شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أول من قدّم

أول من قدّم "الممبار" في مصر ومبتكر "النيفة"... جولة على مطاعم تخطى عمرها المئة عام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتاريخ

الجمعة 19 يناير 202411:00 ص

لا توجد آلة زمن تُمكّنكم/ نّ من العودة إلى الماضي، لكن لحسن الحظ يُمكنكم/ نّ القيام برحلة لذيذة إلى الوراء في الوقت الراهن من خلال زيارة مطاعم يعود تاريخ بعضها إلى قرون مضت ولا تزال موجودةً وتفتح أبوابها للزبائن.

في هذا التقرير، نستكشف مجموعة مطاعم مصرية تخطى عمرها المئة عام وبعضها ابتكر أطباقاً باتت من أشهر الأكلات الشعبية في مصر.

"مطعم الدهان"

قبل أكثر من 130 عاماً، بدأت قصة مطعم الدهان للمشاوي الشرقية في العام 1890، على يد الحاج علي الدهان.

الدهان هو واحد من أشهر المطاعم التي تقدّم المأكولات المشوية على الفحم، حيث لا يزال يحافظ على جودة الطعم والمذاق برغم مرور عشرات السنين على تأسيسه.

لا توجد آلة زمن تُمكّنكم/ نّ من العودة إلى الماضي، لكن لحسن الحظ يُمكنكم/ نّ القيام برحلة لذيذة إلى الوراء في الوقت الراهن من خلال زيارة مطاعم يعود تاريخ بعضها إلى قرون مضت ولا تزال موجودةً وتفتح أبوابها للزبائن

"المطعم بدأ بالنيفة"؛ هكذا يقول أحمد الدهان، مدير الفرع الرئيسي لمطعم الدهان وأحد أحفاد الحاج علي الدهان، ويؤكد لرصيف22، أن "النيفة دي كانت اختراع... لحمة بتتشوي تحت الأرض على البخار"، لافتاً إلى أن جدّه شارك بها في العام 1936 في مسابقة المعرض الزراعي الصناعي الخامس عشر خلال عهد الملك فؤاد الأول، وحصل على الميدالية الفضية، ثم تطور الأمر وقدّم "الدهان" الكباب والكفتة و"الفراخ المشوية" (الدجاج) إلى جانب النيفة.

وعن المطعم والنيفة التي ابتكرها مطعم الدهان، يقول الكاتب أحمد محفوظ، في كتابه "خبايا القاهرة" الصادر في 2008، ويتناول ليالي القاهرة وخفاياها في بدايات القرن العشرين، إن "من أشهر مطاعم اللحوم في القاهرة: محل الحاج علي الدهان (الشهير بالعقر) في السكة الجديدة، وهو يقدّم لحوم الجداء مطهوةً في تنانير عميقة، تُسدّ أفواهها بالطين وتُحمّى بالفحم حتى تنضج".

ومن أشهر أطباق اللحوم التي يمكن تناولها في مطعم الدهان، النيفة والكفتة و"الكباب الضاني"، وكذلك الريش والكبدة، أما بالنسبة إلى الدواجن فالأفضل في المطعم هي "الفراخ المشوية" و"الحمام المحشي".

يقع الفرع الرئيس لمطعم الدهان، في 16 شارع جوهر القائد، في حي الحسين العتيق في القاهرة، على بعد خطوات من مسجد الحسين وخان الخليلي وشارع المعز لدين الله الفاطمي، وبالقرب من منطقة الغورية وأبواب القاهرة القديمة والمسرح القومي في العتبة.

وللدهان فروع عديدة في القاهرة الكبرى، لكن يبقى فرع الحسين هو الأساس ويتميز بطرازه المصري العتيق. وسوف تجدون/ ن على جدرانه صور العديد من المشاهير المصريين وحتى العالميين الذين زاروه كالفنان الهندي أميتاب باتشان، إلى جانب بعض الوثائق الخاصة بتأسيس المطعم.

وجرت الإشارة إلى المطعم في العديد من الأعمال السينمائية والدرامية، ومنها فيلم "أهل القمة" بطولة الفنان نور الشريف، إنتاج 1981، كما تم تصوير أحد مشاهد فيلم "سكوت هنصور"، للفنانة لطيفة، داخل فرع الحسين، عام 2001.

