هذا التقرير أُنتج بدعم من منظمة Civil Rights Defenders.
أن تكون مغربياً، وفوق ذلك مسيحياً، فأنت أمام ثلاثة خيارات لا غير؛ إما أن تمارس معتقدك في السرّ كما هو الشأن مع العديد من المغاربة المعتنقين للمسيحية، الذي يلجؤون إلى هذا الخيار لحماية أنفسهم من اضطهاد المجتمع المغربي لهم، أو الجهر به وتحمّل عواقب النظرة الدونية والمداهمات المتكررة للسلطات الأمنية للمنازل الكنسيّة التي يتعبد داخلها المغاربة المسيحيون، لأنه لا يُسمح لهم بدخول الكنائس الموجودة في البلد والخاصة بالأجانب المسيحيين. أما الخيار الثالث فالهجرة إلى الخارج في سبيل "حرية المعتقد".
معاناة المسيحيين المغاربة، وليدة إطار قانونيّ يمنع على من وُلد مسلماً اعتناق ديانة أخرى، لكن الأخيرين كسروا حاجز الصمت في السنوات الأخيرة، وانتظموا في إطارات كـ"تنسيقية المسيحيين المغاربة"، و"اتحاد المغاربة المسيحيين"، ولديهم خمسة مطالب، كما أخبرتنا مجموعة من المسيحيين المغاربة الذين تواصل معهم رصيف22، وهي: التعبد، والزواج الكنسي أو المدني، وتسمية الأبناء بحريّة، وتدريسهم بالكيفية التي يرتضونها، والدفن في مقابر مسيحية.
خسرت كل الأصدقاء وتعرضت للضرب
يعيش محمد أحماش في الدار البيضاء، ويُعرف باسمه الروحي بطرس. يبلغ من العمر 47 سنةً، وهو متزوج وأب لطفل وقسّ لكنيسة منزليّة. يقول في تصريح لرصيف22، إنه من أسرة مسلمة اعتنق المسيحية في شهر نيسان/ أبريل من عام 2009، وتمت معموديته في شهر أيلول/ سبتمبر من السنة نفسها.
يضيف بطرس، كما يفضّل تسميته، وهو يعمل أيضاً مستشاراً في المرصد المغربي لحقوق الإنسان في جهة الدار البيضاء سطات، ونائب رئيس "منتدى حرية الفكر للأقليات الدينية بالمغرب"، بأن اعتناقه المسيحية جاء "بناءً على دراسة وبحث. وجدت أجوبةً عن الكثير من الأسئلة التي كانت تؤرقني، في الكتاب المقدس الذي اطمأن إليه قلبي وانقاد له من دون أي ترهيب".
يقول: "شاركت أمر تحولي إلى المسيحية مع الأسرة والأصدقاء، الذين كنت أشاركهم من قبل تساؤلاتي عن الإسلام ومجموعة من حقائقه، لكنني تعرضت للكثير من المشكلات والاضطهاد الشديد إلى درجة أنني خسرت كل الأصدقاء في الحي، وتعرضت للضرب، كما حاولت أسرتي بشتى الطرق ثنيي عن هذا الأمر، حتى أنهم رفضوا مدّ يد المساعدة إليّ في ظروف مادية صعبة كنت أمرّ بها بسبب عملية نصب تعرضت لها وكانت نتيجتها خسارتي مبلغاً مالياً كبيراً في التجارة التي أقوم بها، ما اضطرني إلى الطلب من زوجتي الذهاب إلى بيت أهلها حتى أحلّ مشكلاتي. وهذا بالفعل ما قامت به زوجتي إلى أن لان قلب والدي، واقتنع بأنني تحولت إلى المسيحية عن قناعة وأنني رجل صالح، فمدّ لي يد المساعدة، وهو ما لم يتقبله إخوتي في البداية، ولكنهم في نهاية المطاف تقبلوا اختياري".
