لماذا لم نزل نمر بمرحلة الخطبة؟ قد يتبادر هذا السؤال إلى أذهاننا، لا سيما مع تغير شكل العلاقات والارتباط في المجتمعات العربية، وتراجع الدور الذي يلعبه الأهل في قرار زواج أبنائهم. فأصبح الكثير من الشبان والفتيات أكثر استقلالية في اتخاذ هذا القرار.
تغيرت النظرة إلى فترة "الخطبة"، من فترة للتعارف بين شخصين يرغبان في الزواج، وربما لا يعرف أحدهما الآخر من قبل، ويقرران الارتباط من خلال ما عُرف قديمًا بـ"الخاطبة". أو أن شخصين يقرران بنفسيهما الارتباط، ويعتبران فترة الخطبة فرصة لدراسة شخصية بعضهما البعض، قبل أن يتورطا في الزواج رسمياً، وصولاً إلى النمط الأكثر انتشاراً حالياً:
شخصان يرتبطان بشكل غير رسمي، ليقررا إذا ما كانا مناسبين لبعضهما، وبعد اتخاذ قرار الزواج وإعلان ارتباطهما رسمياً، يجدان نفسيهما أمام مرحلة أخرى قبل الزواج، قد يعتبرانها مرحلة "تحصيل حاصل"، وهي فترة "الخطبة".
via GIPHY فرصة أعمق لمعرفة الآخر أو ضغوط اجتماعية؟
"هي فترة ضغوط اجتماعية، لكن لا بد أن نمر بها لمعرفة الآخر بشكل أعمق"، يقول حسن( 29 عاماً). إذ يوضح أنه ارتبط بالفتاة التي أحبها لمدة عام قبل اتخاذ قرار الزواج وتحويل الأمر لارتباط رسمي. ويضيف: "كان لا بد من المرور بفترة الخطبة، فبالإضافة إلى حاجتنا للوقت لتجهيز منزل الزوجية، أرى هذه الفترة مهمة لمعرفة خطيبتي وأهلها بشكل أعمق، لم يكن الارتباط غير الرسمي يتيحه". جهاد مهدي تقول إن ما قبل الخطبة هو فترة للرومانسية والتعارف، لكن بعد الخطبة تبدأ الأمور في اتخاذ شكل أكثر جدية. هل هذا الشخص قادر فعلاً على تحمل المسؤولية سواء من الناحية المادية أو الاجتماعية؟ via GIPHY على العكس من تسنيم عبد اللطيف (24 عاماً) التي ترى أن الزمن تغير حالياً، وأصبحت فترة الارتباط غير الرسمي بين زوجي المستقبل كافية، أما فترة الخطبة فهي مسؤولية اجتماعية لا حاجة لها. ويتبنى الرأي نفسه عمر حسين (26 عاماً)، فيقول: "فترة الخطبة في عصرنا الحالي أصبحت عبئاً مادياً واجتماعياً. ويُطلب من الخطيب أن يحضر الكثير من الهدايا إلى خطيبته في المواسم أو الأعياد، أو من دون مناسبة حتى. كما تسمح للأهالي بالتدخل في شؤوننا الخاصة، وتفرض على الخطيبين أن يظهرا بمظهر اجتماعي معين، قد يكون غير مريح لهما. لكن رغم ذلك ما من فرصة لتجاوزها، يجب أن نمر بها، لا يمكن أن أذهب غداً إلى والد الفتاة التي ارتبط بها، وأقول له سأتزوج ابنتك بعد غد". via GIPHY يرى أحمد عبد الرحمن (32 عاماٌ) أن الأمر يختلف في المنطقة العربية. ففي أوروبا وأمريكا يسمح الارتباط غير الرسمي للشخصين أن يعيشا معاً في منزل واحد، ويتعارفا عن قرب أكثر. لكن في البلاد العربية لا يحدث ذلك، وبناءً عليه تصبح فترة الخطبة هامة، لأنها تقرب بين الشخصين على مستوى عائلي أكثر. فالزواج في العالم العربي ما زال يٌنظر إليه على أنه ارتباط عائلتين، أكثر من أنه ارتباط شخصين فقط. ويوضح: "كذلك تعد الخطبة فرصة لاكتشاف مدى استقلالية الشخص الآخر في الارتباط، وقدرته على اتخاذ قرارات بعيداً عن عائلته". via GIPHY أما أمنية سعيد، فترى أن الامر مختف تماماً بعد الزواج. وقالت: "لا الخطبة ولا الارتباط حتى قبل الزواج لهما أي علاقة بالزواج، فالتجربة تختلف حين تعيشين مع شخص في منزل واحد، مهما كان قربكما قبل الزواج، ستكتشفان طباعاً مختلفة تماماً عن تلك التي عرفتاها".الخطبة في الإسلام والمسيحية