"مسمط الركيب"

يقع المقر الرئيس لمطعم "مسمط الركيب" في منطقة العتبة في العاصمة المصرية القاهرة، وهو واحد من أقدم المطاعم التي تقدّم ما تُسمّى بفواكه اللحوم/ إكسسوارات البهائم، وهي المكونات الداخلية للذبائح مثل: "الكوارع، لحمة الرأس، الكبدة، جوهرة، الممبار، الفشة، الطحال، اللسان والعكاوي".

يعود سبب تسمية المطعم بهذا الاسم إلى يوسف الركيب، الذي كان "شيفاً عمومياً" في قصر الخديوي إسماعيل، ويهوى ركوب الخيل فلُقّب بـ"الركيب"، وفق حفيده محمد إبراهيم، الذي يقول لرصيف22: "إن المكونات الداخلية للذبائح كالجوهرة (عين الماشية)، كانت تباع في الشارع نيئةً، لكن محمود نجل يوسف الركيب، الذي كان عاشقاً لحرفة الطبخ كوالده، قرر في العام 1902، أن يبيع فواكه اللحوم بعد تسويتها على عربة في الشارع، وهو أول من قام بحشو الممبار (الفوارغ)، ثم تطور الأمر من عربة في الشارع إلى مطعم على يد عبد الوهاب محمود، الحفيد الأول ليوسف الركيب، الذي كان مطعمه أول مسمط في مصر".

من أشهر أطباق اللحوم التي يمكن تناولها في مطعم الدهان، النيفة والكفتة و"الكباب الضاني"، وكذلك الريش والكبدة، أما بالنسبة إلى الدواجن فالأفضل في المطعم هي "الفراخ المشوية" و"الحمام المحشي"

ميزة المطعم أنه موجود في قلب القاهرة، وقريب من العديد من المعالم السياحية، حيث يُمكنكم/ نّ تناول الطعام هناك والذهاب إلى متحف الفن الإسلامي في منطقة باب الخلق في القاهرة الذي يُعدّ أكبر متحف إسلامي في العالم، أو زيارة شارع المعز لدين الله الفاطمي والتجول في الحواري والأزقة التاريخية المتفرعة منه.

وإذا كنتم/ نّ من هواة قراءة الكتب، فمن الممكن أن تذهبوا/ ن إلى سور الأزبكية الذي يضم عشرات المكتبات بعد أن تجرّبوا/ ن في مسمط الركيب "رغيب مشكل" أو طلب كوارع ويتراوح سعر الطبق ما بين 80 إلى 120 جنيها (من 2.5 إلى 4 دولارات).

يُذكر أن "مسمط الركيب" كانت له فروع عدة أبرزها في حي السيدة زينب، وقد تأسس في العام 1940، لكنه أُغلق قبل بضع سنوات كما هو الحال بالنسبة لفروع باب الشعرية وشارع 26 تموز/ يوليو، والتي جرى إغلاقها أيضاً قبل عقود، فيما لا يزال فرع منطقة مساكن فيصل في محافظة الجيزة مفتوحاً.

ووفق محمد الركيب، المسؤول عن إدارة المطعم حالياً، كان العديد من المشاهير يزورون المسمط، ومن هؤلاء الفنان الراحل فاروق الفيشاوي، عادل إمام، يحيى الفخراني وحسن حسني: "الفنان فاروق الفيشاوي كان بيحب يطلب من عندنا اللسان العجالي، وزمان لما كان الرغيف نص جنيه كان يجي يقول لجدّي عايز رغيف بخمسة جنيه".

"زكي السماك"

يُعدّ مطعم الحاج زكي السماك وولده عبدالمنعم، أقدم مطعم أسماك في مصر، تأسس قبل 103 سنوات، وبالتحديد في العام 1921 في منطقة بولاق أبو العلا في القاهرة على بعد عشرات الأمتار من مجرى نهر النيل. ولم يكن المطعم في البداية مخصصاً لبيع الأسماك فقط، إذ كان يبيع السمك لأربعة أيام في الأسبوع، فيما يبيع الكباب والكفتة/ لحوم، في باقي أيام الأسبوع (ثلاثة أيام).