بخصوص زواجه، قال بطرس، إنه تزوج زواجاً إسلامياً عام 2007، قبل أن يتحول إلى المسيحية في عام 2009، وابنه ساعتها كان عمره سبعة أشهر فقط، وحكى عن معاناته مع زوجته التي رأت تغيّره وتشبثه بالكتاب المقدس وسهره على قراءته حتى الصباح، ما جعلها تحتجّ وتختلق له المشكلات، إلى أنه خيّرها بين البقاء معه أو الطلاق مع ضمان كل حقوقها. لكنها اختارت البقاء معه واشترطت عليه عدم إخبار أسرتها بالأمر، فاحترم رغبتها، ولكن بعد مرور ثلاث سنوات أصبحت تهتم بهذا الإيمان، وتقرأ الكتاب المقدس، وتحولت هي أيضاً إلى المسيحية في شهر تموز/ يوليو من عام 2012، فأصبحا يتعبّدان سرّاً في بيتهما أو في مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحة استحدثها تحمل اسم "كنيسة الخلاص المغربية بالدار البيضاء".
بعد اقتناعه بالمسيحية، حرص بطرس على البحث والتكوين، حيث درس الدراسات اللاهوتية في تونس
بعد اقتناعه بالمسيحية، حرص بطرس على البحث والتكوين، حيث درس الدراسات اللاهوتية في تونس، لغياب دروس شبيهة في المغرب، فأصبح ينظّم جلسات للتعبد في البيوت، ما جعله يتعرض للاستنطاق أكثر من مرة من طرف السلطات، التي كانت تداهم بين الفينة والأخرى تلك البيوت لتطّلع على ما يجري فيها من دون إيذاء أي كان، وآخر مداهمة تعرض لها كما أخبرنا، كانت في بيت له في مدينة مراكش، حيث تم استنطاقهم وإخلاء سبيلهم من دون أي مشكلة.
يوضح بطرس: "كل هذا يهون، ولكن ما هم صعب هو أن يأتي ابنك الذي تعلمه أشياء في البيت، ويتعلم أشياء أخرى في المدرسة والشارع ويقول لك إنهم ينعتوننا بالكفر، لأن دماغه تم حشوه بأشياء رهيبة تكفّر المسيحي وتكفر أصحاب الديانات الأخرى. وعليه، عليّ العمل لتصحيح كل ذلك. لذا نطالب بتعليم سوي لا يشوش على عقول أبنائنا ولا يجعل منهم أشخاصاً شيزوفرنيين، خاصةً أولئك الذين لا يستطيعون تدريس أبنائهم في مدارس البعثات الأجنبية في المغرب، ونطالب بحرية المعتقد حتى نتمكن من الجهر بمعتقدنا وممارسته أمام الكل، لأننا ما دمنا حالياً نتعبد في السرّ فنحن غير قانونيين".
عدم تجاوب وصمت حكوميان
برغم مطالب المسيحيين المغاربة الذين ينتظمون في هيئات عدة من قبيل "اتحاد المسيحيين المغاربة"، إلّا أن الحكومات المغربية المتعاقبة، لا تستجيب لمطالبهم. ومن ضمنها المذكرة التي رُفعت في ولاية سعد الدين العثماني، وللمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي استقبلهم في ولاية الأمين العام السابق محمد الصبار، استقبالاً رسمياً، وكان ذلك عام 2017.
في هذا السياق يصرح الصبار، وهو محامٍ وحقوقي أيضاً، لرصيف22، بأنه تفاعل مع تلك المطالب لمّا كان يتحمل مسؤوليةً في المجلس، انطلاقاً من إيمان هذه الهيئة بحريّة المعتقد واستنادها إلى المرجعيّة الكونية لحقوق الإنسان، وضرورة تطبيقها واعتمادها في المغرب، البلد المعروف تاريخياً بالتسامح والتعايش بين مختلف الديانات. ويقول إنه "لهذا لا يجب أن تتعرض الأقليات الدينية كالبهائيين والمسيحيين والشيعة للقمع، وعلى الدولة أن تضمن لهم حقوقهم المشروعة".
حرية المعتقد مسألة أساسية ولا نقاش فيها، ولهذا فعلى المسيحيين المغاربة أن يستمروا في نضالهم ومطالبهم
يضيف الصبار أن "حرية المعتقد مسألة أساسية ولا نقاش فيها، ولهذا فعلى المسيحيين المغاربة أن يستمروا في نضالهم ومطالبهم، وأن يأخذوا الأمازيغية نموذجاً لهم، لأن القضية الأمازيغية كان يُنظر إليها في سبعينيات القرن الماضي على أنها نشاز، لكن مناضليها استطاعوا بعد سنوات من النضال أن ينتزعوا الاعتراف الرسمي بها".
