شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
السنوات الأخيرة من حياة سعاد حسني

السنوات الأخيرة من حياة سعاد حسني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 26 مايو 202301:20 م

السنوات الأخيرة من حياة سعاد حسني

استمع-ـي إلى المقال هنا

سعاد حسني، امرأة عرفتها وأنا في السادسة عشرة من عمري، حين شاهدت أول فيلم لها "إشاعة حب". ثمّ بدأت بعد ذلك رحلتي في البحث في حياة هذه المرأة. وبعد أن انتهيت من مشاهدة معظم أفلامها، صُدمت وأنا أقرأ عن وفاتها في لندن إثر سقوطها من شرفة شقة في الطابق السادس، وكان ذلك في 21 حزيران/يونيو 2001.

في أثناء رحلة بحثي التي استغرقت سنوات، وأنا أقرأ كلّ مقال متعلق بالحادثة وأشاهد كل البرامج التي تحدثت عن موت سعاد حسني، وجدت على موقع فيسبوك الشخصَ الذي عاش معها آخر ثلاث سنوات من حياتها في لندن، وعرف عنها الكثير، وطلبت منه سعاد حسني أن يكتب عنها، وقد أوفى بوعده حقّاً، ففي عام 2003، صدر له كتاب بعنوان "سعاد حسني بعيداً عن الوطن، ذكريات وحكايات".


رافقها منذ اللحظات الأولى في عام 1997، حين قررت الرحيل من مصر إلى لندن وحتّى اللحظات الأخيرة وهي تغادر لندن في طريقها إلى القاهرة موضوعةً في صندوق مبطن بالقصدير

هنا يأخذنا أخصائي التخدير الشهير ورئيس اتحاد المصريين في أوروبا المقيم في بريطانيا منذ سنة 1970، عصام عبد الصمد، إلى السنوات الثلاث الأخيرة في حياة "السندريلا"؛ هو الذي رافقها منذ اللحظات الأولى في عام 1997، حين قررت الرحيل من مصر إلى لندن وحتّى اللحظات الأخيرة وهي تغادر لندن في طريقها إلى القاهرة موضوعةً في صندوق مبطن بالقصدير، يشغل مساحةً صغيرةً في باطن الطائرة، كما ذكر في كتابه.

في أثناء حواري مع الدكتور عصام، لاحظت أن صوته كان يختفي لثوانٍ ثم يعود. كان يبكي سعاد، ويضحك معها ويتحدث عنها، وكأنها بيننا. وأكثر ما لفتني هو قوله: "سعاد حسني كان دمها خفيفاً جداً، ولكنها كانت تحاول إخفاء هذا الأمر خجلاً".


إليكم/ن الحوار:

دكتور عصام، في كتابك "سعاد حسني، بعيداً عن الوطن ذكريات وحكايات"، تأخذنا في رحلة يصعب العودة منها إلى حياة السندريلا في سنواتها الأخيرة. وبما أنّك عايشتها خلال ثلاث سنوات متواصلة، هل يمكن أن تحكي لنا في البداية عن أطرف موقف حدث خلال تلك السنوات الأخيرة؟

كانت قد ذهبت معي في إحدى المرّات، وهذا الموقف سبق أن ذكرته في كتابي، إلى المستشفى كي ترى "على الطبيعة"، كيف تتم عمليّة شدّ الوجه، لأنها كانت تتحضر لعمليّة مماثلة. وحين وصلنا إلى المستشفى دخلت سعاد إلى غرفة تغيير الملابس ووجدت أن ملابس العمليات جاهزة، وحين دخلت إلى غرفة العمليات قالت لي بالحرف: شوف ياخي النظام، أنا لقيتهم محضرين ملابس خاصة بيّ، ولكن الذي لم أفهمه هو إزاي عرفوا مقاسي؟

وقلت لها: أنا الذي أخبرتهم به.

فردّت: طيب إنت إزاي عرفت مقاسي؟

أنا: أنا مش عارف مقاسك، أنا قلت لهم يحضروا أكبر مقاس عندهم.

"كلام الناس، كلام الناس كان أكثر ما يجرح سعاد حسني ويؤرقها ويعذبها في سنواتها الأخيرة".

نظرت إليّ وبدأت تضحك وقالت: أنا محتارة فيك ياخي، نصف كلامك حلو والنصف الثاني زي الدبش.

وضحكنا يومها كثيراً وكان هذا الموقف من أحد المواقف الطريفة التي حدثت خلال السنوات الثلاث الأخيرة في حياة سعاد.

هل أظهرت السندريلا يوماً عاطفة الأمومة، أو تحدثت عن رغبتها في أن تصبح أمّاً، أو عن ندمها لعدم إقدامها على هذه الخطوة؟

لم نتحدث أبداً في هذا الموضوع، وأنا لم أسألها يوماً لأنني أعرف السبب، وسبق أن حدثتني عن الأسباب التي تمنعها من الإنجاب. لذلك لم تذكر لي خلال الثلاث سنوات الأخيرة شيئاً يتعلق برغبتها في الإنجاب أو ندمها على عدم الإنجاب أبداً.

هل كان ثمّة صديق/ة أو شخص تتحدث عنه سعاد حسني باستمرار خلال سنواتها الأخيرة؟

سعاد حسني بطبيعة شخصيتها لا تتكلم عن شخص محدد، بل تتكلم بالمطلق، وكانت عندما تحدثني، تحكي لي عن أصدقائها جميعاً وليس عن شخص معيّن. سبحان الله، سعاد حسني كان لديها ذكاء فطري غريب جداً، وكانت لديها طريقة للتعامل مع الناس بحرفيّة ودبلوماسيّة عالية. وكانت حريصةً كل الحرص على ألا تتحدث بطريقة سيئة عن أيّ شخص.

صفة كنت تلحظها في سعاد حسني في أثناء الجلسات أو حين تتعرف إلى أشخاص جدد؟

كانت تحاول إخفاء خفّة دمها. سعاد حسني كان دمها خفيفاً جدّاً، لكن في أثناء الجلسات أو التعرّف إلى أناس جدد كانت تحاول إخفاء ذلك وكانت تفعل ذلك لشدّة خجلها وارتباكها.

ما أكثر ما كان يؤرق سعاد حسني ويسبب لها الحزن؟

كلام الناس، كلام الناس كان أكثر ما يجرح سعاد حسني ويؤرقها ويعذبها في سنواتها الأخيرة.

ما هو أكثر شيء كان يخفف عن سعاد حسني ويساعدها على تخطّي ظروفها الصعبة التي مرّت بها خلال السنوات الأخيرة؟

الضحك والدعابة. أكثر ما كان يفرح سعاد حسني هي الدعابة. وكانت تحب الضحك كثيراً.

والأكل؟ في أحد اللقاءات تحدث أصدقاء الراحلة سعاد حسني عن حبّها الشديد للأكل وعن أنّه كان من الأسباب التي تجعلها سعيدةً؟

لا، سعاد لم تكن تحب الأكل بل كانت تحبّ أن تطبخ، وهناك فرق. سعاد حسني كانت تعشق الطبخ وحين تجلسين معها فإنها هي التي تقوم بكلّ شيء، وكانت شخصاً دقيقاً جداً، بحيث أنها إذا قامت بإعداد فنجان قهوة تأخذ نصف ساعة لتحضيره، كي يكون كل شيء على أكمل وجه. وكنت أضحك معها كثيراً بخصوص هذا الموضوع.

أكثر مرّة ضحكت فيها سعاد ضحكةً حقيقيةً نابعةً من القلب قبل وفاتها، متى كانت؟ وما هو الموقف الذي أضحكها؟

كان ثمّة الكثير من الأشياء التي تُضحك سعاد حسني. لكن يحضرني الآن موقف في إحدى الجلسات مع الأصدقاء، وكان من بينهم صديق يُدعى محمد الترنيسي، وهو علم من أعلام الطب وصاحب مستشفى من أكبر المستشفيات الموجودة في أوروبا، وهو شخص لطيف جداً وخجول ولا يتكلم أبداً في أثناء الجلسات. وفي ذلك اليوم اتفقنا سعاد وأنا على أن نقوم بتمثيل مسرحيّة أمام المجموعة الصغيرة، وهي مسرحيّة قمنا بتأليفها وإخراجها وتمثيلها وأسميناها "أطفال البراميل ونظريّة الاستنساخ"، بمعنى "أطفال الأنابيب"، ولكن لكي نضحك على تخصصه ونمازحه استعملنا مصطلح "براميل" بدل "أنابيب"، ويومها غرقت سعاد في نوبة ضحك هستيرية، ولم نستطع إكمال المسرحية لشدّة ما ضحكنا يومها. وأكملنا السهرة كاملةً بالضحك والمزاح وتبادل النكات. وكاد قلب سعاد حسني أن يتوقّف من شدة الضحك وقد ذكرت هذا الموقف تحديداً في أحد فصول كتاب "سعاد حسني بعيداً عن الوطن، ذكريات وحكايات".

أيّ أغنية هي الأحب إلى قلب سعاد حسني من بين أغاني عبد الحليم حافظ؟

كانت تحفظ أغنيات كثيرة لعبد الحليم حافظ، ولكن لم تكن هناك أغنية محددة ترددها دائماً، أو ربما كانت. لكن للأسف الشديد بسبب تركي مصر في سنّ صغيرة، لم تكن لدي أدنى فكرة عن الفن العربي أو الفن المصري بشكل خاص، إلى درجة أنني لم أرَ في حياتي فيلماً لسعاد حسني على الإطلاق.


وما كانت ردة فعل سعاد حسني حين عرفت بأنّك لم تشاهد لها ولا حتّى فيلماً واحداً؟

كانت مستغربةً في البداية، لكن وكما كتب صلاح منتصر في مقاله عن هذا الموضوع بالتحديد، فإنّ سعاد حسني وجدت في الدكتور عصام عبد الصمد شريطاً خاماً تضع فيه كلّ الذي تريده، لأنه لا يملك فكرةً مسبقةً عن أيّ شيء يتعلق بها، لذلك كان من السهل عليها أن تطلب أن يقوم هو تحديداً بالكتابة عنها وعن حياتها في آخر ثلاث سنوات فقط.

لندن الضبابيّة ماذا أخذت من سعاد حسني؟ وماذا أعطتها؟ وماذا تعلّمت أيضاً سعاد حسني من هذا البلد خلال إقامتها القصيرة فيه؟

الشيء الذي تعلّمته سعاد حسني من لندن هو النظام، وبرغم أنها كانت شخصاً دقيقاً جداً وتشرف على كل شيء بنفسها، سواء في الطبخ أو في الترتيب، ولكنّها لم تكن منظمّةً. ومن لندن أظنّ أنّها تعلمت التنظيم.


والذي أخذته لندن من سعاد حسني هي كميّة السعادة التي كانت متبقيةً لديها. سعاد لم تكن سعيدةً إلا إذا حاولتِ إسعادها وقمتِ بإضحاكها، فإنها كانت تستجيب لك. لكنها كانت مكسورةً ومظلومةً. سعاد حسني ظُلمت كثيراً والناس تحدثوا عنها بطريقة سيئة جداً، وهذا سبّب لها حزناً شديداً خاصةً في آخر فترة.

هل ذكرت يوماً سعاد حسني جملةً من رباعيات صلاح جاهين الذي كان بمثابة الصديق والأب الروحي لها، أو ذكرت شيئاً من أشعاره تعبيراً عن حالة معيّنة أو ردّة فعل على موقف ما؟

طوال الوقت كان صلاح جاهين حاضراً معنا. كانت تتحدث عنه دائماً، وعن لقائهما الأول، وكيف تعرفت إليه حين كانت في زيارة إلى موسكو لحضور أحد المهرجانات وكان صلاح جاهين هناك أيضاً لكن بقصد العلاج.

وكانت تحكي لي عن كيف شعرت من أوّل نظرة أنّه سيكون بمثابة الأبّ الروحي لها، وكانت تحفظ له جميع أشعاره وترددها باستمرار وبشكل دائم، وكانت تحاول أن تُحفظّني بعضاً منها أيضاً.

أخيراً، ومع اقتراب ذكرى رحيل المرأة الرهيفة الودودة الرقيقة التي يصعب التعامل معها في بعض الأحيان لشدة حساسيتها كما وصفتها يوماً في كتابك "سعاد حسني بعيداً عن الوطن... ذكريات وحكايات"، ما كنت لتقول لها لو أنها تسمعك الآن؟

أقول لها خمسة أشياء: أوّلاً أبعث لها سلامي، وأقول لها "إزيّك يا سُعاد، إنت سمعاني؟ أنا بكلمك زي ما بكلم والدي ووالدتي ربّنا يرحمهم"، وفي اعتقادي أن الشخص الميت يسمعنا، وهو شخص موجود لكن في مكان آخر، وسعاد موجودة معي دائماً.


"أريد أن أقول لها ألا تزعل من أيّ شخص، وأيضاً أقول لها أنت يا سعاد "اتظلمتي" في الدنيا كثيراً، وأذكر حين قلت لي إن ثمة مكافأةً كبيرةً في الآخرة للأشخاص الذين ظُلموا في الدنيا، وستأخذين مكافأتك من عند الله"

ثانياً، أقول لها لقد فعلت ولبيّت جميع طلباتك مثلما وعدتك، وكمّا طلبتِ منّي، وكتبت عنك برغم أني لست كاتباً، وطلبتِ مني أن أزور قبرك في كل مرة أزور فيها مصر، وهذا ما فعلته وسأظلُّ أفعله.

ثالثاً، وهو ما يخطر على بالي دائماً، وهو أن علاقتنا يا سعاد لم تنتهِ أبداً. ولن تنتهي حتى بعد وفاتك. أنت موجودة دائماً في ذاكرتي ووجداني وأنا لن أنساك حتى ألقاك وأنا أعني ذلك.

رابعاً، أريد أن أقول لها ألا تزعل من أيّ شخص، وأيضاً أقول لها أنت يا سعاد "اتظلمتي" في الدنيا كثيراً، وأذكر حين قلت لي إن ثمة مكافأةً كبيرةً في الآخرة للأشخاص الذين ظُلموا في الدنيا، وستأخذين مكافأتك من عند الله.

وآخر شيء أقوله لها، هو أنني زعلان منك جداً يا سعاد، لأنك تركتيني ورحتِ من دون كلمة وداع، وشكراً.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image