شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
صناعة الأزياء في السعودية... هل يرتفع البرقع عن الجمال المخفي؟

صناعة الأزياء في السعودية... هل يرتفع البرقع عن الجمال المخفي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 20 يناير 202412:11 م

"لم أكن أريد لأحد أن يكتشف ما كنت أفعله، كنت أقوم بكل شيء في الخفاء"، يقول مصمم الأزياء السعودي عدنان أكبر، مؤسس أول دار للأزياء الراقية في السعودية عام 1970.

هل تخيل لأي منا قبل نحو عشر سنوات، أن يتوافد عشاق الأزياء والمصممون العالميون والمحليون، وشخصيات صناعة الموضة، والمشاهير من أنحاء العالم، إلى السعودية ليشهدوا أحد أهم أحداث الجمال، والبذخ، والانفتاح في العالم، أسبوع الموضه السعودي المقام في عاصمة أزياء الرياض. والذي عقد للمرة الأولى من 20 إلى 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

يقول عدنان أكبر لرصيف22 وهو أحد المشاركين في أسبوع الموضة: "إنه حلم يتحقق، أن يكون لدينا أسبوع للموضة في السعودية، بعد رحلتي الطويلة على منصات العرض العالمية في صناعة الأزياء، مزجت فيها بين ثقافته السعودية والأُطر الغربية للأزياء، آن الأوان الآن لعرض ثقافتنا السعودية من السعودية للعالم.". 

ما الذي استجد على مشهد الأزياء السعودي؟

يعود الفضل بهذا الحدث للهيئة السعودية للأزياء، التابعة لوزارة الثقافة، والتي تأسست عام 2020، كجزء من جهد واسع تقوم به المملكة لزيادة نطاق الإنتاج الفني والثقافي.

وتعد الهيئة نتاجاً لـ"رؤية السعودية 2030" التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان مخططاً لفتح المملكة العربية السعودية أمام العالم الحديث، وإعادة المملكة لتتبنى "إسلام أكثر أعتدالاً". 

"لم أكن أريد لأحد أن يكتشف ما كنت أفعله، كنت أقوم بكل شيء في الخفاء، إنه حلم يتحقق أن يصبح لدينا أسبوع موضة في السعودية" يقول مصمم الأزياء عدنان أكبر، مؤسس أول دار للأزياء الراقية في المملكة عام 1970

تشمل هذه الرؤية 24 هدفاً تعمل على التنمية الإقتصادية والسياسية والاجتماعية للمملكة، من خلال مبادرات متنوعة، إحداها هي هيئة الأزياء السعودية.

تهدف هذه الهيئة إلى الإشراف على جودة مخرجات قطاع الأزياء في المملكة، كما تدعم ممارسيه ضمن إستراتيجية وخطط استثمارية وتطويرية تسعى لتعزيز مكانة المملكة على المسرح العالمي للموضة، ودمج ثقافتها التراثية كخط موضة منافس عالمياً. 

مبادرات هيئة الأزياء السعودية

برنامج "العلامات التجارية السعودية المئة" هو برنامج تم إطلاقة عام 2021، يمنح هذا البرنامج المصممين السعوديين خطة عمل لتطوير أعمالهم، وتوفير الأدوات لدمج علاماتهم التجارية في الأسواق المحلية والعالمية.

في السنة الاولى، تم تخصيص 5000 ساعة من التوجيه المتخصص للمصممين، في عشر فئات مختلفة من الملابس الجاهزة، والمحتشمة، والمفاهيمية، والرسمية، وشبة الرسمية، وملابس الزفاف مروراً بالحقائب والمجوهرات. وتم إضافة تصميم العطور والأحذية لخطة عام 2022. 

تم إطلاق برنامج "العلامات التجارية السعودية المئة" عام 2021، لمنح خطة عمل للمصممين لتطوير أعمالهم، وتوفير أدوات دمج علاماتهم في الأسواق المحلية والعالمية.

كما شمل البرنامج فئات عمرية تراوح بين عشرين عاماً والسبعين، من خلفيات تعليمية متعددة. والأهم، باكتساح أنثوي يبلغ 85%.

