تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
يعاني أفراد مجتمع الميم-عين من التمييز، في ظل القوانين المجرّمة لهم/ نّ داخل المجتمعات العربية عامةً، والمغرب لا يشكل استثناءً.
إلى جانب ذلك، لا يستطيع العديد من أفراد المجتمع التعبير عمّا يعيشونه/ نه من معاناة وتضييق، خاصةً أن بعض المجتمعات تنظر إليهم/ نّ كفئة "منبوذة".
طال التضييق القانوني الجمعيات الحقوقية المدافعة عن مجتمع الميم-عين أيضاً. وفي ظل هذا الوضع، وجد أفراد مجتمع الميم-عين ضالتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل التعبير عن آرائهم/ نّ، والدفاع عن حقوقهم/ نّ، وإسماع صوتهم/ نّ.
نظرة المجتمع
"أنحدر من مدينة صغيرة في محافظة في شمال المغرب تُدعى تطوان، ما جعل من طريقة لباسي وتصرفاتي، غريبةً. واجهت العديد من المشكلات الأسرية التي أضحت تطرح الكثير من التساؤلات حول أسباب تصرفاتي واختياري ملابس يعدّها المجتمع خاصةً بالرجال"؛ بهذه الكلمات يعبّر غالي إيدن (29 عاماً) عمّا عاشه من معاناة قبل عبوره الجندري.
ويتابع: "منذ صغري، كنت أواجه ضغوطاً نفسيةً كبيرةً، خاصةً مع توجيه أسرتي لي نحو ارتداء ملابس معيّنة والتصرف مثل باقي الفتيات، خوفاً من نظرة المجتمع".
يضيف غالي لرصيف22: "بعد ظهوري على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وجدت دعماً كبيراً من قبل أشخاص من مختلف الأعمار قدّروا/ ن الجهد الذي بذلته، وهذا كان مفاجئاً بالنسبة لي".
"أول ما يصطدم به الشخص هو المجتمع، خاصةً أن العديد من الأشخاص ليس لديهم/ نّ فهم كافٍ للمسائل المتعلقة بالعبور الجندري"
بدأ غالي رحلة العبور الجندري، بالبحث عن أشخاص داخل القارة الإفريقية بشكل عام وشمال إفريقيا بشكل خاص، يشاركونه قصته، إلا أنه لم يجد، فقرر أن يكون هو الحالة، مشدداً على أن عملية العبور شكلت تحدياً كبيراً: "أول ما يصطدم به الشخص هو المجتمع، خاصةً أن العديد من الأشخاص ليس لديهم/ نّ فهم كافٍ للمسائل المتعلقة بالعبور الجندري".
على الفضاء الرقمي، بدأ غالي بتوعية أفراد المجتمع بمفهوم العبور الجندري بمختلف اللغات، والهدف هو نشر الوعي في المجتمع المغربي، على حدّ قوله: "وفرت لي مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة للحديث عن العبور الجندري، كما مكّنت هذه الفئة من التعبير عن وجودها بالقول: نحن هنا".
ويتابع: "عندما تقاسمت تجربتي على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، اتضح أن نسبةً كبيرةً من الأشخاص مستعدون لتقبّل وجودنا في المجتمع. ومع ذلك، لا يزال هناك بعض الأشخاص الذين يرفضون هذه الفكرة بسبب نقص الوعي".
يرى غالي أن النضال غير كافٍ، حاملاً على عاتقه توعية المجتمع عبر المنصات الرقمية، بالإضافة إلى النقاش الذي سيمكّن من المطالبة بالحقوق الكاملة، للعابرين/ ات.
المزيد من الوعي والتغيير
أخذت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، على عاتقها مهمة التعريف بمجتمع الميم-عين، والدفاع عن قضاياه، سواء عن طريق نشر فيديوهات توعوية أو محتوى يعزز الثقة لدى المجتمع الكويري، ولكن أغلبها بلغات أجنبية.
في هذا السياق، ترى فاطمة الزهراء (اسم مستعار)، وهي طالبة، أن الفضاء الرقمي "شكّل ملاذاً يتيح للمجتمع الكويري التواصل مع أشخاص آخرين/ أخريات يشاركونهم/ نّ التجربة نفسها، مما يعزز التضامن ويمنحهم/ نّ منصةً للتعبير وتبادل الأفكار".
