من زلزال تركيا وسوريا، مروراً بزلزال المغرب، وصولاً إلى فيضانات ليبيا، وانتهاءً بالحرب الإسرائيلية على غزّة؛ كان عاماً صعباً.
لم نعتد المشهد برغم كل شيء.
في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، بات وجع الآخر قريباً جداً. أقرب مما نتخيل. هو حرفياً على بعدِ لمسة واحدة. وبات التوثيق كذلك أسهل بكثير مما كان عليه في السابق. فكل من يحمل "موبايلاً" يمكنه أن يوثق مشهداً أو حدثاً ما، اليوم.
كم تمنينا في الحصاد السنوي هذا، أن ننظر إلى الخلف، ونرى لحظاتنا المُفرحة، موثقةً في صورٍ، ولكنها تبدو مهمةً صعبةً اليوم مع الوضع الحالي في المنطقة. في ما يلي بعض أبرز الصور التي تُلخّص عام 2023، بالتسلسل الزمني للأحداث، على أمل أن يحمل عام 2024 تعويضاً عن كل لحظة حزن عاشها العالم هذه السنة.
1- كانت ترتدي قميصاً أخضر في أثناء زلزال سوريا وتركيا
كثيرة هي صور ما بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، فجر الإثنين 6 شباط/ فبراير 2023، من بينها هذه التي تعود إلى قبر "مجهولة الهوية، طفلة لابسي كنزة خضرة"، أي طفلة كانت ترتدي قميصاً أخضر. انتشرت هذه الصورة لما فيها من قهرٍ. فالطفلة لم تعِش، ولم تختَر طريقة الموت هذه، ولم ترد أن تكون مجهولةً. مشاعر الحزن كانت مضاعفةً. فالشعب السوري عاش مآسي كثيرةً منذ عام 2011. "ألم تكن كافيةً؟"، تساءل كثر.
من "سيلفي" عصام عبدالله، إلى قبر "مجهولة الهوية، طفلة لابسي كنزة خضرة" عقب زلزال سوريا وتركيا، مروراً بـ"ماذا لو وُلد المسيح اليوم؟"... 2023 في عشر صور
2- زلزال المغرب وتساؤلات حول البنية التحتية
تصوير فاضل سنة، وكالة فرانس برس
انتشرت هذه الصورة لمسنّة مغربية صباح اليوم التالي للزلزال الذي ضرب مناطق جنوبيةً في المغرب مساء يوم 8 أيلول/ سبتمبر 2023، بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، وقتل ما لا يقل عن 2،946 شخصاً. ولّد الزلزال مجموعةً من الأسئلة حول ضعف البنية التحتية وقدم المباني وكذلك حول تأخّر الاستجابة الحكومية ونجدة الضحايا، وصعوبة الوصول إلى الضحايا تحت الأنقاض في الجو المعتم.
3- قبل فيضانات ليبيا وبعدها
كانت هذه المقارنة بين صورٍ كثيرة للمشهد الكارثي الذي عاشه شرق ليبيا بعدما ضربتها الفيضانات في الفترة من 9 إلى 11 أيلول/ سبتمبر 2023، بسبب العاصفة المتوسطية دانيال التي اجتاحت معظم مناطق المنطقة الشرقية ومدنها، والتي قتلت أكثر من 4،352 شخصاً على الأقل، وتسببت في نزوح أكثر من 43 ألفاً، في حين ما زال 8 آلاف آخرون مفقودين، ذلك بجانب الخسائر الهائلة في البنى التحتية والمنشآت والمنازل والملكيات الخاصة التي جرفتها السيول. في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2023، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إنه ينبغي إجراء تحقيق مستقل لمراجعة أوجه تقاعس السلطات الليبية في التعامل مع الفيضانات الكارثية التي تسببت بدمار واسع، وجرفت أحياء بأكملها، وقتلت الآلاف.
4- عصام عبد الله بين نشره "ستوري" ومقتله
استوقفت هذه الصورة كثيرين.
صورة "سيلفي" نشرها عصام عبد الله، المصوّر الصحافي اللبناني في رويترز، قبل دقائق من قتله من قبل إسرائيل، يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، محولةً إياه من ناقل للخبر إلى الخبر نفسه، وذلك عندما استهدفته بجانب عدد من زملائه الصحافيين الذين كانوا يرتدون بشكل واضح السترات الصحافية والخوذ، ويقومون بعملهم الصحافي، في تغطية الاشتباكات التي وقعت بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي في علما الشعب، جنوب لبنان.
"قُهر" كثيرون بسبب مقتل عصام، خاصةً أن الوكالة التي يعمل فيها، "رويترز"، نعته دون أن توجه اتهامات مباشرةً إلى إسرائيل في بادئ الأمر، قبل أن تنشر تقريراً يوم 7 كانون الأول/ ديسمبر الجاري تقول فيها إن إسرائيل قتلت عصاماً.
صورة عصام بقيت على حسابه لمدة 24 ساعةً. لا ندري كم مرةً شوهدت، ولكن المؤكد أن هناك من عاد إليها مراراً، غير مصدّق أن من نشر هذه الصورة قبل قليل، لم يعد حيّاً.
5- موتٌ برائحة الطعام
تصوير الصحافي أحمد حجازي
في ليلة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قصفت إسرائيل المستشفى الأهلي (المعمداني) في غزة، في استهداف مباشر، لتقتل المئات من المدنيين، من بينهم الطفل الذي انتشرت صورة له في أولى لحظات قصف المستشفى، وبيده ما تبقى مما كان يأكله.
يعود رقم الضحايا الكبير إلى تحوّل المستشفى جزئياً إلى ملجأ للعديد من السكان النازحين آنذاك، الذي فرّوا من القصف الإسرائيلي لمنازلهم، قبل أن يخوضوا رحلات نزوح عدة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حتى كتابة هذه السطور.
كم تمنينا في الحصاد السنوي هذا، أن ننظر إلى الخلف، ونرى لحظاتنا المُفرحة، موثقةً في صورٍ، ولكنها تبدو مهمةً صعبةً اليوم مع الوضع الحالي في المنطقة
6- يحدث في غزة: ماء الزهر لعلاج العدوى البكتيرية
تصوير الطبيب غسان أبو ستّة
هذه الصورة نشرها الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ناقلاً "الحد الذي وصلت إليه الأمور" في غزة. فقد استخدم ماء الزهر لعلاج العدوى البكتيرية.
عمل أبو ستة برفقة عدد من الأطباء تحت ظروف غير عادية، وكان في كل مرة يطلّ عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليعطي تحديثاً حول القطاع الصحي تحت القصف وفي ظل نقص الإمدادات الطبية، وكذلك لينقل فظاعات إسرائيل التي شهد عليها. يوم 18 كانون الأول/ نوفمبر 2023، غادر غزة جرّاء تدهور الأوضاع، وكتب: "قلبي وروحي لا يزالان هناك مع مرضاي. أتذكر أسماءهم وأوجاعهم. سأقاتل حتى يحصلوا على العلاج الذي يحتاجون إليه والعدالة التي يستحقونها. قلبي مكسور بطرق لم أكن أعلم أنها ممكنة"، علماً أنه لم يتوقف يوماً عن الحديث عن غزة، وكذلك قدم شهادته في سياق مسار قضائي بريطاني كشاهد على جرائم حرب في غزة.
7- معتز عزايزة: "ماذا أريكم أكثر من ذلك؟"
تصوير مصطفى مسلم
انتشرت هذه الصورة بكثرة في اليوم الـ30 من العدوان الإسرائيلي على غزة، وهي صورة نشرها المصوّر معتز عزايزة، ليشرح الوضع كما هو بالتحديد: شيء ما بين التعب والخيبة والحسرة والـ"ماذا بعد؟".
أرفق صورته بالكلمات التالية التي لا تزال ساريةً حتى اليوم:
"لا أعرف ما الذي يجب فعله أكثر من ذلك؟ ما الذي يمكن خسارته أكثر من ذلك؟ أو ماذا أريكم أكثر من ذلك؟
سنُقتل جميعنا. الإرهاب يقتلنا من الداخل، ولا أحد سيوقف هذه الإبادة. إلى العالم أجمع، توقفوا عن إعطائنا بعض النصائح. مرّ شهر!".
8- هدنة
تصوير عرفات بربخ، رويترز
استطاع أطفال غزة أن يسمعوا صوت الهدوء، وصوت اللعب والضحك كما ينبغي، خلال الهدنة التي استمرت سبعة أيام، وتجدد بعدها القصف الإسرائيلي على مناطق متفرقة من القطاع. الصورة من فعالية نظمها متطوعون للترفيه والتخفيف عن الأطفال النازحين في خان يونس يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ومن غير المعروف مصير من في الصورة بعد القصف الحالي لخان يونس.
9- "إن وُلد المسيح من جديد اليوم، فسيولد تحت الركام"
تصوير القسيس منذر اسحق
"ألغي الاحتفال بعيد الميلاد هذه السنة، لأنه من المستحيل الاحتفال بينما تتم إبادة شعبنا في غزة".
هذا ما قاله قسّ الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم، منذر إسحق، موجهاً رسالةً إلى العالم من خلال تغيير مشهد المهد لهذا العام، قائلاً إنه بينما يحتفل العالم بعيد الميلاد بطرائق عدّة، "هكذا يبدو عيد الميلاد في بيت لحم، مولد المسيح"، مضيفاً: "إن وُلد المسيح من جديد اليوم، فسيولد تحت الركام في غزة، تضامناً مع شعب غزة".
وكان بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس قد أعلنوا في بيان "إلغاء جميع الفعاليات الاحتفالية بعيد الميلاد المجيد لهذا العام، واقتصارها على الصلوات والطقوس الكنسية والدينية".
10- رصيف22 يدخل عامه العاشر
ومن العام إلى الشخصي، سنعود قليلاً إلى الوراء.
في آب/ أغسطس 2023، أتمّ رصيف22 عامه العاشر. هذه الصورة بمثابة احتفال مصغر لبعض أفراد الفريق الذين يتوزعون في عددٍ من البلدان.
بمناسبة "عيدنا" العاشر، نشرنا ملفاً خاصاً حول المستقبل بعنوان "على رصيف المستقبل"، أردنا من خلاله أن نركز على ما هو قادم برغم إدراكنا أن التفكير في المستقبل بتفاؤل، يبدو مهمةً شبه مستحيلة اليوم. لكننا نريد أن نحاول، كما حاولنا في الماضي وسوف نحاول غداً. (يمكنك تصفّح الملف وقراءته عبر هذا الرابط)
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.