وتقول إدارة المطعم في "نبذة عن زكي السماك" في قائمة الطعام إنه "تأسس في عهد الملك فؤاد الأول (...) وبحكم مرور المطعم بحقب سياسية مختلفة كان للحاج زكي دور مهم في مساندة الضباط الأحرار في مواقف عدة لمكافحة الاستعمار بحكم أنه كان في ذلك الحين من أبرز شخصيات بولاق أبو العلا، إذ انبعثت منها الثورة (ثورة/ انقلاب 23 تموز/ يوليو 1952)، وكان أكبر تكريم هو حضور الرئيس جمال عبد الناصر وضيوفه من رؤساء العالم أكثر من مرة ليصبح المطعم من أشهر مطاعم مصر وتتردد عليه أبرز الشخصيات الاجتماعية في ذلك الحين".

"الفنان فاروق الفيشاوي كان بيحب يطلب من عندنا اللسان العجالي، وزمان لما كان الرغيف نص جنيه كان يجي يقول لجدّي عايز رغيف بخمسة جنيه"

جرّبوا/ ن في "زكي السماك"، سندويتشات السمك الفيليه والجمبري والسبيط، التي تُعدّ الأبرز لديه والأكثر طلباً من بين المأكولات البحرية التي تتضمنها قائمة الطعام هناك، وبعد ذلك يمكنكم/ نّ زيارة مسجد السلطان "أبو العلا"، المواجه للمطعم أو التوجه إلى متحف المركبات الملكية القريب منه والذي يعود تاريخه إلى عصر الخديوي إسماعيل الذي حكم مصر من العام 1863 حتى 1879، كذلك يُمكنكم/ نّ المشي على كورنيش النيل والقيام بنزهة على متن فلوكة/ مركب في النهر.

"مطعم عاصي"

على بعد ما يزيد عن 263 كيلومتراً من القاهرة، وبالتحديد في شارع الصاغة في مدينة دمنهور في محافظة البحيرة، يقع مطعم "علي حسن عاصي" الذي يُعدّ من أشهر المطاعم الشعبية العتيقة خارج حدود العاصمة المصرية، ويفتح المطعم الذي يقدّم الفول والطعمية (الفلافل)، أبوابه للزبائن فجراً حتى الثالثة عصراً كل يوم منذ 105 سنوات دون توقف.

تأسس مطعم "عاصي" على يد الحاج علي العاصي، في العام 1919، ويُعدّ واحداً من أشهر مطاعم الفول والطعمية في البلاد. لكن فترة ما قبل ثورة/ انقلاب 23 تموز/ يوليو 1952، كانت الأبرز في تاريخ المطعم، إذ كان يستقطب خلالها الكثير من المشاهير وكبار رجال الدولة والسياسة ورأس السلطة نفسه، وقد حظي فول "عاصي" بإعجاب الملك فاروق الشديد حينما تذوّقه. وكان الحاج علي العاصي يرسل له قدراً من الفضة ممتلئاً بالفول كل يوم وفق تقرير لجريدة الأهرام الحكومية.

"كان أكبر تكريم هو حضور الرئيس جمال عبد الناصر وضيوفه من رؤساء العالم أكثر من مرة ليصبح المطعم من أشهر مطاعم مصر وتتردد عليه أبرز الشخصيات الاجتماعية في ذلك الحين"

وفي تصريحات صحافية، روى محمد شعبان عاصي قصة جدّه الراحل مع الفول الملكي قائلاً إن جدّه التقى الملك فاروق في إيطاليا، ثم عاد معه إلى مصر، وكان يجهز 6 أقدار فضية من الفول المدمس تذهب إلى الملك كل صباح، واستمر ذلك حتى ثورة 1952، لافتاً إلى أنه تم نشر صورة في مجلة "المصوّر" في عدد آب/ أغسطس في العام 1937، تجمع الملك فاروق مع الحاج علي عاصي. وأضاف أنه "حينما وُلد الأمير أحمد فؤاد أهداه جدّي قدراً من الفول المدمس مصنوعاً من الذهب يزن نحو 460 غراماً"، مؤكداً أن القدر ما زال موجوداً الآن في متحف قصر المنتزه.

إذا كنتم/ نّ من عشاق الفول المدمس، فلا تفوّتوا/ ن، تجربة تذوق فول "عاصي" عند زيارة محافظة البحيرة، ويُمكنكم/ نّ بعد ذلك زيارة دير وادي النطرون الذي يمثل أول تجمع رهباني مسيحي، ويعود للقرن الرابع الميلادي، ثم زيارة فنار رشيد الذي يعود للقرن التاسع عشر الميلادي، وقلعة قايتباي التي شيّدها السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي في القرن الخامس عشر ميلادي.