في الوقت الذي يعتبر في الكثير فترة الخطوة فترة للتعارف واكتشاف الآخر عن قرب، تناولت الأديان فترة الخطبة بشكل مختلف. فيعتبر الإسلام مثلاً أن فترة الخطبة مجرد "وعد بالزواج"، وينظر إلى الخطيبين على أنهما غريبان عن بعضِهِما، فلا يجب أن يرى الخطيب خطيبته ولا تراه إلاّ لحاجة وبحضرة أحد محارمها، لأَنّه لا تجوز لَهما الخلوة، ولا الخروج، ولا التَّكلّم بعبارات الحبِ والغزل. ومن ضوابط الخطبة في الإسلام، أن لا تحدث مصافحة بين الخطيبين، وتلتزم المرأة بكامل حجابها وحشمتها مع خطيبها، ولا يكون هناك ريبة أو شهوة في قلب أي منهما. ويعد التساهل أو التخلي عن أي من الضوابط السابقة، ذريعة للفاحشة والفساد، قد تقضي إلى الوقوع في كبائر الذنوب. أما الديانة المسيحية، فتعتبر الخطبة ارتباط نصف رسمي ومرحلة للتعارف، (حتى لو كانا يعرفان بعضهما البعض من قبل، فالتعارف في فترة الخطبة شيء مختلف). وترى أن هذه الفترة تقسم إلى عدة مراحل، مرحلة التقارب والحب، التي فيها تبدأ المشاعر في النمو وتتطور إلى الحب الذي لا ينفصل عن الاحترام، وقد يكون في هذه المرحلة تلامس جسدي بسيط، لكنه مغلف بالحب والاحترام. المرحلة الثانية، هي مرحلة ما قبل الزواج، والاستعداد للزفاف، وهذه المرحلة في العادة تكون مشحونة بالتوتر والزحام والإجهاد، ويمكن الحديث فيها عن العلاقة الجنسية بين الزوجين، ويُنصح خلالها بالاتفاق على بعض الكتب المعينة لقراءتها.كيف كانت تتم الخطبة قديماً؟
تختلف عادات المدن والمجتمعات في أمر الخطبة. ففي مصر لم يكن مسموحاً للعريس أن يرى خطيبته، وكان من يذهب لرؤيتها والدة العريس وأخته، وحين تتأكدان من جمالها وشكلها، يذهب العريس إلى والد العروس، ويتقدم لخطبتها، ويتفق مع والدها على المهر والشبكة وتفاصيل الزواج. بعد موافقة الوالد، تدخل العروس وهي تقدم "الشربات" لعريسها، ويراها للمرة الأولى، ثم تطلق والدة العريس أو أخته زغرودة احتفالاً بالموافقة على الخطبة. تتشابه هذه الطريقة قديماً مع بلاد الشام، فتذهب أيضاً والدة العريس وإحدى أخواته إلى منزل العروس لرؤيتها، وتقدم لهما العروس القهوة، وإذا وجدتا أنها مناسبة، تتصل والدة العريس بأهل العروس، وتحدد موعداً آخر يحضر فيه العريس، ويتحدث مع عروسته، وإذا شعر أنها مناسبة، تتصل والدة العريس للمرة الثالثة لتحديد موعد يأتي فيه العريس لطلب يد عروسته وقراءة الفاتحة. via GIPHY وفي المغرب العربي، يتم الاتفاق على تفاصيل الزواج في أول زيارة بين أهل العروسين حتى أدق التفاصيل، بدءاً من المهر وشبكة الخطبة وملابس العروس والأثاث ومكان السكن وكامل التفاصيل. ولا تقل فترة الخطبة في المغرب عن ثلاثة أسابيع، ولا تزيد عن عامين، وتُسمى هدية الخطبة في المغرب "هدية السكر". أما في عصرنا الحالي، فأصبح الزواج بهذه الطريقة يعرف في مصر باسم "زواج الصالونات"، وهو أمر تراجع بعض الشيء، وبات يرفضه الكثير من الشباب، لأنه لا يتيح للعروسين أن يفهم كل منهما شخصية الآخر. كذلك لم يكن من الدارج قديماً إقامة حفلات خاصة بالخطبة، وكان يتم الاكتفاء بجلسات عائلية لقراءة الفاتحة، وتقديم الخاتم. أما الآن فأصبحت "حفلة الخطبة" أمراً ضرورياً لدى الكثير من الفتيات، وتٌقام في منزل العروس أو في قاعة مخصصة لذلك. وعادةً يتقاسم أهل العروسين تكاليفها، على العكس من الزفاف، الذي يفترض أن يتحمل العريس وحده تكاليفه المادية.عليكم بالتأني للحصول على زواج سعيد
ينظر علم الاجتماع إلى فترة الخطبة على أنها فترة لتتقارب الثقافات والمفاهيم بين شخصين عاش كل منهما ما مضى من عمره في منزل، وقرر كل من الاثنين أن يترك منزله، ويذهب ليعيش مع الآخر في بيت جديد لتكوين عائلة جديدة. ترى الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الخطبة كعرف وتقاليد متعارف عليها فترة هامة جداً، ويجب الانتباه لكل تفاصيلها، التي تعتبر مؤشراً على نجاح مشروع الزواج أو فشله. via GIPHY وقالت خضر: "فترة الخطبة ضرورية مهما تغير شكل الارتباط الحالي، لأنها فترة يكتشف فيها كل من الخطيبين نصفه الآخر بين عائلته ومجتمعه الخاص، لكن مع ذلك يجب ألا تطول أكثر من عام أو عام نصف على الأكثر إذا كانت الظروف المادية مناسبة، كذلك لا يجب أن تكون أقصر من اللازم". وختمت: "الزواج السريع غالباً ما ينتهي بطلاق سريع، كذلك النظر إلى قرار الزواج بعيداً عن العائلة والمجتمع لن يخلق زواجاً سعيداً، فالتأني والتفاهم والتقارب ودراسة الأمور عن قرب أفضل الحلول".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...