عندما تتوجه إلى سواحل عدن لجلسة هادئة، تجد نفسك متردداً في اختيار الوجهة التي ترغب في زيارتها، لكن حالما تضع قدميك على شاطئ صيرة، ستتغير تماماً نظرتك. ستشاهد قبالتك قلعة شامخة، تعكس أصالة وتاريخ المدينة، وعندما تلقي نظرة على ساحلها الممتد، ستغرق في إعجابك بجمال المشهد، تقف هناك لتتأمل الصور الجميلة التي تتجاوز الخيال، والأمواج المتلاطمة وقوارب الصيادين التي تقترب من الشاطئ.
تجذبك أحاديثهم عند وصولهم، وهم يفتشون أدواتهم ويفرغون ما صادوه من البحر، تستمع إلى قصصهم المثيرة وتجاربهم الشيقة مع البحر، فهم يشاركونك مغامراتهم وتحدياتهم، يروون لك عن جمال البحر وتنوع الأسماك التي لا يعرفها العامة، ومن بينها قد يثير اهتمامك خيار البحر، وهو نوع نادر يتميز بجمال شكله وألوانه، ويعتبر من بين الأنواع الفريدة التي تزخر بها المياه اليمنية، لكن أعداده اليوم تتناقص بشكل قد ينذر بخطر وشيك.
ما هو خيار البحر؟
خيار البحر هو نوع من الكائنات البحرية اللافقارية التي تعيش في المياه الاستوائية والاستوائية الدافئة، وتندرج تحت فئة الشوكيات أو القنفذيات، ويعتبر من الكائنات الشائعة في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، ويتميز بألوانه الجميلة وشكله الفريد الطولي الذي يشبه نوعاً ما نبتة الخيار، وجسمه المسطح وأطرافه المميزة.
وفي اليمن هناك أنواع فريدة من خيار البحر لا يمكن العثور عليها في أي شواطئ أخرى، وبفضل الشعاب الصخرية والمرجانية في المياه اليمنية، يجد خيار البحر بيئة مثالية للعيش والتكاثر. ووفقاً لدراسة أجراها المركز الوطني للمعلومات في اليمن، يوصف خيار البحر في اليمن بأنه "كائن رخوي أسطواني الشكل يراوح طوله بين 10 و 15 سنتيمتراً، يعثر عليه ملتصقاً بالرمال على السواحل وفي أعماق تصل إلى 20 - 40 متراً، ويصعب التمييز بين رأسه وذيله، وعند لمسه ينتفخ ويمتلئ بالسوائل، وهو كائن بطيء الحركة ولا يقاوم عند صيده".
في اليمن هناك أنواع فريدة من خيار البحر لا يمكن العثور عليها في أي شواطئ أخرى.
وتشير الدراسة إلى وجود عدة أنواع مختلفة من خيار البحر في المياه البحرية اليمنية، يعتبر النوع الأبيض الأكثر شهرة ويوجد بكثرة في جزيرة سقطرى، كما توجد أنواع مخططة ومنقطة بألوان زاهية وجذابة تجمع بين الأبيض والأحمر والأسود، إلى جانب نوع قاتم اللون وآخر يعرف بـ "أبو شوك" ويغطي جسمه شعر خفيف.
ويعتبر خيار البحر أساساً لمصائد لكثير من الصيادين الأفراد، ومصدراً هاماً للرياضة البحرية والغوص، فينجذب إليه الكثير من الغواصين لجماله وتنوعه، كما أن له فوائد طبية عديدة إذ تستخرج من جسمه مواد لها صفات مضادة للأورام ولأمراض عصبية عدة. ويستخدم كغذاء بعد تجفيفه في بعض البلدان.