"كبابجي البيباني"

بدأت قصة "كبابجي البيباني" في العام 1802، كملحمة على يد الحاج سيد البيباني، الذي رأى بعد نحو ثمانية عشر عاماً ألا يكتفي ببيع اللحوم وأن يفتتح مطعماً في الجهة المقابلة لمحل الجزارة لتقديم الكباب والكفتة، باسم "البيباني"، الذي سيطلق لاحقاً اسمه على الميدان الذي يقع فيه.

"بمجرد أن تطأ قدمك ميدان البيباني، ستشم رائحة الكباب والكفتة تفوح من المطعم الذي يُعدّ أقدم الكبابجية في مصر"، وفق ما يذكر كامل البيباني، المسؤول في المطعم وأحد أحفاد مؤسسه لرصيف22، كاشفاً أن المطعم كان يقدّم في البداية الكباب والكفتة الضاني فقط: "كانت كفتة ضاني صافي متاكلش زيها عند أي حد تاني، لكنه أدخل مع مرور السنين الكثير من الأصناف الأخرى"، ويشير إلى أنهم أول من ابتكر "الفراخ المحشية" التي "لن تجد مثلها في أي مكان آخر"، على حدّ قوله.

حظي فول "عاصي" بإعجاب الملك فاروق الشديد حينما تذوّقه. وكان الحاج علي العاصي يرسل له قدراً من الفضة ممتلئاً بالفول كل يوم

ويوضح البيباني الحفيد أن المطعم كان يتوافد عليه "بشوات الحملية"، والكثير من كبار رجال الدولة مثل علي باشا مبارك، الذي يُعرف بـ"أبي التعليم في مصر"، وعلي باشا إبراهيم، أول عميد مصري لكلية طب القصر العيني.

ويختتم حديثه قائلاً: "إحنا ورثنا اسم كبير وبنحاول نحافظ عليه ونحافظ على جودة الطعام".

إذا كنتم/ نّ تبحثون/ ن عن مطعم من حقبة القرن التاسع عشر، فيمكنكم/ نّ الذهاب إلى "كبابجي البيباني"، لتجربة الكباب والكفتة، ثم تنطلقون/ ن نحو قلعة صلاح الدين الأيوبي القريبة من المطعم. وإذا كنتم/ نّ من هواة الآثار الإسلامية فعلى بعد خطوات من المطعم هناك مسجد الخديوي عباس حلمي الثاني.

يُذكر أن "كبابجي البيباني"، يقع في شارع القلعة في المنطقة التي عُرفت بعد عشرات السنين من تأسيس المطعم باسم "الحلمية" نسبةً إلى الخديوي حملي الأول (حكم مصر بين عامي 1848 و1854)، والذي أنشأ فيها "سراي" ضخمةً هُدمت في أوائل القرن العشرين وتكوّن على أنقاضها وفي محيطها حي "الحلمية". وللمطعم ثلاثة فروع منها اثنان في منطقة المقطم وفرع في حدائق القبة.

وقد تمت الإشارة إلى مطعم "البيباني"، في مسلسل "ليالي الحلمية"، أحد أبرز الأعمال الدرامية المصرية في أكثر من مشهد، والذي تدور أحداثه في عصر الملك فاروق في منطقة الحلمية.

كما أشار المطرب علي الحجار إلى المطعم في أغنية الخيامية، حيث قال في مطلع: "من جنب باب البيباني كفوفي مستغلباني".

مطاعم أخرى

بالإضافة إلى المطاعم التي ذكرناها، هناك العديد من المطاعم العتيقة في مصر، تجاوز بعضها المئة عام مثل مطعم "التابعي الدمياطي" الذي تأسس في العام 1910، في محافظة دمياط، وله فروع عدة داخل مصر وخارجها، والبعض الآخر لم يُكمل قرناً من الزمن لكن عمره تجاوز الخمسين عاماً، مثل مطعم "نيفة النجاحي" الذي تأسس في العام 1945، وهو أشهر محل "نيفة" في البلاد حالياً، و"كشري أبو طارق"، الذي تأسس في العام 1950، وهو ضمن أفضل 100 مطعم حول العالم. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image