شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نجاح سلام... إنّا عبدنا بكِ الجمالَ وكِدْنَا نكفر بالدمامة

نجاح سلام... إنّا عبدنا بكِ الجمالَ وكِدْنَا نكفر بالدمامة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الجمعة 29 سبتمبر 202302:47 م

للأقدار سيناريوهاتها التي لا تضاهيها أعمال عُتاة الدراما في العالم، فمن ذا الذي يُخيّل إليه ـ ولو من قبيل المصادفة ـ أن ترحل نجاح سلام عن عالمنا في نفس يوم ذكرى وفاة جمال عبد الناصر؟!

وهل هناك ما يجمع بينهما؟!

من الممكن القول إن نجاح سلام كانت صوت ناصر كغيرها من مطربي خمسينيات وستينيات القرن الماضي؛ لكنها تميّزت عن غيرها بأنها صاحبة الأغنية التي باتت لا يُذكر اسم مطربتها إلا مقترناً بها، وهي "يا أغلى اسم في الوجود".


تلك الأغنية التي صدحت بها نجاح سلام وقت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، تحوّلت بسببها من مطربة لبنانية تعيش في مصر، إلى مطربة تحمل الجنسية المصرية بصورة رسمية، وحينها، قال جمال عبد الناصر: "من تُغني أغنية كهذه، جديرة بأن تكون مصرية"، بحسب الكاتب محمد عبده العباسي في كتابه "ذاكرة لأروقة المدينة".

نجاح سلام تميّزت عن غيرها بأنها صاحبة الأغنية التي باتت لا يُذكر اسم مطربتها إلا مقترناً بها، وهي "يا أغلى اسم في الوجود"

لم يكتفِ القدَر بوضع نجاح سلام مع جمال عبد الناصر في جملة مفيدة عند هذا الحد، ففي اليوم والساعة، التي ولدت فيها أختها رباح، كانت السيدة تحية عبد الناصر تلد لزعيم ابنه عبد الحكيم، فوفقاً لحديثها في حوارها مع جريدة "اليوم السابع" المصرية، بتاريخ 18 آب/أغسطس عام 2011، تقول نجاح: "حينما جاء عبد الناصر، العالم العربي كله تنفس الصعداء، وقال: جانا زعيم. وقد قابلته أربع مرات: مرة في نادي الضباط بالجزيرة، ومرة في السفارة اللبنانية، ومرة في سوريا، ومرة بالبيت عنده. فقد كانت السيدة الفاضلة الكريمة التي تشبه الملائكة تحية عبد الناصر تلد ابنها عبد الحكيم، على ما أتذكر في نفس توقيت اليوم والساعة والمكان الذي وُلِدَتْ فيه أختي رباح"!

وتُلخص نجاح سلام علاقتها بعبد الناصر، حين وصفته في الحوار ذاته بأنه: "كان يحب الفنانين ويعتبر أن الأغنية التي تعيش على شفاه الناس أفضل ألف مرة من ألف جريدة، وكان يعي أن السياسة تتكامل مع الفن وتسانده، خاصة إذا كانت قضاياها عادلة، ووطنية، وليست نفاقاً أجوف".

ما قبل ناصر... هناك رحلة فنيّة عظيمة

في الثالث عشر من آذار/مارس لعام 1931، من داخل العاصمة اللبنانية بيروت، خرجت للعالم صرخة طفلة سيكون لها شأن عظيم في العالم العربي، تلك الصرخة كانت في بيت عازف العود اللبناني الأمهر آنذاك محيي الدين سلام، نجل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد الرحمن سلام.

اختار الأب لابنته اسم نجاح، وعلّمها أصول الغناء منذ نعومة أظفارها، وبزغت موهبتها في الحفلات المدرسية، حتى حانت اللحظة التي ستنتقل فيها الفتاة نجاح سلام من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف، عندما اصطحبها الأب إلى القاهرة عام 1948، ولم تمر سوى أشهر قليلة، حتى سجّلت أولى أغنياتها مع شركة "بيضا فون" بعنوان "حول يا غنام"، وأتبعتها بأغنية "جارحة قلبي"، وتوالت أغنياتها في مصر، ثم عادت في العالم التالي إلى لبنان، وهناك سجّلت في الإذاعة اللبنانية عدة أغنيات، أشهرها "على مسرحك يا دنيا"، ومن لبنان مرة أخرى إلى مصر.

وفي مصر بدأت رحلة مميزة في عالم السينما، وكانت تجربتها الأولى في فيلم "على كيفك" للمخرج حلمي رفلة، عام 1952 "لكن أول بطولة مطلقة لنجاح سلام في السينما كانت في فيلم (ابن ذوات)"، وفقاً لما ذكره المؤرخ السينمائي محمود قاسم في كتابه "الفيلم الغنائي في السينما المصرية"، ثم أتبعتها بالظهور المتميز في عدة أفلام كان آخرها كضيفة شرف في فيلم "الشيطان" من بطولة فريد شوقي عام 1979.

لم تحظَ نجاح سلام ـ للأسف ـ بتأريخ مُفصّل لتجربتها في عالم السينما، ربما لقلة أعمالها؛ لكن المؤرخ محمود قاسم، اختصها بفصل في كتابه عن الفيلم الغنائي، وصف خلاله تلك التجربة بقوله: "ارتبطت نجاح سلام بالسينما الغنائية والكوميدية، واستطاعت أن تُنوّع من المخرجين الذين عمَلَتْ معهم".