كذلك تُقدم 12 جامعة عبر المملكة، مثل جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، برامج تتعلق بالأزياء على مستويات أكاديمية متعلقة بالتصميم. رغم قصور هذه البرامج إلى تطوير مهارات فنية حيوية متعلقة بالإنتاج، مثل صنع القوالب وتكنولوجيا الملابس، إلا أن هناك رؤى لتطوير هذا الجانب أيضاً بحسب العاملين في حقل الأزياء.

لا تقتصر رؤية الهيئة على أساس تطوير المصممين المحليين فقط، فنجاح الخطة التطويرية قد بني على سلسلة متصلة من الأسس التي تشكل هذا القطاع. لتشمل العلاقات مع العلامات التجارية العالمية ورواد الأعمال، إذ تعتبر السوق السعودية موقعاً ممتازاً لنجاحها، بمعدل إنفاق سنوي يبلغ سبعة مليارات دولار على العلامات التجارية العالمية. كذلك تعدّ الشركات المصنعة، ومقدمو الخدمات اللوجستية، وموردو الآلات المتخصصة وغيرها ضمن اعتبار الهيئة.

لكن لماذا تم اختيار قطاع صناعة الأزياء تحديداً من بين عشرات القطاعات لدعمه؟  

تلبية التعطش الثقافي للمجتمع الفتي

يشكل الشباب في السعودية، والذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عام ما يقارب من 51% من السكان، ويستحوذون على جل القدرة الشرائية والرغبة الإستهلاكية. لذا ارتأت الهيئة وجوب تسليط الضوء على رغبات تلك الفئة الشرائية والإستثمار فيها.

ومن الملاحظ أن هذا الجيل، لم يعد مهووساً كسابقه بالعلامات التجارية المرموقة، بل يفضل الجهود الإبداعية المحلية. كما حصل العديد من جيل الشباب على تعليمهم في الخارج، في بيئات مجتمعية منفتحة. لذلك نجد أن آراءهم تميل إلى أن تكون أكثر تسامحاً وأذواقهم أكثر إتزاناً، حرية، وانفتاحاً. ما يخلق تحولاً اجتماعياً وثقافياً في المملكة. 

العائد الاقتصادي

تأثرت المملكة بشكل كبير بانخفاض أسعار النفط عالمياً منذ عام 2015، الأمر الذي دفع المملكة للبحث عن تنويع مصادر الدخل كجزء من التنمية الشاملة وليترافق الانفتاح الاقتصادي في مجالات عدة مع الريع النفطي، وأعاد توزيع المهمة على عدة قطاعات، ضمن رؤية السعودية 2030.

وباعتبار أن صناعة الموضة في السعودية تحمل أعلى معدلات نمو متوقعة مقارنة بأي سوق آخر، حيث لفتت الهيئة إلى أنه في عام 2022، بلغت مساهمة صناعة الأزياء في الناتح المحلي نسبة 1.4%، ما يعادل 12.5 مليون دولار. 

من الملاحظ أن هذا الجيل، لم يعد مهووساً كسابقه بالعلامات التجارية المرموقة، بل يفضل الجهود الإبداعية المحلية

بناء على هذه الرؤية، ستشهد السعودية بين عامي 2021 و 2025 ارتفاعاً في مبيعات قطاع التجزئة، بنسبة تصل إلى 48% ، ما يعادل 32 مليار دولار، بنمو سنوي يقارب الـ14%. 

الاستفادة من المساواة بين الجنسين

تركز رؤية السعودية 2030 على منح فرص أكبر لدمج النساء في سوق العمل. وخاصة أن النساء يشكلن 52% من القوى العاملة في صناعة الأزياء. كما يشكل السعوديون نسبة 66% من جميع وظائف الأزياء في المملكة.

لا شك أن المرأة السعودية تعد من الحاضرات بانتظام في أسابيع الموضة العاملية في نيويورك وميلانو وباريس، لذلك يمكن الاستفادة من دمج إطلاعها العالمي في مجال الأزياء مع المستوى الثقافي السعودي.

