجيم- اسم جنس لها، والهَجْلةُ- بفتح فسكون- تطلق على الواحدة منها وتجمع على هجلات، وفي بعض المناطق تطلق الهجلة إسماً للمطولات من أغاني بعض الأعمال الخاصة أهمها (الشرف)، وهو جمع أوراق الذرة البلدي".
وهي تُغنى بأبيات مفردة بالمئات من العفوي الشعبي، وتكون على وزن معين من بحر شعري خاص يسميه الإرياني "بحر الخفيف التام" الذي لم يحفظه لنا شعر التراث وبقي في الشعر العفوي الشعبي اليمني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين