شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
برلمان من دون نوّاب.. لماذا يغيب البرلمانيّون المغاربة عن المؤسسة التشريعيّة؟

برلمان من دون نوّاب.. لماذا يغيب البرلمانيّون المغاربة عن المؤسسة التشريعيّة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات العامة

الثلاثاء 14 نوفمبر 202301:05 م

في عصر الجمعة الثانية من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، افتتح الملك المغربي محمد السادس الدورة الخريفية من السنة التشريعية الحالية.

مرّت مراسيم الافتتاح في جو برتوكولي تقليدي. ارتدى المسؤولون/ات والنواب/ات الجلابيب البيضاء والبَلْغات (أحذية تقليدية) صفراء، وحضر جميع أعضاء غرفتي البرلمان، نواباً ومستشارين لتمتلئ قاعة مجلس النواب عن آخرها.

لكن بعدها بأسابيع قليلة، وتزامناً مع بداية النقاش مشروع قانون المالية (الموازنة السنوية)، ظهر مجلس النواب في شكل مختلف تماماً.

كان المجلس شبه فارغ تماماً خلال إحدى الجلسات العامة رغم أهمية الجلسة التي تحسم في ميزانية الدولة في قطاعات مختلفة، وهي التي تقف على أعتاب تحدّيات كبيرة كمواجهة آثار زلزال الحوز المدمّر، وبداية مشاريع ضخمة للبنيات التحتية تحضيراً لكأس العالم 2030 التي تساهم المملكة في تنظيمها.

أعاد الأمر إلى الواجهة نقاشاً قديماً جديداً يتعلق باستمرار غياب غالبيّة نواب الأمة عن حضور أعمال البرلمان، بما فيها دورات اللّجان الدائمة (تشريع ودفاع ومالية وخارجية إلخ) والجلسات العمومية، رغم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمستقبل أزيد من 36 مليون مواطن.

ظاهرة أزليّة

ليست ظاهرة غياب النواب البرلمانيين عن جلسات التشريع العامة وكذا أشغال اللجان الدائمة (نقاشات) بالجديدة على الحياة النيابية المغربية. إذ سبق أن أثار مكتب المجلس غير ما مرة هذا الموضوع المتّسم بنوع من الحساسيّة. فهو مرتبط بعلامة استفهام كبيرة حول أدوار النائب البرلماني في دولة ما زالت تجربتها "الديمقراطية المؤسسية" هشّة.

كما يحمل هذا الغياب "المزايدات السياسوية" كما يرى كثيرون، فغالباً ما تتبادل الأحزاب والفرق البرلمانية والمجموعات النيابية الخطابات حول من منها يعرف أعلى نسب الغياب عن أشغال مجلس النواب.

في هذ الصّدد يربط محمد شقير، الكاتب والمحلل السياسي، ظاهرة الغياب بطبيعة النخبة النيابية المغربية. فحسبه، "تفتقد هذه النخبة للوعي السياسي والروح التي يتطلبها العمل النيابي".

ويفسّر الباحث هذا الغايب بأن "عددا من النواب لا يرتبطون بأحزابهم إلّا من خلال التزكيات أو وضعه كأعيان نظراً لأنهم لم يحصلوا على تربية سياسية داخل الأحزاب ولم يتدرّجوا ضمن مؤسساتها، وهو ما تزكيه ظاهرة الترحال السياسي".

ويقصد المتحدث بالترحال السياسي ظاهرة تغيير أعيان يفوزون بشكل مستمر بمقاعد برلمانية في دوائرهم، ويحوّلون انتماءهم السياسي من حزب لعدة أحزاب أخرى، خلال حياتهم السياسية، رغم أنه لا يجمع بينها غالباً أي رابط سياسي أو إيديولوجي، فيمرّ من الليبرالي إلى الإسلامي إلى اليساري.

عدد من النواب لا يرتبطون بأحزابهم إلّا من خلال التزكيات أو وضعه كأعيان نظراً لأنهم لم يحصلوا على تربية سياسية داخل الأحزاب 

ويضيف شقير في حديثه إلى رصيف22 أن "المستوى الأكاديمي لبعض النواب لا يساعد على مناقشة القوانين، بما فيها مشاريع الميزانية، وبالتالي فحضورهم كعدم حضورهم إذ لا يحقّقون أية قيمة مضافة للعمل النيابي"، مؤكداً على أن " تقلّد نواب لمسؤوليات جماعية وجهوية يجعل بدوره من الحضور شيئاً صعباً إن لم يكن مستحيلاً".

