"لقد فقدنا الأمل. وضعوا القبيح واللطيف في سلة واحدة وقرروا إنهاء أحلامنا في الاستقرار بعد سنوات طويلة من الانتظار". يقول لرصيف22 أحمد، طالب لجوء سوداني، في الثلاثين من عمره، يعيش ويعمل في قطاع البناء في باريس منذ حوالى أربع سنوات.
ويتابع: "هذا هو الشعور السائد عند جميع المهاجرين الذين لا يملكون الإقامة. إننا نشعر بالخوف من عدم الاعتناء بنا طبياً في حالة وقوع حادث خطير أو الطرد ببساطة من البلاد على الرغم من مشاركتنا في سير الاقتصاد الفرنسي وعملنا في مهن صعبة".
يؤكد الشاب السوداني الذي يتقن أعمال السباكة والصباغة والبناء أن طلب لجوئه رفض بداية العام الماضي، واستأنفه في شهر أبريل/ نيسان وهو ينتظر جلسة استماع منذ ذلك الحين ليؤكد حسن نيته واستحالة عودته إلى السودان.
قانون بألوان اليمين المتطرف
ويبدو أن المصادقة على قانون السيطرة على الهجرة وتحسين الاندماج المثير للجدل، والذي تلون بألوان اليمين المتطرف، بعد أسبوع من المناقشات المريرة إثر فحصه في مجلس الشيوخ. ولم يعد له أي علاقة بالمشروع الذي قدمته الحكومة في البداية، يمثل تغييراً في طبيعة سياسات الهجرة الفرنسية التي تم سنها منذ 40 عاماً. واعتبره البعض ناقوس الموت لقيم الجمهورية الفرنسية، المتمثلة في "الحرية والمساواة والأخوة".
اعتبر البعض القانون الفرنسي الجديد، ناقوس الموت لقيم الجمهورية الفرنسية، المتمثلة في "الحرية والمساواة والأخوة".
ويصادق النص الذي أقره البرلمان يوم الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول عقب لجنة مشتركة بشكل خاص على إعادة العمل بتجريم الإقامة غير القانونية، وتمديد الفترة المتاحة لشخص في وضع قانوني للحصول على بعض المزايا الاجتماعية (العلاوات العائلية، والمساعدة السكنية الشخصية...)، وإمكانية احتجاز بعض طالبي اللجوء على الحدود وسحب تصريح الإقامة في حالة عدم الالتزام بـ"قيم الجمهورية". كما ينص على تمديد المواعيد النهائية للاستفادة من لم شمل الأسرة، وتشديد شروط هجرة الطلاب والرعاية الصحية مع التصويت على حصص الهجرة السنوية من قبل البرلمان.
وفيما يتعلق بقانون الأراضي، فإنه في حالة الإدانة بارتكاب جرائم فإن أي تجنيس لأي شخص من أبوين أجنبيين ولد في فرنسا يصبح مستحيلاً ولن يحصل المولود في فرنسا على الجنسية إلا بعد سن 16 عاماً.
ولهذا تتساءل نادية.م، أم مغربية لثلاثة أطفال مقيمة بمدينة ليون، عن مصير أبنائها الثلاثة الذين ولدوا وترعرعوا وتعلموا في فرنسا.
وتقول لرصيف22: "من المؤلم جداً لأطفالنا المولودين في هذا البلد الانتظار لسنوات كي يصبحوا فرنسيين. هذا الإجراء سيولد عندهم الشعور بعدم الثقة وكأنهم فرد مشكوك فيه حتى يثبت عكس ذلك أو أنهم مواطنون من الدرجة الثانية".
تحرك الجمعيات
وأمام هذه الشروط المشددة، تحركت الجمعيات والنقابات ضده ودعوا إلى تنظيم مسيرات ومظاهرات قبل صدور حكم المجلس الدستوري يوم 25 يناير/كانون الثاني. وهي خطوة أساسية ستجعل من الممكن تحديد ما إذا كان النص متوافقًا أم لا مع الدستور الفرنسي، خصوصا أن الحكومة نفسها اعترفت بأن النص يحتوي على أحكام "غير دستورية بشكل واضح".