وأشار إلى أن "القضايا الحقوقية تتطلب الصبر والتدرّج، كما أن على المشرّع المغربي أن يراجع بعض القوانين وأن يساير التحولات المجتمعية، كما تحتاج القضية إلى النضج المجتمعي والإرادة السياسية لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية".
ونفى الصبار عن قضية المسيحيين المغاربة صفة "الفقاعة الإعلامية"، أو خدمة أجندات أجنبية، التي يرغب بعض الفاعلين السياسيين والبرلمانيين في إلصاقها بها، وطالب الدولة المغربية بضرورة "إقرار حرية المعتقد في الدستور المغربي، أسمى قانون في البلد، وعدم التضييق عليهم في ممارسة معتقدهم".
المسيحيون أموات اجتماعياً من دون اعتراف دستوري
مسألة قانونية "حرية المعتقد" محورية، كما يرى محمد سعيد، وهو مسيحي مغربي كان مسلماً. ويؤكد الباحث في العلوم السياسية وعضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية "مدى"، أنه ما دامت حرية المعتقد غير مرسمة دستورياً وقانونياً في المغرب، فهذا يعني أن المكونات الدينية، سواء المسيحية أو البهائية أو الذين ينتمون إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية أو الشيعة المغاربة، "أموات اجتماعياً بسبب عدم الاعتراف بهم قانونياً".
إشكالية حرية المعتقد في المغرب، هي في أن هناك توجسا وتخوفا من الطرف الآخر، وهو تخوف غير مشروع
يضيف مؤلِّف "المغاربة المسيحيون وإشكالية حرية المعتقد" في تصريح لرصيف22، أنه عند طرح "إشكالية حرية المعتقد في المغرب، يكون هناك توجس وتخوف من الطرف الآخر، وهو تخوف غير مشروع، لأنك تلزمني قانونياً وسياسياً وثقافياً بأن أعتقد بما تعتقد، وأن أكون تابعاً لك، لأنك تستعمل فزاعة الأمن الروحي للمغاربة، ولم تستوعب بعد أن المجتمع المغربي مختلف".
ويضيف سعيد الذي اختار الهجرة إلى الولايات المتحدة، أن كتابه رسالة من مغربي مسيحي خَبر الوضع الحقوقي من قرب، ويعرف جيداً الوضع الذي يعيشه المغرب من ناحية حقوق الإنسان، خاصةً في ما يتعلق بغياب "حرية المعتقد" من الدستور المغربي لعام 2011، الذي كانت مسودته الأولية تتضمن هذا المبدأ قبل حذفه بضغط من جهات محافظة، وكذلك بضغط من الآلية السياسية للقصر الملكي التي كان يمثلها الراحل محمد المعتصم.
يضيف سعيد في كتابه، كما في ندوات يشارك فيها حتى داخل المغرب: "تمتيع المسيحيين بحقوقهم المسلوبة داخل النسق المجتمعي الذي تتحكم فيه سياسات بالية، لم يقطع معه للأسف دستور 2011، لأن حرية المعتقد كانت وما زالت هي المدخل لتكريس دولة الحق والقانون، وبفضلها يمكن للمسيحين المغاربة أن يقيموا شعائرهم علانيةً في كنائس وطنية وليس في أماكن سكنهم، وإقامة زيجاتهم بطريقة مسيحية، وتسمية أبنائهم بأسماء يختارونها، ودفن موتاهم في مقابر خاصة، زيادةً على ألا يكون تعليم الدين الإسلامي يشمل أطفالهم، بل يكون التعليم تعريفياً بالمعتقدات فقط".
التنظيم لمواجهة القوانين البالية؟
لتعريف الرأي العام بمعاناتهم، استغل المسيحيون المغاربة يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، وأنشأوا صفحات ومجموعات تحمل أسماء حركيةً خدميةً للتواصل والدفاع عن مطالبهم وانتمائهم إلى الوطن والرد على الشائعات والمفاهيم المغلوطة بخصوصهم، كما أطلقوا موقعاً إلكترونياً يحمل اسم المسيحيين المغاربة.
وحتى يسهل أيضاً تقديم مطالبهم للجهات المسؤولة في المغرب، انتظم المسيحيون المغاربة في تنظيمات عدة من قبيل "تنسيقية المسيحيين المغاربة".