يقول المصمم اللبناني ناجا سعادة لرصيف22: " إن النساء السعوديات لديهن أذواق فاخرة، ويحبّنّ الكثير من التفاصيل الخاصة في ملابسهن. والتشطيبات اليدوية، والفساتين الخاصة، لأنهن لا يحبنّ أن يكن مثل أي شخص آخر".

وتقول المصممة السعودية أروى البناوي لرصيف22، وهي إحدى اللواتي شاركن في أسبوع الموضة السعودي، والمتخصصة بتصاميم البدل النسائية: "إن تصاميمي، بما في ذلك بدل الأعمال النسائية، ترسل رسالة قوية حول تمكين المرأة. في وقت ترفع المملكة العربية السعودية القيود القاسية على قيادة المرأة والعمل".

اللحاق بركب الاستدامة

تسعى الهيئة لتحقيق الأثر المستدام من صناعة الأزياء في الإقتصاد الوطني. وذلك بنسبة إشغال تعادل 1.8% من القوى العاملة، أي 230000 موظف. لا يمكن الاستهانة بقدرة هذه النسبة على تقليص نسب العجز والبطالة.

كما تسعى الهيئة إلى اللحاق بركب صناعة الموضة المستدامة العالمية، التي تركز على حماية البيئة والإنتقال إلى مصادر الطاقة المستدامة. ويشمل ذلك تبني صناعات تدمج ممارسات مستدامة في أنسجتها، من التصميم إلى الإنتاج. منها مبادرة المركز الوطني لإدارة النفايات لإعادة تدوير الملابس الغير مستخدمة. ومباردة "صالون البدل"، التي تعزز إعادة تفعيل الملابس المستعملة. ولا شك إن تبني مفهوم الاستدامة يحول أي صناعة إلى العالمية. 

دمج الثقافة السعودية مع المشهد العالمي للتنافس

لدى المملكة العربية السعودية تراث ثقافي عميق ومتنوع، إذ كانت العوامل البيئية والاجتماعية تؤثر باستمرار على ما يرتديه الناس، من المواد إلى التصاميم.

بفضل جيل الشباب الذين درسوا في الخارج، والمحملين بتأثيرات ثقافية أخرى، يتم إنتاج مزيج من الثقافة السعودية الخاصة مع التأثيرات العالمية، مشكلين بذلك تصاميم فريدة ذات رؤية واعده لمستقبل صناعة الأزياء في المملكة. 

تركز رؤية السعودية 2030 على منح فرص أكبر لدمج النساء في سوق العمل، وخاصة أنهن يشكلن 52% من القوى العاملة في صناعة الأزياء. 

تقول لرصيف22 المصممة فاطمة العبدالقادر، وهي أيضاً ممن شاركن في أسبوع الموضة: "المصمم السعودي يحظى بفرصة فريدة لتقديم الأزياء التي تعبر عن هوية ثقافية غنية وعميقة. بالإضافة إلى ذلك، هناك دعم كبير من الحكومة السعودية للمصممين المحليين".

وتضيف: "إن العمل الذي تقوم به الهيئة ليس مجرد دعم للفنون والتصميم، بل هو أيضاً تعزيز للثقافة السعودية وهوية الشعب السعودي".

وبحسب بوراك تشاكماك، الرئيس التنفيذ للهيئة السعودية للموضة: "لقد شاركت العلامات التجارية السعودية في أسابيع الموضة في باريس وميلان من قبل، لعرض مواهبهم على المستوى العالمي، مما أبهر محترفي الموضة وعشاقها حول العالم. لذلك ندعو الآن مجتمع الموضة، ولأول مره على الإطلاق إلى منزلنا، لمواكبة هذا الحدث التاريخي".

ويتابع: "المملكة العربية السعودية في طريقها لتصبح وجهة الموضة العالمية التالية".

فهل نرى مشهداً يُرفع فيه البرقع عن الجمال السعودي المخفي لعقود؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image