توقُّف نجاح سلام عن العمل بالسينما لم يمنعها عن السير قُدماً في الغناء، حتى لو تغيّر الزمن من حولها وطرأت على السطح ظواهر عديدة لا قِبَل لها بها، مثل سوق الكاسيت، وأغاني الفيديو كليب، فنزلت إلى ذلك الملعب الذي لا يشبهها ـ وهي على مشارف الستين ـ بألبوم كامل عام 1998، يضم ست أغنيات وقصيدة، وروّجت للألبوم بفيديو كليب، تسأل فيه: " يا زمان الوفا/ أهلك وين راحوا؟/ تركوا لي الجفا/ تمرجحني رياحه"!

تمر السنين ونجاح سلام تريد أن تبقى مغنية حتى آخر يومٍ في عمرها، حتى لو هجرتها وسائل الإعلام، فنراها تقول بحسرة في حوار لها عام 2001: "ما زلت أعمل؛ لكن التليفزيون لا يهتم بالمطربين الكبار"!

تلك الحسرة التي غلّفت أحاديث نجاح سلام في حواراتها، شعر بها محبوها، حين ظنّوا أنها على مشارف الاعتزال، فكتب الشاعر النجفي هادي محيي الخفاجي، قصيدة تنضح بعشقه لصوتها، وذكرها الكاتب محمد سعيد الطريحي في كتابه "أطياف السنا في الألحان والغنا".

وتقول القصيدة: "غني (نجاح) وغردي/ ودعي الندامى والمدامة/ وتبسمي إن الحياة / بثغرك الحلو ابتسامة (...) إني عبدتُ بك الجمال/ وكدتُ أكفر بالدمامة/ أفليس هذا النور نور الله/ يبهرنا وسامة/ وهب الفؤاد صلاته/ لكِ والفم الظامي صيامه (...) إنا ليقتلنا فراقك يا نجاح ولا ملامة"!

كلهن تحجبن... لكن نجاح سلام غير!

في نهايات تسعينيات القرن الماضي انضمت نجاح سلام لقائمة الفنانات المجحبات؛ لكنها اختلفت عن غالبيتهن في منظورها للجمع بين الحجاب والفن، وهو منظور يشي بالكثير عن فكر نجاح الذي يندر أن نجد مثله في الوسط الفني!

تصف نجاح سلام رؤيتها لفكرة الحجاب والجمع بينه وبين الفن، بقولها: "قررتُ أن يكون الحجاب مفصلا على قياس الأغنية الوطنية والإنسانية، دون تجاهل لأغنية الحب، ولكن الحب السامي العميق الذي يفتح المشاعر على أجمل التجليات والأفكار"، بحسب حديثها في حوارها مع جريدة "الحياة" بتاريخ 6 تشرين الأول/أكتوبر عام 1999.

إن أردنا الوصول لوجهة نظر نجاح سلام على المستوى الفكري، فلن نجد أدق وأصدق من نعي ابنتها سمر لها، الذي قالت فيه: "وانتهى المشوار يا عروبة.. ماما في رحاب الله"

وفي حوارها مع جريدة "الأسبوع" عام 2001، حلّت نجاح سلام تلك الإشكالية والسؤال الدائم عن علاقة الحجاب بالفن، فقالت: "الحمد لله أنني تربيت ونشأت في بيت يجمع الدين والعلم والفن. جدي كان رجل دين عظيماً، ويعمل مفتياً للجمهورية اللبنانية، ووالدي مدير ورئيس الدائرة الموسيقية (...) وأنا أتعلم وأستفيد من خلال قراءتي، ثم من كثرة الاستماع لكبار العلماء، ومن جيل العلماء الجدد. بارك الله في مصر والأزهر الشريف".

نجاح سلام... مطربة لديها وجهة نظر

ربما إن أردنا الوصول لوجهة نظر نجاح سلام على المستوى الفكري، فلن نجد أدق وأصدق من نعي ابنتها سمر لها، الذي قالت فيه: "وانتهى المشوار يا عروبة.. ماما في رحاب الله".

نعم، إنها العروبة إذاً. تلك الفكرة المُتبلورة بشدة في كل حوارات نجاح سلام. ففي لقاء مُسجّل سألها المذيع: "لاحظت أنكِ تسكنين في القاهرة في ميدان لبنان". فردّت نجاح سلام بإجابة تعني الكثير، حين قالت: "في عهد عبد الناصر، أُنشئت منطقة جامعة الدول العربية بمصر، وتفرعت منها عدة شوارع، مثل شارع دمشق، وشارع سوريا، وميدان لبنان. وأنا أسكن بين ميدان لبنان وشارع سوريا وشارع دمشق"!

وفي حوار مقروء، سألتها الصحافية عن رأيها في الانتفاضة الفلسطينية، قالت: "رسالتي لأطفال الحجارة: حجارتكم ردت لنا الاعتبار، ولا يوجد نصر بدون تضحية".

وحين سُئِلت عن الغزو الأمريكي لأفغانستان، كان ردها أشد وطأة، فقالت: "مع الأسف نحن العرب أشطر ناس في بيع الكلام دون فعل، والمصالح تتحكم فينا، ولسه ياما هنشوف. ده مُخطط بدأ في العراق ثم أفغانستان، والله يعلم الدور القادم على مين سيكون"!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image