ويُرَجحُ المتحدّث أن "يُخَففَ الاقتطاعُ من أجور النواب من نسبة الغياب"، غير أنه وفق قوله، "لا يمكن احتوائه أو القضاء عليه نظراً لتعقد مسطرة التنفيذ، فضلاً عن تحوّل هذا الموضوع إلى مزايدات بين الفرق البرلمانية".

ويشير إلى أن تقليص هذه الظاهرة يتطلب أساساً "حظر تعدد المناصب وتقنين حالات التنافي والتركيز على ضرورة تفرغ النائب للشأن البرلماني، مع تعزيز شروط الترشح للانتخابات التشريعية واشتراط التوفر على شهادات عليا، وهذا إلى جانب منع الترحال السياسي بالتأكيد ".

إجراءات غير ناجعة

في يونيو/حزيران الماضي، أُثير النقاش بشكل حاد حول تغيب عدد كبير من النواب البرلمانيين عن جلسة عامة كانت مخصصة لمناقشة التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات.

وقتها سُجّل غياب أزيد من 270 عضواً من أصل 395، وفقاً لما كشفت عنه جرائد وطنية، ما دفع مكتب مجلس النواب إلى التفكير في حلول أكثر نجاعة.

وفي اجتماعه خلال يوليو/تموز الماضي، فعّل المكتب الفقرة الثالثة من المادة 147 من النظام الداخلي. وتنص على أنه "في حالة تبين تغيب النائب بدون عذر للمرة الثالثة أو أكثر في نفس الدورة، يُقتطع مبلغ مالي من التعويضات الشهرية الممنوحة له، بحسب عدد الأيام المعنية بالغياب بدون مبرر، على أن تنشر هذه الإجراءات بالجريدة الرسمية للبرلمان ونشرته الداخلية".

ما يثير الأسف بدرجة كبيرة هو الغياب عن نقاش مشاريع قوانين كمشروع قانون المالية الذي يكتسي أهمية كبرى

بالعودة إلى النظام الداخلي للمجلس، فإن المادة 105 منه حددت قائمة الحالات التي يسمح فيها للنائب بالتغيب عن اجتماعات اللجان النيابية الدائمة، كما أشارت إلى نشر أسماء المتغيبين بدون عذر على مستوى النشرات الداخلية للمجلس.

أما المادة 106 التي من النظام، فنصَّت على الاقتطاع من التعويضات الشهرية للنائب بحسب أيام الغياب المسجَّلة، والتي تصل حسب تقارير إلى 1000 درهم عن كل تغيب (حوالي 100 دولار).

وسبق أن منحت المحكمة الدستورية، في قرار لها، مكتب مجلس النواب الضوء الأخضر قصدَ تجريد أي نائب برلماني من عضويته بالمجلس، بفعل تكراره الغياب بدون أعذار. كما منحته كذلك الحق في مراسلة النائب المتغيب قصد توضيح أسباب غيابه طيلة السنة التشريعية.

ما الحلول لغياب النوّاب؟

تعليقاً منها على استمرار ظاهرة غياب النخبة النيابية عن أشغال الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، تقول مريم أبليل، الباحثة في القانون البرلماني، إنه " يتم التركيز بشكل أساسي على غياب النواب عن الجلسات الأسبوعية العمومية نظراً إلى أنها تكون تبث بشكل مباشر على التلفزيون، في حين أن هذه الظاهرة تنطبق كذلك على اللجان النيابية التي يتم العمل فيها بشكل مكثف ودائم بشكل مغلق".

تضيف أبليل في حديثها إلى رصيف22 أن "ما يثير الأسف بدرجة كبيرة هو الغياب عن نقاش مشاريع قوانين كمشروع قانون المالية الذي يكتسي أهمية كبرى"، موضحةً أن "هذه الظاهرة مرتبطة بعدد من المعطيات من بينها طبيعة النخبة البرلمانية ومرتبطة كذلك بما هو قانوني يهمّ النظام الداخلي لمجلس النواب".