وبالنسبة للأهمية البيئية لهذا الكائن، يقول لرصيف22 رشيدي محمود وهو إعلامي وباحث متخصص بشؤون الصيادين والحياة البحرية في خليج عدن: "يعتبر خيار البحر من الكائنات التي تعمل على عملية التوازن البيئي في قاع البحر، ويحافظ على الشعاب المرجانية من أي عوالق أو مخلفات سامة، وينظف المياه من الملوثات".
ولهذا، يشير الباحث إلى أن اصطياد خيار البحر بكميات كبيرة وبشكل غير منظم هو ممارسة ممنوعة محلياً وعالمياً بهدف الحفاظ عليه، لذا يلجأ كثير من الصيادين للحصول عليه بسرية وبشكل غير قانوني لبيعه بأسعار مرتفعة.
يعتبر خيار البحر أساساً لمصائد لكثير من الصيادين الأفراد، ومصدراً هاماً للرياضة البحرية والغوص، كما أن له فوائد طبية عديدة إذ تستخرج من جسمه مواد لها صفات مضادة للأورام ولأمراض عصبية عدة. ويستخدم كغذاء بعد تجفيفه في بعض البلدان
وبالفعل فإن وزارة الثروة السمكية في اليمن تتخذ منذ سنوات إجراءات بحق الصيادين الذين يخالفون قوانين صيد خيار البحر وتنظيمه، بهدف الحفاظ على هذا الكائن ومنع تراجع أعداده في البحر.
وفي اليمن يمكن بيع القطعة الواحدة من خيار البحر بسعر 1500 ريال (نحو 6 دولارات). وبلغت صادرات البلاد منه قبل الحرب أكثر من 500 طن سنوياً وكانت له عائدات بأكثر من 15 مليون دولار، لكن بعد الحرب تراجعت هذه الأرقام، وحالياً لا توجد معطيات رسمية عن حجم الصادرات والعائدات المادية المتعلقة بهذه الثروة.
مخاطر عدة
تواجه ثروات البحر اليمنية تحديات عديدة، وتؤثر التغيرات المناخية والتلوث على تكاثر واستدامة خيار البحر وسلامته.
وبحسب محمد سعد وهو باحث متخصص في الشؤون البحرية، فإن للتغيرات المناخية على الأحياء البحرية بالغ الأثر، لأن أي اختلاف أو تغير في درجة الحرارة يؤثر مباشرة على سلوك الأحياء البحرية وإفرازات الغدد لديها، وبالتالي يحدث تغير في مواعيد نضج الأعضاء التناسلية وسلوكها واستعدادها للتزاوج.
ويضيف: "معروف أن خيار البحر في سلسة تطور حياته يبدأ بأحياء عالقة طافية في البحر وغير قاعية، ثم يتحول إلى الحياة القاعية فوق أو داخل القيعان الرطبة أو بالجوار من الشعاب والحيد المرجاني". وفي كل الأحوال يتأثر بتغيرات درجة حرارة المياه وملوحتها وغيرها من الخواص، هذا إلى جانب المخاطر التي تتعرض لها الشعاب المرجانية نفسها بسبب ارتفاع الحرارة الذي يؤثر على صحتها وأجهزتها المناعية وقد يعرضها للوفاة.
من جهة أخرى، فقد ازدهرت تجارة خيار البحر وتصديره، وأصبحت تشهد طلباً متزايداً من قبل التجار. لذلك نجد الصيادين اليمنيين يجمعونه من الشواطئ وحتى في الأعماق البحرية دون تنظيم أو وعي بشروط ومعايير صيده، ما يشكل خطراً على بقائه وتكاثره ويهدد توازن البيئة البحرية، خاصة وأن نمو بيضة هذا الكائن يحتاج من خمس إلى ثماني سنوات، وصيده قبل نموه بالشكل التام يؤثر على قدرته على التكاثر ويحتاج الأمر سنوات طويلة لاستعادته.
تواجه ثروات البحر اليمنية تحديات عديدة، وتؤثر التغيرات المناخية والتلوث على تكاثر واستدامة خيار البحر.