يحكي مصطفى أغريس المعروف بمصطفى السوسي، وهو رئيس التنسيقية لرصيف22، أن التنسيقية تأسست عام 2016، وعملت على رفع مطالب المسيحيين المغاربة إلى الجهات المختصة، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك عام 2017، وإلى الحكومتين السابقة والحالية، كما توجهت إلى الإعلام الوطني للدفاع عن حقهم في ممارسة معتقدهم بكامل الحرية والاعتراف بهم في إطار القانون.
يشير السوسي إلى أنه متفائل بالردود الإيجابية تجاه مطالب المسيحيين المغاربة المستعجلة، والمتعلقة بالمطالب الخمسة، من طرف بعض المسؤولين المغاربة، كما أن "العاهل المغربي لا يفتأ يذكّر في كل خطبه بضمان حرية المعتقد وتسامح الأديان، وهو ما تجسد في استقباله بابا الفاتيكان، وفي تنظيم المغرب في مراكش للمؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان في شهر حزيران/ يونيو الماضي".
عملت المنظمات المسيحية على رفع مطالب المسيحيين المغاربة إلى الجهات المختصة، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك عام 2017، وإلى الحكومتين السابقة والحالية
هناك أيضاً "اتحاد المسيحيين المغاربة" الذي يرأسه القس محمد العمري (58 سنةً)، المعروف باسمه الروحي آدم الرباطي.
يخبرنا الرباطي بأن الاتحاد تأسس عام 2010، بعد توقف "رابطة المسيحيين المغاربة" عن العمل، وانضم إلى "حركة 20 فبراير" (2011)، في المغرب، للمطالبة بحرية المعتقد وبمطالب اجتماعية أخرى، خاصةً أن المغرب كان مقبلاً على تعديل أساسي في الدستور، لكن المحافظين للأسف، كما قال: "تنكروا للعديد من الحريات بما فيها حرية المعتقد، وأخص بالذكر حزب العدالة والتنمية (إسلامي) الذي كان مسيطراً على الوضع. ولهذا خرجنا من الحركة، فانعزلنا وعملنا في السرّ، والتحق بنا جميع المسيحيين المغاربة".
أضاف القس المتزوج من الناشطة الحقوقية فرح بلقايد، المعتنقة للمسيحية، والتي له منها ابنة، أنه لا توجد أرقام رسمية لعدد المسيحيين المغاربة، ولكنهم يقدَّرون حسب قوله بنحو مليون مسيحي، بناءً على أرقام يقدّمها رعاة وخدّام الكنائس المنزلية الموجودة في مختلف المدن والقرى المغربية، هذا ناهيك عن أن أعداداً لا يستهان بها منهم يعيشون خارج المغرب. لكن يستحيل التأكد من هذا الرقم "الكبير"، بحكم أن المغرب لا يقدّم إحصائيات بخصوص أعداد المسيحيين، ما عدا الأجانب المقيمين في المغرب.
الزواج المسيحي المستحيل في المغرب؟
أكد القس آدم، الذي عانى منذ اعتنق المسيحية في ثمانينيات القرن الماضي من الكثير من "المضايقات والعنف والضرب والاضطهاد، وفقد عمله"، وفق قوله، أنهم فضلوا الخروج إلى العلن كاتحاد في أثناء زيارة البابا فرانسيس للمغرب في عام 2019، وقاموا بتنظيم طقوس زواج كنسي مسيحي في مقر الهيئة المغربية لحقوق الإنسان بحضور الصحافة الوطنية والدولية، موضحاً: "نحن نؤمن بالزواج الكنسي والمدني، ولكن نضطر إلى الزواج بعقد إسلامي لأنه وثيقة تسهّل علينا بعض الإجراءات القانونية في البلد. ولكن في المقابل أنا أقوم بتزويج المسيحيين المغاربة، وأقوم بتأهيلهم لأن الزواج المسيحي تلزمه فترة لتأهيل الزوجين لكي يعرفوا السيد المسيح والعهود الأولى التي تربطهم حتى يظلوا على شريعة الزوجة الواحدة. وحالياً أنا أمنح عقد زواج باسم 'كنيسة المجد المغربية' التي في عين عتيق (من ضواحي العاصمة الرباط)".