تضيف الباحثة "يجب أن يذهب مكتب المجلس إلى النّص على أن الغياب لأكثر من مرتين بدون عذر أو أكثر عن جلسة أو اجتماع لجنة دائمة، يترتّب عليه شغور المقعد بقوة القانون وتعويضه مباشرة بالذي يليه في لائحة الانتخابات، على الرغم من أننا نعلم أن النائب يستمد شرعيته من الارادة الشعبية".

كان المجلس شبه فارغ تماماً خلال إحدى الجلسات العامة رغم أهمية الجلسة التي تحسم في ميزانية الدولة في قطاعات مختلفة

وتعود أبليل لتفسرّ كيف أن "اعتماد الاقتطاع من الأجور ربما لن يكون مجدياً، بالنظر لوجود إشكال في تطبيقه، فهذا الاقتطاع في حد ذاته قد لا يكون له أثر مادي لدى عدد من النواب بشكل يجبرهم ويدفعهم الى الحضور بجدية"، وتقصد أن غالبيتهم مُرفّهون.

كما تشير إلى أن "ما هو مطروح كذلك هو تعديل حالات التنافي والتقليص من عددها بشكل يمكّن النائب البرلماني من التركيز على مهامه النيابية".

نواب أشباح؟

حاولنا في رصيف22 الحديث إلى بعض النواب البرلمانيين فيما يخص النقاش المثار حول استمرار الغياب عن العمل النيابي.

وفي هذا الإطار تقول فاطمة الزهراء باتا، النائبة عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية إنه "تم إعلام النواب البرلمانيين من طرف مكتب مجلس النواب بمختلف الإجراءات التي أقرها والتي سيشرع في اتخاذها في الحالات التي تتعلق بالغياب عن العمل النيابي بدون عذر".

وترى باتا في حديثها إلى رصيف22 بأن "الحضور لأشغال مجلس النواب، سواء فيما يتعلق باللجان الدائمة أو الجلسات العامة للتشريع والتصويت يعد في الأساس التزاماً أخلاقياً قبل كل شيء، وجب علينا كنواب احترامه، وذلك بالنظر إلى كوننا ممثلين للمواطنين ونحظى بثقتهم التي وضعوها فينا عن طريق صناديق الاقتراع".

غياب "المنتصرين"

أَفرجتِ الانتخابات الأخيرة التي أقيمت في 8 سبتمبر/أيلول 2021 عن تحالف حكومي ثلاثيّ، يضم أحزاب؛ التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، وهو ما يشكّل أغلبية من 271 نائباً برلمانياً، في حين أن مجموع مقاعد المعارضة في مجلس النواب لا يتعدى 124.

وبالنظر إلى حجم الفارق، فعادة ما تتجه الأنظار إلى فرق الأغلبية كلّما أثير النقاش حول غياب النخبة النيابية.

ولذلك يربط عبد العزيز أفتاتي، النائب البرلماني السابق عن العدالة والتنمية، بطريقة سببيّة معدلات الغياب الحالية في مجلس النواب بنتائج آخر انتخابات تشريعية، موضحاً أن "العودة إلى محاضر الحضور كفيلة بالكشف عن هول الغيابات المسجلة خلال اجتماعات اللّجان والجلسات العمومية، إذ بإمكان هذه المحاضر أن تُثبت حجم الفظاعة المقترفة في حق الحياة النيابية".

ويلمّح أفتاتي في حديثه إلى رصيف22 إلى "نوع من الضعف الذي تعرفه دورات اللجان النيابية، إذ تسيطر عليها السرعة في الحسم في الميزانيات في دقائق معدودة وبدون نقاش مثمر"، معتبراً أن "حضور الجلسات العامة واجتماعات اللجان يعدّ مسؤولية وقناعة وإسهاماً، إلا أن هذا نجده لدى الأحزاب الحقيقية التي يحضر فيها الانتماء الفعلي والعضوي".

ويستبعد النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية "أي تأثير إيجابي يمكن أن يشكّله الاقتطاع من تعويضات النوّاب في هذا الإطار"، داعيا بذلك إلى "فضح المتقاعسين عن القيام بالأعمال المنوطة بهم في سياق مسؤولية التمثيل النيابي التي قُلدوا بها".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard