شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ماذا نعرف عن عشيرة

ماذا نعرف عن عشيرة "مَمَاسن" الصومالية التي تحكم جيبوتي منذ الاستقلال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الجمعة 22 سبتمبر 202310:28 ص

تحظى دولة جيبوتي الصغيرة من حيث المساحة، بميزات هائلة نسبةً إلى موقعها الجغرافي الذي يجعلها مركزاً مهماً للتجارة، ومينائها الذي يُعدّ من أحد أكثر الموانئ تطوراً في العالم، فضلاً عن أصول طبيعية يمكن استغلالها في السياحة مثل المناظر الطبيعية البركانية والشعاب المرجانية والحياة البرية المتنوعة، بالإضافة إلى مواردها البحرية غير المستغلة وإمكاناتها الهائلة في مجال الطاقة المتجددة.

كل هذه الثروات كان من شأنها أن تجعل سكان جيبوتي البالغ عددهم مليون نسمة، يعيشون في مستوى اقتصادي جيد، خصوصاً مع الاستقرار السياسي الذي تتمتع به البلاد مقارنةً بدول أخرى في منطقة شرق إفريقيا، ولكن على العكس تماماً، يشكو سكانها من ارتفاع معدلات البطالة والفقر والديون والاعتماد على المساعدات الأجنبية بشكل أساسي.

العشيرة الحاكمة والمحسوبية

يُرجع الناشطون السياسيون في جيبوتي هذه المفارقة العجيبة بين الإمكانات وواقع الحال إلى المحسوبية المتفشية في مفاصل الدولة، والتي تتمحور حول العشيرة التي هيمنت على السلطة والنفوذ في البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1977. تُدعى تلك العشيرة، أو الفخذ بحسب طبقات النسب، "مماسن"، وهي واحدة من العشائر الستة التي تتكون منها قبيلة العيسى، وتنتمي إلى عائلة قبائل دِير، من القومية الصومالية، التي تُعدّ أكبر مكونات جيبوتي السكانية. ومن فخذ مماسن خرج أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال، حسن جوليد أبتيدون (1977-1999)، الذي تنازل عن السلطة لابن شقيقه، الرئيس الحالي إسماعيل عمر جيلي.

وضع الماضي الاستعماري الفرنسي لجيبوتي، ثم الاستقلال اللاحق، الأساس لاختلال توازن القوى بين القبائل المختلفة، حيث اكتسب بعضها الحظوة والنفوذ على حساب الآخرين. كانت البداية مع قومية العفر الذين ارتضوا بتولي حسن جوليد الرئاسة، وقدّموا له الدعم في مواجهة قوى صومالية أخرى كانت تريد الانضمام إلى دولة الصومال، ومع مرور الوقت وضعت عشيرة مَمَاسن نفسها في موقع إستراتيجي في الأدوار الحكومية الرئيسة، وعززت قوتها السياسية والاقتصادية. وقد سمحت لها قدرتها على التنقل في الشبكة المعقدة للسياسة الجيبوتية، بالحفاظ على سيطرتها على عمليات صنع القرار وتخصيص الموارد.

في تقرير بعنوان "جيبوتي: دولة أم شركة عائلية؟"، سلّط الصحافي الاستقصائي جمال عثمان من القناة الرابعة البريطانية، الضوء على المحسوبية والسيطرة العشائرية داخل الحكومة الجيبوتية. وكشفت النتائج عن نظام محاباة راسخ، يشغل فيه أقارب الرئيس إسماعيل عمر جيلي مناصب مهمةً عدة في الدولة ما يعزز نفوذهم.

ومن بين الدوائر المتعددة المحيطة بالرئيس، هناك دائرة مهمة لعشيرته مماسن، ومن أبرز رموزها الذين شغلوا مناصب حساسة في الدولة، سعد عمر جيلي الأخ غير الشقيق للرئيس إسماعيل عمر جيلي، والذي شغل منصب المدير العام لميناء جيبوتي، أهم مصادر الدخل في البلاد، حتى وفاته عام 2019. وبعد وفاته يعتمد الرئيس جيلي في إبقاء إدارة الموانئ تحت سيطرته على مدير هيئة الموانئ والمناطق الحرة الجيبوتية، "أبو بكر عمر هادي"، الذي ينتمي إلى عشيرة الرئيس. ويتولى منصب مدير عام مؤسسة كهرباء جيبوتي، التي تُعدّ أحد أبرز مصادر الدخل للأسرة الحاكمة، ابن عم الرئيس، جامع علي جيلي. وفي مجال الأعمال، هناك ياسين أوليد فارح، المُلقب بـ"الفتى الذهبي" من عشيرة مماسن، والذي يُعدّ من أهم رجال المال والأعمال في البلاد.

جيبوتي تشهد مرحلةً من الغليان بسبب التمييز بين العشائر والقبائل، التي تسعى جميعها إلى تحديد هوية الشخص الذي سيخلف الرئيس الحالي، الذي بدأ ولايته الرئاسية الخامسة وعمره يقارب الثمانين عاماً

وفي المناصب الأمنية، يشغل العقيد محمد جامع دعالة، من عشيرة مماسن، منصب قائد الحرس الجمهوري، وكذلك المدير العام للشرطة الوطنية العقيد عبد الرحمن علي كاهن، فضلاً عن قائد القوات الجوية، وهيب موسى كالينله، ابن عم الرئيس إسماعيل عمر جيلي، والرجل المعروف في قضية الخلاف بين الإمارات والسعودية من جانب، وجيبوتي من جانب آخر، بعد هبوط طائرة عسكرية إماراتية في قاعدة عسكرية في جيبوتي دون إذن، وذلك بعد مشاركتها في غارات جوية على اليمن.

وهناك أهم المناصب العسكرية، وهي رئاسة الأركان، ويشغلها منذ عقود الجنرال إبراهيم زكريا شيخ إبراهيم، والذي يعمل على تقديم نجله زكريا وإبرازه ليتولى منصباً عسكرياً كبيراً، في ظل الحديث عن تأثير التقدم في العمر على صحة الجنرال العقلية.

سياسياً، هناك العديد من الأسماء من عشيرة مماسن، ومنها مدير مكتب رئيس الوزراء، يوسف فارح، ويشغل حسين إدريس جوليد، ابن عم الرئيس، الشهير بـ"سيكو توري" منصب مستشار الرئيس إسماعيل عمر جيلي.

هيمنة عشيرة مماسن على السلطة تأتي على حساب بقية المكونات من القومية العفرية والقومية الصومالية، التي تضم في جيبوتي ثلاث قبائل؛ العيسى والإسحاق وغادبورسي، إلى جانب العرب

شكوى العشائر الصومالية

ما سبق أمثلة محدودة على هيمنة عشيرة مماسن على السلطة، على حساب التمثيل العادل لبقية المكونات من القومية العفرية والقومية الصومالية، التي تضم في جيبوتي ثلاث قبائل؛ العيسى والإسحاق وغادبورسي، إلى جانب العرب وغيرهم.

يخبر ناشط من القومية الصومالية، رصيف22، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، بأنّ بقية العشائر والأفخاذ الصومالية تشتكي من هيمنة عشيرة مماسن على السلطة، إذ تهيمن على المناصب العسكرية العليا على غرار رئاسة الأركان ورئاسة البحرية ورئاسة وكالة الأمن الوطني والمخابرات. لكنه يقول إنّ "عشيرة مماسن تُعدّ الأكثر انفتاحاً على جميع القوميات في البلاد، مقارنةً ببقية العشائر من العيسى، التي تسبّح بكرةً وأصيلاً بطرد القبائل الصومالية الأخرى والعرب من جيبوتي إن تمكنت من السلطة، فضلاً عن أنّ تلك العشائر تتهم مماسن بتوريث البلد للأجانب".

ويشير إلى صراع عشيرة فورلابا من العيسى مع عشيرة مماسن من العيسى أيضاً على السلطة؛ حيث ترى العشيرة الأولى نفسها أحق بالسلطة من مماسن التي ترجع أصولها إلى إثيوبيا. وشهد العام 2000، انقلاباً للسلطة ضدّ عشيرة فورلابا، بعدما كانت تشارك فيها بجانب عشيرة مماسن، وذلك حين اكتشفت محاولة انقلاب بقيادة قائد الشرطة الوطنية، المنتمي إلى فورلابا، الجنرال ياسين يبيه، الذي مات في السجن عام 2002. وفي عام 2008، قامت السلطات في جيبوتي بحلّ حزب الحركة من أجل التجديد الديمقراطي والتنمية، بقيادة ضاهر أحمد فارح، الذي ينتمي إلى عشيرة فورلابا، كما ينتمي معظم أعضاء الحزب إلى العشيرة نفسها، وقد تعرضوا للعديد من الاعتقالات على خلفية دورهم السياسي كحزب معارض.