"من المؤلم جداً لأطفالنا المولودين في هذا البلد الانتظار لسنوات كي يصبحوا فرنسيين. هذا الإجراء سيولد عندهم الشعور بعدم الثقة وكأنهم فرد مشكوك فيه حتى يثبت عكس ذلك"
ولهذا تواصل جمعيات الدفاع عن حقوق الأجانب الدعوة إلى تعبئة الفرنسيين. وقد تم تنظيم مظاهرة جديدة يوم الأحد 21 يناير/ كانون الثاني، لمطالبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون بالتخلي عن هذا القانون، والدعوة إلى التمسك بقيم الدولة "من أجل الحرية والمساواة والأخوة".
"نص قمعي"
وفي تصريحه لرصيف22، يعتبر رئيس منظمة العفو الدولية في فرنسا (أمنيستي)، جان كلود صامويي، أن: "النضال سيستمر" ويندد بمواد النص التي وصفها ب: "القمعية للغاية".
ويوضح، "كان المشروع الأولي حازماً وإنسانياً. ومع صدور القانون لم نعد سوى قمعيين. نطبع مع خطاب عنصري وتمييزي يعتبر المهاجرين تهديداً وينبني على الخوف من الآخرين ومن الاختلافات. لقد تم اغتصاب القوانين الأساسية لحقوق الإنسان".
ومن الإصلاحات التي صدمت "أمنيستي" بحسب تعبيره، "حظر الحق في السكن الطارئ بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين ودفعهم للعيش في الشارع عرضة لقسوة البرد والتشرد. والمس بالحق في حياة كريمة عبر ربط المساعدات الاجتماعية والعائلية بشروط قاسية ما يمنع الاندماج ويزيد بؤس هذه الفئة. ونخشى أيضاً من الإصلاح القادم للمساعدة الطبية الحكومية بعد التزام من رئيس الوزراء وهو مس خطير بالحق في الصحة".
"صدور القانون يعد تطبيعاً مع خطاب عنصري وتمييزي، مبني على الخوف من الآخرين ومن الاختلافات. لقد تم اغتصاب القوانين الأساسية لحقوق الإنسان". جان كلود صامويي، رئيس منظمة العفو الدولية في فرنسا
"وهناك نقطة تراجعية أخرى لهذا القانون الثاني والعشرين، وهي تقييد الوصول إلى لمّ شمل الأسرة رغم أنه لكل فرد الحق في العيش بكرامة في بيئة عائلية وبدون تحيز. هذا بالإضافة إلى أنه في السابق، كانت طلبات رفض حق اللجوء، المقدمة من المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية، تخضع للتحليل من قبل لجنة مكونة من ثلاثة قضاة. لكن ومن الآن فصاعدا،، سيحكم قاض واحد فقط".
مقترحات ورغبة في التعديل
ومن جانبها، قامت جمعية، منتدى اللاجئين، بحسب حديث لوران ديلبوس لرصيف22، المحامي في الجمعية ورئيس قسم المناصفة، بتقديم مقترحات للنواب وأعضاء مجلس الشيوخ للقيام ببعض التعديلات في النص وترك بعضها بعد أن قامت بتحليله كاملاً من الناحية القانونية.
وعلى صعيد اللجوء، تعترض الجمعية أيضاً على استخدام تقنية الاستماع عبر الفيديو لإجراء بعض المقابلات، معتبرة أنها لا توفر الضمانات اللازمة من حيث السرية.
وفي المقابل يأمل رئيس قسم المناصفة أن: "تصل رسالة المسيرات إلى المجلس الدستوري والمتعلقة أساساً بارتباط عدد معين من الفرنسيين بأسس الجمهورية ورفضهم التراجع عن الحقوق الأساسية ودعوتهم إلى إبقاء فرنسا دولة استقبال وترحيب وتضامن".
وفي حال تمت المصادقة الجزئية على القانون من قبل المجلس الدستوري في 25 يناير/كانون الثاني، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً، فسيصدر رئيس الجمهورية النص بنسخته المعتمدة ونشره في الجريدة الرسمية. ويمكن بعد ذلك تنفيذ التدابير في اليوم التالي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...