التبشير عمل تنص عليه المسيحية، ويدخل في إطار ممارسة هذه العقيدة. هذا ناهيك عن رغبتنا في تنشيط الحركة الثقافية والفنية في المغرب
وطالب القس آدم الرباطي بضرورة تعديل الدستور، وأيضاً القانون الجنائي حتى يتماشى مع التحولات التي يعرفها المجتمع والعالم، وعدم تجريم "التبشير كما هو مدرج في الفصل 220 من مدونة القانون الجنائي والتي تدخل في إطار 'زعزعة عقيدة مسلم'، مع العلم أن التبشير عمل تنص عليه المسيحية، ويدخل في إطار ممارسة هذه العقيدة. هذا ناهيك عن رغبتنا في تنشيط الحركة الثقافية والفنية في المغرب عبر تقديم مسرحيات مسيحية في دور الشباب، وغيرها من الأنشطة التثقيفية المهمة".
"قصص القرآن عن المسيح سبب تحولي"
أما الشاب جواد (34 سنةً) من جنوب المغرب، فأسرّ لرصيف22، أن قناة محمد السادس للقرآن الكريم هي التي جعلته يفكر في المسيحية من خلال القصص التي كانت تقدمها، والتي غالبيتها مستنبطة من القرآن، وكان لها وقع خاص في نفسه، ما جعله يبحث في الموضوع ويدرس بالرغم من مستواه الإعدادي، حتى يطمئن قلبه ويختار الطريق الذي يرتضيه لنفسه.
ولأنه كان كثير الأسئلة، كما أخبرنا، ولا يجد الأجوبة الشافية عن أسئلته التي كان يطرحها على الكثير من رجالات الدين المسلمين في برامج متخصصة في الدين في قناة محمد السادس للقرآن الكريم، اضطر إلى البحث بنفسه عن تلك الأجوبة وتخليص نفسه من الشكوك التي كادت تعصف بحياته، فوجد أجوبةً عن كل تلك الأسئلة في المسيحية التي تتقبل الإنسان كما هو وتعطيه فرصةً ثانيةً، مثلما فعل المسيح مع الزانية التي لم ينبذها كما فعل الكل، بل منحها فرصةً أخرى من أجل التغيير، فتساءل: لم كل هذا التسامح؟
ليس من السهل تغيير المعتقد في المغرب، فهو أمر صعب، ومع ذلك فأنا لا أفكر في الهجرة كبعض المسيحيين المغاربة، لأنني مواطن مغربي أحب بلدي
وأوضح جواد: "بعد مسار من البحث، اعتنقت المسيحية عام 2010، فأخبرت أسرتي وجميع أصدقائي بالأمر، لأنني كنت دائماً أدخل معهم في سجالات حول الدين الإسلامي وحول الصوم والصلاة التي لم أكن أقوم بها، وكنت غالباً ما أنجح في إقناعهم بالكثير من الأمور، لكنني مع ذلك لا أستطيع ممارسة معتقدي بكل حرية، لأنني إن فعلت سأخسر كل شيء. حاول والدي منعي من مواصلة هذا الطريق عبر التخلص من الكتب التي أطالعها، غير أن والدتي كانت له بالمرصاد، فمنعته بحجة أنني لا أقوم بمكروه ولا أؤذي أحداً".
يكشف جواد أن أختاً له وأخاً، اعتنقا المسيحية بعد اقتناعهما بها، وأن والدته ما زالت مترددةً وخائفةً، وأخبرنا بأنه يفكر في الزواج من امرأة مسيحية، وهو أمر مسموح به للرجل المسلم، على عكس المرأة المسلمة التي يجب أن يُسلم من ستتزوج به، لكنه يرفض الزواج الإسلامي، ويرغب في توثيق زواجه كنسياً أو مدنياً على الأقل، وهو الأمر الذي ما زال غير مسموح به في المغرب، ما جعل أمر زواجه إلى الآن معلقاً.
يشير الشاب إلى أنه "ليس من السهل تغيير المعتقد في المغرب، فهو أمر صعب، ومع ذلك فأنا لا أفكر في الهجرة كبعض المسيحيين المغاربة، لأنني مواطن مغربي أحب بلدي، وأرغب في أن أعيش فيه وأتمتع بكامل حقوقي. ومن خلال تجربتي كمغربي مسيحي أطالب بحقوقي الإنسانية، وأن تكون لنا كنائس، ما دامت السلطات تفرض على الكنائس الأجنبية عدم التعامل معنا".