وفي عام 2016، حدثت موجة أخرى من الاعتقالات استهدفت شخصيات من عشيرة فورلابا، وكذلك موجة إقالات لمسؤولين في الحكومة من العشيرة. وفي شباط/ فبراير 2022، قام الرئيس إسماعيل عمر جيلي بحملة إقالات واسعة شملت وزراء ومسؤولين، وذلك على خلفية الصراع على السلطة، في ظل الشكوك حول حالة الرئيس الصحية، ومن بين هؤلاء مسؤولون من عشيرة فورلابا. يخبر الناشط.

الصراع على خلافة جيلي

تعود هيمنة مجموعة العيسى، التي تنتمي إليها عشيرة مَمَاسن، على حكومة جيبوتي والقوات المسلحة إلى عاملين رئيسيين؛ الأول لأنّها أكبر مجموعة عرقية في جيبوتي، والثاني وجود مركز ثقلها في مدينة جيبوتي التي تُعدّ المركز السياسي والاقتصادي للبلاد. ونتيجةً لذلك، تمكنت من السيطرة على الخدمة المدنية، والقوات المسلحة، والحزب الحاكم، ما أدى إلى استياء المجموعات العرقية الأخرى ومعارضتها للأمر.

ووقعت العديد من المحاولات من قوميات وعشائر أخرى لتغيير المعادلة السياسية والاجتماعية في جيبوتي، ومنها تمرد الجبهة من أجل الوحدة والديمقراطية "FRUD" في عام 1991، نتيجةً لعدم رضا مجموعة عفار العرقية بهيمنة قبائل العيسى على حكومة جيبوتي والقوات المسلحة، والذي انتهى عام 1994 بعد التوصل إلى اتفاق سلام مع جزء من الجبهة، وتحقيق بعض مطالبهم.

مع ذلك، فإن شخصية الرئيس إسماعيل عمر جيلي، تتسم بالبراغماتية والمرونة، والتلاعب بالأصدقاء والأعداء. يظهر ذلك من خلال العدد الكبير من التقارير حول التعيينات والإقالات وتداخل المال والسياسية في جيبوتي، والتي تخدم جميعها هدفاً واحداً، هو تأمين حكم الرئيس جيلي وأسرته. ولموقع "African intelligence" السبق الدائم في كشف هذه التعقيدات، ودائماً ما يكون اسم السيدة الأولى خضراء محمد، حاضراً في ذلك كله.

وتُعدّ السيدة الأولى التي تنتمي إلى قبيلة الإسحاق، ذات النفوذ الكبير في إقليم صوماليلاند، المنفصل من جانب واحد عن دولة الصومال، من أقوى الشخصيات في جيبوتي، وحولها تتجمع العديد من خيوط النفوذ والمال. على سبيل المثال، هناك ابنها من زوجها العفري السابق، نجيب عبد الله كامل، ويشغل منصب أمين عام رئاسة الوزراء، فضلاً عن الأدوار الاقتصادية والسياسية لبناتها وأزواجهن وابنة أخيها وغيرهم.

ولأنّ السيدة الأولى ليست من عشيرة مماسن، فهي وأولادها وبناتها غير مرحب بهم من العشيرة، التي تسعى إلى ضمان وصول أحد أبنائها إلى الرئاسة خلفاً لإسماعيل عمر جيلي. وتمثّل قضية خلافة جيلي المفتاح لحلّ العديد من الإقالات والاعتقالات التي تطال كبار المسؤولين السابقين والحاليين كل فترة، حيث تسعى السيدة الأولى إلى التخلص من نفوذ عشيرة مماسن منذ سنوات، واستبدال أفرادها بالموالين لها من أي عشيرة، فهي مثل زوجها الرئيس تضع مصالح الأسرة قبل مصالح العشيرة.

وبحسب المراقبين، فإنّ جيبوتي تشهد مرحلةً من الغليان بسبب التمييز بين العشائر والقبائل، التي تسعى جميعها إلى تحديد هوية الشخص الذي سيخلف الرئيس الحالي، الذي بدأ ولايته الرئاسية الخامسة في نيسان/ أبريل 2021، ويبلغ من العمر 77 عاماً، ويتولى الرئاسة منذ العام 1999.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image