تضيف فاطمة (22 عاماً)، التي تُعرّف بنفسها على أنها مزدوجة الميل الجنسي: "النضال على مواقع التواصل الاجتماعي غير كافٍ، ومع ذلك، فإنه يمثل خطوةً أساسيةً نحو المزيد من الوعي والتغيير".
"وفرت لي مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة للحديث عن العبور الجندري، كما مكّنت هذه الفئة من التعبير عن وجودها بالقول: نحن هنا"
تضيف: "في الماضي، كان من الصعب على أي شخص الإعلان عن انتمائه إلى مجتمع الميم-عين، ولكن من خلال هذه الوسائل، تم تحقيق تقدّم كبير في تمكين هؤلاء الأفراد وزيادة الوعي بحقوقهم/ نّ. اليوم، نرى تغيّراً إيجابياً بحيث أصبح أفراد مجتمع الميم-عين أكثر انفتاحاً وقدرةً على التحدث عن تجاربهم/ نّ، برغم غياب تشريعات تحمي حقوقهم/ نّ بشكل كافٍ، كما أن الفضاء الرقمي يظل ملاذاً يمكن من خلاله تعزيز الوعي وتقليل التمييز والقمع الذي يواجهه الكويريون/ ات".
وتختم فاطمة الزهراء حديثها بالتأكيد على أهمية مواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً حيوياً في خلق تواصل وتضامن يسهمان في تحسين واقع مجتمع الميم-عين وتخفيف التحديات التي يواجهها.
سيف ذو حدين
في المقابل، قد تُستخدم بعض المنصات الرقمية لمحاربة التنوع الجنسي والجندري، حيث سبق أن أطلق بعض الناشطين العرب حملةً رقميةً لمحاربة مجتمع الميم-عين تحت وسم "فطرة"، الذي تصدّر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي داخل العديد من الدول العربية، خاصةً في المغرب ومصر، بحجة "ترسيخ القيم الإسلامية والاجتماعية من خلال نشر الفطرة الإنسانية التي تكمن في زواج الرجل بالمرأة"، وذلك عبر نشر تدوينات وفيديوهات ضد المجتمع الكويري.
"النضال على مواقع التواصل الاجتماعي غير كافٍ، ومع ذلك، فإنه يمثل خطوةً أساسيةً نحو المزيد من الوعي والتغيير"
في السياق نفسه، تعرّض مجتمع الميم-عين لاستهداف رقمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسب تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تحت اسم "كل هذا الرعب بسبب صورة"، حيث قامت جهات تابعة للدولة بابتزاز أفراد مجتمع الميم-عين ومضايقتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة، وتم الكشف عن توجههم/ نّ الجنسي أو هويتهم/ نّ الجنسية و/ أو الجندرية من دون موافقتهم/ نّ.
وحسب التقرير الذي تم إنجازه في كل من مصر، والعراق، والأردن، ولبنان وتونس، فإن الجهات التابعة للدولة اعتمدت في المحاكمات على صور رقمية ومحادثات ومعلومات مماثلة حصلت عليها بطرائق غير مشروعة، في انتهاك واضح للحق في الخصوصية، والإجراءات القانونية الواجبة وغيرهما من حقوق الإنسان.
أما جمعيات مجتمع الميم-عين، وفي ظل ما يطالها من تضييق قانوني وحملات كراهية، فقد عملت على إنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تشارك متابعيها ومتابعاتها منشوراتها من أجل الترافع عن حقوق مجتمع الميم-عين وقضاياه.
تعليقاً على هذه النقطة، يوضح المدير التنفيذي لجمعية "أقليات"، المعنية بقضايا مجتمع الميم-عين، أن المغرب لا يضع حداً فاصلاً بين الدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين، كفئة مهمشة تُنتهك حقوقها بشكل يومي، وبين الدعاية للمثلية الجنسية".
ويضيف لرصيف22: "يجرّم القانون رقم 489 الفعل الجنسي المثلي بحد ذاته، والحكومة المغربية تستند إلى هذا الفصل من أجل منع تأسيس الجمعيات المدافعة عن مجتمع الميم-عين".
هل الفضاء الرقمي آمن؟
يشير المتحدث من جمعية "أقليات"، إلى أن الجمعية هي وليدة الفضاء الرقمي، الذي شكّل مساحةً للتعبير عن مجتمع الميم-عين، وعمّا إذا كان هذا الفضاء الرقمي آمناً، يجيب: "هذا أمر نسبي، حيث تعرّض موقع الجمعية على منصات مواقع التواصل الاجتماعي لبعض الهجمات الإلكترونية، لكن الأهم هو أن هذه المواقع تتيح لنا الفرصة من أجل التعبير ومشاركة آرائنا مع الآخرين/ الأخريات".
ويشدد على أن "الأنشطة في الفضاء الرقمي لها أهمية كبيرة تمكّننا من الوصول إلى العديد من الأشخاص حتى غير الراغبين/ ات في كشف توجهاتهم/ نّ، بسبب خوفهم/ نّ من المجتمع، حيث يُمكّنهم/ نّ هذا الفضاء من المشاركة في الحراكات العالمية الهادفة إلى ضمان حقوقهم/ نّ كما يمكّنهم/ نّ من الوصول إلى المعلومة".
في هذا الإطار، نشرت أقليات، العديد من الفيديوهات التعليمية التي تتعلق بالجندر والجنسانية والحماية الرقمية، بالإضافة إلى إنتاج بودكاستات لمشاركة قصص ومعاناة وأسئلة تتعلق بمجتمع الميم-عين.
وعليه، يؤكد المدير التنفيذي لجمعية "أقليات"، أن الفضاء الرقمي، وبرغم التحديات، يساعد على مشاركة المعلومة على أوسع نطاق.
حماية المعطيات الشخصية
من جانبه، يرى المهندس نجيب المختاري، المستشار في التكنولوجيا الرقمية، في حديثه إلى رصيف22، أن حماية المعلومات الشخصية للفئات التي تتعرض لإشكاليات من هذا النوع، مثل مجتمع الميم-عين أو النساء أو الأقليّات الدينية وغيرهم في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموماً، متعلّقة أساساً بوجود قوانين تُعنى بحماية المعلومات الشخصية وأخرى ضد الابتزاز الرقمي ومدى جدّية تطبيق القوانين.
ويقدّم المختاري، نصائح من أجل حماية البيانات الشخصية تتضمن: "استعمال كلمات مرور قويّة، استخدام أنظمة التحقق المزدوج في مواقع الإنترنت، والحذر من الروابط والمرفقات المشبوهة، وتحديث البرمجيات المستخدمة، والأهم من ذلك توعية المستخدمين/ ات حول تفاصيل ومستجدّات العالم الرقمي الذي يتغيّر باستمرار".
ويختم المختاري حديثه بالإشارة إلى الإشكالات الناجمة عن فبركة الصور عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي، فمن جهة يمكن فبركة صور من هذا النوع لمهاجمة الغير، ومن جهة أخرى يمكن كذلك استخدام مثل هذه التقنيات من طرف الضحايا في المجتمعات التي لا تحترم الخصوصيات، من أجل إثبات أن الصور وحدها لا تُعدّ وسيلةً كافيةً لـ"الإدانة".
ويشدد نجيب المختاري على وجوب اعتماد وتطبيق قوانين تجرّم بشدّة سرقة البيانات والابتزاز الرقمي.
"الأنشطة في الفضاء الرقمي لها أهمية كبيرة تمكّننا من الوصول إلى العديد من الأشخاص حتى غير الراغبين/ ات في كشف توجهاتهم/ نّ، بسبب خوفهم/ نّ من المجتمع، حيث يُمكّنهم/ نّ هذا الفضاء من المشاركة في الحراكات العالمية الهادفة إلى ضمان حقوقهم/ نّ كما يمكّنهم/ نّ من الوصول إلى المعلومة"
الجدير بالذكر أن النشاط الجنسي المثلي يُعدّ جريمةً جنائيةً، في 70 بلداً؛ وفي تسعة بلدان، يمكن أن يعاقَب عليه بالإعدام، بما فيها إيران والمملكة العربية السعودية والسودان واليمن.
أعطت وسائل التواصل الاجتماعي المساحة لأفراد مجتمع الميم-عين، ليتواجدوا/ ن ويعبّروا/ ن عن أنفسهم/ نّ، في المغرب وفي دول أخرى لا تعترف بوجودهم/ نّ، إلا أن الفضاء الرقمي يبقى مساحةً غير آمنة لتواجدهم/ نّ، وقد يهدد حياتهم/ نّ، خاصةً في ظل القوانين الرافضة لتواجدهم/ نّ داخل المجتمع، ما يجعلهم/ نّ عرضةً للتنمر والابتزاز ويسهّل على بعض الأشخاص عملية السطو على بياناتهم/ نّ الشخصية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...