المسيحية عالجتني من الاكتئاب
إذا كان التواصل ميسّراً مع المسيحيين المغاربة الرجال، فإن إيجاد أصوات نسائية لم يكن بالأمر السهل. وبرغم وساطة بعض المسؤولين في الإطارات المسيحية لنا معهن، فإن أغلبهن رفضن الحديث في الموضوع لحساسية الموضوع، ولما يمكن أن يخلق لهن من مشكلات في مجتمع ما زال محافظاً، هذا مع العلم بأننا أخبرناهم بأننا سنحرص على عدم ذكر أسمائهن الحقيقية ولا حتى المدن التي يقطنون فيها.
وبفضل الأخ بطرس تمكّنت من التواصل مع الشابة فاطمة الزهراء من تازة (19 سنةً)، وهي متزوجة حديثاً من مسيحي مغربي، اعتنقت المسيحية قبل ثلاثة أشهر برغم أنها من أسرة مسلمة، لأنها، كما قالت، وجدت في المسيحية ضالتها، ووجدت فيها الإيمان الحقيقي والإشباع الروحي الذي لم تجده في الإسلام، وتحولت من إنسانة تعيسة إلى أخرى سعيدة.
أعيش معتقدي حالياً في السرّ ولا أستطيع حتى امتلاك كتاب مقدس
وأكدت في تصريح لرصيف22: "على الرغم من أنني كنت مسلمةً وممارسةً للصلاة ولكل العبادات، إلا أنني كنت مريضةً بالاكتئاب الحاد، ولم ينفع في علاجي أي دواء. ولما آمنت بالمسيح ولو في وقت قصير، تغيّر كل شيء في حياتي ولم أعد تلك الفتاة المكتئبة، بل أصبحت سعيدةً ومقبلةً على الحياة، وقد لاحظ هذا الأمر كل من يعرفني، ولكنني للأسف لم أستطع الإفصاح عن هذا الدواء الروحي الذي خلصني من كل مشكلاتي ومتاعبي".
وقالت: "أعيش معتقدي حالياً في السرّ ولا أستطيع حتى امتلاك كتاب مقدس، وذلك خوفاً على حياتي وعلى والديّ وما سيسببه لهما ذلك من آثار نفسية".
وكشفت فاطمة الزهراء عن معاناة المسيحيين المغاربة، لأنه لا يمكنهم التعبد والصلاة لا في الكنائس ولا في المنتزهات أو المقاهي لأن كل ذلك ممنوع، وحتى لو خاطروا وقاموا بذلك ففيه خطر على حياتهم، وقد يعرضهم للاعتقال.
وبخصوص زواجها، قالت إنها اعتنقت المسيحية قبل زواجها بمساعدة أحد الأشخاص، الذي ساعدها في التعرف على هذا المعتقد، وإنها تعرفت على زوجها في أحد مواقع المواعدة. وبرغم أنهما مقتنعان بالمسيحية إلا أنهما لم يستطيعا إعلان ذلك ولا الزواج وفق الطقس الكنسي المسيحي أو المدني، لأن "الزواج الإسلامي هو الذي يُفرض علينا، كما يُفرض علينا قول آيات من القرآن لكي يتم الزواج مثل الفاتحة ومثل 'زوّجتك نفسي على سنّة الله ورسوله"، وهذا الموضوع صعب بالنسبة إلينا كمسيحيين. وفي حال كان لدينا أطفال فسنضطر إلى تربيتهم في البيت على معتقد، وفي المدرسة والشارع سيلقَّنون الدين الإسلامي، وهذا فيه ضرب سافر لكل حقوقنا ولحريتنا في اختيار المعتقد الذي نريده وممارسته بكل حرية وبلا خوف من أي جهة مهما كانت".
بعض أمل... أعيش معتقدي بهدوء وحكمة
غير أن تلك الصعوبات في الحصول على شهادات نسائية، لم تمنعنا من محاولة البحث عبر فيسبوك، حيث تمكننا من التواصل مع السيدة نجوى (38 سنةً)، المطلقة والأم لابنتين، وهي سليلة أسرة مسلمة، وتقيم في جنوب المغرب، فذكرت في تصريح لرصيف22، أن علاقتها بالمسيحية بدأت لما كانت مهاجرةً متطوعةً مع مجموعة من النساء يقمن بمساعدة المهاجرين واللاجئين تحت رعاية الصليب الأحمر والكنيسة، فشرعت في البحث في الموضوع ولم تعتنق المسيحية إلا بعد عودتها إلى المغرب بسنوات.
المقربون من عائلتي وأصدقائي يعرفون أنني مسيحية ولا أخفي ذلك، ولم أتعرض لأي مضايقات
وقالت نجوى: "المقربون من عائلتي وأصدقائي يعرفون أنني مسيحية ولا أخفي ذلك، ولم أتعرض لأي مضايقات لأنه يجب فقط التصرف بحكمة وتقبّل الاختلاف وتفهّم أن هناك متشددين قد لا يحترمون هذا الاختيار الديني، ما قد يشكل خطراً على سلامتي. والمعتقد أمر شخصي لا تجب بالضرورة مشاركته مع الجميع".
وأضافت أن ابنتيها تدرسان في المدرسة العمومية المغربية وتلقَّنان القيم والدين الإسلامي كواجب وطني، وفي البيت تتربيان على التعاليم المسيحية، ولم أفرض عليهما أي شيء، بل هما اختارتا التجاوب أكثر مع المسيحية. ولأنهما تعلّمتا احترام الآخر والمحيط والاندماج فيه، لا تجد نجوى أي مشكلة في تربيتهما، وتترك لهما متسعاً من الحرية، وتعمل فقط على توجيههما وتقبل اختياراتهما، خاصةً أن هذا الجيل متمرد ومنفتح على مختلف الثقافات، وتقول: "يوم قررت ابنتي أن تعتنق المسيحية وتتعمد كان هذا طلبها واختيارها".
يبدو أنه يصعب تأسيس "بيوت مسيحية" من طرف مواطنين مغاربة اعتنقوا الدين المسيحي، في ظل القوانين التي تمنعهم من تغيير دينهم
وأوضحت نجوى: "أعيش حالياً معتقدي بهدوء وحكمة مع مجموعة صغيرة من المؤمنين. نتواصل باستمرار ونمد يد العون لبعضنا البعض، وإن كانت هناك تحديات فهي أولاً في الحقل المسيحي الذي تعمّه النزاعات، ما جعل الكثير من المسيحيين يفرّون ويعيشون معتقدهم منعزلين. وكامرأة مسيحية أواجه بعض التحديات خصوصاً في فترة الخدمة في الحقل، حيث ما زالت الأيديولوجيا الذكورية مسيطرةً برغم تغيّر المعتقد، ولهذا عليّ فرض شخصيتي ورأيي حتى أخلق لنفسي مكاناً ما".
وأشارت إلى أن المرأة المغربية عموماً تعاني من الحيف ومن العديد من المشكلات القانونية، وليست المرأة المغربية المسيحية فحسب، ولهذا يجب إعطاء الأولوية لتغيير هذه القوانين المجحفة، مؤكدةً "سأكون سعيدةً إذا ما توفر متنفس قانوني والسماح للمسيحيين المغاربة بالتعبد بحرية، واختيار أسماء مسيحية لأبنائهم، ومنهج دراسي مرن، وزواج مدني، وهو من أهم المطالب إذ يفضّل بعض المسحيين الزواج الكنسي، الذي لا يُعدّ قانونياً في المغرب، وتوفير قانون يحمي المرأة المسيحية المطلقة وأبناءها".
وخلصت نجوى إلى أن المجتمع المغربي يتقبل المسيحي الأجنبي ولا يتقبل المواطن المغربي المسيحي، وتستغرب هذا الوضع الذي نعيشه، حيث يضطر المسيحي المغربي إلى التستر على معتقده، والعيش في خوف مستمر، ولهذا على المسيحيين والإطارات التي تمثلهم أن يتحدوا ويعملوا بشكل إيجابي ويعطوا صورةً مشرفةً للمسيحي المغربي الذي يعمل من أجل بناء وطنه وتوفير مستقبل أفضل له ولأبنائه بمختلف معتقداتهم.
في ظل ما يقدّمه جلّ المتدخلين في الموضوع، يبدو أنه يصعب تأسيس "بيوت مسيحية" من طرف مواطنين مغاربة اعتنقوا الدين المسيحي، في ظل القوانين التي تمنعهم من تغيير دينهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.