وتشير دراسة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" إلى بعض الممارسات الواجب اتباعها عند صيد خيار البحر، ومنها جمع الحيوانات الكبيرة فقط وترك الصغيرة كي تنمو، واستخدام اليدين فقط في الصيد بغرض عدم الإضرار بالبيئة البحرية والشعاب المرجانية، وترك الأنواع النادرة للحفاظ على التنوع البيولوجي.
الحلول للازمة للحفاظ على خيار البحر
يوضح سعد لرصيف22 الحلول المطلوبة للمحافظة على خيار البحر، ومنها دراسة تأثير ارتفاع درجة الحرارة على النضوج الجنسي لهذا الكائن وانتشاره، فالتغيرات المناخية تتطلب إجراء خطط وعمليات للتكيف مع آثارها والحفاظ على الثروات والموارد البيئية وتنميتها.
ويشير إلى ضرورة التفكير بالإدارة المستدامة للموارد البحرية الحية ومنها خيار البحر، لأن مخزونه تعرض إلى استنزاف أدى إلى ندرة وجوده في المصايد التقليدية له، ورغم وجود قرارات رسمية بوقف اصطياد خيار البحر، وتوجيه مركز أبحاث علوم البحار لدراسة وتقييم حالة المخزون وتحديد الكميات الممكنة لاصطياده دون الضرر بالمخزون، لكن هذه الدراسة لم تنفذ حتى الآن، كما أن الالتزام بالقوانين ضعيف جداً، خاصة بعد اندلاع الحرب.
ويطرح الباحث ضرورة التزام اليمن وجميع الدول باتفاقية "سايتس" التي تنظم التجارة الدولية بالحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض، وهي اتفاقية دولية بين الحكومات تهدف إلى التأكد من أن التجارة بأنواع الحيوانات والنباتات البرية وأجزائها ومشتقاتها لا تهدد بقاء تلك الأنواع في بيئاتها الطبيعية، وتوفر الوسائل الكفيلة بحماية العديد من هذه الأنواع.
ويتابع محمد الحديث عن مشكلة كبرى وفق رأيه، وهي عدم وجود إحصائيات حقيقية يمكن أن يعول عليها لمراقبة حالة المخزون السمكي وإجراء التدخلات اللازمة لتنظيم الاصطياد.
ازدهرت تجارة خيار البحر وتصديره، وأصبحت تشهد طلباً متزايداً من قبل التجار. لذلك نجد الصيادين اليمنيين يجمعونه من الشواطئ وحتى في الأعماق البحرية دون تنظيم أو وعي بشروط ومعايير صيده، ما يشكل خطراً على بقائه وتكاثره ويهدد توازن البيئة البحرية
ويقول: "الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية والتي كانت في السابق مركز أبحاث علوم البحار لا تستطيع إجراء دراسات تحديد المخزون السمكي ولا حتى تحديد أسقف الاصطياد للموارد السمكية، لعدم وجود مخصصات مالية، ولخلوها من الكوادر البحثية نتيجة لتقاعدهم، وعدم استشعار المسؤولية لدى الحكومات المتعاقبة في إيفاد خريجي الثانوية العامة إلى الخارج التأهيل في مجال علوم البحار والمخزون السمكي".
وقد صدر قرار عن محافظة سقطرى منتصف العام الفائت بوقف اصطياد خيار البحر من ضمن أحياء بحرية سيادية أخرى حتى نهاية الموسم بغرض الحفاظ عليه، لكن يبقى السؤال عن مدى الالتزام بالأمر.
قد يكون خيار البحر مجرد كائن بحري، ولكنه جزء من الثروات التي تميز اليمن، وتساهم في تنوع الثقافة والاقتصاد اليمنيين، لذلك يجب على الجهات المختصة والمجتمع المحلي تكثيف جهودهم في حماية هذا المورد الثمين والحفاظ على استدامته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون