ضجة جديدة تضرب الأجواء العراقية المشحونة، بعدما شنت وزارة الخزانة الأمريكية غاراتها الاقتصادية على شركة فلاي بغداد للنقل الجوي، ووضعتها في قائمتها السوداء.
وزارة الخزانة الأمريكية، أكدت في بيانها المنشور في موقعها الرسمي، "أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها، قد أدرج شركة الطيران العراقي فلاي بغداد، ومديرها التنفيذي على قائمة العقوبات، بسبب تقديمه المساعدة إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والمجموعات الوكيلة له في العراق وسوريا ولبنان".
وتتضمن العقوبات تجميد جميع الأرصدة والأصول المالية للشركة داخل الولايات المتحدة والأنظمة المصرفية المرتبطة بها، ومنع الشركات والشخصيات المرتبطة بها، من الدخول إلى الولايات المتحدة أو التعامل معها بشكل عام.
وبالإضافة إلى المدير التنفيذي للشركة، بشير عبد الكاظم علوان الشباني، طالت العقوبات النائب في البرلمان العراقي، ورئيس "كتلة حقوق" حسين مؤنس العبودي، وهذه الكتلة هي الجناح السياسي لكتائب حزب الله، إضافة إلى مهندس الطائرات المسيرة في هيئة الحشد الشعبي، رياض علي حسين العزاوي. وكذلك أوقد محسن فرج الحميداوي، والأخير يُعتقد بعلاقته بعمليات تبييض أموال الكتائب في العراق، وهو أخو قائد العمليات الخاصة في حزب الله، أحمد محسن فرج.
ونتيجة لهذه العقوبات، فاضت أزمة داخل أروقة مطار بغداد، بعد تأخر إحدى رحلات "فلاي بغداد" الجوية، ولكن الشركة أكدت في بيانها عودة نشاطها وإستمرار رحلاتها الجوية كالعادة.
شركة فلاي بغداد هي إحدى واجهات النقل الجوي الداخلي والخارجي في العراق، تأسست في 15 تموز/ يوليو في عام 2014، ويتكون إسطولها الجوي من 8 طائرات، آخرها طائرة "boeing 737-800"، التي اشترتها في عام 2022، وتُسير الشركة رحلاتها بشكل شبه يومي إلى دمشق وبيروت وطهران، ورحلات نصف إسبوعية إلى مُدن إيرانية أخرى، إضافة إلى رحلاتها نحو إسطنبول ودبي والهند.
رئيس "كتلة حقوق" وهي الجناح السياسي لكتائب حزب الله، إضافة إلى مهندس الطائرات المسيرة في هيئة الحشد الشعبي على قائمة العقوبات الأمريكية بحقق "فلاي بغداد"... فما العلاقة التي تربطهما بشركة الطيران؟
وفي عام 2022، حاولت الشركة الدخول إلى معترك الطيران المدني في أوروبا، ولكن منظمة الطيران الأوربي منعتها من ذلك في تشرين الثاني/ أكتوبر عام 2023، بسبب عدم التزامها بمعايير السلامة.
أمريكا تفرض وفلاي بغداد تندد
نفت شركة النقل الجوي صحة الاتهامات الموجهة ضدها، وأكدت في بيان نشرته على صفحاتها الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، افتقاره إلى أي أدلة مادية أو معنوية، وقال مستشارها الجوي ومدير أمن طيرانها، نمير القيسي إن "الاتهام يستند إلى معلومات مضللة وخاطئة".
و"تمتلك الشركة بشكل طبيعي، وكأي شركة عاملة في العراق، علاقات مع جهات سياسية وحكومية، ومنها مع الجناح السياسي لكتائب حزب الله، ولكن هذا لا يعني ارتباطها بهم أو معاونتهم في تبييض أموالهم كما جاء في الإتهام"، بحسب مصدر مسؤول في شركة فلاي بغداد فضل عدم ذكر اسمه.
ويقول المصدر لرصيف22: "هذا الإجراء يبين مدى ضعف الولايات المتحدة، وتخبط خطواتها بسبب عدم قدرتها على حماية قواعدها في البلاد، وتحاول تالياً فرض سيطرتها على الأجواء العراقية كافة"، مؤكداً عدم رضوخ الشركة لمثل هذه الضغوط والاستمرار في عملها الإعتيادي.
وتحوم الشكوك حول بعض التحركات الغريبة التي رافقت التجهيز لرحلات معينة في مطار بغداد، إذ يؤكد مصدر ضمن الكادر الأمني في المطار، إخراج أعضاء المراقبة الجوية والأرضية من غرف عملهم والإبقاء على أشخاص معينين تزامناً، مع هبوط أو إقلاع الطائرات نحو إيران أو سوريا.
ويقول لرصيف22: "مثل هذه السلوكيات عززت الاعتقاد لدى الكادر بوصول شخصيات مهمة في زيارة سرية، أو نقل إمدادات عسكرية أو مالية نحو هذه الدول، وهي حالة متكررة ولكن بدون جدول زمني ثابت".
مثل هذه التصريحات تدفع إلى الاعتقاد بصحة الاتهام الموجه إلى فلاي بغداد، وهي شكوك قديمة ترجع إلى تاريخ تأسيس الشركة، بحسب الباحث السياسي، محمد العزي، الذي يعتبر الشركة مجرد واجهة لتبييض أموال إيران في المنطقة.
ويستند العزي في تصريحه لرصيف22، إلى أن "الشركة انبثقت بقوة داخل العراق في حركة مفاجئة، ورغم تطورها البطيء ولكنها تمكنت من الارتقاء إلى الواجهة التجارية بسرعة فائقة، إضافة إلى رحلاتها".
ويعتقد شعبياً عائدية الشركة إلى رجل الدين، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، عمار الحكيم، ولكن الشركة لم تواجه أية عقوبات مشابهة سابقاً.
العزي يؤكد أن لواشنطن أدوات استخبارية نشطة داخل العراق، تمكنها من كشف أي علاقة بين الشركات وإيران، ولأن طهران عاجزة عن تبييض أموالها أو أموال أذرعها داخل أراضيها بسبب العقوبات الأمريكية، وعجز سوريا عن ذلك للسبب نفسه، تلجأ تالياً إلى العراق كواجهة إقتصادية بديلة.
يؤكد مصدر ضمن الكادر الأمني في المطار، إخراج أعضاء المراقبة الجوية والأرضية من غرف عملهم والإبقاء على أشخاص معينين تزامناً، مع هبوط أو إقلاع الطائرات نحو إيران أو سوريا
وقد سبق لوزارة الخزانة الأمريكية أن فرضت عقوبات مشابهة في تموز/يوليو الماضي، ضد 14 مصرفاً عراقياً بعد اتهامها بتبييض الأموال لمصلحة طهران وتهريب العملة الصعبة لها.
من جهتها، علقت السفيرة الأمريكية لدى بغداد، آلينا رومانوسكي، على قرار إدراج شركة "فلاي بغداد" ضمن لائحة العقوبات الأمريكية، في منشور عبر منصة إكس، بأن القرار "يؤكد عزم الولايات المتحدة على التصدي للتهديد المستمر الذي يمثله الحرس الثوري الإيراني وشبكته الموالية في العراق، ووقف استخدام إيران لشركة طيران عراقية من أجل تهريب الأسلحة والمقاتلين والدولار الأمريكي، ما يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق".
وليست العقوبات الأمريكية على شركة فلاي بغداد غريبة، وكذلك بالنسبة لصحة الاتهامات الموجهة لها أو لشركات ومصارف أخرى، فالأوضاع الفوضوية والتغلغل الإيراني المستشري في كافة مفاصل المؤسسة الحكومية والعسكرية، يساعد على إثبات فرضيات اتهام موجهة للحكومة أو المفاصل الأخرى.
علاقة إسرائيلية
يسود اعتقاد واسع في الوسط العراقي، بعلاقة هذه العقوبات مع الحرب الدائرة في غزة، ومحاولة إسرائيل قطع الإمدادات العسكرية والمادية إلى حزب الله اللبناني، فإسرائبل تؤكد علاقة العراق بشحنات الأسلحة الإيرانية المرسلة إلى لبنان، وتعزز اعتقادها بعد حادثة إنقلاب الشاحنة المحملة بالأسلحة الإيرانية والتابعة لحزب الله اللبناني، قرب قرية الكحالة قرب بيروت، في أب/ أغسطس الماضي.
وعن ذلك يقول الباحث الأمني علي عبد الإله إن الطريقة المعتمدة حالياً في توصيل الأسلحة يبدأ من إيران جوياً أو برياً، ثم الهبوط في مطار بغداد الدولي وإستبدال الطائرة الإيرانية بأخرى تابعة لشركة فلاي بغداد، من أجل إبعاد الشبهات، وصولاً إلى سوريا أو لبنان، ويعتقد تورط خطوط جوية أخرى في هذه الأزمة، ومنها شركة أجنحة الشام السورية.
وعن سبب اعتماد إيران على العراق، يؤكد عبد الإله عدم اقتصاره على سيطرتها السياسية المتغلغلة في البلاد، وكثرة أذرعها السياسية والعسكرية فيه، عدا أن موقع البلاد الواصل بين طهران وعواصم سوريا ولبنان يزيد من هذه الاعتمادية، وهو نفس السبب الذي يدعوها إلى تحريك جماعاتها في البلاد من أجل طرد القوات الأجنبية الأخرى منه، إذ تعتقد أن وجود هذه القوات يعيق وصولها إلى دمشق وبيروت أو عواصم مستقبلية أخرى مثل عمان والقاهرة.
ويضيف عبد الإله أسباب أخرى أشد أهمية ومنها، عجز إسرائيل عن استهداف العراق مباشرة، إضافة إلى إبعاد طهران عن مرمى الإتهام المباشر، وقدرتها على التملص من أجل الإبقاء على قنوات التفاوض مفتوحة.
وقد سبق أن استهدفت إسرائيل قادة في الحرس الثوري الإيراني في سوريا، عبر ضربات جوية متعددة، كما تمكنت عدّة مرات من إخراج مطار دمشق الدولي عن الخدمة كان آخرها في كانون الأول/ ديسمبر 2023.
وفي هذا الصدد، يلفت أستاذ العلوم السياسية المتقاعد، عثمان الموصلي في حديثه لرصيف22، إلى أن "عجز إسرائيل عن استهداف العراق، بسبب العلاقة الوثيقة بين حكومة السوداني وواشنطن، دفعها إلى الإنابة الأخيرة عنها من أجل ردع النفوذ الإيراني عن حدودها، حيث تسعى إسرائيل قدر الإمكان إلى عزل القوى المقربة من طهران عن الواجهة، من أجل كسب حربها ضد حماس، وقطع التمويل عنها ومنع فتح جبهات جديدة تشغلها عن ذلك".
وتدرج الضربات الجوية التي تشنها واشنطن ضد الجماعات المسلحة المقربة من طهران في العراق، ضمن هذا السياق، وآخرها استهداف منطقة جرف الصخر، جنوب بغداد في 25 كانون الثاني/ يناير الحالي، إذ يُعتقد أنها مركز لمصانع الطائرات والصواريخ الإيرانية في البلاد.
يسود اعتقاد لدى شريحة من المطلعين في بغداد أن "عجز إسرائيل عن استهداف العراق، بسبب العلاقة الوثيقة بين حكومة السوداني وواشنطن، دفعها إلى الإنابة الأخيرة عنها من أجل ردع النفوذ الإيراني عن حدودها"
ويسود اعتقاد واسع،بأن طهران تحاول عبر هذه المصانع التحول من التمويل المباشر إلى التمويل عبر العراق، ويساعدها في ذلك، تشعب تغلغلها داخل جميع مفاصل البلاد.
إجراءات قانونية
شركة فلاي بغداد، أكدت عزمها على اللجوء إلى الطرق القانونية للمطالبة بتعويض مادي ومعنوي عن الأضرار اللاحقة بها نتيجة لهذا القرار، مؤكدة أن وزارة الخزانة لا تستطيع إبراز أي دليل يثبت اتهامها من الناحية القانونية.
ولكن ما الذي يمكن أن تواجهه الشركة من هذه الناحية، يؤكد الباحث القانوني، علي الموسوي لرصيف22 أن العقوبات الاقتصادية أوقعت أضراراً مادية على الشركة بسبب توقف رحلاتها إلى دول كثيرة، ومنها الإمارات العربية المتحدة، والهند.
كما دفع البنك المركزي إلى تجميد جميع الأصول المالية للشركة في خزينتها أو المصارف المرتبطة بها، ومنع تداول أسهمها في الأسواق العراقية، ويرجع التزام البنك المركزي بهذه العقوبات إلى سيطرة وزارة الخزانة الأمريكية، وبنكها الفيدرالي على العائدات النفطية العراقية، والتي تشكل الريع المالي الأساسي للبلاد.
ولكن هل يعني هذا احتمال تجميد عمل إسطول الشركة ومنع إقلاعه داخل الأراضي العراقية، الموسوي يستبعد ذلك بسبب "استقلال العراق في قانونه الداخلي"، ويستدرك أن "إتاحة عمل هذه الشركة في مطار بغداد الدولي، قد يعرض سلطة الطيران العراقية إلى مساءلة أمام الولايات المتحدة وفرض عقوبات إقتصادية عليها، إضافة إلى احتمالية استهداف أرض مطار بغداد الدولي بضربات جوية تستهدف طائرات الشركة المتجهة نحو طهران أو بيروت".
وفي الحقيقة فإن اعتقاداً واسعاً بوجود محاولات لاستبدال شركة فلاي بغداد، بالخطوط الجوية العراقية الرسمية، باعتبارها البديل الأمثل للشركة، ولامتلاكها لغطاء رسمي يمكنها من هذا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع